أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7669 - 2023 / 7 / 11 - 11:22
المحور: الادب والفن
    


في جو رمادي شديد البرودة يُنذر بالمطر ..
أفاق ( عماد ) من نومه كئيباً بَرِماً مفكك الأوصال ، لكنه بقي مستلقياً على ظهره متوسداً يديه .. شاخصاً بعينيه الى الفراغ .. يقلّبهما في حيرة وضياع .. حالماً بنهاية قريبة لطريق العذاب الذي أختطه لنفسه ، والذي بدأه من العراق الى تركيا بانتظار الوصول الى( أوربا ) ، ولا يعلم إلا الله كيف سينتهي . سالت دموعه التي نائت بها عيناه بمجرد أن لامس شغاف قلبه الشوق والحنين الى زوجته وابنته الحبيبة ( مروة ) .. !
انتشله من تيه أفكاره صوت رفيق دربه ( بسام ) .. شاب سوري طيب .. تستطيع أن ترى ما في قلبه بسهولة ، وثمة ابتسامة متفائلة حالمة بالمستقبل المشرق لا تذوي على شفتيه .. فرَّ من جحيم الأهوال في بلاده .. باحثاً في متاهات المجهول عن الأمن والأمان المفقودين دوماً في شرقنا الفائر :
— انهض يا زلمة .. كُل لك لقمة فأنت لم تذق الطعام منذ يومين ، وكفاك نحيباً ، فلا أحد هنا يمسح دموعك .. قم .. لقد حصلت بشق الأنفس على كمية ( محرزة ) من الخبز ولوازمه .. هيا تحرك ..
أبعد عماد عنه الغطاء في تثاقل ، واستدار الى صديقه ، وهو يسعل في راحة يده ، ويتمتم مع نفسه : ما هذا البرد اللعين .. ؟ ثم تقبّل بابتسامة شكر رغيف الخبز من يد صديقه ، وهَمَ بقضمه ..
— انتظر لحظة دعني أحشيه لك بالخضار وما قُسم ..
— لا داعي .. شكراً لك .. بصراحة أخي بسام لولاك لأنتهيت .. أنت تهوّن علي همومي ، وما أكثرها !
— ابتهج يا رجل ، وكف عن القلق .. ( ثم بنبرة ألم .. ) ، من هذا الخالي من الهموم هذه الأيام ؟ تفرج انشاء الله ..
خيّم ظل من الأسى على وجه عماد الشاحب :
— كيف لا أقلق ، وأنا في صراع مع الزمن ، وهذا السكون ، والانتظار القاتل يسحقاني .. الموت ولا انتظاره ، يا صديقي .. كلما مضت بنا الأيام يزداد قلقي .. أتدري ماذا فعلت لأوفر أموال الرحلة ؟ لقد بعت البيت دون علم زوجتي ، وطلبت من المشتري مهلة ستة أشهر .. قلت في نفسي انها مدة كافية لأصل بها الى وجهتي ، وترتيب أموري ، وبعدها اسحب زوجتي وابنتي ، وينتهي الأمر .. هذا هو سبب قلقي وعذابي .. !
— لا داعي لتعذيب نفسك ، فلكل واحد منا حكاية .. ربما حكايتك تهون أمامها ، وأبشرك بأن الأمر لن يطول أكثر .. تسري همساً أخباراً شبه مؤكدة بأن مجيء القارب قد يكون بعد غد لينقلنا لا أدري الى الشواطئ اليونانية أو الايطالية أو الواق واق .. إنشاء الله تكون شواطئ جهنم الحمرة .. أنا خلاص كفيت .. العمى شو هادي الحياة .. ( برهة صمت .. ) بالمناسبة نسيت أن أسألك .. هل تجيد السباحة ؟
تسائل عماد بصوت منخفض كأنه يحادث نفسه :
— وهل تفرق مع السيد البحر .. المزمجر دوماً .. ؟
— ربما .. أنت وحظك .. على أي حال حتى لو فشلت معي هذه المحاولة سأكررها ثانية وثالثة وعاشرة حتى أصل الى هدفي ، فليس أمامي خيارٌ آخر .. !
— أتمنى لك كل الخير ، فأنت تستحق ..
— لِم تستثني نفسك .. ؟ تمنى ، يا زلمة لنا الخير معاً .. تشجع خييّ .. هونها وتهون .. !
لا يدري لم أصابته في تلك اللحظة وخزة خفيفة في قلبه .. ايقظ الدفء تحت البطانية السميكة ذكريات حزينة أخذت تلح عليه ، فمرت على خاطره تحذيرات زوجته ، وكيف هوت أمامه على ركبتيها في إعياء .. تتوسل أن يكف عن هذه الفكرة المجنونة ، وكل جسدها يختض في نوبة عصبية من النشيج ، ثم مالت
عليه دافنةً وجهها المبلل بالدموع في صدره ، وهي تقول في تضرع : أفق حبيبي أرجوك . انها ليست نزهة ، بل مغامرة نسبة نجاحها منخفضة إن لم تكن معدومة ، وقد لا يرى أحدنا الآخر بعد ذلك .. !
وصمتت .. !
لقد أرعبته جملتها الاخيرة عندما غمغمت بكلماتها القاسية التي هزّت مشاعره هزاً ..
كاد وقتها أن ينهار ، وأن يتراجع ، ويا ليته فعل .. !
ثم أكملت ، وهي تكفكف دموعها براحتيها :
— أنا مستعدة لأن أتبعك الى آخر الدنيا دون أن أُبالي ، أو حتى ألتفت مرة واحدة الى الوراء ، لكن ليس عن طريق البحر ، وأهواله التي نسمع عنها كل يوم .. في قوارب متهالكة مزدحمة كعلب السردين .. انه أشبه ما يكون بالانتحار المجاني .. أفق حبيبي ، أرجوك ..
تغيرت حينها ملامحه ، فرد عليها عابساً مقطب الجبين :
— وماذا عن البطالة .. ؟ وماذا عن الارهاب .. ؟ وماذا عن حقنا في حياة كريمة كباقي البشر .. ؟ وماذا عن وعن وعن .. ؟
— ما تكسبه الحمد لله يكفينا ، والارهاب ولى وراح مصحوباً باللعنات .. مالها حياتنا هنا ؟ أم هي مجرد ( فزعة ) .. بالنسبة لي لا اريد منك شيئاً ، وعهداً مني لن أطالبك بشيء فوق طاقتك .. أريدك فقط بجانبي سالما ، وهذا يكفيني ، فالطريق ، يا حبيبي وعر موحش ، وليس ممهداً بالورود ، ولا مضيئاً بالشموع مثلما تتصوره في خيالك الشاعري .. ثم ليس هيناً أن يخلع الانسان جلده ، ويرتدي جلداً آخر غريب قد يليق به ، وقد لا يليق ..
جاءهم من الغرفة الأخرى صوت سعال مروة ، وبكاءها .. انتزعت ( نهار ) نفسها من أحضان زوجها ، وهرعت مسرعة الى ابنتها .. احتضنتها بلهفة ، وراحت شفتاها تتلمسان وجنتي طفلتها المبللتين بالدموع ، فأشبعتهما قبلاً .. فامتزجت دموعهما معاً ! سكنت الطفلة ، وعادت لتكمل نومها .. ثم رجعت نهار الى زوجها ، فبادرها :
— حبيبتي ( نهار ) يؤلمني أن أراكِ تبكين .. كوني متفائلة أرجوكِ ، ولا تحبطي مسعاي .. لم أتضايق يوماً من طلباتك ولن أفعل في حياتي كلها أبداً .. صدقيني منذ اليوم الأول الذي دخلتِ فيه حياتي كنتِ نموذجاً للزوجة الطيبة الوديعة .. كنت أعرف أنك تُهلكين نفسك لكي تريني سعيداً راضياً ، وتفنين حتى تطبخين لي وجبة لذيذة بالدنانير القليلة التي أضعها بين يديك كل صباح ، وأسعد لحظاتك عندما تتأمليني بعد شقاء يوم طويل ، وأنا أتناول طعامي بشهية ، وتُسرين أيما سرور إذا امتدحتُ نَفَسَك في الطهي .. لم يفوتني شيء أبداً ، وكنت أحمد الله ، ولا أزال الذي أعطاني زوجة مخلصة محبة مثلك . كل همي هو توفير حياة سعيدة آمنة لنا جميعاً .
— ألم تفكر بفداحة الثمن الذي سندفعه للحصول على هذه السعادة الموعودة .. ؟
قطع عليه تسلسل أفكاره في تلك اللحظة ..
دخول شاب مصري والذُعر بادٍ على وجهه .. القى التحية على عجل ، وابتسامة حزينة على وجهه ، ثم طلب بصوت مرتعش من عماد ، وبسام مقابلة المسؤول عن الحملة ، فالساعة قد اقتربت ..
سرى الخوف الى الوجوه القلقة المتوترة ، واستحالة قاتمةً كأن روح الحياة قد غادرتها .. سمعوا وقع أقدام تهرول ، وهمهمات تتردد ، ثم تناهت أصوات سعال مبحوح ، وتمخط أنوف مزكومة ، وبكاء أطفال ، وصيحات استهزاء ، وهدير حركة غير طبيعية ..
حاول عماد خلال هذا الضجيج أن يتماسك ، وأن يستعيد كامل وعيه ، فهي لحظة فارقة في حياته ياما انتظرها .. !
تصاعد الدم الى وجه بسام فأحمّر بشدة ، فقال بعقل شارد :
— علينا أن نمضي ، يا صديقي . يبدو أن الساعة قد أزفت .
بدأ المطر يتساقط ، والريح تولول منذرةً بأنواء جوية سيئة ..
وفي اللحظة الأخيرة أرسل عماد الى زوجته ( مسج ) :
يا أغلى الناس ..
لقد بدأت في هذه اللحظة رحلة العمر والحظ الى الشاطئ الآخر .. قبلاتي الحارة لكِ ، والى جوهرتي الغالية مروة ، وسلامي الى الأهل وبقية الأحباب .. شكراً لكِ على أحلى أيام عمري التي قضيتها معكِ .. أتمنى أن تسامحيني ، وأن تدعوا لي جميعاً ، ووعداً مني بلقاء قريب إنشاء الله .. !
المخلص أبداً ..
عماد
وكانت هذه آخر رسالة كتبها في حياته .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة الغائب .. ! ( قصة قصيرة )
- راوية .. ! ( قصة قصيرة )
- دردشة على عَتبة الدار .. ! ( قصة قصيرة )
- الطلاق الصامت .. ! ( قصة قصيرة )
- لقاء بعد طول غياب .. ! ( قصة قصيرة )
- استفاقة متأخرة .. ! ( قصة قصيرة )
- زوجة منزوعة الدسم .. ! ( قصة قصيرة )
- حكايتي مع الخدامة .. ! ( قصة قصيرة )
- ثمن الاندماج في الحياة الأمريكية .. ! ( قصة قصيرة )
- إختفاء فاطمة .. ! ( قصة قصيرة )
- الماضي يُطل من جديد … ! ( قصة قصيرة )
- عطر الخيانة .. ! ( قصة قصيرة )
- ذكرى بلا تاريخ .. ! ( قصة قصيرة )
- مصادفة غريبة .. ! (قصة قصيرة )
- الموت البطئ .. ! ( قصة قصيرة )
- رستم .. ! ( قصة قصيرة )
- بعيد عن العين بعيد عن القلب … ! ( قصة قصيرة )
- سجين داخل أسوار الحياة … ! (قصة قصيرة )
- الخوض في أرض موحلة .. ! ( قصة قصيرة )
- تنهدات زوج تعيس … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )