أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - ذكرى بلا تاريخ .. ! ( قصة قصيرة )














المزيد.....

ذكرى بلا تاريخ .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7410 - 2022 / 10 / 23 - 09:56
المحور: الادب والفن
    


زعق الزوج في وجه زوجته فجأة وهو يدلق كأساً آخر في جوفه :
— ماذا تريدين .. ؟
— فاضل .. أرجوك اسمعني .. أنا مضطرة للحديث معك في موضوع مهم يتعلق بحياتنا ومستقبلنا وأنت سكران .. فلا خيار أمامي غير ذلك .. لاني لا أجدك يوماً صاحٍ .. فأرجوك أن تتفهم الأمر .. نحن لم نخلق لبعض .. لا أستطيع مواصلة الحياة معك هكذا .. لقد فاض بي الكيل ولم أعد أتحمل أكثر من ذلك .. أنت سكران ليل نهار .. هذا ليس حلاً .. أرجوك طلقني .. أعطني أطفالي ودعني أذهب في سبيل حالي ..
— في سبيل حالك أم الى عشيقك .. يا فاجرة ..
ترمقه بنظرة إحتقار قصيرة وتتمالك نفسها ثم تكمل :
— اقسم لك ليس هناك شيء مما تتصور .. كل ما في الامر أن زواجنا كان خطأً .. وتصحيح الخطأ لا يكون بارتكاب خطأ آخر .. وهروبك من المشكلة الى معاقرة الخمر ليس حلاً .. أمامنا فرصة تصحيح هذا الخطأ .. لم لا ننتهزها .. وننقذ انفسنا وأولادنا من الضياع .. ؟ لماذا لا تعود الى نفسك وتكون انسان طبيعي .. وتترك هذا السم الذي سيحطمك ويقضي عليك ويحطمنا معك فنحن جميعاً في مركب واحد .. ؟!
يقاطعها بلسان ملتوي :
— ومن وضع في رأسك أني غير طبيعي .. ؟
تتجاهل مداخلته وتكمل :
— صدقني لم يفت الوقت بعد .. يمكنني إن أحسنت معاملتي وأحسنت التصرف أن أحبك ونعيش بسلام مثل بقية خلق الله .. معاقرة الخمر والشجار ليس حلاً .. أرجوك فكر في الاطفال ما ذنبهم يتعذبون معنا هكذا .. ثم على وضعك هذا لا تتوقع مني أن أتنازل يوماً وأدعك تلمسني حتى لو بقيت العمر كله متبتلة .. لن أمنحك نفسي .. هذا أمر مفروغ منه .. أدوس على نفسي وحاجتي كأنسانة ولا أتراجع ..
يغمغم من بين أسنانه :
— فاجرة ..
ترد عليه بعصبية بعد أن نفذ صبرها :
— أنت ليس على لسانك غير هذه الكلمة .. ما عندك إحساس .. ما عندك كرامة .. واحدة لا تريدك .. ولا تطيقك ..
لا يدعها تكمل .. يهوي على وجهها بصفعة قوية .. تتراجع مذعورة .. ثم تهجم عليه وتغرز أظافرها في لحمه وتنهشه .. وهي تلهث في ضراوة كلبوة ثائرة .. يتبادلان الضرب والسباب والدعوات بالهلاك .. يطاردها وهو يترنح .. فتفر الى الجيران ..
ينزوي ابنهما الكبير ( أمين ) .. ذو التسعة أعوام في أحد الاركان .. ويبدأ بقظم أظافره .. وهو يبكي بصمت .. حائر بين أمه وأبيه .. يتطلع أمامه في فزع دون أن يفهم شيئاً .. وجسده النحيل يرتعش كريشة تعبث بها الريح .. !
يصمت الأب برهة كأنه يجمع أشتاته المفككة .. ثم يصرخ كبركان ثائر بأعلى صوته :
— أمين .. أمين .. أين أنت ؟
يسارع أمين الى أبيه ويقف أمامه .. دامعاً .. منكساً رأسه .. وعيناه ترتعشان .. يزفر الأب أنفاسه المخمورة .. ثم يقول وعيناه تبرقان ببريق مخيف :
— اذهب وأخبر أمك أن تأتي وتتكفى الشر .. وإلا والله العظيم اليوم سيكون آخر يوم في عمرها .. ( ينهره .. ) .. لا تبكي .. البكاء للنساء فقط .. فاهم .. لا تكن ناعماً مثل أمك .. أمشي .. أغرب عن وجهي !
تعود الام متوجسة .. تتسلل في خطوات بطيئة متلصصة .. تتلفت حولها .. تتعثر في عتبة الدار .. يباغتها ويمسكها من شعرها ثم يرفع كفه الغليظة ويهوي بها على صدغها .. لا يتوقف .. تتوالى صفعاته بجنون على كل قطعة من جسدها .. !
تلتصق الطفلة ( أمينة ) بمقعدها .. تند عنها صرخة فزع قصيرة .. يتسلل البول من تحتها .. ثم تواصل الصراخ .. وهي تبكي وتنشج بمرارة ..
تفر الام من أمام زوجها .. تحاول دفع صفعاته وركلاته بيدها وهي تصب عليه سيلاً من الشتائم .. فيزداد جنوناً على جنونه .. يواصل الضرب والركل حتى تكل يداه وقدماه .. تتراجع .. تزل قدمها فتتهاوى على الأرض .. تنفرج ساقاها .. وينتفض صدرها .. ويتناثر شعرها على وجهها .. يتفجر أمامه بياض جسدها الناصع .. منظر في منتهى الجمال .. تعذبه الرغبة المكبوتة تكاد تخنقه .. ! .. يتهالك على السرير .. يلهث .. وهو يلتقط انفاسه العطنة .. بصعوبة !
مشهد بات يتكرر كل يوم .. لا يختفي إلا ويطل برأسه البشع من جديد .. لا يفهم الأطفال منه شيئاً .. سؤال حائر يدور في أذهانهم .. يعذبهم .. ويلح عليهم : لم كل هذا الحقد يربض في قلوب أمهم وأبيهم .. ؟ لابد من سبب .. إنه فوق تصورهم وفهمهم .. وبعيداً عن ادراكهم في تلك السن المبكرة .. !
وتمضي السنين والشجار لا يتوقف إلا ويتجدد .. حتى أصبح وجبة باردة مملة يزدردها الأطفال على مضض كل يوم .. وتتسع الهوة بين نفوسهم ومحيطهم .. وينمو عندهم شعور مدمر بالغربة والعزلة ! ويصل أمين الى سن الثامنة عشرة .. سنته الاخيرة في الإعدادية .. وتتكون شخصيته في صورتها النهائية .. شخصية ضعيفة انطوائية قلقة مهزوزة ومترددة .. يتلقى الأذى ولا يؤذي حتى بعوضة .. !
وذات ليلة لا تُنسى .. نمنا بسلام واستيقظنا في الصباح على صراخ .. يهز في لوعته عرش السماء .. عندما وجدوا أمين مشنوقاً في غرفته وتحته كرسي صغير تبعثرت حوله مجموعة من الكتب ..
لقد بكاه الحجر قبل البشر .. شاب هادئ مسالم وديع منزوي لم يتعدى يوماً على أحد .. ولم يسلب حق أحد .. ولم يؤذي حتى نملة .. كل شيءٍ فيه يصهل بالدعة والسلام .. باكورة وردة طاهرة عذراء في لحظة تفتقها للحياة .. !
رحل أمين الى عالم العدم بلا عودة ورحلت معه أحلامه الصغيرة البسيطة ولم يترك شيئاً خلفه .. سوى .. بقايا كتبه .. وشذرات من رائحته تتلوى في المكان حائرة .. وأخت تبكي بحرقة .. وأم تنوح في هستيرية وتولول أين أنت يا أمين .. ؟ أريد ولدي .. ردوا لي أبني .. وأب يضرب على جبهته وهو يترنح من هول الصدمة .. ومجتمع لا يكف عن التباهى بعورته .. وسماء غاضبة تتأمل الارض وما عليها من غربان وزيف ودنس .. بتعالٍ وازدراء .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصادفة غريبة .. ! (قصة قصيرة )
- الموت البطئ .. ! ( قصة قصيرة )
- رستم .. ! ( قصة قصيرة )
- بعيد عن العين بعيد عن القلب … ! ( قصة قصيرة )
- سجين داخل أسوار الحياة … ! (قصة قصيرة )
- الخوض في أرض موحلة .. ! ( قصة قصيرة )
- تنهدات زوج تعيس … ! ( قصة قصيرة )
- جِراح لا تزال تنزف .. ! ( قصة قصيرة )
- هذيان في براغ .. الجزء الثاني .. ( قصة قصيرة )
- هذيان في براغ … الجزء الأول ! ( قصة قصيرة )
- عزيزتي .. لا تتوقعي من الزوج أن يكون ملاكاً .. ! ( قصة قصيرة ...
- أم ياسين … ! ( قصة قصيرة )
- زليخة … ! ( قصة قصيرة )
- الخادمة .. ( ناني ) … ! ( قصة قصيرة )
- الفروسية .. أيام زمان … ! ( قصة قصيرة )
- الشقيقتان … ! ( قصة قصيرة )
- يا طالع النخلة .. مهلاً … ! ( قصة قصيرة )
- شحاذ .. رغماً عنه … ! ( قصة قصيرة )
- المسافة بين القرية والمدينة … ! ( قصة قصيرة )
- مثلما تُكيلون يُكال لكم … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - ذكرى بلا تاريخ .. ! ( قصة قصيرة )