أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - الشقيقتان … ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

الشقيقتان … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7298 - 2022 / 7 / 3 - 11:45
المحور: الادب والفن
    


( سميرة ) : الشقيقة الصغرى ، والحلقة الاضعف في القصة .. فتاة جميلة طيبة .. هادئة .. مستسلمة .. تكاد شخصيتها لضعفها أن تذوب وتضمحل بجانب شخصية أختها بهيرة التي تكبرها بسبع سنوات ..
( بهيرة ) : العقدة المستحكمة في القصة .. ليست جميلة لكنها ذكية .. ذكاءٌ مغلّف بالخبث ، وبعجرفة فارغة .. يمكن أن تلمسها في كل كلمة تنطق بها .. ربما ورثتها عن أمها ذات الاصول التركية .. وهي الشخصية الاقوى ، والآمرة الناهية ، والارادة المسيطرة على كل شيء في البيت !
يجمع الشقيقتان بيت كبير .. تركه الاب الذي توفى قبل سنتين ، ولحقت به الام بعد شهور قليلة ..
جمع سميرة يوماً لقاء الصدفة في بيت صديقتها مع ( منعم ) ، وهو شاب من خريجي كلية الحقوق .. وكان في وقتها يبحث عن عروس مناسبة ، وكانت هي متلهفة الى عريس .. حصل بينهما تقارب مريح أو مجرد اعجاب أو ربما شيئ أكثر من ذلك ، وخفق قلباهما معاً ، فأجتمعت الارادتين .. !
وعندما جاء لخطبتها استقبلته بهيرة لوحدها بابتسامة مصطنعة ، وأمرت الخادمة أن تدخل عليهما بالشاي حتى لا تعطي الفرصة لاختها أن تقوم بذلك كما تقتضي التقاليد ، وحولت اللقاء الى لقاء رسمي مبالغ فيه أحرج الشاب ، وأخيراً رفضت طلبه ، وأنهت الموضوع بدبلوماسية باردة دون أن تعطيه بصيصاً من أمل !
صُدمت سميرة برفض أختها السريع دون أن تسأل عن الشاب ، أو تعرف عنه أي شيء ، وكأن هذا الرأي كان معدٌ سلفاً .. فلم يكن في العريس ما يمكن رفضه .. شاب مقبول الشكل .. جامعي .. موظف .. ودخله جيد ، ومن عائلة بسيطة سمعتها طيبة ، ماذا تريد أكثر من ذلك ؟
وبررت بهيرة رفضها ببساطة بأنه طامع بالبيت ، وبالثروة الكبيرة التي تركها لهما الأب .
أما سميرة .. فبكت .. توسلت .. انتفضت .. ثارت .. وهددت بالهرب ، لكنها اخيراً انهارت على سريرها ، وانكفأت تدفن وجهها في وسادتها ، واستسلمت لإرادة اختها المتحكمة بعد أن تغلبت عليها طبيعتها السلبية الضعيفة ، وطار العريس .. !
وتكرر الرفض مع رجال آخرين ، وبنفس الحجج والمبررات المعلبة الجاهزة !
حتى جاء يوم .. انفجرت فيه سميرة لأول مرة في وجه أختها .. وصاحت بصوت يكسّره الانفعال :
— ماذا تفعلين أيتها المخبولة ؟ اليس في رأسك ذرة من عقل ؟ أليس في قلبك شيء من رحمة ؟ تضيعين علينا الفرصة تلو الأخرى .. ماذا تظنين ؟ أن الدنيا ليس فيها نساء غيرنا ؟ تاكدي .. بأننا نحن الخاسرون ، وليسوا هم .. كل الرجال في نظرك أما طامعين أو حشرات لا تستحق سوى الدعس بالاحذية ، اليس هذا هو رأيك بالرجال ؟ ولعلمك .. الهمس الذي يدور حولنا بأننا .. عوانس معقدات .. أصبح صراخاً ، ولم يعد سراً ، وهذه العجرفة ، والصلف سينقلبان وبالاً علينا ، وسأذكرك !
احست بنوع من الراحة بعد أن أفرغت كل شحنة غضب السنين التي كانت تعتمل في صدرها ، ثم سكتت برهة لترى وقع كلماتها ، وظلت واقفة امامها مصلوبة ، وكل ما فيها ينتفض من الغيظ دون أن تنطق بالمزيد ، ثم عادت كأنها انتبهت بعد أن لم ترى غير الصمت والذهول على وجه أختها .. فخرجت وصفقت الباب في وجهها ، وتركتها الى غرفتها ، والقت بنفسها على فراشها غاضبة .. متعبة ، واجهشت في البكاء بصوت عالٍ كأنها في مأتم .
ثم قامت وفتحت النافذة على مصراعيها ، وكشفت عن صدرها كأنها تشتكي مأساتها الى السماء ، وقالت في صوت ضعيف مرتعش :
— يا ربي .. أنا أحبك وأحب كل الناس .. ماذا فعلت لتعاقبني كل هذا العقاب القاسي .. ؟ أمقدر لي أن أعيش كل حياتي بلا رجل .. لا لذنب اقترفته سوى أن أختي مصابة بعاهات نفسية لا شفاء منها .. !
لحقتها بهيرة ، ووقع شجار بينهما .. اتهمتها بأن هذا ليس كلامها ، وانما كلام شخص آخر قد وضعه على لسانها .. ردت عليها سميرة بروح جديدة من التحدي : لا أحد يضع على لساني كلام أنا غير مقتنعة فيه .. الامر ببساطة إن التفاهم بيننا أصبح مستحيلاً ، وأننا نقف في خطين متوازيين .. لا يمكن أن نلتقي .
حاولت سميرة أن تجتهد لتشخص حالة أختها ، وما تمر به من عواصف نفسية ستدمر كل شيء .. فتسائلت : أهي عقدة البنت الكبيرة التي يجب أن تتزوج أولاً .. ؟ هذه العقدة التي ربما تنغزها في صدرها .. أم هو خوفها من الوحدة بعد أن تذهب عنها الى بيت آخر ؟ أم هو هوس الاستحواذ المرضي ؟ أم هي غيرة وحسد ..؟! لا تدري ، فالنفس البشرية .. بئر سحيقة مظلمة .. لا يمكن سبر أغوارها ، وما بهيرة إلا ضحية لنزعات نفسية مشوهة تمكنت منها منذ الطفولة .. !
ومضت سنوات على ذلك الشجار ، ولازالتا تعيشان في بيت واحد متباعدتان كالأغراب .. غير مطمئنتان الى الغد .. حتى ملَّ الشباب ، ونفض يده بعد أن أهدرتا كل الفرص .. ثم تقدمتا بخطوات مترددة .. يطرقن أبواب العنوسة بأيد لا تمتلك خياراً آخر .. غير خيار الخضوع ، والاستسلام .. !
وأصبح البيت كئيباً موحشاً لا تدخله الفرحة ، ولا تسمع فيه رنين الضحكات .. أبواب مغلقة ، ووجوه عابسة .. مبتئسة .. وحياة باهتة كأنها الهواء لا لون لها ولا شكل .. لقد كرهت سميرة حياتها ، وباتت تدفع بالأيام دفعا لكي تتحرك .. كأن الأيام لتشابهها واقفة لا تسير ، واكتفت باليأس واستسلمت له ..
ثم دخلت في نوبة من الكآبة والعزلة ، وانزوت في غرفتها لا تخرج منها الا لقضاء الحاجة ، ولا تتبادل سوى كلمات عابرة مع أختها ، ثم بدأت العلاقة بين الشقيقتين تزداد توتراً ، وتأخذ مع الأيام في التباعد والنفور ، وسرعان ما تحول النفور الى كراهية صامتة ، ثم الى مقت شديد !
وأصبح حالهن كحال التوأمين السياميتين اللتين ولدتهما أمهما بجسدين متلاصقين ، وبرأسين متقابلين وجه بوجه .. تمشيان معا .. وتأكلان معا .. وتنامان معا .. وتذهبان الى الحمام معا .. وكبرتا وهن على هذا الملل .. فكرهت كل واحدة وجه الأخرى من كثرة ما كانت تتطلع فيه صباح مساء ، وعندما توصل العلم الى جراحة الفصل بين الجسدين .. هللتا رغم أن نجاح هذا النوع من العمليات كان ضئيلاً .. لكنهما فضلتا الموت على البقاء في جسد واحد ، وفشلت العملية ، وماتت الفتاتين !
وتسير الحياة في مسارها العادي ..
وتمرض بهيرة .. مرضا خطيراً يشك الطبيب في أنه سرطان .. وتتصاعد وتيرة المرض .. حتى أصبح موتها حقيقة مسلم بها ، فهي لا تستطيع أن تتحرك من السرير ، وتنطلق منها صرخات الألم ليل نهار .. الم يمزقها .. ويحوّل وجهها الى أصفر باهت بلون الموت ، وانفاسها ضعيفة تفح بالحمى ، وعيناها زائغتان .
عاشت اياماً واشهراً ، وهي تنازع .. لكنها لم تمت رغم أن الموت سيريحها من آلامها التي لا تحتمل .
وفي النهاية .. من الذي مات ؟ لقد ماتت سميرة بالسكتة القلبية !
وبقيت بهيرة تصارع الموت لوحدها شهوراً .. لا تسمع سوى ريح الموت الصفراء .. تصفر .. حتى ثقلت عليها الحياة كأن زيتها قد بدأ ينفذ ..
ولم يبقى معها سوى خادمتها العجوز التي تؤكلها وتنظفها وتعطيها دوائها ، وترتب لها غرفتها .
وذات يوم ..
جائتها بدواءها كما تفعل كل يوم ، فوجدتها ممددة على الفراش ، وقد أسلمت الروح .. لم تنزعج ولم تتأثر .. لقد كانت تنتظر موت سيدتها في أية لحظة .. فقط أسدلت جفنيها فوق عينيها ، وكانت الاغماضة الأخيرة ، ثم لوت شفتيها وقالت بلامبالاة :
— ارتاحت .. !!
( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا طالع النخلة .. مهلاً … ! ( قصة قصيرة )
- شحاذ .. رغماً عنه … ! ( قصة قصيرة )
- المسافة بين القرية والمدينة … ! ( قصة قصيرة )
- مثلما تُكيلون يُكال لكم … ! ( قصة قصيرة )
- التنور … ! ( قصة قصيرة )
- العين الحمرة … ! ( قصة قصيرة )
- خيوط العنكبوت … ! ( قصة قصيرة )
- حيرة زوجة … ! ( قصة قصيرة )
- لم كل هذه الدموع … ؟! ( قصة قصيرة )
- زوجة .. مع وقف التنفيذ ! ( قصة قصيرة )
- أيامٌ مرَّت وراحت … ! ( قصة قصيرة )
- وكانت أيام … ! ( قصة قصيرة )
- من شابه أباه فما ظلم .. ! ( قصة قصيرة )
- الولد سر أبيه .. ! ( قصة قصيرة )
- الأفعى … ! ( قصة قصيرة )
- زوج .. أبو عين زايغة ! ( قصة قصيرة )
- وداوها بالتي كانت هي الداءُ … ! ( قصة قصيرة )
- في البدء كانت الخيانة … ! ( قصة قصيرة )
- جحلو … ! ( قصة قصيرة )
- العقاب من جنس العمل … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - الشقيقتان … ! ( قصة قصيرة )