أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - الولد سر أبيه .. ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

الولد سر أبيه .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7058 - 2021 / 10 / 26 - 14:04
المحور: الادب والفن
    


اليوم .. يوم توزيع نتائج الامتحانات النهائية على تلاميذ الخامس الابتدائي ، وعلّو قلبه يخفق وأنفاسه تضيق خوفاً وهلعاً من النتيجة .. رغم ما بذله من جهد .. لايزال غير متأكد من عبوره كل المواد بنجاح خاصة درس الحساب دليل الذكاء كما يقول أبوه الذي لن يفلت من عقابه اذا لم ينجح ويبيِّض وجهه أمام الاهل والأصدقاء والجيران .
تزاحم التلاميذ والتفوا حول المعلم ، وهو يقرء الاسماء ، ويسلم الكارتات للتلاميذ الواحد بعد الآخر .. تنوعت الوجوه بين فرِحٍ متهلل ، وبين مكفهر خائف حزين .. واخيراً جاء دور علّو .. صاح الاستاذ بإسمه :
— علي عبد النبي …
وقبل ان يسلمه الكارت مسح بنظره الضعيف العلامات ، وبالتحديد ذات الخطوط الحمراء ، وعندما تأكد من عددها حدجه بنظرة خاصة من وراء نظارته السميكة المتمددة على ارنبة انفه الكبير .. ارتعش لها قلب علّو ، فهو يرى فيها نذير شؤم .. لم تكن غريبة عليه فقد تكررت مرات ومرات في حياته المدرسية التعسة ، ويعرف معناها جيداً ..
كان الأستاذ في تلك اللحظة ، لم يكن يُمسك بالكارت فقط ، وإنما بعنق علّو ايضاً .. وقف علّو للحظات منتظراً اصدار الحكم ، وهو مصغ في صمت وقلق ، واخيراً نطق المعلم ببرود وبلامبالاة :
— راسب بثلاثة .. !
تسرب الشحوب فجأةً الى وجه علّو ، وكاد قلبه أن يتوقف عن الخفقان .. تقدم بخطوات ثقيلة مرتعشة ، واخذ الكارت ذليلاً مطأطئ الرأس ثم انزوى لوحده بعيداً عن بقية زملائه .. منهم من يتصايح محتجاً ، ومنهم من يتقافز فرِحاً بنجاحه ، ومنهم من يمد بوزه في كارت الآخر ليعرف نتيجته أما فضولاً او شماتةً .. أما علّو فحرص على أن لا يعرف بنتيجته أحد .. ظل يحدق في الكارت كالأبله دون ان يرى شيئا منه سوى تلك الخطوط الحمراء الثلاث اللعينة التي قررت مصيره .
ما العمل الآن .. ؟
تسلل من الجمع وابتعد قليلاً لا يلوي على شيء .. عقله مشتت ، وهو لا يزال يبحلق بالكارت ، وعندما افاق من صدمة الرسوب أخذ يفكر لعله يصل الى طريقة آمنة تُنجيه من العقاب ، وتضمن له دخول البيت ومواجهة ابوه دون مشاكل ، فجسده الهزيل العليل لم يعد يتحمل المزيد من الضرب والركل .. !
خرج من المدرسة ، وهو حائر تتنازعه مشاعر عدة .. هل يذهب الى بيت جده ؟ ومن يضمن له ان لا يتلقى من جده نفس العقاب إن لم يكن أشد .. فالأب والجد يصران على أن يجعلوا منه شيئا ذو قيمة !
شاهد من بعيد صديقه جويسم الغبي ، وهو قابع تحت شجرة جفت فيها العروق حتى لم يبقى منها الا الجذع ، وبعض الاغصان اليابسة التي لا تحمي من مطر ، ولا تقي من شمس .. اقترب منه دون ان يشعر به فرآه يبكي والدموع تجري على خديه المنتفخين ، والكارت مرمي في أحضانه لا يرى منه شيئاً سوى تلك الخطوط الحمراء المشؤومة التي تكاثرت كالبثور على وجه إمرأة عجوز .. !
جلس بجانبه واجتمع الاثنان كما يجتمع المتعوس على خايب الرجى ..
طبطب على ظهر صديقه ، وكأنه يعزيه ويعزي نفسه .. القى نظرة متفحصة على كارت جويسم فلم يرى فيه خانة الا وتحتها خط أحمر .. تنفس الصعداء فهو في كل الاحوال افضل رغم ان النتيجة واحدة .
جلس يفكر في حل يُبعد عنه شبح عقاب ابيه واهاناته وسخرية اخوته بعد أن بات فعلاً مسخرة .. يعبر كل مرحلة بسنتين بدلاً من واحدة كما يفعل بقية أقرانه من الشطار .. حتى اخضرت شواربه وسمق ، وأصبح ينافس أبوه طولاً ، وهو لا يزال يراوح في الابتدائية .
راح يقدح ذهنه ويفكر في حل لهذه المشكلة .. حتى تفتق ذهنه أخيراً عن فكرة شيطانية أخذت تتردد في رأسه .. فوجد فيها شيئاً من العزاء ، وكأنها القشة التي رُميت الى غريق ، وعزم على تنفيذها فوراً .. يعود وينظر الى الكارت ويتسائل : العلوم 35 .. الانگليزي 30 .. والطامة الكبرى في الحساب 18 .. ثم همس لنفسه :
— اذا وضعت خط صغير بجانب رقم واحد سيتحول الى رقم 7 وستكون الدرجة بدل 18 - 78 .. فكرة مدهشة .. استرجع بعض من انفاسه .. لكن كيف ؟
لماذا تتردد يا غبي .. نفذ !
لم يكن من سبيل أمامه اذن إلا أن يمضي في تنفيذ الفكرة ، وليكن ما يكون .. لكز صديقه جويسم ، وسأله اذا كان عنده قلم حبر أزرق ، أخرج جويسم محفظة جديدة حلوة مزركشة بألوان زاهية ، مليئة بانواع الاقلام .. الرصاص والحبر والممحاة وكل شئ والقاها في حضن صديقه ، وقال بدون اكتراث :
— خذ ما تريد واتركني .. !
جاسم هذا مدلل جدا عند أهله .. لقد مات لهم ثلاثة اولاد ، ولم يعش لأمه وأبيه إلا هو .. فأصبح الكنز الثمين الذي خرجوا به من الدنيا ، فباتوا يخافون عليه حتى من النسيم العليل .. يرسب براحته ، ولا أحد يقترب منه او حتى يعاتبه ، ولا يريدونه يصير ذو شأن مثل علّو .. وليكون ما يكون … !
باشر علّو بتنفيذ الفكرة ، فمسح الخط الاحمر عن خانة الحساب اولاً ، وكان لحسن الحظ خفيفاً ، وأضاف خط صغير بجانب رقم 1 فتحول بقدرة قادر الى رقم 7 وتحولت الخانة من خانة رسوب الى خانة نجاح .. ثم بصق على كلمة راسب ، وفركها باصبعه الوسخ فتشوهت ، ولم يعد لها اي معنى .. أبعد الكارت ، وأخذ ينظر اليه من بعيد باعجاب كما يفعل الرسام عندما ينتهي من لوحته ، ويدقق فيها من بعيد ليرى ان كانت بحاجة الى لمسة إضافية .. شعر بفرحة كتمها في داخله .. ثم هنأ نفسه على ذكائه ، وعلى عبقرية الفكرة ، والانجاز المتقن لها وتمتم :
— هه .. ما رأيك ، يا علّو البطل ؟!
ورويداً تبدد الجزع من نفسه ، وبدء يحس بألطمأنينة ، وبدت علامات الارتياح والسرور ترتسم على وجهه الاصفر الشاحب .. من الخوف ، ومن سوء التغذية ، فأبوه شرطي ، وبالكاد يكفيهم الراتب ضروريات البقاء .. يعيشون كالسردين المعفن في بيت صغير غير صالح للاستخدام الآدمي ، لذلك وضع ابوه المسكين كل آماله على علّو ابنه البكر عسى ولعل يصبح شيئا ذو شان في المستقبل ، وكفى شرطة في هذه الاسرة البوليسية الغبيه ، فالاب شرطي والجد شرطي متقاعد ، والعمام كلهم شرطة حتى سمع علّو مرة جده يقول ساخراً :
— ماشاء الله لو نفتح مركز شرطة لوحدنا كافي ويزيد .. !
ذهب علّو الى البيت بعد أن أكسب ملامحه كل ما يملكه من امارات الفرح والسرور تتناسب ، وفرحته بالنجاح في مادة الحساب الأهم عند الأب .. استقبله أبوه ، وعندما اطلع على الكارت جذبته وأفرحته درجة الحساب العالية ، ولم يعر أي اهتمام للبقية ، فذابت حدته ، واكتفى بمعاتبته .. مجرد عتاب على الدرسين الأخريين .. وانتهى الامر .. ما اسهل الكذب والخداع ، يا علّو !
لكن الأمر لم ينتهي بعد .. تريث !
وتوالت ايام العطلة الصيفية ، وعلّو مشغول باللهو واللعب ، ولم يخطر على باله قط انه من المفروض أن يتهيأ لامتحان الدور الثاني الذي بات على الابواب .. حتى جاء ذلك اليوم الأسود في حياته ، والذي لا يزال يتذكره حتى بعد أن أصبح شرطياً ، واضاف الى رصيد الاسرة البوليسية دماءً شابة جديدة أخرى .. ! عندما جاء أبوه ، وهو يزوم ويرعد ويزبد بعد ان عرف الحقيقة كاملةً .. كيف عرفها … ؟ الله اعلم .. ! أخذ ينتظر علّو ، وهو يتقلب على جمر النار ، وظل يجئ ويغدو ، ويضرب كفاً بكف مكلماً نفسه كالممسوس ، ويرمي الجميع بنظرات حادة ويردد :
— آخ .. ( يعض اصبعه ) .. متى يأتي هذا الغبي ؟ راح أطق وأموت !
بقي ينتظر علّو حتى ينتهي من اللعب في الشارع ، ومشاكسة الرايح والجاي لأن الأب رفض أن يذهب الاخوة ، ويستدعونه حتى لا يحس بما ينتظره ، ويفر الى بيت جده !
أمر الأب الأخوة بتهيئة الفلقة ، والحبل والملح ليضعه على الجروح لمزيد من العذاب ، فالعقاب اصبح عقوبات .. الرسوب اولاً والكذب والغش ثانياً وثالثاً !
عندما يدخل علّو الى البيت ، وهو يؤخر قدماً ويقدم اخرى .. كأنه أحس بأن شيئاً غير طبيعي يجري في البيت .. يتفاجأ ، وينظر في دهشة الى المشهد المرعب الذي أمامه ، والذي أُعد خصيصاً له .. بدا مذعوراً وقد اصفر وجهه كفأر وقع في مصيدة .. همَّ أن ينطق .. بحث عن صوته لكنه لم يعثر على شيء كأنه قد نسي الكلام ، واكتفى بأن ابتلع ريقه الجاف ، ووقف صامتاً متراخياً .. ينقل نظره بين الوجوه التي امامه متسولاً النجدة والرحمة ، والكل يبتعد عنه بمسافة كأنه أجرب .
كان كل شيء جاهزاً ومعداً بانتظاره .. بدءً من الأب الذي أربدت ملامحه ، وكأن عقله قد طاش ، والفلقة منصوبة ، والملح منقع بالماء وموضوع في طاسة ، والاخوة واقفون يمسكون بالحبل ، وجاهزون للفرجة ولمساعدة الاب ، والأم خائفة قلقة لم تفلح جهودها في تهدئة الاب الغاضب ! منظر مضحك مبكي !
عاجله الاب بدايةً بصفعة على قفاه ثم هتف بعصبية محاولاً التنفيس عما في داخله من غضب :
— ابن النعال هم تريد تالي اتصير شرطي مثلي ، وكل ساعة تأخذ تحية للي يسوى واللي ما يسوى .. ابن القندرة !
تحدجه ام علّو بنظرة قاسية غاضبة ، ولم تتمالك نفسها من الرد :
— خليك بابن النعال أحسن لك ، ولا تتجاوز حدودك .. عوف الولد .. طالع عليك مو طالع على الجيران !
أرادت ان تقول من شابه اباه فما ظلم .. لكن التعبير خانها فنطقتها باسلوبها الخاص ، ولكن بنفس المعنى !
يعرف علّو أن أبيه لا يخاف من احد في هذا الكون مثل ما يخاف من أمه .. مثل الاسد عندما اخبرهم معلم العلوم مرة انه لا يخاف من احد إلا لبوته .. لكن حدة الأم وجبروتها لم تستطع أن تلغي أو توقف تنفيذ العقاب المؤلم الذي لايزال علّو يتذكره ، ولم ينجح رغم مرور سنين طويلة .. في اسقاطه من ذاكرته حتى اللحظة .. !!

( مع احترامي لكل المهن ، والأمثلة تضرب ولا تُقاس )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأفعى … ! ( قصة قصيرة )
- زوج .. أبو عين زايغة ! ( قصة قصيرة )
- وداوها بالتي كانت هي الداءُ … ! ( قصة قصيرة )
- في البدء كانت الخيانة … ! ( قصة قصيرة )
- جحلو … ! ( قصة قصيرة )
- العقاب من جنس العمل … ! ( قصة قصيرة )
- فقراء يائسون … ! ( قصة قصيرة )
- الزواج فوبيا … ! (قصة قصيرة )
- رباب … ! (قصة قصيرة )
- غداء رومانسي … ! ( قصة قصيرة )
- بنت الباشا … ! ( قصة قصيرة )
- الأيام الأخيرة في حياة ( معيوف ) … ! ( قصة قصيرة )
- بطرس … ! ( قصة قصيرة )
- أم ريتا … ! ( قصة قصيرة )
- اني قادمة … ! ( قصة قصيرة )
- جحيم امرأة … ! ( قصة قصيرة )
- تزوج … لتتعلم الحكمة ! ( قصة قصيرة )
- الحجية أم فاضل … ! ( قصة قصيرة )
- آمال تذروها الرياح … ! ( قصة قصيرة )
- امرأة تلامس الغروب … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - الولد سر أبيه .. ! ( قصة قصيرة )