أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - زوجة منزوعة الدسم .. ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

زوجة منزوعة الدسم .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7451 - 2022 / 12 / 3 - 11:00
المحور: الادب والفن
    


تعود ( رنا ) الى بيت أهلها بعد شهر من زواجها بملابسها التي عليها وهي تبتلع عبراتها .. تستقبلها أمها في دهشة :
— خير بنتي .. ما هذا الشحوب والحزن على وجهك ولا كأنك عروس في شهرها الأول .. لماذا لم يأتي إسماعيل معكِ ؟
ترد وهي تنشغ :
— لقد طردني وقال بأن ورقة الطلاق ستأتي ورائكِ .. !
تضرب الأم على صدرها وتهتف في جزع :
— يا مصيبتي .. ما الذي حدث .. ؟
— بعدين ماما .. أريد أن أنام .. تعبانة ..
تترك أمها في ذهولها وتخطو الى غرفتها القديمة فتجدها كما هي لم يتغير فيها شيء كأنها كانت تنتظر عودتها .. لم تستطع الوقوف على ساقيها .. فتهاوت بجسدها المفكك الموجوع على الفراش وهي تشهق في بكاء لا يتوقف .. تظل راقدة في فراشها عاجزة عن النوم وعن اليقظة .. راودها إحساس بأن عودتها هذه المرة ستكون نهائية .. فهي تعرف زوجها وتعرف عقليته الصارمة التي لا تعرف التسامح .. بعد لحظات تسمع طرقاً خفيفاً كالهمس على الباب وصوت أمها يقول في حنان مشوب بالقلق :
— رنا .. افتحي ماما .. كلميني قبل أن يأتي أخوتك ..
لا تظفر بإجابة الا بعد أن تعيد الطرق مرات .. تقوم رنا من فراشها في وهن وتفتح الباب .. تجلس أمها على أطراف السرير .. تكسو ملامحها المرارة وخيبة الأمل .. وعيناها مشدودتين الى وجه ابنتها .. تنتظر منها أن تتكلم عما حدث بينها وبين زوجها .. !
تأخذ رنا نفساً عميقاً كأنها تستعد لحكاية طويلة .. وتبدء من خلال دموعها في صوت مخنوق :
كنا في وضع حميم منسجمين .. ولدهشتي الشديدة قفز من فوقي فجأةً .. ووقف في مواجهتي متحفزاً وصفعني بقوة وصرخ بي كحيوان غاضب : سافلة .. صدرت عني من هول المفاجأة صرخة هلع .. رأيت ملامحه المرعبة ماما وكيف تغيرت وسمعت صوت لهاثه كأني أرى أمامي رجلاً آخر مختلف .. كدت أن أختنق كأن الغرفة قد خلت في تلك اللحظة من نسمة هواء نقية .. ثم انهال علي باللعنات والشتائم .. انسحبتُ سريعاً وتكومت في سريري أرتعد من الخوف وأنا أحاول أن أستر عرييّ .. للحظات أحسست بأن قلبي على وشك أن يتوقف .. ألمٌ لا يُحتمل ماما .. ثم تركني هائجة محطمة أبكي نفسي ومصيري .. وغادر وهو يدمدم غاضباً ..
— هكذا من دون سبب ..
تقول بعد تردد وبصوت منخفض :
— يقول بأني كنت اتأوه بإسمٍ غير اسمه .. !
— يا ربي .. ! ( تربت على رأسها .. ) .. وهل فعلتِ حقاً ؟ صارحيني بنتي .. فأنا أعرفك وأعرف حكايتك القديمة ..
— لا أدري ماما .. قد تكون خرجت مني دون وعييّ ..( يكتسب صوتها رنة يائسة وهي تُكمل حديثها .. ) وبعد ذلك لم يقربني ولم يكلمني .. هجرٌ مهين ماما .. أيام تمر ونحن متناثرين في أرجاء البيت الذي يغط في صمت موحش كقطع أثاث جامدة لا ينظر أحدنا في وجه الآخر .. غرباء عن بعض .. لقد عشت ليالي انتظار طويلة .. وأنا أُغلق عليّ غرفتي .. أتقلب في فراشي كالنائم على الجمر .. تشغلني تفاصيل الحادث المريعة .. أبكي وأتعذب وأُسائل نفسي دون رحمة .. غير مصدقة بأن كل شيء في حياتي قد انهار أمام عينيّ في لحظات .. كنت بحاجة الى أن أهرب من كل هذا الجنون .. هذا الضجيج الذي يدوي في رأسي .. أتلمس لنفسي شيئاً من الدفء والعزاء .. شيئاً يؤنسني وسط احساسي بهذا القهر والانكسار .. حتى خطر في بالي بأن أقطع إجازتي وأعود الى عملي لكني خفت أن تفضحني ملامح وجهي الباهتة ونفسي المضطربة التي تبدو وكأنها لامرأة أخرى غريبة عني .. !
( تصمت قليلاً كأنها تحاول السيطرة على آلامها الداخلية .. تبلع ريقها وتمسح دموعها .. وتهم بأن تُكمل عندما تقاطعها أمها بحنان .. ) :
— اذا كان الحديث يؤلمكِ بنتي فلا داعي له الآن ..
— على العكس ماما .. يجب أن أتحدث لأخرج ما في داخلي من وجع ولوعة ( تتوقف لبرهة ثم تُكمل .. ) :
وفي هذا الصباح .. ونحن نتناول فطورنا في صمت جنائزي كما كل يوم .. قال فجأةً : بأنه قد قرر بعد تفكير عميق بأن ننفصل .. فهو لا يستحق أن تكون له زوجة خائنة مثلي عقلها مشغول برجل آخر .. وقال أيضاً : بأنه ليس مجبراً على أن يواصل الحياة معي وهو يحمل هذا الصراع النفسي في داخله .. وحمد الله على أن الأمور توضحت له منذ البداية .. ثم قال وهو يتأملني بنظرة رمادية باردة خالية من أي تعاطف : لا أريد أن أعود من العمل وأراك في البيت .. !
شعرتُ بفزع .. بكيت وتوسلت .. وقلت له بأن انفصالنا في هذا الوقت القصير معناه فضيحة .. كيف يمكن أن أداريها مع أهلي والناس .. لم يعبأ بكلامي .. يبدو انه كان مصمم ولا ينوي التراجع .. ثم قام وطلب لي سيارة أجرة عادت بي الى البيت ..
هذه هي كل الحكاية ..
— سأتصل بخالك ليذهب اليه ويتفاهم معه .. الدنيا ليست سايبة .. اذا لم يكن عندكِ أب فأخوالك ما شاء الله يغطون عين الشمس ..
— لا داعي ماما .. أرجوك دعي خالي هذه المرة خارج الموضوع .. دعينا نتدبر الأمر بدون تسرع .. مثل هذه الامور الحساسة لا تُحل بالقوة .. لا نريد فضائح ..
— أتريدين أن أتصل بعمتك دكتورة رسل لتذهب وتتكلم معه .. ؟
— وماذا عسانا نقول لها .. ؟
— انها تعرف كل شيء .. وهي سترنا وغطانا ..
تومئ برأسها في استسلام :
— كما تشائين رغم اني فقدت الأمل في عودتنا من جديد ..
تأتي دكتورة رسل .. وبعد تبادل التحايا والقبلات تبادرها :
— لا يصح عزيزتي رنا أن تقامرين بحياتك الزوجية وسمعتك ومستقبلكِ ولم يمضي على زواجك إلا أيام من أجل ماضٍ ولى وراح .. نحن في مجتمع تتحكم فيه قيم صارمة لا تعرف التسامح .. فمن تُخطئ تدفع الثمن غالياً ..
— للاسف عمتي إن الذي نحذره قد وقع بالفعل ..
تعيد عليها نفس الحكاية .. فتقول الدكتورة :
— اللوم يقع عليك .. كان المفروض أن تنفضي عنك غبار الماضي وتبدئي حياة جديدة .. على أي حال .. دعيه لي سأذهب اليه غداً وساحاول قدر استطاعتي أن أُعيد المياه الى مجاريها ..
تجيبها رنا بشيء من العصبية :
— أي لوم هذا عمتي الذي يقع عليّ .. وأي جريمة هذه التي أقترفت عندما أحبني شاب وأحببته حباً عذرياً نظيفاً .. ؟ أُقسم بروح أبي لم يلمسني قط .. أكنت أعلم بأن آلة الحرب اللعينة ستختطفه مني .. ليتني مت قبله .. هم يفعلون كل شيء ويحرّمون علينا أي شيء ..
تردد الأم في ألم وهي تمرر المنديل على عينيها تمسح دمعة سقطت في غفلة منها :
— الله يرحمه .. نصيبك بنتي ..
وفي اليوم التالي تنفذ الدكتورة وعدها .. وتلتقي بالزوج الغاضب الذي بادرها قائلاً :
— الزوج الشرقي دكتورة يؤمن بأن الزوجة يجب أن تكون جسداً .. قلباً .. عقلاً وروحاً خالصة لزوجها فهو كالاله لا يقبل الشرك فيه مع أحد ..
— اتفهم ثورتك هذه لكنك انسان واعٍ ومثقف ..
يقاطعها :
— لا علاقة للثقافة في الأمر .. المسالة مسألة كرامة .. والزواج مؤسسة قائمة بالأساس على الزوجة والتي ستكون أماً في المستقبل فإن لم نحسن اختيارها كأننا بنينا بيتاً بأساس منخور ..
— أؤكد لك بأن الأمر ليس كما تتصور .. وإن رنا هي أحسن من أخترت في حياتك .. وإن حدث شيء فالايام والعشرة كفيلتان بإصلاحه .. سيندمل هذا الذي تسميه جرحاً وسيزول وسينمو الحب بينكم وتعيشون بسعادة ..
— لا أعتقد .. إن هذا الذي تسمينه شيء .. بالنسبة لي لوثة لا تطهرها الأيام مهما امتدت .. لست على استعداد للمجازفة .. نحن على البر الان .. أُفضل أن ننفصل فأنا بصراحة بت أخاف هذا الصنف من النساء وأراه تهديداً لسلام حياتي البسيطة .. !
— واذا قلت لك بأنك غلطان وبأنها ندمت وتتعذب وتريد مواصلة حياتها معك ..
رد في لهجة باترة :
— آسف لا أستطيع اقناع نفسي بما تقولين .. ومتى انعدمت الثقة بين الشريكين فسدت الحياة الزوجية .. ربما لو حاولت مع رجل آخر غيري متحرر كما تقولون سيغفر لها .. أما أنا فلا ..
— لا تكن حنبلياً الى هذا الحد فالأمر لا يستحق .. ألم تمر في حياتك بمغامرات نسائية .. أم أنك ملاك نازل من السماء .. ؟
— حتى لو كان فالرجل لا يخسر شيئاً أما المرأة فتخسر كل شيء .. هكذا هو مجتمعنا وهكذا هي تقاليدنا ..
شعرت الدكتورة بأنها تناقش جدها الخامس أو العاشر .. ولم تعد هناك أية جدوى من استمرار الحديث .. فقالت له كأنها تنهي المقابلة :
— إفعل ما يحلو لك لكني أخشى أن تندم يوماً على قرارك المتسرع هذا .. رنا فتاة لا تعوض رغم كل ما حدث .. !
وغادرت ..
وحصل الطلاق بهدوء .. وتم بالتراضي .. !
وبقيت رنا تبحث عن فرصة جديدة قد يتفتق عنها رحم الحياة لتشفي جروحها الكثيرة بعد أن انهار عالمها القديم في تجربتها الوحيدة الجادة في الحياة .. مستسلمة لقدرها وما سيأتي منه بعد أن فشلت في المساهمة في صنعه .. بانتظار تلك اللحظة النادرة من الحياة السعيدة التي تنتظرها كل فتاة .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايتي مع الخدامة .. ! ( قصة قصيرة )
- ثمن الاندماج في الحياة الأمريكية .. ! ( قصة قصيرة )
- إختفاء فاطمة .. ! ( قصة قصيرة )
- الماضي يُطل من جديد … ! ( قصة قصيرة )
- عطر الخيانة .. ! ( قصة قصيرة )
- ذكرى بلا تاريخ .. ! ( قصة قصيرة )
- مصادفة غريبة .. ! (قصة قصيرة )
- الموت البطئ .. ! ( قصة قصيرة )
- رستم .. ! ( قصة قصيرة )
- بعيد عن العين بعيد عن القلب … ! ( قصة قصيرة )
- سجين داخل أسوار الحياة … ! (قصة قصيرة )
- الخوض في أرض موحلة .. ! ( قصة قصيرة )
- تنهدات زوج تعيس … ! ( قصة قصيرة )
- جِراح لا تزال تنزف .. ! ( قصة قصيرة )
- هذيان في براغ .. الجزء الثاني .. ( قصة قصيرة )
- هذيان في براغ … الجزء الأول ! ( قصة قصيرة )
- عزيزتي .. لا تتوقعي من الزوج أن يكون ملاكاً .. ! ( قصة قصيرة ...
- أم ياسين … ! ( قصة قصيرة )
- زليخة … ! ( قصة قصيرة )
- الخادمة .. ( ناني ) … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - زوجة منزوعة الدسم .. ! ( قصة قصيرة )