أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7672 - 2023 / 7 / 14 - 22:16
المحور: الادب والفن
    


حينما بلغ ( علي ) السادسة من عمره ، واجهته أول حيرة في حياته .. لقد ألهبت خياله رؤيته لأبيه ، وهو يصلي مُسبل اليدين ، وأمه تصلي ، وهي متكتفة .. رغم أن الحركات والهمهمات واحدة ، وأدهشه أيضاً أن أمه تصلي خمس مرات في اليوم .. بينما أبيه ثلاث ، ورغم ملاحظته لهذه الفوارق وغيرها ، إلا أنه صعب عليه فهم مفارقاتها وأسبابها .. !
خطى نحو غرفة والديه .. فتح الباب بهدوء ، وأطل منه بوجهه الصغير .. رأى أمه مستغرقة في الصلاة .. دخل على أطراف أصابعه وجلس ، ثم أخذ يتأملها ساهماً .. منتظراً بفارغ الصبر متى تنتهي من صلاتها، وعندما رآها تسلم يميناً وشمالاً ، قام فرحاً وعانقها .. قبّلها على رأسها .. تنسم منها نفحةً من ريح طيبة .. رفعت نظرها نحوه مندهشة كأنها تقول ما الذي جاء بك في هذا الوقت .. استقبل نظرتها بابتسامة عذبة .. مدت يدها تستدعيه اليها .. القى بنفسه في حضنها .. قبلته ومسّدت على رأسه بيدها الحنون :
— ماما ..
— نعم حبيبي ..
وبعد تردد قال :
— لماذا تصلين ، وأنت تضعين يداً فوق يد ( ينهض واقفا ويقلد حركة أمه ) بينما بابا يصلي هكذا ( ينزل يديه .. ) ؟
تحيطه بنظرة تفيض حناناً ، وتستجيب لسؤاله مبتسمة :
— ليس هناك فرق حبيبي .. نحن الاثنين مسلمين ..
— وهل بابا مسلم مثلكِ .. ؟
— طبعا بني ، وأنت أيضا مسلم مثلنا أنا وبابا ..
يقاطعها ، وهو يزداد الحاحاً :
— وأخي عمر ، وأختي أسماء .. ؟
— نحن جميعا مسلمون ، حبيبي .. ربنا واحد ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم واحد ، وعندما تكبر لك الحرية في الطريقة التي تريد أن تصلي بها .. مثلي أم مثل بابا .. لا يهم ..
— كيف لا يهم ماما ، وانت تصلين أكثر من بابا .. هل لأنه بابا ، ومشغول في العمل يصلي أقل منكِ .. ؟
— لا تشغل بالك بمثل هذه الامور الآن .. عندما تكبر ستفهم كل شيء .. لا تستعجل ..
يصمت قليلا ، ثم كأنه وجد حلاً :
— عندما أكبر سأصلي نص مثل بابا ، ونص مثلكِ ماما .. هل يتقبلها الله ، أم يغضب مني .. ؟
— لا أدري بني .. حيرتني .. !
— بابا يقول صلى الله عليه وآله .. لماذا لا تقولين أنتِ وآله ؟
— ما تفرق .. سواء أقلتها أم لم أقلها سيتقبلها الله في الحالتين ..
— مادام يتقبلها قوليها مثل بابا ، أو قولي لبابا أن لا يقولها مثلكِ .. لكن عمتي هدى ، وجدتي لا تصليان مثلكِ .. تصليان مثل بابا ، وتقولان وآله مثل بابا .. !
صمت قليلا ، وهو يتخبط في بحر حيرته .. ثم عاد كأن هذا لم يكن كافٍ لتهدئته ، فقال مسلطاً عليها نظراته الشاردة :
— ماما .. لماذا لا تضعين ( التربة ) على السجادة مثل بابا ، وعمتي هدى وجدتي .. ؟
تجاهلت سؤاله ، وبسطت يديها ، ورفعت رأسها ، وأخذت تتلو همساً غير مسموع شيئا من الأدعية ، ثم قامت ، ورفعت سجادتها وطوتها ، وهي تواصل التمتمة .. ساوت من هيئتها ، وغادرت الغرفة كأنها تتعجل الهروب من الحاحه ، لكنها أجابته جواباً محايداً دون أن تفقد هدوئها :
— قلت لك ، يا بني ستفهم عندما تكبر ..
— ولماذا ليس الآن .. ؟
— لانك لا تزال صغيراً .. عندما تدخل المدرسة وتنجح ، وتكبر ستفهم كل شيء ..
— ماما .. خالي عبد القادر يقول أنتم روافض .. ما معنى روافض ؟
ولما لم يجد منها رداً .. يكمل :
— لماذا لا يزورنا خالي عبدالقادر هل انتم زعلانين مع بعض .. ؟
قالت وهي ساهمة كأنها بدأت تتوه :
— تعال لأريك الجنطه ، والقرطاسية التي اشتراها لك بابا .. حان وقت ذهابك الى المدرسة حبيبي .. لم يتبقى سوى أيام قليلة ..
— ما معنى قرطاسية .. ؟
— يعني الاشياء التي تحتاجها في المدرسة .. الاقلام والمسطرة والممحاة والقطاطة .. تعال تعال ..
تركته يعبث بالجنطة ومحتوياتها ، وحولت عينيها عنه ، ثم أطلقت آهة ، وانحدرت من عينيها دمعة .. عادت بها ذاكرتها الى أيامها مع حسين قبل الزواج ، وكيف أحبها وبادلته الحب بالحب .. عاشا قصة حب عنيفة طاهرة ، وعندما تقدم لخطبتها رفض أهلها رفضا صادماً ، وكان شقيقها عبد القادر أشد أعضاء الاسرة معارضةً لهذا الزواج .. لكنها بذكائها وتضرعها ودموعها وتهديدها بالانتحار استطاعت أن تقنع والدها ، وتم الزواج على ضرس الأهل .. لكن علاقتهم ظلت باردة شبه مقطوعة .. عاشت في بداية زواجها مع أهل زوجها غريبة متباعدة كالشاة السوداء ، إلا انها استطاعت بصبرها ، وطيبتها ، وبمؤازرة زوجها أن تكسب الجميع ..
تنادي على زوجها :
— حسين .. حسين .. تعال أغثني ، وخلصني من علاوي ..
يأتي ( أبو علي ) ، وعلى شفتيه ابتسامة واسعة .. يحتضن ابنه ويقبله ..
— ما له علاوي .. ( ضاحكاً .. ) هل بدأ تحقيقه معكِ ؟ تعال لأريك ما اشتريته لك من ملابس حلوة للمدرسة ..
يتهلل وجه الطفل بفرحة رائقة ، وهو يعانق أبيه بلهفة ، ويطوق عنقه ، ويبادله القبل كأنه نسي الصلاة ، وفوارقها .. لكنها سرعان ما تعود تلح على ذهنه فيسأل أبوه :
— بابا سأصلي معك .. ناديني عندما يأتي وقتها ..
يرد الأب مستسلما :
— حاضر بني .. والان هيا بنا نقيس الملابس الجديدة عليك .. هيا هيا ..
ومضت السنين مسرعةً ..
وكبر علي ، وأصبح شاباً .. تعلم وقرأ الكثير ، وتكشفت له الحقائق التي حيرته ، وهو طفل .. سأله أبوه يوماً :
— علي ابني .. لا أراك تصلي مثل أخوك عمر ، وأختك أسماء ..
— لا أدري بابا .. أرجوك أن لا تلح علي .. اتركني أختار طريقي بنفسي ..
يقول الاب متوجساً :
— أرجو أن لا تصدقْ الاشاعة التي وصلتني بأنك أصبحت علمانياً .. لا أعرف ، وربما ملحداً .. أعوذ بالله .. أصدقني القول بني ، وريحني ؟!
— من فضلك بابا .. لا أريد أن أتناقش في مثل هذه المواضيع .. لم أعد صغيراً دعني أعيش حياتي بطريقتي ، أرجوك ..
غادر الأب حزيناً ، وهو يضرب كفاً بكف .. !
تساؤلات عدة بقيت مستيقظة في ذهن ( علي ) طوال حياته لم تغادره ، ولم يجد لها جواباً ، ولا تفسيراً لحد اللحظة :
هل يمكن أن يختلف الطريق الى الله بسبب هذه التفاصيل التافهه ، والتي لا قيمة لها في نظره .. هو العبد المسكين ، فكيف بها في نظر الله .. خالق الأكوان ، والكلي القدرة .. ؟
معقول .. ؟!
لِم اذن هذا التفاوت في التفكير ، والاختلاف في التصنيف والمواقف مادمنا كلنا مسلمين .. إلهنا واحد ، ونبينا واحد .. عجباً .. هل جاءت كل هذه الاختلافات من الله ، أم أن للبشر يد فيها .. ؟! هذا هو السؤال .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )
- عودة الغائب .. ! ( قصة قصيرة )
- راوية .. ! ( قصة قصيرة )
- دردشة على عَتبة الدار .. ! ( قصة قصيرة )
- الطلاق الصامت .. ! ( قصة قصيرة )
- لقاء بعد طول غياب .. ! ( قصة قصيرة )
- استفاقة متأخرة .. ! ( قصة قصيرة )
- زوجة منزوعة الدسم .. ! ( قصة قصيرة )
- حكايتي مع الخدامة .. ! ( قصة قصيرة )
- ثمن الاندماج في الحياة الأمريكية .. ! ( قصة قصيرة )
- إختفاء فاطمة .. ! ( قصة قصيرة )
- الماضي يُطل من جديد … ! ( قصة قصيرة )
- عطر الخيانة .. ! ( قصة قصيرة )
- ذكرى بلا تاريخ .. ! ( قصة قصيرة )
- مصادفة غريبة .. ! (قصة قصيرة )
- الموت البطئ .. ! ( قصة قصيرة )
- رستم .. ! ( قصة قصيرة )
- بعيد عن العين بعيد عن القلب … ! ( قصة قصيرة )
- سجين داخل أسوار الحياة … ! (قصة قصيرة )
- الخوض في أرض موحلة .. ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )