أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - ضياع في المَهجَر .. ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

ضياع في المَهجَر .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 08:59
المحور: الادب والفن
    


تقف ( دنيا ) أمام الباب ممتقعة خائرة القوى . تواصل الضغط على الجرس بإنتظار أمها أن تفتح ، وهي تبكِ بصمت . لم تسعفها ركبتيها على الوقوف ، فتتهاوى على الأرض .
يهتز جسد الأم بعنف عند سماعها الجرس . تثب مفزوعة من على السرير . تُسدل على الفور ثوبها على جسدها العاري . تبدو مجهدة منكوشة الشعر . تهمس للرجل الذي انسل عارياً مبهور الأنفاس :
— ششش .. عجِّل .. إرتدِ ثيابك بسرعة ..
تُغلق عليه باب الغرفة ، وتُسرع يسبقها حفيف ثوبها ، وفي طريقها تلملم شعرها وتشده الى الخلف مرددةً بالإنجليزية :
— أنا قادمة .. أنا قادمة ..
امرأة مضى شبابها ، لكنها حافظت على قدرٍ لا يستهان به من جمال شرقي لم ينضب بعد . تلقي نظرة خاطفة على هيئتها في مرآة صغيرة في الرواق ، وعندما تطمئن بأن كل شيء على ما يرام ، تسترق النظر من خلال العدسة السحرية ، فلا ترى أحداً .. تهتف :
— مَن هناك ؟
لا تتلقى رداً . يخفق قلبها ويزداد قلقها . تزيح رتاج الباب وتفتحه بحذر . تشهق مذعورة ، وهي ترى ابنتها ممددة على الأرض فاقدة الوعي .
تتأجج في داخلها مشاعر الأمومة المنسية . تحمل ابنتها ، وهي تبسمل وتدخلها الى الصالون . تمددها على الأريكة . تجثو بجانبها .. تمسح على رأسها . تُسرع الى المطبخ تأتي بقدح ماء . تنثر منه رذاذاً على وجه دنيا ، وترشف منه قليلاً لتبلَّ به ريقها الذي جف ، ثم تهتف في تضرع :
— دنيا بنتي ما بك ؟ وقّفتي قلبي ..
تتأوه الفتاة في ألم ، وبعد لحظات تتململ ، ثم تبدأ بفتح عينيها في تثاقل . تبدو شاحبة مصفّرة ، وعيناها شديدتي الإحمرار من البكاء :
— لماذا تأخرتي كل هذا الوقت لتفتحي ، وتركتيني بهذا الحال أنتظر .. كدت أموت ؟!
— سلامتك .. لم أتوقع عودتك في هذا الوقت المبكر . هيا الى غرفتك . تمددي على سريرك .. إرتاحي ، وبعدها سنرى حكايتك .
تصحبها الى غرفتها ، والفتاه تجرجر خطاها متعثرة ، وما إن تدخل حتى ترتمي على السرير متهالكة . تحدق الأم فيها حائرة ، وفكرها منصرف الى مكان آخر . تتركها مستلقية على فراشها ، وتُسرع عائدة الى مخدعها ، لتسرِّب عشيقها بسرعة . يخرج الرجل متلفتاً . توصد الباب خلفه فوراً .
تعود الى المطبخ تعمل يانسون . تصب منه قدحاً ، وتحمله الى ابنتها . ترى وجهها لا يزال مبللاً بالدموع . تنظر اليها بفزع . لم يسبق لها أن عادت من المدرسة في غير موعدها ، وبمثل هذه الحالة المزرية :
— إشربي قليلا سيريّحك ..
وبإيماءة مفاجئة ، تُسرع الأم وتجلب إناءً تقذف فيه دنيا بما في جوفها ، وهي تئن وتشكو من الغثيان والدوخة . تمسح الأم فمها ووجهها بفوطة :
— هل أكلت طعاماً جاهزاً ؟ كم مرة حذرتك من ذلك ..
تتجاهل دنيا سؤال أمها . تمرر لسانها على شفتيها ، وتقول بصوت أقرب الى الهمس :
— ماما .. أنا حامل !
تُصعق الأم .. ( لحظة ذهول .. ) .. تطلق صرخة فزع مفاجئة في وجه ابنتها :
— ماذا تقولين ؟!
تحاول استيعاب الصدمة .. يتسرب جزء من خوف دنيا الى أمها ، فتضرب على جبهتها ووجهها ، وهي تغالب دموعها .
— أرسلناكِ الى المدرسة لتدرسين ، أم لتمارسي البغاء من ورائنا .. كنتُ متخوفة ، ورافضة بالأساس لهذه الفكرة ، وقلبي لم يكذبني ، لكن ماذا نقول لأبيكِ الذي أصر على أن تكملي دراستك ، وها هي النتيجة .. ياما حذرتك من أن تنساقي وراء وشوشة صديقاتك الفاجرات ، استرنا يا رب !
ثم معاتبةً نفسها في غصة كأنها وخزة ضمير وندم متأخرين :
— بلدنا وأهلنا وعايشين بخير وسلام ، ما أحلانا ! ألا لعنة الله على الشيطان الذي وسوس لنا بالمجيء الى هنا . خدعونا حين قالوا بلد الأحلام ، أي أحلام هذه ؟! أبوكِ يعمل أجيراً من الصباح الى الغروب .. لم يعد زوجاً كما كان .. لا أراه إلا وزجاجة الخمر في يده ، وأخوك متعاطي تايه صايع لا نعرف له مكان ، يعيش حياة لاهية لا نتيجة لها مع ثلة من شبان لا تعرف لهم لا شكل ولا مضمون ، والآن أنتِ ، يا وعدي ، ويا سعدي ( تزغرد بمرارة ) .. !
تعود الى هلوستها ، وتقول أيّة تفاهة دون أن تأتي على ذكر نفسها ، ودون أن تدرك أن السمكة لا تجيف ، إلا حين يجيف رأسها . ثم تبدأ بالإستجواب بعد أن أخذت وقتاً استعادت به رشدها من هول المفاجأة :
— وكيف تأكدتي من ذلك ؟
ترد دنيا بصوت خافت محنيةً رأسها :
— نحن نجري كل يوم في حمامات المدرسة فحص الحمل . لقد كررته عدة مرات ، والنتيجة هي هي positive .. ايجابية !
— ما شاء الله ، يا بنت أنت تتحدثين عن مدرسة ، أم عن ماخور ، فهميني ؟
تولول وتضرب على فخذيها :
— ومن هو السيد الوالد المحترم ؟ أيكون هذا الأسمر المتشرد الذي يطاردك ليل نهار ؟
— كيف يمكن أن يكون هو ، وعلاقتي به انتهت منذ شهور ..
ثم كأنها تحادث نفسها :
— ربما تي ..
ترد الأم والدموع تترقرق في مآقيها :
— ربما .. ! ما معنى ربما ؟ ( تنفجر صارخة .. ) جاوبي .. هل نسيتي العدد ؟ دون أن تنتظر الجواب تضرب على خدها مصدومة .. ادركني يا رب ! تي ، ومن تي هذا ، بحق الجحيم ؟ ثم كأنها تذكرت . أيكون جارنا تيموثي هذا الفتى المخنث الأخرق الصايع ؟
ثم تهتف حانقة متوعدة دون أن تنتظر الجواب :
— سأقتله .. سأمزقه بأسناني وأشرب من دمه هذا الخنزير إبن الخنزير ..
— الذنب ليس ذنبه .. أنا من سعيت الى فراشه ..
— ماذا تقولين يا كلبة ؟ الى هذا الحد أنت رخيصة . كل هذا يطلع منك يا سافلة ، ونحن نائمون في العسل ، يا ربِ أعني على ما أنا فيه ! يا ويلي إن عرف أبوك ، وهو المسكين الذي يرفعك الى مصافِ القديسات : دنيا ملاك ديري بالك عليها . إنها وديعة في رقبتك . ( تلطم .. ) يمّا يمّا يمّا .. سيشرب من دمي قبل أن يقتلكِ ، يا الهي ماذا أفعل الآن ؟
تنهرها دنيا بحدة ، وتقول في ضجر :
— كفاكِ هلعاً ، هو أبي يعرف رأسه من رجليه .
وبعد أن تستنفذ كل طاقتها من الصراخ والعويل ، تهدأ قليلاً ، ويبدو عليها الوجوم ، ثم تغرق في تفكير عميق ، وفجأةً كأنها وجدت الحل :
— يجب أن نعود الى العراق وفوراً ، وهناك نُسقط هذا النغل ، ونُخرج هذه القاذورات من أحشائك ، ونزوجك .. ( ثم مخاطبةً نفسها .. ) ، لكن ما ذنب الزوج يعيش على فضلات غيره ، وأي فضلات ! يا الهي ..
تقاطعها دنيا ، وهي تنظر اليها شزراً :
— ومن قال لكِ أني أريد العودة الى العراق ؟ لقد أَلِفت الحياة هنا ، وهي تروق لي . هنا ساعيش ، وهنا ساموت . هذا قدري وأنا راضية به . كل البنات هنا يعشن بهذه الطريقة . كل ما في الأمر أني غبية لم أتخذ احتياطاتي كما تفعل زميلاتي . على أي حال سأسأل صديقتي كاتي كيف تصرفت العام الماضي عندما وقعت في نفس المشكلة ، وفي أسوأ الأحوال اذا كانت هذه الولاية لا تجيز الإجهاض ، نسافر الى ولاية أخرى يفعلون ذلك . لابد من حل وينتهي الأمر ، وكفاك نواحاً نحن لسنا في العراق . الأمر هنا طبيعي ، ولا يستدعي كل هذا القلق والتهويل . ( بتقزز .. ) .. على أي حال ، لم يتبقى سوى القليل على سن الرشد ، وأغادر هذا البيت الكئيب المقرف دون رجعة .
ثم تقول مهدِّدة مبتزة :
— هل تتصورين بأني غافلة عما يدور حولي ؟
— ماذا تقصدين ؟
ترمق أمها بنظرة متفحصة ذات معنى ، وتقول بحدة :
— تفهمين جيداً ماذا أقصد .. لستُ قطة مغمضة .
تخرس الأم حابسةً دموعها ، ولم تنبس ، ثم تغيّر الموضوع كأنها فهمت ، وهي العارفة كم أَثِمت بحق زوجها المسكين :
— ومن أين لنا بالمال ؟
تقول وهي تنظر بكره الى أمها :
— اقترضي من عشيقك . إنه ميسور ، أم يتمتع ببلاش .
— أخرسي ..
تشيح الأم بوجهها ، و تنصرف غاضبة ، و غلالة حزن داكنة تخيم عليها .
أثقلا النعاس والتعب عينا دنيا . تسكن ملامحها ، تبقى قليلاً تتقلب غارقةً في دفء فراشها ، وبعد أن وجدت نفسها تسافر داخل نفسها ، تستحضر في ذهنها المشحون بالأسئلة والمخاوف والآمال الخادعة شريط حياتها منذ مجيئهم الى أميركا الى لحظة حملها حتى أسلمها الإرهاق الى نوم عميق .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جِراح تنتظر من يداويها .. ! ( قصة قصيرة )
- الطريق نحو الهاوية .. ! ( قصة قصيرة )
- الحب وحده لا يكفي .. ! ( قصة قصيرة )
- علاگتين بربع .. ! ( قصة قصيرة )
- المال الحرام .. ! ( قصة قصيرة )
- حب مدفون في العفن .. ! ( قصة قصيرة )
- امرأة من ذلك الزمان .. ! ( قصة قصيرة )
- خرجتْ ولم تعد .. ! ( قصة قصيرة )
- المخاض .. ! ( قصة قصيرة )
- لعنة الموبايل .. ! ( قصة قصيرة )
- المال حين يتكلم .. ! ( قصة قصيرة )
- سرّي الدفين .. ! ( قصة قصيرة )
- هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )
- راشيل .. ! ( قصة قصيرة )
- يد القدر الثقيلة .. ! ( قصة قصيرة )
- عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )
- لا حياة مع زوج خائن .. ! ( قصة قصيرة )
- في حياتنا رجل .. ! ( قصة قصيرة )
- رغبات مكبوتة .. ! ( قصة قصيرة )
- شجاعة نسوان أيام زمان .. ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- تحولات الهوية الثقافية الكردية في سوريا.. من القمع إلى التأص ...
- سوزان بريسو تروي عن طه حسين الذي غيّر حياتها وألهم العالم
- -كانت تدغدغني-.. شاهد حشرة تزحف على جينيفر لوبيز خلال عرضها ...
- سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اخت ...
- فنان سوداني لاجئ يصرخ في وجه العالم.. -لماذا يهملوننا-؟
- رواية كردية شهيرة
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- وزيرا الثقافة والعمل يتفقدان البلدة القديمة من الخليل
- رحيل المخرج والكاتب المسرحي التونسي الفاضل الجزيري عن عمر نا ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - ضياع في المَهجَر .. ! ( قصة قصيرة )