أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمى جبران - فيصل درّاج يبعث الحياة في الثقافة العربيّة














المزيد.....

فيصل درّاج يبعث الحياة في الثقافة العربيّة


سلمى جبران

الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 11:54
المحور: الادب والفن
    


انتهيت من قراءة "كأن تكونَ فلسطينيًّا" ولم أنتهِ منه إذ أعطاني منظورًا مغايرًا للفلسطيني. ينبّه هذا الكتاب كلّ الحواسّ الفرديّة والجمعيّة للقارئ وخاصةً للقارئ الفلسطيني. فيصل درّاج أحيى العظام "وهي رميم" في مقبرة الجاعونة وفي مقابر المنافي. تتجلّى في الكتاب أعماق وأبعاد ومُجريات العذاب الفلسطيني وتوقظ الذاكرة لترفع هذا العذاب إلى مصافّ القدّيسين والقدّيسات من حيثُ حلّت عليهم "لعنة الولادة في مدينة مقدّسة" فيصبح المنفى لقبًا وتصبح الرسائل بينهم "ترهق الروح وتتوسّل الأثير" وتصبح "الخيانة وجهة نظر عند العرب الذين يخترعون أوطانهم"... ويصبح الفلسطيني شخصية اخترعها الآخرون "سقط عليه اللجوء، والرعب لا يعبّر عنه بل يشير إليه قتيل ومعاناة يكسوها الخذلان، وكأنّ الرعب سبق آدم في الوجود" وأصبحت "القوّة تهزم الحق" إذ "نمت جماعة من المارقين ساوت وتساوي بين الحق والمصلحة". الكتابة عن هذا الجانب من حياة الفلسطيني تتطلّب عمقًا نفسيًّا تحليليًّا وجرأة على كسر المسلّمات النمطيّة حول العذاب والفقدان وتصل إلى أعماق وأبعاد ومهارات للغوص في محيط التجارب البشريّة.
الحزن على الفقدان الفلسطيني هو حزن على روح فلسطين فالأم تدفن ابنها تحت الليمونة وتشمّ رائحة الليمون لتتذكّره ويتحوّل البكاء إلى بكاء لا صوت له والمتكوّمون في الشاحنة لا يتنفّسون و"يصعدون إلى المنفى". هذه الكلمات التي وردت في الكتاب، بمجرّد الوصف لحياة الفلسطينيّين/اللاجئين، هي إدانة للمجرمين في محكمة الإنسانيّة دون شعارات ودون ادعاءات ودون إثباتات.
التاريخ البعيد هو الحاضر، وزمننا الفلسطيني المشرّع على رحيل لا يتقادم وإقامات بلا إقامة والفقر مع الغربة جعلها أشدّ وجعًا، ولكنّ فيصل درّاج سمع هذه الحكايات وخزّنها في ذاكرته تاركّا تأويلها لأزمنة قادمة، ربّما جاء الوقت وشاء القدر الفلسطيني! ولكنَّ الحكايات، في ظل الأقدار المتغيّرة، تناسلت إلى فخامةٍ كاذبة، رصدها هذا الكتاب على عواهنها، فقامت تفاصيلها من بين السطور.
في بحار الغربة والمنافي، وفي كنف القول: الدنيا مقامات وفرض المخترة على اللاجئين، حافظت المرأة على مكانتها وبدت كأنّها تسخر من هذه الحياة وتسخر من الرجل وفخامته الفارغة وتسخر من أهل القرية الذين يسألون إذا كان اللاجئون بشرًا مثلهم، فعندما سألها صبيٌّ هل تعرف السمك، قالت طبعًا نزرعه في الأرض مثل البصل ونقطفه في الشتاء... هذه السخرية تجاوزت الواقع وهزّأتْه وشقّت طريقًا وعرًا في مصاعب الحياة.
هذا الكتاب جعلني أحيا الأدب والأدباء الذين تحدّث عنهم درّاج وبعث فيهم الحياة. معظم الأدباء والمثقفين الذين عاصرهم كتب عن أدبهم وعن فكرهم وحياتهم، ومنهم جبرا إبراهيم جبرا، حنا مينا، سعدالله ونّوس، عبد الرحمن منيف، معين بسيسو، كريم مروّة، أنيس صايغ وغيرهم.
لفتتني الكتابة عن إميل حبيبي وعن ناجي العلي وعن محمود درويش.
كتب عن إميل حبيبي: "ظنَّ الأديب المتفائل أن قلوب الفلسطينيين من لهب ونسي أن يضيف أنّها من رماد ودموع أيضًا ومن ظلم لا ينتهي". وفي حوار مشترك مع غالب هلسة في جريدة السفير ورد ما معناه أنه "قلّد ما كتبه سابقًا ولم يحسن التقليد". وهذا استدعى غضبًا كبيرًا برز في مقال لإميل توما فكان قاضيًا "عنيف الإدانة"، فهما يعتقدان أنّ "الرفيق الروائي المبدع معصوم عن الخطأ"، فهما يتبعان لنفس "القبيلة الحزبيّة"، التي دعت إلى معايير قبليّة في الكتابة استثنت كلّ من لا يتبع لها، ولم يعرفوا "أنّ الإبداع يصدر عن أفراد ولا ينبثق من جماعة". أنا أورد ذلك لأنّني كنت شاهدة داخل هذه القبيلة التي خلعت كل مصداقية أدبيّة عن كلّ من هو/هي خارجها. تحرّرت من هذه القبيلة وتوسّع إدراكي أنّ الإيديولوجيا تُعمي البصر والبصيرة وتشلّ حرّيّة التفكير.
ما كتبه فيصل درّاج عن محمود درويش أرجعه إلى الحياة بكامل عمقه وذكائه وسخريته وشخصيّته الفريدة.
عن ناجي العلي كتب وصفًا لاغتياله الذي نفّذه "حاملو كواتم الصوت"، وهذا الاغتيال أظهر أنّ صفة "أولاد الشلّيتة" التي وصفَهم بها ناجي العلي لم تكن كافية، ولكنّه اكتفى بها تأدُّبًا. أورد درّاج اقتباسًا لسعد الله ونّوس عن ناجي العلي: "أنا لا أعرف الحياد، والفنّان المحايد تاجر ينتمي إلى الفنّ زورًا". وهذه الجملة تمثّل ناجي العلي وفنّه.
كلّ هذه الإضاءات عن هذه الشخصيّات أضافت إلى "كأن تكون فلسطينيًّا" بعدًا شخصيًّا وإنسانيًّا يربطها بواقعها ويضيء أدبها وفنّها.
يتحدّث المؤلّف أيضًا عن فلاسفة كثيرين في الغرب التقاهم في باريس عندما درس الفلسفة في تولوز ونال درجة الدكتوراة هناك. تناول بعمق كل القضايا التي عاصرها وكتب عنها، فهو مثقف موسوعيّ ودارس جاد يتعمّق في كلّ ما يكتب عنه ويهب الحياة لكلّ من يكتب عنهم.
يعتبر فيصل درّاج من أهمّ المفكّرين والنقّاد العرب المعاصرين، لكنّه في هذه السيرة يبدو شاعرًا، لغته تمتلك رؤيا وقدرة نادرة على إحياء الذاكرة وإحياء التاريخ وإحياء كلّ نصّ وكلّ شخص يتناوله.



#سلمى_جبران (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة: سادن المحرقة-باسم خندقجي-الإنسان الذي يفقد ظلّه ويخاف ...
- قلادة ياسمين لعامر سلطان
- موسيقى عربيّة صامتة
- صدور ديوان -صبا الروح- للشاعرة سلمى جبران.
- سيرة الجليلة وعَظَمَة البساطة
- قراءة ترصد خط التماس بين العبثيّة والبديهيّة في ديوان -يدٌ ي ...
- قراءة في رواية: قناع بلون السماء لباسم خندقجي.
- قراءة في رواية -العائد إلى سيرته- للكاتب باسل عبد العال.
- قراءة تفاعليّة في رواية -رحلة إلى ذات امرأة- للكاتبة صباح بش ...
- شاعرٌ يعانقُ القصيدة وحالمٌ عنيد
- قصيدة للقدس: ترابُها طينٌ وماءْ
- كـــلٌّ يُناجــــي قُدْسَـــــهُ.
- عن كتاب: في ظلال الرجال
- رسائل من القدس وإليها والتناغم الثقافي
- قراءة في رواية : -ليلة واحدة تكفي- - قاسم توفيق / حزيران 202 ...
- جنوبي يجولُ شمالًا وشرقًا وغربًا وما بيْنَهُم
- قراءة في رواية جنوبي لرمضان الرواشدة
- ملف 8 آذار
- سالم جبران شاعر المحبة ومفكّر الحرية
- مصيبة جديدة تأتي على رؤوس النساء


المزيد.....




- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم
- وزير الداخلية الفرنسي يقدّم شكوى ضدّ ممثل كوميدي لتشببيه الش ...
- -بائع الكتب في غزة-.. رواية جديدة تصدر في غزة
- البابا يؤكد أن السينما توجد -الرجاء وسط مآسي العنف والحروب- ...
- -الممثل-.. جوائز نقابة ممثلي الشاشة SAG تُطلق اسمًا جديدًا و ...
- كيف حوّل زهران ممداني التعدد اللغوي إلى فعل سياسي فاز بنيويو ...
- تأهل 45 فيلما من 99 دولة لمهرجان فجر السينمائي الدولي


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمى جبران - فيصل درّاج يبعث الحياة في الثقافة العربيّة