أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمى جبران - سيرة الجليلة وعَظَمَة البساطة















المزيد.....

سيرة الجليلة وعَظَمَة البساطة


سلمى جبران

الحوار المتمدن-العدد: 7617 - 2023 / 5 / 20 - 23:37
المحور: الادب والفن
    


قراءة في "تعويذة الجليلة" – كميل أبو حنيش
وجدْتُ نفسي أخوضُ روايةً هي توثيقٌ اجتماعي نفسي شعوري للمشرّدين الفلسطينيين لفترة قرن من الزمن وعلى مساحة 300 صفحة. يبدو أنَّ السيرة تتطلّب التفاصيل، ولكنَّ التفاصيل التي سَرَدَها الروائي كميل أبو حنيش هي تصوير سينمائي دقيق بالألوان وبالصوت أحيانًا! غَمرَتْني مشاعر الأسى أثناء قراءتي هذه التفاصيل وأحسست أنّني أقرأ الوجه الآخر لكتاب التطهير العرقي في فلسطين للمؤرّخ الكبير Ilan Pappe، مِمّا أفجَعَني وأعادني إلى بكائي طفلَةً على خرائب قرية سُحماتا.
في كلّ أرجاء الرواية وجَدْتُ وصفًا حيًّا لكل الأحداث في العائلة والتي تتأثّر بشكل كبير من ممارسات المُحتلّ، من العثماني حتّى اليوم! الوصف الحيّ للأحداث والشخصيّات جعلني أعيش الرواية مع سيرورة القراءة. الحياة اليوميّة حاضرة دائمًا وهذا ما يجعلُها فيلمًا سينمائيًّا بالكلمات! تعمُر الرواية ببناءِ البيوت الذي شكَّلَ بناءً للحياة!
تبدأ الرواية بعودة الغائب عودة تحْتَ غمامة غموض لا يعرفُها القارئ. وكان حضور هذا الغائب مكثَّفًا في قلوب العائلة والجليلة تحديدًا. وقبلَ انتهاء الرواية، ص247، يعود عودة بشكل مُبهَم. تعانِقُهُ أُمُّهُ الجليلة بكل حرارة الأمّهات. وعندما تدعوه إلى المُساءَلة لم يقدر أن يبرِّر غيابَة والقطيعة 25 عامًا عنها وعن زوجتِهِ التي تزوَّجَها لأربعة أشهر وتَرَكَها حاملًا، فتغضبُ الجليلة وتُنكِرُهُ وتطرُدُهُ من البيت ولا تقدر زوجتُهُ حتى السلام عليه وتغضب هي الأخرى وتُصاب بصدمة جعَلَتْها تذوي وتموت في غُضونِ وقتٍ قصير! تُغلَقُ الدائرة وتستمرّ دورةُ الحياة بِزَخَمٍ مثير. والصدْق في هذا الموقف نَقَلَ الصورة كامِلَةً وشكَّلَ بُعدًا استثنائيًّا للرواية!
تتدافَعُ الأحداث في الرواية بسُرعةِ الكاميرا وتتغيّر وتتطوَّر الشخصيّات والظروف، مِمّا يجعل الرواية مشهدًا حيًّا متكاملًا لحياة الفلسطيني على هذه الأرض لعشراتٍ من السنين!
جدّة الجدّات عريفة هي شخصيّة لها جذور في العائلة وتنثر رحيقًا لكلّ من يزورُها. عريفة، جدّة الجليلة، تحكي حكايات تناقَلَتْها أجيال عديدة لقرونٍ من الزمن والتي تؤولُ اليوم إلى الانقراض: الغولة، جبينة، الشاطر حَسَن، وحكتها للجليلة التي ألحّتْ عليها لتحكي حكايات حقيقيّة ونالت ذلك! عبَّرَت عريفة عن مشاعرها ونظرتِها للحياة. شهِدَت عريفة هزيمة ورحيل الأتراك وتسلُّط الانجليز ومساعدتَهُم للمهاجرين اليهود. حكت الجَدّة المسنّة عريفة فلسفة حياة هامّة: " العُمُر لحظة وتمضي، مهما طال فإنَّهُ رمشة عين". وبعد أن فقدَتْ الجدّة عريفة بَصَرَها قالت: "بعدَ أن يُصابَ الإنسان بالعمى يرى ظلامًا دامسًا والعالَم يضيق وتتَّسِعُ التأمُّلات فَيَرى الأشياء بصورة أكثر وُضوحًا مِمّا يرى المُبْصِر! وحكمة أخرى، وقالت بما معناه: الفقدان فجيعة ولكن أن تفقدي أبناءَكِ وأعِزّاءَكِ وأنت مُعمّرة وعلى قَيْدِ الحياة، فهذه فجيعةٌ كبرى! ص 30-38.
شخصيّة الجليلة مع ال التعريف أنارت الرواية بالحبّ الأمومي الموسوم بالقوّة. ليسَ سائدًا أن نرى امرأةً، أُمًّا تدير كلّ أُمور العائلة بهذه الحرّيّة الفكريّة والشخصيّة القويّة الناضجة والعقلانيّة التي ترفع شأن البنات في العائلة، حصْرًا في هذه الحِقبة وهذه الظروف. الجليلة بأل التعريف، كانت هذهِ المرأة تتمتّع هي وبنات الحوش بالحرّيّة والقوّة الكامنة في الطبيعة رغم عدم تعلُّمِهِنَّ! أحبَّتِ الجليلة أمين الذي أنقذها من الحارس وهي طفلة وصارَ حُلُمَها وهي صبيّة! لم تتوقَف عن الأسئلة وحبّ الاستطلاع والمعرفة! سأَلَت عن الصَّدَفة المُعَلَّقة في عنق الجدّة عريفة منذُ مِئة عام، والتي التقطَتْها عن شاطئ بحر يافا ولا يزال صوت البحر في جوفِها. أهدتْها للجليلة وتمنّت لها أن تعيش 115 عامًا مثلَها! وهكذا صار! في حياة الجليلة يتداخل التاريخ الاجتماعي بالتاريخ الثّوْري، فتعتنِقُ الجليلة الثورة! ثورة في المفاهيم: مثلًا: لا يهمُّها كلام الناس! "المفتاح رمز فقط لأنَّ البيوتَ تُهدَم"! ثورة على عناصرِ الجيش والمخابرات وتحدّيها لهم: "أنت أدرى، أنت مخابرات تعرف كلّ شيء" ردّت على سؤال الجندي عن أحد أحفادِها. وقالت لنزار عندما اعترف: "يا ولدي قد يسقطُ الإنسان أكثر من مرّة، ولكن المهم أن يعرف كيفّ ينهض من جديد"! " من قالَ إنَّ الكفاح يقتصر على حمل السلاح!" ص168 -200. والجليلة كانت تنظِّر وتستنتج والكل يصغي لها! قالت: في 1936 كان اسم رجالنا الثّوّار وفي 1948 كانَ اسمُهم المُجاهدين وفي 1967 اسمهم الفدائيّون واليوم منتفضون ومفرّرون، لكلّ مرحلة رجالُها ومُسَمَّياتُها!
أجمل ما عبّرَ عن شخصيّة الجليلة هو حوارُها مع عائد حفيد عودة ص 294:
- كم من الرجال أحبَبْتِ؟
- الكثير
- وهل خُنتِ جَدّي مع أيّ واحد منهم؟
- معهم جميعًا
- وأيّ واحِد من أبنائكِ جَلَبْتِهِ بالحرام؟
- جدُّكَ عودة ...
تتحوَّلُ الجليلة في هذا الحوار إلى أُسطورة!
شخصيَّة الجليلة متكاملة وتظهر فيها عَظَمَة البساطة، وهي نَمَط عظيم وإيجابي لشخصيّة المرأة الفلسطينيّة وحِكمتِها وقوَّتِها!
في الرواية لحظات بين الحياة والموت، وأجمل ما فيها أنها تَلِدُ الحياة من رّحْمِ الموت! يتجلّى جَبَروت الفرد في الرواية في المواقف الحرجة التي تفصل بين الحياة والموْت. وهذه اللحَظات تكرَّرَت في حياة الجليلة وحياة الأبناء والبنات والأحفاد الذين تَرَبَّوْا على قِيَمِها!
السرد لا يخلو من المشاعر والحميميّة والعقليّة السائدة، فقد بَرَزَ الحديث عن الحميميّات بهذا النضج وبهذا الاحترام بعيدًا عن التسويق. ومن خلالِهِ برَزَت العقليّة السائدة آنذاك والتي تعلَّقَت بالأوهام وأسطَرَت جمال عبد الناصر وألَّهَتْهُ وعلّقَتْ آمالًا على صدّام حسين وعلى الوسائل الكفاحيّة البسيطة التي لم تستطع الوقوف أمام الهمّجيّة العسكريّة! ص 119 وفي مواقعَ أخرى من الرواية ومن خلال شخصيّة مصطفى زوج الجليلة يتزامن انتكاب الوطن وانتكاس الوحدة مع انتكاس الذكورة!

شخصيّات الرواية وأحداثُها لا تُعَدُّ ولا تُحصى ومع ذلك كل حدث وكل شخصيّة منها يتطوّر ويتغيّر بتسلسل زمني ومنطقي. الأحداث تتغيّر وتوصف كما هي في كلّ حالاتها وكذلك الشخصيّات، ولا يصعُب على القارئ تذكُّرُهُم في مواقِعِهِم ومراكِزِهِم، وهذه الميزة تعطي الرواية أبعادًا واقعيّة وخياليّة في ذات الآن! وهذا النّمَط الروائي المُفعَم بالحياة وجدْتُهُ أيضًا في رواية الكبسولة المُذهِلة التي صدَرَتْ للروائي كميل أبو حنيش عام 2019.
تمتاز تعويذة الجليلة بأنَّ النهاية فيها هي البداية حيث عريفة أورثت عالَمَها للجليلة والجليلة بقيت على مكانتها وقوّتها الشخصيّة حتى نهاية حياتِها وباركَت مولودة حفيد حفيدها وأعطتْها اسمَها.
مواطن الإثارة الذهنية في هذه الرواية تتعدّى الرّمزيّة ليتحوّلَ الحدَثُ فيها إلى رمز. والأسماء بغالبيّتها لها مدلولُها: عريفة، الجليلة، عودة، عائد، فادي وغيرِها. وحتى عدد فصول الرواية: 48، إذا كان عددًا رمزيًّا، فقد كانت الحياة الصاخبة فيها أقوى وأكبر من 48.
والحياة/الرواية ذاتُها هي رمز للبقاء وللحرّيّة!
أحيّيك، الروائي كميل أبو حنيش وأبارك لك بهذا الإصدار!



#سلمى_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة ترصد خط التماس بين العبثيّة والبديهيّة في ديوان -يدٌ ي ...
- قراءة في رواية: قناع بلون السماء لباسم خندقجي.
- قراءة في رواية -العائد إلى سيرته- للكاتب باسل عبد العال.
- قراءة تفاعليّة في رواية -رحلة إلى ذات امرأة- للكاتبة صباح بش ...
- شاعرٌ يعانقُ القصيدة وحالمٌ عنيد
- قصيدة للقدس: ترابُها طينٌ وماءْ
- كـــلٌّ يُناجــــي قُدْسَـــــهُ.
- عن كتاب: في ظلال الرجال
- رسائل من القدس وإليها والتناغم الثقافي
- قراءة في رواية : -ليلة واحدة تكفي- - قاسم توفيق / حزيران 202 ...
- جنوبي يجولُ شمالًا وشرقًا وغربًا وما بيْنَهُم
- قراءة في رواية جنوبي لرمضان الرواشدة
- ملف 8 آذار
- سالم جبران شاعر المحبة ومفكّر الحرية
- مصيبة جديدة تأتي على رؤوس النساء
- لماذا تقتلون الصبية ميس..؟
- تحية إلى فيروز أينما كانت
- هدر الأنوثة
- هدر الطفولة
- تظل بكارة الأنثى في هذا الشرق عقدتنا وهاجسنا


المزيد.....




- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...
- أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمى جبران - سيرة الجليلة وعَظَمَة البساطة