مسار عبد المحسن راضي
(Massar Abdelmohsen Rady)
الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 19:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فضيحة رجل الأعمال العراقي وليد السامرائي، بتهريب النفط الإيراني عن طريق خلطه بنظيره العراقي، وغسل أرباحه المقدَّرة بقيمة 300 مليون دولار أمريكي سنوياً، لصالح للحرس الثوري الإيراني. كانت كرة سكواش تصلح للارتداد والتنقل السريع بين الشاشات ومنصات الإعلام، للتغطية على سابقتها الأشهر، المعروفة بفضيحة "أوميد" في يوليو الماضي والمُقدَّرة بمليارات الدولارات.
السكواش السامرائية انطلقت خلال أعمال زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى سلطنة عُمان. أهمية مسقط تكمن في قُدرتها على تخفيف قُدرة تهريب النفط التي سنطلق عليها "صادرات الظل" من قبل طهران وميليشياتها العاملة في العراق، وجعلها في قبضة واجهات أُخرى تنجح في فحص السونار الأمريكي.
"سومو".. الكبش الحكومي لقرون إيران النفطية
هذه الشركة العراقية مسؤولة عن تصدير النفط العراقي. وبحسب القوانين النافذة هي تتعامل مع "مُلَّاك المصافي لا مع وكلاء". اتُهمت خلال الأيام القليلة الماضية، بأنها مسؤولة عن إصدار وثائق لشركات وأفراد مرتبطين بإيران، سهَّلت تهريب النفط الإيراني الخام عن طريق خلطه بنفطٍ عراقي.
رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، كان قد وافق في يوليو 2023 على مقايضة الغاز الذي يحصل عليه العراق من إيران مقابل النفط الخام العراقي، لتسديد المستحقات المترتبة على بغداد من استيراد الغاز، نتيجة عدم القُدرة على دفع المستحقات مالياً، بسبب العقوبات الأمريكية على طهران.
السوداني وجَّه سومو بتنفيذ صفقة المقايضة باستثنائها من الضوابط. وبحسب هذه الصفقة يُعطى النفط لأفراد وشركات مختارة من قبل إيران حصراً، تقوم هي ببيع هذا النفط الخام ومشتقات مُعيَّنة مثل النفط الأسود، ودفع أقيام البيع لإيران. كان من المفترض إنهاء صفقة المقايضة، بعد تسديد المستحقات الإيرانية البالغة 11 مليار دولار أمريكي.
المفارقة، أن عملية الاحتيال التي تقوم بها طهران، كُشِف عنها لأول مرَّة في مارس 2020. بالتالي إيران صمَّمت المقايضة من أجل الالتفاف على العقوبات الأمريكية، وأهداف أخرى وردت في مقالي السابق "ما وراء قرع أنخاب مقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني؟".
فضيحة وليد السامرائي عبارة عن رأس الجليد الغاطس في فضيحة "أوميد". تلك التي خرجت للعلن في الثالث من يوليو الماضي. رجل الأعمال سالم احمد سعيد المعروف باسم "أوميد"، كان قد بدأ أعمال بيع النفط الخام الإيراني المُهرَّب بعد خلطه مع نظيره العراقي منذ عام 2021.
اتساع الأعمال التي كان يقوم بها، والخوف من تسريبها للعلن، دفعته كما يبدو إلى تأسيس أسطول ظل مُخصص للقيام بهذه العمليات. الفضيحة دفعت لجنة التحقيق إلى غلق الملف بعد اثني عشر يوماً. كان تقليل حجم كميات النفط العراقية المُعطاة للواجهات الإيرانية بحجة تسديد ديون طهران، سبباً آخر مهم لطمر الفضيحة. اتهام سومو وفضيحة السكواش السامرائية، شبيهٌ بإطلاق إحدى وعشرين قذيفة مدفعية، لتوديع "أوميد".
حجم ولاية الفقيه النفطية
هناك صعوبة في الحصول على بيانات موثوقة تخصُّ أحوال النفط العراقي، بسبب السرية المُفرطة من قبل وزارة النفط العراقية. لذلك يصعُب تحديد حجم تهريب النفط العراقي الخام والمشتقات النفطية. لكن حاكم الزاملي وهو سياسي عراقي ينتمي للتيار الصدري، كان قد أعلن في الخامس من يونيو 2022 بأنَّ " كميات النفط المُهرَّب خارج العراق تصل إلى نصف صادرات العراق النفطية".
قيمة "صادرات الظل" النفطية بحسب تقديرات الزاملي، تصل إذاً إلى 56 مليار دولار أمريكي تقريباً، محسوبة وفق ميزانية 2021 التي بلغت 103 مليار دولار أمريكي. العراق عاش سنة 2022 بلا موازنة رسمية. إذ شهدت تلك السنة فضيحة "سرقة القرن" لبطلها رجل الأعمال نور زهير.
انعدام الموازنة في 2022 كان إجراءً وقائياً، لعدم إجراء مقارنات بين قيمة الموازنة السنوية و سرقة القرن. وتحسباً لإمكانية الكشف عن المزيد من سرقات القرن. العراق الذي يستورد الكثير من المشتقات النفطية كالبنزين والديزل، يشهد يومياً عمليات تهريب لسبعة ملايين لتر من البنزين؛ أي تقريباً نصف إنتاجه المحلي المقدَّر بخمسة عشر مليون لتر يومياً.
تسيطر إيران أيضاً وقبل صفقة المقايضة، على تجارة نقل المشتقات النفطية، لأنها هي المسؤولة عن تحديد شركات النقل لهذه المشتقات. أمّا ميليشياتها المُسلَّحة فهي تسيطر على اثنين وسبعين حقلاً نفطياً في العراق، خاصَّة في الموصل وصلاح الدين.
تستخدم الحكومة العراقية قسم كبير من هذه المشتقات المستوردة، خاصة وقود الديزل لدعم المشغلين لمولدات الكهرباء الأهلية. تبلغ قيمة الدعم الحكومي السنوي لقطاع الكهرباء في العراق "20 مليار دولار أمريكي". بحسب تصريحٍ لوزير الكهرباء العراقي الأسبق لؤي الخطيب، خصَّ به كاتب هذه السطور.
توقيت فضيحة السامرائي
توقيت تسريب فضيحة رجل الأعمال العراقي وليد السامرائي إلى الإعلام، اثناء زيارة السوداني لسلطنة عُمان، استند إلى طبيعة الدبلوماسية العُمانية التي تمتاز بسمتين هما "الهدوء والتأني المفرط" بحسب الأكاديمي العراقي ميثاق خير الله جلود.
سلطنة عُمان لم تُعِد فتح سفارتها في العراق إلَّا في عام 2019، رغم أنها حافظت على علاقات دبلوماسية جيَّدة مع النظام السياسي في عراق ما بعد 2003. زيارة السوداني إلى مسقط في 2025، هي الزيارة الثانية لأرفع مسؤول تنفيذي في العراق. الأولى كانت من نصيب رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي عام 2007، بحسب سفير العراق في عُمان.
كان من الممكن تقييم توقيت الفضيحة كصراعٍ سياسي، مع قُرب موعد الانتخابات النيابية المفترض إجرائها في نوفمبر القادم. لكن عند خلط خام الفضيحة مع سُمعة الاتفاقات الدولية لبغداد، المشهورة بإبرام العديد من مذكرات التفاهم، الموقَّعة بلبن العصفور؛ أي غالباً لا تصل إلى مرحلة الاتفاقات.
مصير معظم مذكرات التفاهم السابقة لبغداد، والتي بلغ عددها 135، وبدون أن نضيف إليها الأربع وعشرون الجديدة التي وقَّعها السوداني في مسقط، كان لها تداعيات. على الأقل استدعت من الرئيس السوداني تطمين الجانب العُماني "الاتفاقيات لم تكُن إجراء بروتوكولي وإنما وفق دراسة وبحث متواصل وزيارات ميدانية على مستوى الوزراء والمسؤولين في كلا البلدين". في لقاءٍ له مع إحدى الفضائيات العُمانية.
مسقط تمتلك كذلك أسطولاً كبيراً من ناقلات النفط، وقد تعاقدت كذلك على شراء المزيد منها خلال السنين القادمة. الاتفاق بين بغداد ومسقط سوف يضرب مصالح أساطيل الظل، المملوكة من قبل الواجهات الاقتصادية للأحزاب العراقية والمليشيات الإيرانية.
تحاول كائنات الظل البحرية هذه المحافظة أيضاً على أعمال نقل صادرات النفط العراقي للخارج. تسعة وتسعون في المئة تقريباً من النفط الخام الذي تقوم البلاد بتصديره، يعتمد على النقل البحري. واردات العراق من البضائع المختلفة بدورها والتي تبلغ قيمتها السنوية خمسون مليار دولار، تأتي عن طريق البحر. لهذا لا يمتلك العراق لا أسطولاً ولا سمعة بحرية!
مسقط هي الخامسة عالمياً في قُدرة التخزين النفطي بواقع 200 مليون برميل. المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم العُمانية تطلُ على بحر العرب والمحيط الهندي، مما يعطي بغداد مرونة في تصدير نفطها الخام. أشار السوداني كذلك إلى رغبة العراق في بناء مصافي نفطية بالمشاركة مع الجانب العُماني.
كشف ذلك وبطريقة غير مباشرة، عن عدم قدرة المصافي الموجودة في العراق، على توفير الاحتياجات المحلية من المشتقات النفطية. واردات المشتقات النفطية تستهلك مليارات الدولارات الأمريكية من موازنة البلاد السنوية.
الانتخابات وترامب
الخبير النفطي النرويجي احمد موسى جياد، وهو من أصولٍ عراقية، قيَّم الأداء النفطي لحكومة الرئيس السوداني مع شركة شيفرون الأمريكية بالقول" منذ عقد خمسينيات القرن الماضي ولغاية تاريخه، لا اعتقد بأن الحكومة العراقية/ وزارة النفط قد وقعت اتفاقية مبادئ مبهمة وغامضة ومفتوحة النهايات، كما هي عليه الحال في اتفاقية المبادئ هذه".
جياد رأى بأن حكومة العراق الحالية تتوجه نحو منح عقود تطوير بعض الحقول الشمالية، الى الشركات الأنجلو- أمريكية (BP, HKN and Chevron). وتساءل "لماذا؟ هل لهذا التوقيت أيَّة علاقة بالانتخابات العراقية في شهر نوفمبر لهذا العام؟ وهل ذلك استجابة لضغوط الرئيس الامريكي ترامب؟".
حمَّل الخبير النفطي بعدها مجلس النواب العراقي، مسؤولية تمحيص الاندفاع النفطي المتأمرك لحكومة السوداني قبل انتخابات نوفمبر "إن رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط من المرشحين لخوضها. أرى أن على مجلس النواب الحالي الطلب من الحكومة ووزارة النفط الحصول على النسخة الحقيقية لاتفاقية المبادئ هذه"، في إشارة إلى شركة شيفرون.
هناك احتمال كبير بأن ينجح رئيس الحكومة الحالية، بإعادة هيكلة نسبة لا بأس بها من "صادرات الظل" النفطية للعراق. مقدار النجاح سيعتمد على الضغوط الأمريكية التي تريد واشنطن ممارستها على طهران. الأحزاب العراقية التي تمتلك ما يعرف بالمكاتب "الاقتصادية الخاصة" في معظم وزارات ومؤسسات الدولة؛ ستستفيد من عملية إعادة الهيكلة.
مؤسسة تشتام هاوس، تجد إنَّ "الفساد المقبول سياسياً في العراق، هو العقبة الرئيسية التي تواجه الإصلاح". المؤكد بأنَّ السوداني سيكون بهذا الاتفاق الذي يُهِّدد مصالح الكثيرين قد نجح في صناعة جُرعة من لبن العصفور لحظوظه السياسية. أمّا مصير العصفور "المواطن العراقي" فهو غير معلوم بعد قطع شجرة "تشرين" عام 2019.
#مسار_عبد_المحسن_راضي (هاشتاغ)
Massar_Abdelmohsen_Rady#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟