كفاح الزهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 13:48
المحور:
الادب والفن
في الهزيع الأخير من الليل، وردته برقية مستعجلة عبر الأثير، تتماوج بين ذرات الهواء كأنها نداءٌ خفيٌّ يتسلل من عوالم غير مرئية. حاول جاهدًا التقاط معانيها، إذ بدت كنوتات موسيقية تتمايل بإيقاع غامض، جعلته يرتعش كمن تسرب إليه البرد في شتاءٍ قارس.
سارع إلى تفكيك كلماتها المشفّرة، فلم تكن واضحة المعالم، بل كعتمةٍ تتكاثف في ليلٍ بلا نجوم. كلما مدّ يده، تلاشت الرؤية، وكأن ثمة من ينازعه في الطرف الآخر. ساوره شعورٌ متأرجح بين البقاء والضياع، كمشيٍ على خيطٍ رفيعٍ فوق هاويةٍ لا قرار لها.
فجأة، انزلق مخلوق غريب من الأفق البعيد، لا يشبه أي كائن في الكون، وانقضّ بقوة على عالمه البسيط كريحٍ لا تُرى، لكنها تقتلع جذور الطمأنينة. أطلق همساتٍ مرعبة تنفث الشكوك في الأرجاء، تقطع أنفاس الليل، وتختزل الزمن في قارورةٍ من الأسر. لا جدوى من الصراخ في جوٍ خانق، فقد شُلّت أوتار الصوت في لحظة انهار فيها جدار الأمل.
كانت التجربة أوسع من كل تصور، إذ اجتاحت ذاكرته كالسيل، تستحضر الماضي والحاضر، وتغلق باب المستقبل قبل أن يُفتح. وعندما حانت اللحظة الحاسمة، وقف كالمسمار، جامدًا أمام الهول، أخرسته الدهشة، ولم تمنحه حتى رفاهية البكاء.
راح يتساءل، والحيرة تكسو وجهه الشاحب باستسلامٍ صامت:
ــ نعم، إنها النهاية… لكنني لم أرَ المستقبل بعد. لماذا كل هذه العجلة؟ ما زلت في طريقي نحو تحقيق ما تبقى من أحلامي المؤجلة.
بدأت الصورة تتضح، تأخذ منحى أكثر اتساقًا، حين أدرك أن الصوت الذي يطارده لم يكن غريبًا، بل كان صدى صوته الداخلي، يهمس له بما لم يجرؤ على الاعتراف به:
ــ أنا ملك الموت… لا لأنني جئت من الخارج، بل لأنك أنت من خنقت أحلامك، وأرجأت الحياة حتى تلاشت.
وما إن بزغ الفجر، كأنما يفتح بابًا نحو حياةٍ جديدة، حتى ارتجّت الغرفة بصوتٍ داخلي، لا يُسمع إلا لمن يتهيب النور. اهتزّ جسده، لا من صرخةٍ خارجية، بل من إدراكٍ مفاجئ: أنه هو ذاته من حكم على نفسه بالموت، حين خاف من الحياة. سقط ساكنًا، كمن قرر أن ينام إلى الأبد، لأن الصباح كان أكبر من قدرته على النهوض.
#كفاح_الزهاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟