أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاروق محمد الشاوي - نقاش حول مقال -عثرات على طريق الدولة- للكاتب فهد الشقيران















المزيد.....

نقاش حول مقال -عثرات على طريق الدولة- للكاتب فهد الشقيران


فاروق محمد الشاوي
(Farouk M. El-shawy)


الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 07:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يطرح الكاتب السعودي فهد سليمان الشقيران في مقاله “عثرات على طريق الدولة”، المنشور في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 4 سبتمبر 2025، قضية شائكة وذات أبعاد تاريخية وفكرية عميقة، وهي إشكالية بناء الدولة الوطنية الحديثة في العالمين العربي والإسلامي، وفي بعض مناطق إفريقيا. المقال يتناول الفكرة من زوايا متقاطعة: تاريخية وفكرية وسياسية، ويستند إلى أطروحات أكاديمية لافتة، مثل أطروحة وائل حلاق حول “الدولة المستحيلة في الإسلام”، وأطروحة حمدي عبد الرحمن عن “الدولة المستحيلة في إفريقيا”.

ما يميز المقال هو الجمع بين البعد التاريخي لنشوء مفهوم الدولة، الذي تبلور بعد صلح وستفاليا 1648، وبين التحديات المحلية التي واجهتها منطقتنا في محاولتها لالتقاط هذا المفهوم وتوطينه. وهنا تبرز قوة المقال في ربط الماضي بالحاضر، وفي التنبيه إلى أن إشكالياتنا الراهنة لا يمكن فهمها بمعزل عن السياقات التاريخية الطويلة، سواء كانت صراعات الخلافات أو آثار الاستعمار أو الأزمات الأيديولوجية الحديثة.

لكن رغم أهمية هذا الطرح، يمكن تسجيل عدد من الملاحظات النقدية التي تستدعي النقاش والتوسع، سواء من زاوية التحليل أو من زاوية البدائل التي يقترحها الكاتب.

أولاً:
يعتمد المقال على مسلَّمة أن الدولة الوطنية الحديثة، كما تشكّلت في أوروبا، هي النموذج الأمثل والوحيد الممكن لتحقيق الاستقرار والتنمية. وهذا افتراض يحتاج إلى نقاش أوسع، إذ أن تجارب التاريخ المقارن تُظهر أن أشكال الحكم والسيادة ليست بالضرورة منسوخة عن النموذج الغربي وحده، بل يمكن أن تتكيف مع الخصوصيات الحضارية والثقافية. صحيح أن وستفاليا مثّلت لحظة فارقة في التاريخ الأوروبي، لكن هل يمكن القول إن العالم بأسره مطالب باستنساخ هذا النموذج بحذافيره؟ هنا يغيب عن المقال نقاش تجارب بديلة في آسيا مثلاً، حيث تمكنت دول مثل الصين والهند واليابان من بناء دول قوية، لكن على أسس مختلفة عن الصيغة الأوروبية البحتة.

ثانياً:
يستشهد الكاتب بأطروحة وائل حلاق حول “استحالة الدولة الإسلامية”، وهي أطروحة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والفكرية. غير أن المقال يكتفي بعرض الفكرة دون أن يناقشها بعمق. إذ أن نقد حلاق لمفهوم الدولة الحديثة لا يقتصر على الجانب الإسلامي وحده، بل يتجاوز ذلك إلى نقد الدولة الحديثة نفسها باعتبارها كياناً متناقضاً مع القيم الأخلاقية والمعايير الإنسانية. كان من المفيد لو تطرّق المقال إلى هذه النقطة، ليتضح للقارئ أن مأزق الدولة لا يقتصر على العالم الإسلامي وحده، بل هو إشكالية كونية تعاني منها حتى الديمقراطيات الغربية اليوم مع صعود الشعبويات وتفكك العقد الاجتماعي.

ثالثاً:
يربط المقال بين فشل الدولة في إفريقيا والعالم العربي وبين آثار الاستعمار والإرث التاريخي للخلافات، وهو ربط صحيح إلى حد كبير، لكنه يحتاج إلى توسيع دائرة التحليل. فالتجارب الناجحة في المنطقة، مثل بعض دول الخليج، تشير إلى أن الإرادة السياسية الرشيدة والقدرة على إدارة الموارد يمكن أن تتغلب على الإرث الاستعماري. وبالمقابل، فإن دولاً في إفريقيا ما زالت عاجزة عن تجاوز آثار الاستعمار رغم مرور عقود طويلة على الاستقلال. ما يعني أن العامل الحاسم لا يكمن فقط في التاريخ، بل في قدرة النخب الحاكمة على استيعاب مفهوم الدولة كعقد اجتماعي جامع، لا كأداة للاستحواذ على السلطة والثروة.

رابعاً:
من النقاط المضيئة في المقال إشارته إلى خطورة “ارتهان الدولة” إلى فصيل أو حزب أو ميليشيا تفرض منطقها على القرار السيادي. وهذه بالفعل من أكبر عثرات بناء الدولة في المنطقة العربية، حيث شهدنا في العقود الأخيرة نماذج متعددة لدول مختطفة من قبل قوى طائفية أو مسلحة. لكن ما كان ينقص المقال هو تقديم رؤية أكثر تفصيلية لكيفية تجاوز هذا المأزق. فالسؤال الذي طرحه الكاتب “أين البيئة السياسية التي تريد فعلياً بناء الدولة؟” يظل سؤالاً مفتوحاً، لكنه يحتاج إلى أجوبة عملية تتعلق بإصلاح التعليم، وبناء ثقافة سياسية جديدة، وتعزيز استقلال المؤسسات، وهي عناصر لم يتطرق إليها المقال إلا تلميحاً.

خامساً:
يمكن القول إن المقال يحمل نزعة واقعية، لكنه يغلب عليه الطابع التحذيري أكثر من الطابع البنائي. فهو يحذر من العثرات التي تعيق نشوء الدولة، ويؤكد على ضرورة توافر الشروط النظرية والعملية لتأسيسها، لكنه لا يقدم خريطة طريق واضحة. ربما يكون ذلك مقصوداً بحكم طبيعة المقال الصحفي لا الأكاديمي، لكن القارئ الذي يبحث عن حلول قد يخرج بانطباع أن المقال أثار المشكلة أكثر مما اقترح بدائل عملية لتجاوزها.

سادساً:
في النقاش الأكاديمي حول مفهوم الدولة، هناك تيارات فكرية معاصرة ترى أن الدولة القومية نفسها في مأزق عالمي مع العولمة والثورة الرقمية والتحديات البيئية. المقال لم يتطرق إلى هذه الأبعاد، وكأنه يكتفي بتأكيد مركزية الدولة الحديثة باعتبارها الحل النهائي. غير أن النقاش العالمي اليوم يشير إلى أن الدولة قد تحتاج إلى إعادة تعريف في ظل الحدود المفتوحة والتداخل الاقتصادي العابر للقوميات. وهذا ما يجعل النقاش حول مستقبل الدولة أوسع وأعقد من مجرد استدعاء النموذج الوستفالي.

في الختام، يمكن القول إن مقال فهد سليمان الشقيران يقدّم مدخلاً مهماً لإثارة نقاش جوهري حول إشكالية الدولة في العالم العربي والإسلامي، ويضع يده على عدد من العثرات التاريخية والفكرية والسياسية التي أعاقت هذا المشروع. قوته تكمن في قدرته على استدعاء مراجع أكاديمية وإسقاطها على الواقع السياسي الراهن. لكن محدوديته تكمن في غياب التعمق في نقد بعض الأطروحات، وفي عدم تقديم رؤية متكاملة لما بعد التشخيص. وهو ما يجعل المقال أقرب إلى “جرس إنذار” يدعو النخب الفكرية والسياسية إلى التفكير بجدية في سؤال الدولة، لا بوصفها مفهوماً مستورداً، بل بوصفها عقداً اجتماعياً قابلاً للتكيّف مع السياق المحلي والإقليمي، وقادراً على مواجهة تحديات المستقبل.

بهذا المعنى، فإن المقال يشكل خطوة في الطريق الصحيح نحو إعادة فتح النقاش حول الدولة، لكنه يحتاج إلى أن يُستكمل بدراسات أكثر عمقاً تجمع بين البعد التاريخي والبعد العملي، وبين النقد والتحليل من جهة، واقتراح البدائل والحلول من جهة أخرى.



#فاروق_محمد_الشاوي (هاشتاغ)       Farouk_M._El-shawy#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطة نتنياهو الوحشية في غزة: مجازفة بمستقبل إسرائيل للكاتب: س ...
- تجريم التضامن: قراءة نقدية في مقالة جورج مونبيوت حول فلسطين ...
- قراءة نقدية في مقال “لماذا تعادي أميركا الصين بهذه الشراسة؟” ...
- بين شرارة والسؤال المفتوح: ماذا لو لم تكن الحرب قدَرًا؟
- الهويات الهجينة: أدوات النفوذ الجغرافي في مناطق التماس الثقا ...
- جغرافيا غير مرئية: كيف تتحرك القوى الكبرى عبر الاقتصاد والهو ...
- رصد الأبعاد غير المرئية في العلاقات الدولية: السلطة الناعمة ...
- تشويه العدالة أم إعادة تعريفها؟ قراءة نقدية في مقال ديفيد فر ...
- الذكاء الاصطناعي والمراقبة في البحر الأحمر: أداة خفية لإعادة ...
- الرمزية الدينية في البحر الأحمر: صراع النفوذ بوسائل غير مرئي ...
- تكفير المخالف وتأبيد الاختلاف: قراءة في ضوء النصوص القرآنية ...
- جهنم كأداة ردع رمزي: إعادة تأويل مفهوم العقاب في العقيدة الإ ...
- تحديات العدالة الاجتماعية واستراتيجيات المواجهة
- جدل الحرية


المزيد.....




- السعودية.. فيديو انفجار جسم في سماء حائل ليلا يثير تساؤلات
- بعد التحذير الإماراتي لإسرائيل.. أكاديمي يبيّن ما الأدوات بي ...
- بين الغرب والجنوب.. لماذا يختار الغزيون البقاء على حدود الخط ...
- انسَ الأسبرين.. قد يكون هذا الدواء أفضل للوقاية من أمراض الق ...
- الجيش الإسرائيلي: رصد إطلاق صاروخ من اليمن باتجاه إسرائيل
- الصين تستخدم القطاع الخاص لتطوير الذكاء الاصطناعي العسكري
- بالفيديو.. كوريا الشمالية تحمي -الحمض النووي- للزعيم كيم
- فيديو الأسلحة والثالوث النووي الصيني يثير تفاعلا وتحليلات
- أشعلتها صاعقة.. نيران هائلة تلتهم بلدة تاريخية في كاليفورنيا ...
- عمليات احتيال بالذكاء الاصطناعي تستهدف الجيش الأمريكي


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاروق محمد الشاوي - نقاش حول مقال -عثرات على طريق الدولة- للكاتب فهد الشقيران