أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاروق محمد الشاوي - جغرافيا غير مرئية: كيف تتحرك القوى الكبرى عبر الاقتصاد والهوية؟














المزيد.....

جغرافيا غير مرئية: كيف تتحرك القوى الكبرى عبر الاقتصاد والهوية؟


فاروق محمد الشاوي
(Farouk M. El-shawy)


الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 23:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما نسمع كلمة "جغرافيا"، تتبادر إلى الأذهان صور الخرائط، الحدود، والممرات البحرية، ولكن في العلاقات الدولية المعاصرة، هناك جغرافيا أخرى، خفية وغير مرئية، تلعب فيها القوى الكبرى أدوارًا أكثر تعقيدًا من مجرد احتلال أو تحالفات تقليدية. إنها جغرافيا تتجلى في الاقتصاد، والهوية، والمعلومات، والعلاقات النفسية بين الدول والمجتمعات. في هذا المقال، سنحاول تتبّع كيف تتحرك القوى الكبرى عبر هذه المساحات غير المادية لإعادة تشكيل موازين القوة والنفوذ.

أولاً: الاقتصاد كجغرافيا بديلة

منذ نهاية الحرب الباردة، لم تعد السيطرة الجغرافية عبر الاحتلال العسكري الخيار الأول للقوى العظمى، بل أصبحت السيطرة الاقتصادية الوسيلة المفضلة. الاستثمارات المباشرة، شبكات التجارة، الديون السيادية، والتحكم في سلاسل التوريد باتت أدوات لإعادة ترسيم الخريطة الدولية. الصين، مثلاً، من خلال مبادرة الحزام والطريق، لم تسعَ فقط لبناء موانئ وطرق، بل أرادت أن تعيد رسم خطوط النفوذ الاقتصادي خارج حدودها لتصبح قلب الاقتصاد العالمي، متجاوزة القواعد الجغرافية التقليدية.

الدين العام أصبح أيضًا أداة خفية لإعادة تشكيل العلاقات. فحين تعجز دولة عن سداد ديونها، فإنها لا تفقد المال فقط، بل تفقد جزئًا من استقلال قرارها السياسي. هذا ما يحدث مع بعض الدول الإفريقية التي ربطت نفسها اقتصاديًا بقوى خارجية، مقابل مشاريع بنية تحتية أو دعم اقتصادي مباشر.

ثانيًا: الهوية ساحة لصراع جيوسياسي

ليست الهوية مسألة ثقافية محضة، بل جغرافيا نفسية تتصارع عليها القوى الكبرى. تُغذى الصراعات الإثنية والمذهبية واللغوية، في بعض المناطق، بشكل متعمد لخلق شروخ داخل الدول. ما حصل في الشرق الأوسط بعد 2011 مثال على ذلك: إذ لم يكن التدخل في ليبيا أو سوريا أو العراق محض قرارات أمنية، بل كان مرتبطًا بإعادة تعريف من هو "العدو" و"الصديق" داخل كل دولة، في سبيل تفكيك الكيانات السياسية من الداخل.

تغذية القوميات الصغيرة، أو الأقليات الهوياتية، يمنح بعض القوى فرصًا للتمدد دون الحاجة إلى جنود أو احتلال مباشر. إن دعم قوى مثل الأكراد، أو بعض الجماعات الدينية في أفريقيا، هو تعبير عن تحرك على خريطة غير مرئية: خريطة الانتماءات والانقسامات.

ثالثًا: التكنولوجيا والمعلومات كسلاح ناعم

التحكم في تدفق المعلومات بات معادلًا للسيطرة على الأرض. من خلال السيطرة على المنصات الرقمية الكبرى، مثل فيسبوك ويوتيوب وتويتر، تتمكن الدول من التأثير على الرأي العام داخل دول أخرى، بل وحتى تغيير نتائج الانتخابات، كما حدث في قضايا تدخل روسيا المزعوم في الانتخابات الأمريكية عام 2016.

الخوارزميات أصبحت أدوات تحكم بالجماهير، وتوجيه للمزاج السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لا يمكن التقليل من أثر هذا "الاحتلال المعلوماتي"، حيث أصبحت عقول الأفراد، لا أراضيهم، هي الساحة الحقيقية للصراع.

رابعًا: المنظمات الدولية كساحات نفوذ ناعمة

الجغرافيا غير المرئية تمتد أيضًا إلى المؤسسات العالمية. الهيمنة على قرارات مجلس الأمن، أو على سياسات صندوق النقد والبنك الدولي، تعني امتلاك حق الإملاء على دول بأكملها. السيطرة على تعريف مفاهيم مثل "الإرهاب"، "حقوق الإنسان"، "الديمقراطية"، تجعل من الجغرافيا القانونية والسياسية ميدانًا آخر لإعادة تشكيل النفوذ.

عبر هذه المؤسسات، تفرض الدول الكبرى أحيانًا تصوراتها الخاصة على العالم، مما يخلق حالة من "الاستعمار المفاهيمي"، حيث لا يُسمح للدول الأخرى بأن تُعرّف مصالحها أو مشكلاتها خارج الإطار الذي ترسمه تلك القوى.

خامسًا: التنافس في "الهوامش" لا في المراكز

بينما تبتعد القوى الكبرى عن المواجهة المباشرة، فإنها تسعى لتعزيز حضورها في المناطق "الهامشية" من الخريطة الدولية: من القرن الإفريقي إلى أمريكا اللاتينية، ومن المحيط الهادئ إلى وسط آسيا. فهذه المناطق، وإن كانت بعيدة عن مراكز القوة العالمية، إلا أنها حيوية من حيث الموارد، والموقع الاستراتيجي، وقابلية التأثير فيها.

البحر الأحمر، على سبيل المثال، لم يعد مجرد ممر ملاحي، بل منطقة تتصارع فيها قوى مثل الصين، والإمارات، وتركيا، وإسرائيل، والولايات المتحدة، عبر القواعد العسكرية، والموانئ، والتحالفات القَبَلية.

خاتمة: الحاجة لفهم جديد للجغرافيا

ما يهم اليوم ليس فقط من يملك الأرض، بل من يملك التدفقات: تدفقات المال، والمعلومات، والثقافة، والتأثير الهوياتي. القوى الكبرى لا تزرع أعلامها كما في الماضي، بل تزرع تطبيقاتها، وقنواتها الإعلامية، ومفرداتها، ورؤاها للعالم.

فهم الجغرافيا غير المرئية أصبح ضرورة لفهم العالم. الصراع اليوم لم يعد فقط حول خطوط العرض والطول، بل حول الرموز والهوية والاقتصاد والمفاهيم. ومن لا يعي هذه الجغرافيا الجديدة، سيظل يواجه العالم بخريطة عفا عليها الزمن.



#فاروق_محمد_الشاوي (هاشتاغ)       Farouk_M._El-shawy#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رصد الأبعاد غير المرئية في العلاقات الدولية: السلطة الناعمة ...
- تشويه العدالة أم إعادة تعريفها؟ قراءة نقدية في مقال ديفيد فر ...
- الذكاء الاصطناعي والمراقبة في البحر الأحمر: أداة خفية لإعادة ...
- الرمزية الدينية في البحر الأحمر: صراع النفوذ بوسائل غير مرئي ...
- تكفير المخالف وتأبيد الاختلاف: قراءة في ضوء النصوص القرآنية ...
- جهنم كأداة ردع رمزي: إعادة تأويل مفهوم العقاب في العقيدة الإ ...
- تحديات العدالة الاجتماعية واستراتيجيات المواجهة
- جدل الحرية


المزيد.....




- التحدث قد يودي بحياتهم.. شاهد كيف يكافح جنود أوكرانيا هجومًا ...
- القميص الأبيض: قطعة كلاسيكية لا غنى عنها.. وهذه أصول تنسيقه ...
- سوريا.. مقتل الشاب يوسف اللباد والسلطات تعلن روايتها للحادث ...
- موريتانيا: خريف اركيز الساحر
- لبنان: الرئيس جوزاف عون يعلن التزامه بسحب سلاح حزب الله وتسل ...
- غزة: معاناة الفلسطينيين مستمرة والجوع لا يزال ينهش أجساد الأ ...
- طهران تطالب واشنطن بالتعويض قبل استئناف المحادثات النووية
- شهيد برصاص الاحتلال خلال هجوم للمستوطنين قرب رام الله
- وقفة تضامنية في برلين دعما لغزة وللمطالبة بإنهاء الحصار
- أسرة فلسطينية تروي تفاصيل رحلة الموت نحو مراكز توزيع المساعد ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاروق محمد الشاوي - جغرافيا غير مرئية: كيف تتحرك القوى الكبرى عبر الاقتصاد والهوية؟