أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاروق محمد الشاوي - تكفير المخالف وتأبيد الاختلاف: قراءة في ضوء النصوص القرآنية والحديثية














المزيد.....

تكفير المخالف وتأبيد الاختلاف: قراءة في ضوء النصوص القرآنية والحديثية


فاروق محمد الشاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 16:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في قلب العقيدة الإسلامية، يظهر التنوع والاختلاف كظاهرة طبيعية ومقرّرة، لا كخطيئة أو انحراف. لكن عبر العصور، طغى خطاب تكفيري يرى في كل مخالِف تهديدًا للهوية الجماعية، مما أفضى إلى استخدام التكفير كأداة لتثبيت السلطة أو تصفية الخصوم. هذا المقال يعيد تأمل هذه الظاهرة من منطلق قرآني وحديثي، محاولًا استجلاء الفارق بين الخلاف المشروع والتكفير المُجحف، وموقع حرية الرأي داخل التصور الإسلامي.

حرية الاختلاف في القرآن الكريم

يقرر القرآن أن الخلاف بين البشر أمر ملازم لطبيعتهم ومرتبط بإرادة الله، لا عجزًا في الهداية أو قصورًا في البيان. قال تعالى: *"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"* (هود: 118-119). فالاختلاف ليس مجرد احتمال، بل مقصد إلهي لحفز الفكر والاختيار الحر، وفتح باب الاجتهاد والنقاش.

بل إن القرآن ذاته اعترف بتعدد التأويلات داخل الخطاب الديني، دون تسويغ التكفير أو العنف: *"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات... وأخر متشابهات"* (آل عمران: 7). والموقف القرآني من أهل الكتاب – وهم مختلفون في العقيدة والنبوة – كان في كثير من آياته دعوة إلى الحوار لا إلى الإقصاء: *"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"* (العنكبوت: 46).

النبي صلى الله عليه وسلم وتقديس حرية الاجتهاد

في الحديث، نقرأ تعبيرًا نبويًا راقيًا عن التسامح مع تنوع الفهم، حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"* (رواه البخاري ومسلم). هذا الحديث يؤصل أن الخطأ في الاجتهاد لا يُكفّر، بل يُؤجر، ما دام صاحبه مخلصًا وباحثًا عن الحق.

كما أن السُّنة النبوية في حوادث كثيرة تظهر تقبُّل النبي لاختلاف الصحابة في الفهم، مثل قصة صلاتهم العصر في بني قريظة، إذ قال بعضهم: "لا نصلّي العصر إلا في بني قريظة"، وقال آخرون: "نصلّي في الطريق"، ولم يعنّف النبي أيًّا منهم.

التكفير: انحراف عن الأصل ومصدر للتمزق

رغم هذا التراث الواضح، برزت في التاريخ الإسلامي جماعات – أولها الخوارج – تبنت منهج التكفير كسلاح ضد الخصوم. فقد كفّر الخوارج عليًّا ومن معه، ورفعوا شعار "لا حكم إلا لله"، كوسيلة لرفض أي فهم مخالف لتأويلهم الخاص. ومنذ تلك اللحظة، صار التكفير أداة لشيطنة الآخر، وتجريد المختلف من حقه في الوجود.

وقد نبّه العلماء إلى خطورة التسرع في إطلاق التكفير. يقول الإمام النووي: "التكفير حكم شرعي، لا يصدر إلا بدليل قطعي لا يحتمل التأويل". ويقول ابن تيمية – رغم شدته في بعض المواضع –: "الخطأ في ترك التكفير خير من الخطأ في التكفير".

الجذور الفكرية والسياسية لثقافة التكفير

تكفير المخالف غالبًا ما يرتبط بصراعات سياسية أو أزمات شرعية. حين تضيق السلطة صدرها بالنقد، تلجأ إلى إخراج المعارضين من دائرة الدين لتسهيل استئصالهم. وهكذا يتحول الخلاف الفكري أو الفقهي إلى "جريمة عقائدية".

في العصر الحديث، وجدت بعض الحركات المتطرفة في خطاب التكفير وسيلة لتبرير العنف وإرهاب المجتمعات. وقد أسهم هذا في تشويه صورة الإسلام عالميًا، وفي تفكيك النسيج الداخلي للأمة، وتحويل العقول إلى متاريس عقائدية مغلقة.

التكفير وتهديده للوحدة الإسلامية

إن أخطر ما يترتب على التكفير هو تمزيق وحدة المسلمين، وتحويل الخلاف الطبيعي إلى صراع وجودي. وقد شهدنا في القرون الأخيرة حروبًا وفتناً داخلية باسم الدين، بسبب اتهامات بالكفر أو البدعة، مما عطّل الاجتهاد، وعمّق الانقسامات بين المذاهب، ورسّخ روح العداء داخل البيت الإسلامي الواحد.

بينما الأصل في الأمة أن تُعلي قيمة "الاعتصام بحبل الله جميعاً" (آل عمران: 103)، وأن تكون كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم: *"مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد"*.

الفرق بين العقيدة والسياسة

من المهم أن نفرّق بين العقيدة كمنظومة إيمانية، والسياسة كآلية تدبيرية. كثير من حالات التكفير في التاريخ الإسلامي لم تنطلق من نقاش لاهوتي حقيقي، بل من مواقف سياسية تم تغليفها برداء ديني. والخلط بين المجالين يؤدي إلى نتائج كارثية: تعطيل الاجتهاد، وقمع المعارضين، وتفتيت الصف.

دور المؤسسات الدينية والمثقفين

لا يمكن التصدي لثقافة التكفير إلا من خلال إصلاح الخطاب الديني، وإعادة الاعتبار لفقه المقاصد والاعتدال. على المؤسسات الدينية والمفكرين أن يعملوا على تأصيل ثقافة التعدد، وتقديم قراءات عقلانية منفتحة للنصوص، تتجاوز التراث الإقصائي، وتؤسس لفقه الحرية والرحمة.

كما يجب تعزيز المناعة الفكرية لدى الشباب، وتعليمهم أن الاختلاف لا يعني العداء، وأن الاجتهاد ليس خيانة، بل شرف المشاركة في فهم الدين.

نهاية مفتوحة... ولكن واعدة

ما لم يُعالج داء التكفير من جذوره، ستبقى الأمة تعاني من الانقسام والصراعات. ولكن الأمل يبقى قائمًا، فالنصوص القرآنية والنبوية لا تزال تفتح الباب واسعًا أمام الرحمة والعقلانية والتعايش، ويبقى على المسلمين أن يختاروا بين طريق الوحدة والنهوض، أو طريق الانقسام والتكفير.



#فاروق_محمد_الشاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جهنم كأداة ردع رمزي: إعادة تأويل مفهوم العقاب في العقيدة الإ ...
- تحديات العدالة الاجتماعية واستراتيجيات المواجهة
- جدل الحرية


المزيد.....




- جيش الاحتلال الإسرائيلي يدعي: قصف الكنيسة الكاثوليكية في غزة ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وعر ...
- مفتي لبنان يكشف عن التحضير لقمة إسلامية مسيحية لتدارك المؤام ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وعر ...
- 62 وزيرا وعضوا بالكنيست يطالبون بتواجد يهودي دائم في نابلس
- حرب الإبادة في غزة.. انتهاكات جيش الاحتلال للمستشفيات والمسا ...
- فاشية عصر التنوير المظلم
- الرئيس الإسرائيلي يلتقي الشيخ موفق طريف الزعيم الروحي للطائف ...
- “حدثها الأن” تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي ن ...
- فتوى شرعية بوجوب -كسر الحصار- عن غزة.. الاتحاد العالمي لعلما ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاروق محمد الشاوي - تكفير المخالف وتأبيد الاختلاف: قراءة في ضوء النصوص القرآنية والحديثية