أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاروق محمد الشاوي - جهنم كأداة ردع رمزي: إعادة تأويل مفهوم العقاب في العقيدة الإسلامية














المزيد.....

جهنم كأداة ردع رمزي: إعادة تأويل مفهوم العقاب في العقيدة الإسلامية


فاروق محمد الشاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 16:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يُشكّل مفهوم "جهنم" في العقيدة الإسلامية بُعداً مركزياً في خطاب الترغيب والترهيب، حيث تُصوّر كعقوبة أخروية قاسية أُعدّت للكافرين والمذنبين. لكن هذا التصور لا يُفهم دائماً بمعناه الحرفي فقط، بل يمكن قراءته أيضاً كرَمزية ردعية تحمل وظيفة تربوية وأخلاقية ضمن سياق النصوص الدينية. فالخطاب الإسلامي لا يكتفي فقط بتقديم وعد بالنعيم، بل يوازن هذا الوعد بتهديد بالعذاب، ليُفعّل لدى الإنسان وعياً أخلاقياً نابعاً من الشعور بالمسؤولية والخوف من العاقبة. في هذا السياق، يمكن النظر إلى "جهنم" لا كغاية في ذاتها، بل كأداة رمزية تهدف إلى بناء ضمير ديني وأخلاقي حيّ.

إن استخدام العقاب الأخروي في الإسلام يُقدَّم غالباً بصيغٍ تصويرية حادة، سواء في القرآن الكريم أو في الحديث النبوي، بهدف التأثير في الوجدان البشري. فالصور الذهنية عن نار جهنم، وسعيرها، وسلاسلها، وعقاربها، والخلود فيها، ليست مقصودة بذاتها دائماً، بل لتجسيد هول العاقبة بطريقة تردع الإنسان عن الشر والانحراف. يقول الفيلسوف محمد أركون إن كثيراً من المفاهيم الدينية، ومنها جهنم، يجب أن تُقرأ في ضوء البعد الأنثروبولوجي والرمزي، لا كتصور جامد وثابت. بهذا المعنى، لا تُفهم جهنم كحدث مكاني بحت في عالم الغيب، بل كتحذير من نتائج أخلاقية ونفسية وسلوكية مدمّرة تبدأ حتى في حياة الإنسان الدنيوية.
النص القرآني نفسه يوحي في بعض المواضع بهذا البعد الرمزي؛ فمثلاً، في قوله تعالى: *"ذوقوا ما كنتم تعملون"* (سورة النحل)، يتجلى ربط واضح بين فعل الإنسان وجزائه، مما يدل على أن العذاب هو في جوهره تجلٍ لأفعال الإنسان نفسه. بمعنى آخر، جهنم ليست مجرد "مكان" للعقاب، بل انعكاس لخيارات الإنسان ومساره في الحياة. وهذا التصور يفتح المجال لتأويل جهنم كأداة ذات طابع تربوي، تستهدف ترسيخ القيم بدل أن تكتفي بالوعيد القهري.

في هذا السياق، يرى بعض المفسرين المعاصرين أن التفسير الحرفي لعذاب جهنم قد يعوق إدراك البعد الأخلاقي في الدين، ويحوّل العلاقة بين الإنسان والإله إلى علاقة خوف فقط. بينما إذا فُهمت جهنم على أنها نتيجة رمزية لمسار حياتي منحرف، فإنها تعيد الاعتبار لمبدأ الاختيار والحرية، وتُعزز مسؤولية الإنسان عن أفعاله. يقول فريد الأنصاري، في تأملاته التربوية، إن "جهنم ليست انتقاماً إلهياً بل هي ضرورة عدلية وتربوية، تحفظ للمقاييس الأخلاقية هيبتها في وعي الناس".

القرآن الكريم لا يُركّز فقط على جهنم كعقوبة للكافرين، بل يربطها أيضاً بسلوكيات اجتماعية وأخلاقية مثل الظلم، الكذب، أكل مال اليتيم، والنفاق. وهذا الربط يُبرز أن العقاب ليس مفصولاً عن الحياة، بل هو استمرار منطقي لها. فالمذنب لا يُعذّب لأن الله يريد التنكيل به، بل لأن سلوكه كان ضد نواميس الرحمة والعدالة، وبالتالي فإن ما يتلقاه هو "نتيجة" لا "تعذيب". وهذا ينسجم مع فلسفة قرآنية أعمق ترى أن للكون نظاماً أخلاقياً داخلياً، وأن من يخالفه يتحمل عواقب فعلية، سواء كانت دنيوية أو أخروية.

يمكن إذن أن نعيد تأويل مفهوم جهنم كمجاز رمزي ضمن المنظومة الأخلاقية الإسلامية، حيث لا يكون الخوف من النار مجرد رعب بدائي، بل محفّزاً لتحرّك داخلي نحو الإصلاح الذاتي. وهذا يتطلب تجاوز القراءة الحرفية الجامدة، نحو فهم ديناميكي يُفَعّل الرسالة القرآنية كأداة بناء حضاري وأخلاقي. كذلك، فإن هذا التأويل لا ينفي واقع جهنم كغيب، بل يُوازن بين الغيب والرمز، بين العقيدة والمقصد، بين النص والتأويل.

في النهاية، يمكن القول إن "جهنم" ليست فقط وعيداً أخروياً بل أداة رمزية قوية، تستنهض الوعي وتردع النفس، وتحفظ للمجتمع توازنه القيمي، وهو ما يجعلها جزءاً فاعلاً في مشروع بناء الإنسان في التصور الإسلامي.



#فاروق_محمد_الشاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحديات العدالة الاجتماعية واستراتيجيات المواجهة
- جدل الحرية


المزيد.....




- جيش الاحتلال الإسرائيلي يدعي: قصف الكنيسة الكاثوليكية في غزة ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وعر ...
- مفتي لبنان يكشف عن التحضير لقمة إسلامية مسيحية لتدارك المؤام ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وعر ...
- 62 وزيرا وعضوا بالكنيست يطالبون بتواجد يهودي دائم في نابلس
- حرب الإبادة في غزة.. انتهاكات جيش الاحتلال للمستشفيات والمسا ...
- فاشية عصر التنوير المظلم
- الرئيس الإسرائيلي يلتقي الشيخ موفق طريف الزعيم الروحي للطائف ...
- “حدثها الأن” تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي ن ...
- فتوى شرعية بوجوب -كسر الحصار- عن غزة.. الاتحاد العالمي لعلما ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاروق محمد الشاوي - جهنم كأداة ردع رمزي: إعادة تأويل مفهوم العقاب في العقيدة الإسلامية