أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلامه ابو زعيتر - النزوح رحلة الالم والكرامة المفقودة














المزيد.....

النزوح رحلة الالم والكرامة المفقودة


سلامه ابو زعيتر

الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 14:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مجرد التفكير في النزوح يثير وجعًا وألمًا وشعورًا يصعب وصفه، وقد جسّدته التجربة القاسية في قطاع غزة منذ بداية العدوان بعد السابع من أكتوبر 2023، فالنزوح ليس مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل هو اقتلاع من الجذور، وترك للذكريات، ومواجهة لمستقبل مجهول، إنها رحلة قسرية تُفرض على المدنيين الأبرياء بحثًا عن الأمان، هربًا من الموت الذي يطرق أبوابهم، والدمار الذي طال منازلهم وأحلامهم.
في خضم هذه الرحلة، تتكشف آلام ومعاناة لا تُطاق تطال كل فرد في الأسرة، فالجميع له نصيب من الوجع والألم والحسرة، فالنزوح القسري يلقي بظلاله القاتمة على الجميع، أما الرجال، الذين يُفترض بهم أن يكونوا السند والحماية، فيجدون أنفسهم عاجزين ومقهورين، فهم يحملون على عاتقهم مسؤولية إعالة عائلاتهم في ظروف قاسية، ويصارعون من أجل توفير أبسط مقومات الحياة، في مواجهة استغلال بشع يتمثل في ارتفاع أجور النقل وأسعار السلع الأساسية، وإن شعور العجز والمهانة الذي يراودهم يترك ندوبًا عميقة في نفوسهم. وإذا ما كانت معاناة الرجال قاسية، فإن الأمهات والنساء يواجهن معاناة مضاعفة، فبالإضافة إلى القلق على مصير العائلة والخوف على الأبناء، يجدن أنفسهن في مواجهة تحديات جسيمة تتعلق بسلامتهن وسلامة أطفالهن، وفقدان الخصوصية، والعيش في أماكن مكتظة، والتعرض للمضايقات، كلها أمور تزيد من أعبائهن النفسية والجسدية، وتجعلهن محاصرات في دائرة من الخوف واليأس.
ولا يقتصر هذا الوجع على الرجال والنساء وحدهم، فالأطفال وكبار السن أيضًا لهم نصيبهم من هذه الرحلة، فالنزوح يسلب الطفولة براءتها، ويحول الأطفال إلى شهود على المعاناة والعنف، ويجعلهم يتحملون أعباءً لا تتناسب مع أعمارهم، مما يترك في نفوسهم صدمات نفسية عميقة ويفقدهم شعور الأمان والاستقرار، وكما لعل كبار السمن الفئة الأكثر عجزًا وضعفًا، وخاصة المرضى منهم، فالنزوح يتطلب قوة جسدية وقدرة على التحمل، وهما أمران يفتقر إليهما المسنين، لذا يجدون أنفسهم عبئًا على أبنائهم، ويشعرون بالذل والمهانة وهم يتركون بيوتهم التي قضوا فيها عمرًا، ليموتوا خارجها.
لا تقتصر خسائر النزوح على المعاناة المادية، بل تتجاوزها إلى الخسائر المعنوية التي لا تُقدر بثمن، فالنزوح يمزق الأسر، ويفتت الروابط الاجتماعية، ويفقد الإنسان شعوره بالانتماء والهوية، وقد أثبتت التجارب ما أنتجه النزوح من مشكلات اجتماعية وخلافات وتراجع في العلاقات الإنسانية، مما يهدد النسيج المجتمعي والتماسك بين أفراده، وخاصة الأقارب، لصعوبة التعايش تحت الضغط والمسؤوليات المركبة، فكانت كل خطوة يخطوها النازح في هذه الرحلة هي خطوة معقدة ومكلفة تسير نحو المجهول، تاركًا خلفه كل ما كان يمثل له الحياة والامل والمستقبل..
إنها معاناة مستمرة لا تنتهي بانتهاء الرحلة، بل تبدأ معها، وبشهادة كل النازحين، لم يكن في النزوح لحظات تُبكى عليها، فوَجَعُ أيامه يتخطى كل وصف، وتتفاقم المعاناة بشكل خاص بسبب جشع بعض النفوس التي تستغل حاجة النازحين في غربتهم، ففي الوقت الذي يبحث فيه الناس عن مأوى يحميهم من ويلات الحرب، يجدون أنفسهم أمام ابتزاز مادي لا يرحم، حيث يستغل أصحاب العقارات الأوضاع برفع أجور المساكن بشكل فاحش، فمن غير المعقول أن يصل سعر شقة من غرفتين إلى 3000 شيكل شهريًا، أو أن تبلغ أجرة مخزن 1500 شيكل شهريًا، وأجرة متر الأرض البور شهريا 10 دولارات فهذه الأرقام الفلكية لا تزيد الطين إلا بلة، وتجعل من النزوح كابوسًا مستمرًا.
في ظل هذه الأزمات التي تلاحق النازحين، تبرز الحاجة الملحة إلى تكاتف الجهود لمساعدتهم والتصدي لكل من يستغل معاناتهم، ويجب على الأفراد والمؤسسات العمل معًا لتقديم يد العون وتخفيف الأعباء عن كاهل الأسر النازحة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
• إنشاء شبكات دعم مجتمعية لتنظيم فرق تساعد النازحين في العثور على سكن بأسعار معقولة، وتوفير المساعدات الأساسية مثل الغذاء والماء والبطانيات.
• توفير أماكن إيواء مجانية أو منخفضة التكلفة عبر الجمعيات والمؤسسات الإنسانية والجهات الرسمية لإقامة مراكز إيواء مؤقتة أو توفير سكن بأسعار رمزية.
• إطلاق حملات إعلامية لزيادة الوعي حول معاناة النازحين، وتشجيع التبرع والمساعدة، وفضح الممارسات الاستغلالية.
كما يجب أن تكون هناك تحركات فعالة لحماية النازحين من الجشع والاستغلال، وهنا تقع المسؤولية على الجهات الرقابية والرسمية في المجتمع لاتخاذ خطوات عملية مثل:
• وضع قوانين وأنظمة تحد من الاستغلال وترفع أسعار الإيجارات بشكل غير مبرر، وتفرض عقوبات رادعة على المخالفين.
• إنشاء قنوات رسمية للنازحين لتقديم الشكاوى ضد أي ممارسات استغلالية، مع ضمان التعامل معها بجدية وسرعة.
• سن قوانين تجرم استغلال الأوضاع الإنسانية الطارئة واعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون بصرامة.
أخيرا، إن استمرار حالة النزوح القسري يُلقي بمسؤولية كبيرة على عاتقنا جميعًا، باعتباره ليس مجرد حدث عابر، بل أزمة إنسانية عميقة ترهق الناس بتكاليفها النفسية والاجتماعية، وإن واجب كل شريف ووطني أن يُناصر النازحين بكلمة طيبة، ويعاونهم على تخطي هذه الأزمات، فالإنسانية هي أن نكون عونًا لمن فقد كل شيء، وأن نكون صوتًا لمن صمتت أصواتهم.
حفظ الله شعبنا، ونسأله باسمه الأعظم أن تنتهي هذه الحرب ويعم السلام والأمان على الجميع..



#سلامه_ابو_زعيتر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كفى استغلال لجيب المواطن المكلوم في قطاع غزة
- صرخة عمال غزة من جحيم لا ينتهي... كفى صمتًا!
- سوسيولوجيا الفوضى وسرقة ونهب المساعدات
- حان وقتُ لملمةِ الشتات! وحماية الجبهة الداخلية
- غزة مأساة الدمار الاقتصادي ونداء إنساني عاجل
- قراءة في اندفاع الناس على مركز المساعدات في جنوب غزة
- متى يقرر المتضررون مصير إغاثتهم؟!
- تداعيات الحرب في غزة على البنية الاجتماعية
- السباق مع الزمن في غزة لانقاذ ما يمكن انقاذه
- الاخصائي الاجتماعي قلب العمل الانساني
- سلامه العمال ضمان للمستقبل وتنمية المستدامة
- العمال الفلسطينيون تحت وطأة تحديات مركبة
- صرخة من غزة: عمال تحت سندان الحرب ومطرقة الحصار
- التجديد النقابي يجسد نقابات أكثر فعالية
- توحيد برامج التشغيل تحت مظلة الصندوق الفلسطيني للتشغيل
- النقابات العمالية ودورها الاغاثي
- دور النقابات العمالية في الحروب والازمات
- الحروب والتوازن الاجتماعي
- مفهوم الكرامة الانسانية والحق بالعمل
- الشباب والتحديات في المشاركة الاقتصادية


المزيد.....




- ابنة كيم تشعل تكهنات بأول رحلة علنية لها خارج كوريا الشمالية ...
- بوتين وكيم في الصين: بكين تكشف عن أسلحة جديدة في عرض عسكري ض ...
- أفغانستان: الاستعانة بقوات كوماندوز في البحث عن ناجين من الز ...
- -شمال بلا حماية-.. تقرير يكشف إهمال الحكومة الإسرائيلية لسكا ...
- -الموساد كان هناك-.. خفايا جديدة عن عملية اغتيال نصرالله في ...
- اليونيفيل تندد بهجوم إسرائيلي -خطير- على جنودها جنوبي لبنان ...
- -فوضى- باير ليفركوزن -تفاجئ- نجم بايرن ميونيخ!
- هزة أرضية جديدة تضرب أفغانستان وارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال إ ...
- مصر: معلمة توزع -دولارات- على طلابها.. ما القصة؟
- بايرو يواصل مشاوراته مع زعماء الأحزاب السياسية الفرنسية في م ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلامه ابو زعيتر - النزوح رحلة الالم والكرامة المفقودة