أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فجر يعقوب - كيلو تمر من أجل الجنازة














المزيد.....

كيلو تمر من أجل الجنازة


فجر يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 1822 - 2007 / 2 / 10 - 11:21
المحور: الادب والفن
    


كيلو تمر من أجل الجنازة»، هذا ما يطلبه في بداية الفيلم متعهد دفن الموتى أوروغ، الرجل النكد، وصاحب الفلسفة الخاصة في تحضير الموتى ودفنهم، على أنه لا يكتفي بذلك، بل هو يجرب حلاوة الصوت الشجي في الغناء، وهو يقود سيارته المميزة بين القرى الجبلية البعيدة.

هكذا، يشتغل المخرج الايراني سامان سالور على موضوع فيلمه الروائي الطويل «كيلو تمر من أجل الجنازة» الذي توج أخيراً بذهبية مهرجان نانت للقارات الثلاث، وما المكان الذي اختاره سالور لتدور فيه أحداث فيلمه إلا إشارة بأن القصة بأكملها إنما تدور في مكان ناء ومعزول، ولا يتردد عليه بين الفينة والأخرى سوى أوروغ نفسه وهو يتنقل بين القرى، وساعي بريد محتال، وبالطبع هناك مالك محطة وقود اسمه صادري، وعامل لديه.

تبدو المحطة وكأنها قد اخترعت خصيصاً لهذا المكان الذي يشبه حافلة ضخمة معطلة وقد اصطفت حواليها مجموعة كبيرة من الدواليب السود. فيما يبدو أن الحافلة الصغيرة التي اختارها صادري لسكناه، وكأنها نموذج مصغر عن حافلة الزمن نفسها(...)، فالمكان جعل من قاطنيه مجرد «أشباح» آدميين في خلوة مع أنفسهم، ينحنون عبر دقائق الفيلم على ضمائرهم الميتة للتدقيق بها، ولا سيما ساعي البريد الذي لا هم له سوى نقل الرسائل الغرامية المكتوبة بخط يد العامل في المحطة من أجل إرسالها إلى معلمه صادري وايهامه بأنها تجيء من إمرأة عاشقة له مقابل مبلغ من المال يدفعه صادري له بكل رحابة صدر.




تتعقد القصة مع دخول صادري في سيارة متوقفة في الثلج، إذ نشاهد وجود يد نسائية إلى جانبه وهو في موضع السائق من دون أن نرى وجه صاحبته. ويقوم صادري بمناجاتها وبثها أشواقه المحزونة المتراكمة في صدره، ثم يأخذ قلادة معلقة في رقبتها كتذكار منها. وكل هذا من دون أن نرى الوجه، لأننا سرعان ما سنكتشف في زياراته الأخرى لها بأن المرأة مجرد جثة هامدة لمصورة فوتوغرافية ميتة، ربما تجمدت، بعد أن ذهب «مرافقها» الذي يفترض وجوده في موقع السائق الغامض، ليبحث عن نجدة ما، وسط هذه المنطقة الثلجية القفراء.

ويزيد الأمور تعقيداً من حول هؤلاء «الأشباح»، اقدام العامل في المحطة على سرقة التذكار من صادري ليرسله مع ساعي البرد الى فتاته، فيستغله هذا الأخير في التودد إليها ليقترن بها ويقدم لها التذكار كهدية.

يكتشف صادري إن خط العامل لديه يشبه الخط الذي كتبت به الرسائل الغرامية الوهمية، فينهال عليه بالضرب، ثم يكتشف اختفاء التذكار، فيجن جنونه، ويحاول أن يحافظ على جثة المصورة الفوتوغرافية ما أمكنه ذلك، ويطلب إلى سائق كاسحة الثلوج بأن يجمع له أكبر قدر ممكن من «الذهب الأبيض البارد» من أجل أن ينقلها لاحقاً ويغطي بها سيارة الميتة. ثم يدخل في حوار فلسفي يبدو للوهلة الأولى أنه لا نهاية له مع متعهد دفن الموتى أوروغ حول من تتحلل جثته أولاً، المرأة أم الرجل؟ يبدو الأمر بالنسبة لأوروغ المجرب سيان، فالجثة بعرفه جثة، ولكن الخطيئة الكبرى تكمن في الاحتفاظ بجثة ميت، لأن الروح لا تهدأ إلا بدفنها.

ويستسلم صادري بعد ممانعة طويلة، فالشمس بدأت تسطع، وبدأت الثلوج بالذوبان، وما عليه في هذه الحالة إلا أن يسلم جثة المصورة إلى المتعهد من أجل دفنها.

«كيلو تمر من أجل الجنازة»، فيلم تمتزج فيه غرابة القصة مع توازنات التكوينات المحكمة للمكان، والتي أراد لها المخرج سالـور أن تـكون بالأسـود والأبـيض ليراعي من خلال التباينات القوية «حرمة» الثلج، حافظ الأسرار، في فيلم أراد أن يقص حكايته علينا باتقان شديد. فـفـي البـاص القـديم الذي يستخدمه صادري مسكناً له لا توجد عجلات، وهو يضع على سقفه هوائياً من أجل متابعة أخبار الطقس ليطمئن على «مصير» المتوفاة، بعد أن آل إلى فجيعة كان سببها الثلج نفسه الذي سيكون سبباً إضافياً في حمايتها من التحلل.

وهنا سنجد كل تلك الإطارات السوداء المرصوصة بطريقة تنخلق منها أشكال حية دائرية لتسهم في تطوير فكرة المكان نفسه وكأنه يتحول إلى حافلة ضخمة، والمحطة هي خزان الوقود فيها، لتبتلع كل من يستقلها، وتهضمه ليتحول تدريجاً إلى «شبح» آدمي ملعون تتناوشه القصة من دون التوصل إلى أي مخرج فيها، حتى عندما تنتهي بعودة التذكار المسروق إلى العامل السارق بعد أن يجدّ في أثر ساعي البريد الذي ينفي أمامه وجود حبيبة له من الأساس... ويرجع صادري إلى ثلج العام الجديد وفي رأسه فكرة عن وجود حبيبة أخرى وتذكار آخر..!!






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنوات البراءة
- ناس الغيوان والفضائيات
- رشيد مشهراوي يقتفي أثر الغائب في (أخي عرفات):حين تصبح الذكري ...
- الدراجة النارية في السينما:نزوات السائق في مقدمة التابوت الط ...
- الأقمار بعد الحرب في -فلافل-ميشال كمون:القتل في المخيلة
- فيلم سوري ينتصر للشعر ضد السينما
- همبورغر عراقي في معسكر قوة التحمل الأميركي
- الشقيقان جلادو على متن التابوت الطائر
- أفواه وأرانب
- صنع الله ابراهيم يستسلم لروحانيات الآلة الكاتبة
- تلك القائمة
- الصورة الانكشارية
- في فيلم رشيد مشهراوي الجديد
- انفلونزة كونية
- دمشق في السينما
- الماكييرة الصلعاء
- الصورة أصدق انباء من الكتب
- عنف أقل
- وجوه معلقة على الحائط للبناني وائل ديب:الغائب الذي يعذبنا با ...
- الآثار العراقية في فيلم وثائقي


المزيد.....




- جودي فوستر: السينما العربية غائبة في أمريكا
- -غزال- العراقي يحصد الجائزة الثانية في مسابقة الكاريكاتير ال ...
- الممثل التركي بوراك أوزجيفيت يُنتخب -ملكًا- من معجبيه في روس ...
- المخرج التونسي محمد علي النهدي يخوض -معركة الحياة- في -الجول ...
- سقوط الرواية الطائفية في جريمة زيدل بحمص.. ما الحقيقة؟
- منى زكي تعلّق على الآراء المتباينة حول الإعلان الترويجي لفيل ...
- ما المشاكل الفنية التي تواجهها شركة إيرباص؟
- المغرب : مهرجان مراكش الدولي للسينما يستهل فعالياته في نسخته ...
- تكريم مستحق لراوية المغربية في خامس أيام مهرجان مراكش
- -فاطنة.. امرأة اسمها رشيد- في عرضه الأول بمهرجان الفيلم في م ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فجر يعقوب - كيلو تمر من أجل الجنازة