أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - يتيمة بيروت















المزيد.....



يتيمة بيروت


الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي


الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 14:07
المحور: الادب والفن
    


كنت في الخامسة من عمري حين تعرضت لما يسمونه (التحرش الجنسي)، وما أذكره حينها أنني لن أكن لأعلم ما يسمى مثل هذا الفعل، إلا أنني علمت لاحقا"على ما يبدو وقبلت بهذا التوصيف قانعة نفسي بكفايته، إلا أنه في النهاية ما عشته يبقى هو الأهم وليس ما يطلقون عليه من تسميات أو في أي من خانات الجرائم يصنفونه، أو في أي قائمة من قوائم الأفعال الشائنة.
ما هو أكثر أهمية بالنسبة لي هو أن حياتي قد ارتبطت بعدها دون إرادتي بجسدي ارتباطا"وثيقا"، أو ربما ارتباطا"وجوديا"إن صح التعبير، لأنه رافق المعنى لحياتي في كل رحلاته وهفواته ومحاولاته العبثية في تغيير مسار المعنى نحو معنى"أكثر شمولية وأقرب للعامة.
يدٌ ذكورية صلبة مكسوة بشعر كثيف تمتد إلى المنطقة المجهولة، أو المنطقة التي لا ينبغي التحدث عنها كثيرا"، تحت تنورة قصيرة ضيقة عليها رسمٌ مبهم لا معنى له، والذي صار يحمل معنىً كبيرا"بعد أن بلغ المتحرش غايته الأسمى، بأن يكلل تلك اللحظة الراهنة في زمنه الشخصي باللامعنى، ويخلف وراءه زمنا"طويلا"لا نهاية له من الحيرة القادمة في حياتي مابين كراهيته أو الإشفاق عليه، ومابين كراهيتي لنفسي والاعتداد بها لكونها أقوى مافي الوجود، لأنها قوت بكل بساطة على حمل ثقل هذا المعنى الخاص، المنمنم، المشوه الذي رافقها بعد ذلك حتى الآن وربما إلى أبعد من ذلك.
كان هذا الصراع هو المحتم علي بأن أعيشه، وتمظهر في كل شيء وكل مكان وكل محاولة لفهم تلك المعضلة الفلسفية، في كل ما يرتبط بها من تساؤلات سواء بالنسبة لي أو بالنسبة للمتحرش نفسه، فقد كان علي أن أبحث عن إجابات أو ربما ترهات أملأ بها فراغات في روحي لا أكثر، في كل ما أنجزه البشر في ميادين العلوم والبحوث والفنون وحتى التكنولوجيا والميتافيزيقيا والإيديولوجيا، رغبة مني في الفهم أو ربما عدم الفهم، أو ربما لإضفاء صبغة الطبيعية على أمر شاذ او مخالف للمعتاد، أو ربما لكي لا أسقط في البكاء لا أكثر.
حدث ذلك في مكان من الأمكنة المعتادة لحدوث هكذا أمور، وبهذا لا أستطيع لوم أحدٍ على إهمال أو تقصير، أو ربما يمكنني ذلك إلا أنني بلغت حدا"من المسامحة لا ألوم فيه سوى نفسي حتى لو كنت بريئة كل البراءة، وألتمس الأعذار للجميع سوى لنفسي! وهذا ربما نوع من الكبرياء أو إصرار على عدم وصفي بصفة الاختلاف عنهم، أو رغبة في عدم الاعتراف بأنني كنت الضحية ذات يوم، ضحية صرفة ضعيفة للغاية، هشة لا حول لها ولا قوة، وبالاعتراف بذلك سأنهار لا محالة.
لكنني لاحقا"اكتشفت أنه كان علي أن ألقي اللوم على من يجب أن يلقى اللوم عليه وأنه عليه أن يخضع للمحاسبة، نعم، هذا ما أدركته لاحقا"حين اكتشفت طريق الحياة الذي يتوجب خوضه بعد سنوات من موت قاسٍ فرضته على نفسي، على هيئة تشتت وضياع في دروب مبتدعة من قبلي على أمل أن ألقى فيها المعنى، أن ألقى المعنى في المعاناة تارةً، وتارةً في السعادة المفرطة.
كانت المعاناة وعشقها والضحك المفتعل المفرط في الابتذال ثنائيّي حياتي المتناوبين دوماً في طريق الحياة والموت الذي خضته مع نفسي فقط، وسط متاهات مفترضة أو ربما حقيقية، زججت بنفسي فيها رغبةً في التشكل أو تجاوز الماضي الأليم.
ولعل أكثر ما يثير العجب في تلك القصة هو أنني لم أقابل ذلك المتحرش مرة أخرى، ولا حتى دفعني فضول ما أو رغبة مافي الانتقام للبحث عنه أو ربما للذهاب إليه حيث يسكن، فقد كنت أعلم مكان سكنه حتى! لقد مات ذلك الشخص بالنسبة لي منذ تلك اللحظة التي قتلته أنا بها، حين رأيت ابتسامته المنتشية وهو يقذف من قضيبه منيا"ناصع البياض بكمية لربما أظنها كانت متفوقة على الكمية المقذوفة في الحالة الطبيعية، حسنا"هذا ما اكتشفته لاحقا"بفضل علاقاتي الجنسية التي عشتها مستقبلاً مع الرجال الذين جمعتني بهم كل مشاعر الأرض سوى شعور الحب!
ومع أنني حاولت دوما"ألا أمنح لما حصل معي في الصغر، وماترتب عنه في المراحل اللاحقة بعدا"سياسيا"أو ثقافيا"، إلا أنني وجدت نفسي أتخبط في خضم تلك الاعتبارات التي تقحم نفسها في حيواتنا دون أن نقرر نحن ذلك، بكل بساطة لأنني كنت في يوم ضحية رجل رغب أن يمتع نفسه لمدة ربع ساعة.
وأول ما فرضته تلك الحالة غير الاعتيادية التي لازمت حياتي هو أنه كان من المحتم علي أن ألج الجامعة بأفضل كلياتها، ولم أملك الخيار في ذلك، لقد كان لزاما"علي أن أدرس فرعا"نخبويا"كي أمنح تلك الأنا المنقوصة، أو ربما المختلفة (حتى لو كانت متألمة) جرعةً من الثقة بالنفس للمضي قدما"أو ربما لأمنحها دفعةً من القوة نحو الأمام كي تتمكن من بلوغ ذلك اليوم الذي ستتحدث فيه بكل صراحة عما جرى لها بدون أية مشاعر لومٍ للنفس أو كلمات يكللها الشعور بالخزي أو ربما خوفٌ مع أنني لم أشعر بتاتاً من قبل بالخوف إزاء تلك الحادثة التي اعتبرتها دوما"منتميةً إلى الماضي البعيد.
لذا ما أذكره من العام الذي تحضرت فيه للتقدم للحصول على الشهادة الثانوية العامة هو أنني عشته بين الكتب والأوراق، باحثةً ربما عن القوة في المعلومة المؤكدة المجردة قبل أن أنتظرها في نتيجة الامتحانات النهائية.
إن الأمر أشبه باليتم، فقد كان جل هذا الشعور دوماً بأنك تواجه الحياة بمفردك، وليس من أمامك وسيلة سوى أن تعتبر نفسك في خضم معركةٍ مع الوجود.
هكذا تشعر ضحية التحرش الجنسي بأنها في حالة يتم مع الوجود، مع الأشياء ومع المشاعر.
وبالفعل خرجت من معركتي الأولى منتصرةً، إلا أن ذلك الانتصار لن يسد كما اعتقدت فراغ النقص في الثقة بنفسي، كانت تلك المعضلة أصعب وأكثر تعقيدا"مما ظننت.
كان علي الاقتراب من الجنس الآخر دوما"، كي أجد عدالةً ما تمكنني من الاستمرار في صراعي مع أشياءٍ أجهلها، مع وضع معقد لم أفهمه يوما".
كنت أبحث عن الحب العادي، الحب البسيط الذي يعيشه الجميع، غير المتحرش بهم في صغرهم، إلا أنني لم أجده يوماً، كان ثمة شيء يدفعني إلى التخلي عن كل شيءٍ في العلاقة والانسحاب تماماً على حين غفلة.
وحين أدركت ذلك قررت البحث عن ذاك الرجل بعد أن غير مكان مسكنه والذي ترك خلفه معضلةً منقوصة، لا لكي أنتقم، بل كي أملأ فراغات الماضي بما يمكنني من المضي نحو المستقبل، نحو الحياة التي تنتظرني هكذا بعاديتها و بساطتها كما الجميع.

شعرت بالدهشة وبنوع من القهر الذي يشعر به المرء أمام عدم إنصاف الحياة، حين علمت بأن ذلك المتحرش قد أصبح رجل سلطة مرعبا"، بانضمامه إلى إحدى الفرق التي يستخدمها نظام الأسد البعثي في حربه على شعبه الثائر والمنتفض في وجهه.
وهنا زججت بنفسي في صراع سياسي تحتم علي بأن أخوضه واتخذت حكايتي بعدا" سياسيا"، وجعلني ذلك أمقت البلاد التي يعيش ويهنأ فيها مثل هؤلاء المتحرشين.
وبدأت رغبة الفضح والانتقام تتسلل إلى أفكاري بعد أن كنت متسامحة أو ربما متصالحة مع اختلافي.
ولأول مرة طالبت بيني وبين نفسي بالعدالة، واكتشفت بأنني رغبت في العدالة دوما" لكنها لم تكن لتجد طريقة لتصبح تلك العدالة مابين أيدي الوضوح، بأن يرى الجميع بأنني الضحية وهو الجلاد، هو الفاسد وأنا النظيفة، هو المجرم وأنا الضحية.
إنه الوقت الذي يجعلنا ببطئه العادل ربما نحول أعداءنا وظالمينا إلى مجرمين في عيون الجميع، ونكشف عن إجرامهم.
لكنني لم أجرؤ على أن أخبر أحدا" وأفصح عن اسم المجرم وأدل عليه هكذا بكل ثقة و دون أي شعور بالنقص بأنه المجرم الذي دمر حياتي، لأن السلطة بين يديه، ومن يملك السلطة في هذه البلاد يملك معها الفضيلة والخير و الَمصدقة على شرفه ومعصوميته عن الخطأ، ومن لم ينخرط في السلطة أو يصفق لها فهو المخطئ وهو الوغد دوما".
إنها ألوهية الحكم التي تحدث عنها كل الكتاب الشرقيين، أو ربما الخوف الذي عشنا فيه نحن كسوريين في ظل نظام الأسد الفاشي،مع أن الحكم في الشرق دوما" أخذ اعتبارا" ميتافيزيقيا" وتم التماهي مع الله في فكرة الحاكم دوما"، والدليل على ذلك الديكتاتوريات العربية التي حكمتنا طوال عقود من الزمن.
وكما استسلم السيد المسيح لظلامه و قاتليه وغفر لجهلهم وقرر الرحيل بدلا" من الحرب، قررت الاستسلام والرحيل إلى بلاد أخرى، حيث قد ينصفني القدر، أو يشفي جراحي الزمن.
لم أسامحه حتما"، إلا أنني اخترت نفسي وحياتي، فالسيد المسيح حين استسلم اشترى بذلك نفسه وانتصر على قاتليه، وتحول ذكره إلى دين يدين به ثلث سكان الأرض، لقد انتصر على قاتليه وليس العكس، فقد قام من الموت و خلده تلاميذه وتحولت تعاليمه إلى دين جاب كل الأصقاع والبلدان.
إنها فلسفة الحياة عبر الموت التي قدمها لنا السيد المسيح والتي لن يفهمها كثر، ومنهم رجال السلطة الأسدية، بنظامهم الجاهل والذي ما هو سوى انعكاس لداعش في المرآة.
لذا رحلت إلى بيروت، متحججة باستكمال دراستي والسعي إلى السفر إلى أوروبا، هذا ما أخبرت به أهلي، والدتي ووالدي البسيطين الذين لم يعلما يوما" عن حكايتي مع ذاك المتحرش، و أخي الذي كان قد تزوج حديثا" في الفترة التي قررت فيها الرحيل.
كانت علاقتي بأهلي منذ حادثة التحرش قد تبدل شكلها دون أن أدرك ذلك إلا بعد حين، فاكتشفت بأنني بنيت لنفسي هالة حولي تحيط بي وتقيني من الاصطدام مع أي أحد سواء بالتعاطف أو النفور، مثل مريض نقص مناعة يسجن نفسه في فقاعة واقية لكن هنا الفقاعة مصنوعة من الاعتداد بالنفس والاستغناء عن الآخر.
فقاعة تقي من الوقوع في الضعف أو تكشف مدى الهشاشة والتشوه في الروح وربما في الجسد، حيث كنت أحيانا" أقسو على جسدي بفقء البثور في مرحلة الشباب دون رحمة بجسدي محتملة كل الألم الذي يسببه ذلك الفقء، ومتغاضية عما قد يسببه من تشوه للجلد.
كان أخي يمثل نموذج السعادة التي آمنت على الدوام بأنني لن أصل إليها، كان يعرف ماذا يريد، وشابا" مقبلا" على الحياة، لم يكن مثلي يحمل سرا"، ولم يكن مثلي مترددا"، ببساطة لأنه لم يتعرض لتحرش جنسي في صغره مثلي.
بالنسبة لأخي كنت شخصية صعبة الفهم، وصعبة المراس، ويجب في بعض الأوقات أن يذكرها بأن الخوف والتردد لن يجديا نفعا" في جعلي آمنة في مجتمعي، وأنه لا بد لي من المخاطرة ولو لمرة واحدة في حياتي كي أجرب شيئا" جديدا" فيها وتصبح حياتي ذات معنىً.
كنت أحسده في سري على ذلك الإقبال على الحياة إلا أنني آثرت أن أبقى آمنة في فقاعتي الخاصة، فقاعة الأمان من تدخل الآخرين، كي لا يكشفوا سري الدفين، وما تسبب لي هذا السر من تشوه ونقص في الثقة.
والدي كان يحبني على ما أنا عليه دون أن يطالب بأي تغيير، كان مرحا" طيب القلب يظنني حساسة فقط، وأن كل ما بي دون تلك الخصلة مقبول و مرحب به من قبله.
وحين قررت الرحيل إلى بيروت، علم في سره ربما بأن المسألة هي عدم ثقة بالبلاد التي نقطن فيها، وأن وراء كل هذا حدث ما، لم يعلم تفاصيله، وربما لم يثره الفضول لمعرفة شيء عنه، إلا أنه قبل اقتراحي كما هو لثقته بقراراتي على الدوام وبأنني دوما" لا أقوم بأي فعل دون أن يكون له مسبب مقنع، حتى ولو لم يكن ليعلم هذا المسبب.
أما والدتي ربة المنزل العاطفية والبسيطة، كان كل ما يهمها أن أبقى سعيدة، وكانت مستعدة لمنحي كل ما تقتنيه من أساور وأقراط وعقد من الذهب كي أبقى سعيدة وراضية.
كانت والدتي تظن بأن من طباعي الخاصة تلك الانطوائية وكانت تعمل على الدوام كل ما يجعلني مرتاحة من وجهة نظرها، وهي أن تحتمل مزاجيتي وطبيعتي الخاصة التي حفظتها، وكانت تراعي تلك الانطوائية دون أن تطالب لنفسها بتفسير معقول لتلك الانطوائية وذلك الطبع الخاص.
وبالفعل سافرت إلى بيروت ذات يوم شتوي، جاء السائق الذي سيقلني فيها ذات صباح إلى منطقة في العاصمة حيث قررنا أن نتقابل.
كنت أزور العاصمة للمرة الأولى، رافقني أخي وأمي في تلك الرحلة، استقلينا باصا" للوصول إلى العاصمة وجلست أنا بجانب النافذة ورحت أراقب تلك البلاد الحزينة، والتي صحرها ذلك النظام الفاشي من كل حب أو سعادة، كانت الأراضي تبدو وكأنها على وشك الصراخ من آلامها الدفينة.
المظاهر العسكرية في كل مكان، كل ما حولك مخيف ومرعب، ويجعلك تنفر من بلادك لائذا" ببلد آخر.
قد يكون معظم السوريين يحملون قصة أشبه بقصتي، من يدري؟ أو ربما قصة أشد ألما" وقسوة.
إنه شعور اليتم من الوطن، حيث تشعر بأنك في بلاد ليست بلادك، ويصبح فعل الوجود مشكوكا" فيه ويدفعك لبناء بلاد في رأسك فقط تنتمي إليها، مثل الفقاعة من الخيال الجميل التي بنيتها حول نفسي وعشت فيها لأتقي شرا" عظيما" التهم هذه البلاد.
كان الظلام والصمت يخيم على البلاد، ومن يعلم قد يكون ثمة تأوهات مكبوتة ودفينة في صدور الجميع إلا أنها لاتجرؤ على التعبير عنها.
كان الناس يلوذون بالإيمان والصبر عل يوما" يأتي وينصفهم القدر، وأنا كنت من بينهم، فقد كنت مؤمنة دوما" بإله يحمي و ينصر إلا أنه يختبر عباده.
كان هذا هو البعد الميتافيزيقي لقصتي، أنني آمنت بالله الذي سيمدني بالقوة لأتمكن من اتخاذ قرارات صائبة تجعلني أستمر في العيش، لأنها حياة ويجب أن تعاش، ويجب أن نلبي دورنا فيها.
كنت ربوبية، ولكن لم أؤمن بذات الإله الذي يؤمن فيه نظامنا السياسي الأسدي، كان إلهي عذبا" رقيق القلب، إله لا يعرف القسوة بتاتا"، إله يتساوى لديه الذكر مع الأنثى، إله متمدن يؤمن بالحوار لا بالقتل والإقصاء، إله يحمي المتحرش بهم من قبل رجال سلطة مرعبين، إله وردي يحقق الأحلام، ولا يطالب بدول عسكرية، إنما بمجتمع متمدن يستوعب الجميع.
كان ذلك الإله الذي أؤمن به لا يعجب الأغلبية، كانوا يفضلون الانتماء إلى ذلك الإله الذي يجتمع عليه الجميع، وكان لي أنا إلهي الخاص، إله وديع القلب يحمي بكل نعومة وبساطة.
تحدثت عن هذا مع السائق الذي أقلني إلى بيروت، كان شخصا" هادئا"، وقال عني أنني انسانة هادئة وأنه سيسمع عني أخبارا" طيبة عما قريب، وأنني سأتوفق في سفري وأنه متأكد من ذلك.
لم أخبره طبعا" بكامل قصتي، بل احتفظت بذلك الجزء الأسود منها.
مررنا حين دخلنا الأراضي اللبنانية بشتورا، وبأراضيها الخضراء الباهرة، شعرت بأنني أدخل الجنة بعد ماتحملته من عذاب، وأنني ألج عالما" من الخيال الساحر كما القصص التي كنت أقرؤها في صغري.
تساءلت حينها في سري، هل يعوضني الله عن تلك الأيام السوداء بهذا السحر المبهر الذي يحيط بي وكل ذلك الجمال.
نزلنا في مطعم للحلويات فقد أصر على عزيمتي على كنافة بالخبزة وهي أكلة شهيرة في لبنان، و قال بأنه قد اطمأن لي وأنه نادرا" ما يشعر بذلك مع شخص قد تعرف به للتو.
نصحني بأن أهتم بتحسين مستواي العلمي بأن أتابع دراسة الماستر في الآداب الفرنسية فقد كنت قد حصلت في بلادي على إجازة فيها، و أن أضع الأمور العاطفية على جنب، وأن أدخل بيروت بقلب ناصع البياض وأتفاءل بالخير وحينها سأنجح في ما أنا مقبلة عليه.
لم يكن ليعلم بأنني أفر من بلاد لم يمنحني نظامها سوى الحزن والتخبط والشعور بالدونية والانطوائية.
إنه شعور أقرب إلى اليتم كما أسلفت، فقد كنت طوال حياتي أفهم ما يشعر به اليتامى أولئك الذين فقدوا ذويهم من الصغر وعاشوا على هامش المجتمع الذي كان يطالبهم على الدوام بقوة لم يتسن لهم أن يحظوا بها، تلك القوة التي يتطلبها التوحش الأسدي الذي رسخه نظام الأسد الفاشي، فأصبحوا ضحاياه الأكثر ضررا" منه.
وكنت أنا أشاركهم في هذا الأمر، فقد تضررت كثيرا" من نظام لا يرحم سوى الشرساء مثله، المتوحشين الذين يقابلون الحياة بأنياب حادة.
حين وصلت بيروت قابلت هناك أناسا" تضرروا من نظام الأسد الفاشي والقمعي، ولاذوا ببيروت مدينة تحتضنهم وتربت على أكتافهم وتمسح عن جباههم أحزانهم وانكساراتهم.
إلا أنني ولطبيعتي الانطوائية، حافظت على مسافة الأمان في علاقتي مع أي أحد كما كنت دوما"، حتى في أيام دراستي الجامعية، حيث كانت علاقاتي بزملائي مترددة، كمن يربطه بمكان وثاق رخو، يفلت منه على نحو فجائي دون أن يدرك السبب، ليعود في أوقات أخرى ويبني العلاقة من جديد ثم يهدمها بعد حين.
كان أصدقائي (ولا أعلم إن صح تسميتهم بأصدقاء) يعرفون هذا الطبع الذي يكتنفني، واعتادوا عليه، اعتادوا على غياباتي المتكررة ثم العودة إليهم لأطرق باب الصداقة مجددا".
كنت في أوقات غيابي عنهم تتملكني رغبة ملحة في الانعتاق، وتفريغ غضب يشتعل في داخلي، فتجدني أجلس وحيدة على مقاعد كليتنا الجامعية أو في الحديقة خارجا"، وأقرأ كتبا" من الأدب الفرنسي، أمثال ألبير كامو وروايته الغريب، وأجد أشياء مشتركة بيني وبين البطل، وتتملكني رغبة في قتل ذلك المتحرش، لكن سرعان ما تخبو تلك الرغبة.
كنت أجد في عبثية بطل كامو إجابة ربما على عبثية ما حصل معي، لكنني لم أكن لأسلم بأن الحياة عبثية كما آمن كامو، فقد كنت أؤمن بالعدالة وأن الحياة لها معنىً عظيم، حتى ولو أنني لم أعثر عليه بعد.
كنت في نظر أصدقائي في الجامعة، تلك الطالبة اللطيفة لكن الغامضة، المتوحدة مع ذاتها، وأنه ثمة وجع ما في حياتها لكنهم لم يدركوا كنهه، لأنه من الصعب إدراكه.
أما في علاقاتي العاطفية فلم أكن مترددة، بل كنت على العكس أعيش العلاقة بكل تفاصيلها حتى النهاية وبشجاعة أملا" مني بأن أصل إلى العلاقة الطبيعية المنشودة والتي كنت أعتقد بأنها ستشفي جروحي.
لم أصل لهذه العلاقة طبعا"في بلدي، وهذا ربما أحد الأسباب التي جعلتني أنفر منه.
أحببت ذات مرة في مراهقتي أحد أقربائي وكانت المرة الأولى التي أمارس فيها الجنس بإرادتي منذ حادثة التحرش التي أعتبرها جنسا" مشوها".
كنا وقتها قد نظمنا رحلة" إلى الساحل كي نستجم في الصيف، مجموعة مراهقين من بينهم أقرباء وأصدقاء، وكان بينهم (عدي) ابن عمي، الذي كان معجبا" بي على الدوام.
كان شابا" محبا" للحياة، لا لغط لديه مع أي شيء يعتبر طبيعيا" في حياة الإنسان ومنها الجنس، ولاكتفائه بكل المشاعر في منزل أهله رغب في أن يعطي من هذه المشاعر لي، أن يسحبني نحوه بحنان، فقد وجد في خوفي وانطوائيتي رغبة في أن يمدني بما أفتقده،لكنه فشل بكل بساطة.
في تلك الليلة وفي شاليه على البحر وبينما كان بقية الأصدقاء يمرحون على الشاطئ، اقترب مني وأمسك بيدي بكل حنان واصطحبني معه نحو الشاليه.
رغبت في تلك العلاقة بكل جوارحي، علني أداوي ذلك الجرح وأمد جسر الثقة مجددا" بيني وبين الجنس، بيني وبين الحب.
لكن حين مارسنا الجنس سوية، كان شيء ما يسحبني من تحت جسده وهو يلجني، شيء ما ميتافيزيقي يجعلني مترددة، ويهمس في أذني أن ذلك محرم دينيا".
لقد كان هذا أمرا" من الامور التي غصبني عليها حادث التحرش، بأنه جعلني أهمل الميتافيزيقيا وأسعى نحو الحب الطبيعي من خلال الجنس الطبيعي الذي يحدث بكامل إرادتي.
لقد حولني حادث التحرش إلى زانية، ولربما لو لم يحدث لي هذا التحرش لم أكن لأمارس الجنس مع أي أحد قبل الزواج.
هذا ما كنت أفكر فيه أثناء عملية الإيلاج، وتنتابني رغبات متناقضة، بأن أفلت من العملية وتارة بان أستمر فيها لأنها بملء إرادتي.
كان عدي لطيفا" معي وعاملني بكل رجولة وصبر علي في العلاقة إلاأنه بعد أن انتهى كل شيء لم أكمل في العلاقة، لم نصبح حبيبين، ببساطة لأنني لم أجد الشفاء في ذلك الجنس الإرادي.
لقد خابت ظنوني ورحت أعذب جسدي مجددا" بأنني قدمته للمرة الثانية لذكر وهذه المرة بإرادتي، وان كل ذلك ذهب سدىً لأن جروح التحرش لم تشفى وستظل ملازمة لي حتى الأبد.
لذا وحين وصلت المنزل الذي سأسكن فيه في بيروت وقابلت الشاب الذي يسكن في المنزل المقابل لي، لم ألقي التحية عليه حتى في البداية، واتخذت قرارا" بأن أبني الحواجز بيني وبين الحب مجددا"، بيني وبين الجنس الآخر.
استقبلني (بيرو) وهو شاب سوري يعيش في بيروت منذ أعوام في المنزل الذي كان مالكا" له، والذي كان قد أرسلني أهلي إليه لأتخذ من شقته مسكنا".
كان بيرو مزدوج الجنس، هيئته هيئة أنثى، إلا أنه كان قد تزوج في الماضي وأنجب طفلين، وذلك من أجل إرضاء عائلته، إلا أنه بعد ذلك هجر زوجته وأبناءه ولاذ ببيروت ليعمل في مجاله مجال الميك أب، وليعيش حياته أخيرا" كما يشعر ويحب.
شعرت بطمأنينة تجاهه على نحو فوري، وقد يعود هذا إلى أن كلانا يحمل لغطا" غير إرادي مع الحب ومع الجنس وربما مع الحياة.
استقبلني بكل حب، ودلني على غرفتي حيث سأعيش، كان منزله مرتبا" ونظيفا" للغاية وفيه الكثير من الألوان البراقة، في الملابس والأشياء والمجوهرات.
كان شخصا" سعيدا" ويمنح السعادة لما حوله، كثير الكلام والضحك، لطيف المعشر وأخبرني بأنه سيجد لي عملا" فورا" في منطقة برج حمود حيث نسكن.
أخبرني بأنه يعرف امرأة تملك متجرا" كبيرا" لألبسة الأطفال، أو بالأحرى تملك ماركة كاملة في ملابس الأطفال لقدم محلها في السوق و لدقة عملها ونظامه وأناقة ملابسها وعملها.
قال بأنه سيكلمها بخصوصي، فمن المستحسن أن أعمل إلى جانب دراستي كي أعين أهلي في تكاليف الدراسة وتكاليف إيجار المنزل عنده.
(سأطالبك بالإيجار أول كل شهر وحذار أن تتأخري) قال هذا مازحا" وهو يقهقه.
شعرت بأنني للمرة الأولى ألتقي بشخص قد أبني ثقة ما معه، لكونه مختلفا" مثلي عن البقية، لكوننا نحمل لغطا" مع الوجود، أو ربما فراغا" داخليا" لا نعلم كيف نملؤه.
وبالفعل اصطحبني بيرو في اليوم التالي إلى متجر السيدة هاسميك، وهي سيدة أرمنية سورية ولكنها تعيش في بيروت منذ أكثر من نصف قرن مع زوجها اللبناني الأرمني صاحب متاجر ألبسة أطفال شهيرة.
عرفها بي وأخبرها بأنني أجيد الفرنسية وأنني سأتعامل على نحو لائق، فهذا من الأمور المهمة في بيروت، لباقة التعامل وإجادة اللغة الفرنسية.
عرفتني بفتاة سوف تشاركني العمل، كانت أرمنية سورية فرت من سوريا بعد أن اختفى زوجها في معتقلات الأسد، وجاءت هي وأطفالها ذات ليلة على حين غفلة إلى بيروت لتحتمل حياة الشقاء في بيروت لإطعامهم على حد تعبيرها.
أخبرتني بهذا لما شرعت في أول يوم عمل لي، وهي تعلمني قواعد العمل في المتجر.
كان المتجر ينقسم إلى قسمين، يقابل أحدهما الآخر، وكان ثمة رجل عجوز يجلس في المتجر المقابل ويراقب سير العمل من خلال إحدى الشاشات، وحين أمسكت جهازي المحمول لبرهة، رن لي جرسا" منبها" إياي بأن استعمال الجهاز المحمول ممنوع أثناء العمل.
كان رجلا" كبير السن وهو زوج السيدة هاسميك، وذكرني عبوس وجهه وجديته بجدي والد أبي،
ورحت أستذكر أشياء لم أكن لأذكرها، وكأن بيروت تقدم لي ذكرياتي لأجد فيها إجابات لما حصل معي.
وتنبهت للمرة الأولى بأنني تعرضت لحادثة التحرش بعد أسبوع واحد من وفاة جدي، وأنني كنت حينها عازمة على زيارة قبره.
إن شعور الاشتياق إلى جدي وعزمي على قصد المقبرة آنذاك هو ما تسبب في تلك الحادثة.
نعم إنها المقبرة، ذلك المكان الذي تعرضت فيها لحادثة التحرش وها أنا أعترف بذلك للمرة الأولى لنفسي، فقد كنت أخاف على الدوام بأن ألومها على قصدي المقبرة آنذاك، وهذا هو السبب الذي دفعني للوم نفسي على الدوام.
كان ذلك المتحرش يعمل في حفر القبور لأنه كان قوي البنية ذا عضلات بارزة، و أحيانا" كان يعمل في مواسم الزيتون والخوخ والرمان في أراضي جدي والد أبي.
لم أجرؤ بعد على إخباركم بإسمه، أو انني أفضل أن يبقى دون اسم وأن ادل عليه فقط بصفته (المتحرش) فإن ذلك فقط ما يريحني.
حين عدت يومها من أول يوم عمل لي أخبرت بيرو بأنه قد لا أستطيع أن أتابع في العمل، لكنني لم أخبره بالسبب.
كان ذلك المتجر يفتح لي جروحا"لطالما رغبت في أن أنساها.
لكن بيرو طلب مني بألا أستعجل، ثم ذكرني بالسبب الذي جئت من أجله إلى بيروت وهو استكمال دراستي، والسعي نحو أوروبا، وأن ذلك العمل سيزيح من طريقي كثيرا" من المصاريف.
لم يكن بيرو ليعلم بأنني فررت من ماضي إلى بيروت ومن بلاد لم يقدم لي نظامها سوى الشقاء والشعور بفقدان العدالة و الظلم وأنني عشت كل سنواتي السابقة في ضياع وتشتت وقهر لم أعرف له مثيلا" في كل ما قرأته من كتب عن حياة البشر والشعوب .
ثم سرعان ما بدأت أحسد بيرو على تصالحه مع ذاته أخيرا"، فقد كانت قصته مختلفة، لم يكن ثمة ما يربطه بالماضي لم تحل عقدته بعد، وإنما كان الماضي بالنسبة له ربما أليما" وعاشه مجبرا" إلا أنه قد انتهى الآن حين قرر هو ذلك، أما أنا فلم أكن أملك القرار بين يدي بأن أنسى الماضي، لأن في الماضي ثمة حادثة لم أجرؤ بعد على أن أبوح بها، كان ثمة نقص في العدل ترك فراغا" وجروحا" لم تشفى بعد، كان ثمة عدالة مهشمة لم ترمم بعد.
احتملت بعدها العمل لدى السيدة هاسميك ليومين آخرين ثم تركت العمل، لم أكن لأحتمل وجود رجل يذكرني بجدي وبتلك الحادثة التي حصلت بسبب ارتيادي المقبرة سرا" وأنا في الخامسة من عمري دون إخبار أحد، وجعل ذلك المتحرش يدفنني هناك بجانب جدي منذ ذلك اليوم، فهذا ما شعرت به على الدوام بكل قسوة وبكل تصالح مع مدى قسوة تلك الحادثة وما سببته لي.
وحين بقيت مجددا" في المنزل لوحدي، حيث كان بيرو يقضي يومه في عمله في مجال الميك أب، عدت إلى محاولاتي في البحث عن الحب والجنس الإرادي، الذي لا يترك آلاما" أو شعورا" دونيا" بالنقص.
لذا ذات ليلة قمت بصنع قالب من الحلوى وطرقت الباب على جارنا المقابل لنا في المسكن، والذي كان شابا" سوريا" فر من الانخراط في جيش الأسد الفاشي.
كان حينا مكتظا"بالشباب السوري الذين فروا من بطش نظام الأسد أو من الانخراط في جيشه، وكان (سميح) واحدا"منهم حيث جاء إلى بيروت ذات ليلة تجنبا"من سوقه إلى الخدمة الإلزامية في جيش نظام الأسد المجرم.
كنت قد شعرت فيه منذ قابلته للمرة الأولى بأنه قد يكون الشخص الذي ستشفى معه كل جراحي، وأن معه سألقى الإجابات الشافية لكل تساؤلاتي الوجودية.
قدمت نفسي إليه، فأبدى ردة فعل جميلة للغاية، ملؤها البشاشة و التصالح مع النفس وذلك الكبرياء الرجولي الذي يجمل الرجل من الداخل والخارج.
شكرني على قالب الحلوى و دعاني لمشاركته إياه، فلبيت دعوته المنتظرة بشغف من قبلي.
وهكذا أصبحنا صديقين بداية، ومن ثم حبيبين بعد فترة.
الإنسان في الغربة يحب بسهولة أكبر وخصوصا" لو قابلت ابن بلدك، هذا كان سبب حبه السريع لي.
أما أنا فكان لدي سبب آخر متعلق بماضيّ وبحادثة الطفولة.
كانت القصة بالنسبة لبيرو، حكاية وردية أشبه بقصص روايات عبير الغرامية، وتمنى لي بأن أكمل فيها حتى الزواج.
دهشت في أن شخصا"في مثل وضعه يعتبر النهاية السعيدة للعلاقة بأنها الزواج.
تمنى لي التوفيق ثم ذكرني بضرورة إيجاد عمل جديد بدلا"من عملي السابق، لأتمكن من التسجيل في الماستر، وقال بأنه سيحدث لي صديقته التي تملك شركة لتسويق مستحضرات تجميلية كي أعمل معها كمندوبة ترويج.
كنت مع سميح قد بدأت أنسى حادثة الطفولة أو ربما أتناساها ، لكن ثمة شي ما كان يجعلني أسقط في التردد مجددا"، ذلك الخيط الذي يربطني بالماضي والذي يطوق عنقي ويشل كل محاولة للمضي قدما".
مع أن علاقتي بسميح كانت من أجمل العلاقات رغم أنني لم أكن قد مارست الجنس معه بعد، وفضلنا سوية بأن تبقى الأشياء الجميلة واليومية التي تحصل بيننا كجارين في الشقق هي ما تظهر لنا حبنا لبعضنا يوميا".
كان سميح انسانا" محبا" للحياة لكن في عينيه ثمة حزن، وهذا ربما ما جعل علاقتي به تطول، بأنني عثرت على شخص يكمل في هذه الحياة ويصارع من أجل العيش تماما" مثلي رغم وجود حزن في حياته، والذي رددته ربما إلى عيشه في ظروف اقتصادية صعبة منذ صغره، حيث حكى لي ذات مرة عن والده الذي أقعدته مهنته في البناء مشلولا" منذ صغر سميح،فاضطرته الحياة بأن يعمل منذ الصغر ليسند والدته وأشقائه في بلاد حكمتها قوى الشر لخمسين عاما" واحتكرت الاقتصاد والسلطة و منعت التنفس حتى عن الجميع، وشوهت قصص الحب كما حصل معي.
كان سميح يحمل نفس نقص الثقة في البلاد التي نشأنا فيها، وذلك لتعرضه للاعتقال كثيرا" من المرات من قبل أمن النظام لأسباب سخيفة أثناء تأدية أعماله الكثيرة منذ صغره، ولما يتعرض له من مواقف يومية مع أبناء المسؤولين والضباط الذين يعملون لصالح نظام الأسد الفاشي.
لقد اعتاد على الذل على حد تعبيره، وحين شعر بذلك، بالاعتياد على الذل قرر الرحيل، لأن الإنسان لا يليق بإنسانيته الاعتياد على الذل، ففر من بلاده التي بنيت بينه وبينها حواجز كثيرة ولغوطات عدة، ورغبة منه بكامل جوارحه في ألا يخدم نظام الأسد الفاشي ولا يتعرض للذل من قبله بتاتا" مرة أخرى.
لقد شعرت مع سميح بأنني أتقاسم الجرح مع أحد ما، بأنني لست وحيدة في وجعي، وأن الحياة ربما لم تكن عادلة مع أناس آخرين، فصفحت عنها قليلا".
إنه من المثير للعجب كيف نشعر بالإنصاف لبعض آلام الناس كي لا نشعر بالوحدة في وجعنا، رغم أننا نحبهم ونعشقهم، ونعيش معهم أجمل تفاصيل حياتنا.
ما عشته لاحقا" مع سميح كان كفيلا" بعلاج روحي، حين قررنا أن نرحل سوية إلى منطقة الحمرا ونعيش معا" كزوجين، ونعمل معا" ونحب ونتخاصم وهناك حملت لنا الحياة والغربة مفاجآت كثيرة لم نكن نتوقعها بتاتا".

شارع جان دارك..
ذلك الشارع القادم من التاريخ الجميل، كان مقصدنا وحيث رغبنا في العيش معا"..
كان شارعا" يضج بالقوة والحياة كما صاحبة الاسم الذي أطلق عليه (جان دارك) القديسة الفرنسية.
قال لنا صاحب المنزل الذي استأجرنا عنده، بأن ذلك الشارع يليق بعاشقين مثلنا.
إلا أن المنزل كان بحاجة لطلاء جدرانه وترتيبه على نحو يليق بعاشقين، على نحو يليق بفارين من بلاد يحكمها الشر إلى شارع يليق بعاشقين مغرمين بالماضي وببعضهما.
عملت كي نتساعد معا"في المصاريف، كمندوبة مستحضرات تجميلية، ورحت أجوب بيروت بغربها وشرقها، فوجدت فيها العزاء عن كل ما عشته من قسوة.
عشنا هكذا معا" أنا وسميح وكنا نزور معا" بيرو صديقنا من فترة لأخرى.
إلى أن جاء يوم الثامن من ديسمبر عام ٢٠٢٤، يوم انتصار الثورة السورية العظيمة، وعلمت بأن ذاك المتحرش قد قبض عليه من قبل الثوار الشرفاء.
حينها جمعنا أغراضنا أنا و سميح حبيبي وسيد أحلامي وعدنا إلى بلادنا سوريا.
المتحرش المجرم الآن ينال جزاءه وهو ميت في نظري وأنا حية، وهذه هي العدالة بكل بساطة.
والأهم من كل هذا أنني أحب سميح وسأعيش مع من أحب طوال حياتي هذه المرة.



#الحسين_سليم_حسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة الحياة
- التحرر (٧_٨_٩)
- التحرر (٣_٤_٥_٦)
- التحرر (الجزء الثاني)
- التحرر (الجزء الأول)
- القمع (كاملة)
- ما الذي لم يقنعني في الأديان؟ (محاضرة)
- أزهار أبدية(الجزءالثاني)
- أزهار أبدية (الجزء الأول)
- القمع (٨)
- القمع (٨)
- القمع (٧)
- القمع (٦)
- القمع (٥)
- القمع (٤)
- القمع (٣)
- القمع (٢) منقحة
- القمع (٢)
- القمع (الجزء الأول)
- قم هات عودا-


المزيد.....




- المغرب.. معجبة تثير الجدل بتصرفها في حفل الفنان سعد لمجرد
- لحظات مؤثرة بين كوبولا وهيرتسوغ في مهرجان فينيسيا السينمائي ...
- مهرجان البندقية السينمائي.. دعوات للتنديد بالأفعال الإسرائيل ...
- رحلة حزب الله من البيئة الفكرية إلى الساحة العسكرية والسياسي ...
- محمد ثروت نجم احتفالية الأوبرا في ذكرى المولد النبوي على الم ...
- ماذا وراء -أكبر سرقة كتب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثاني ...
- الصوت يُعيد القصيدة
- الكتاتيب في مصر: ازدهرت في عصر العثمانيين وطوّرها علي باشا م ...
- رواية -مغنية الحيرة-.. يا زمان الوصل بمملكة الحيرة
- -اللي باقي منك-... فيلم عن مراهق فلسطيني يمثل الأردن في أوسك ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - يتيمة بيروت