أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - شعر أبيض, قلب أبيض, موت أبيض.














المزيد.....

شعر أبيض, قلب أبيض, موت أبيض.


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 00:53
المحور: الادب والفن
    


قبل شهر من موته المفاجئ، سألني الشاعر (منذر الجبوري) سؤلا استفزازيا بطريقته المعهودة، حين يخلط الجد بالهزل : هل تفكر بالموت؟ أجبته على الفور : كنت أريد أن أسألك كونك تكبرني بعشرين عاما (تولد 1943)
فالموت بالنسبة لي كابوس أزلي يرافقني ويؤرقني على الدوام، وكنت أدرك في دخيلتي أن سؤال الموت موجه بالأساس لنفسه، حيث علق ساخرا .. إن الموت شيء سخيف يسفه الحياة ويجعلها بلا معنى, أنا مثلك حين افكر بالموت أشعر بالهلع وتشل حواسي، لكنني أحاول أن أبعد شبحه المقيت قدر ما أستطيع، بيد أنه يجئ بغتة وعلى عجل دون أن ندركه, وهكذا ادركه فجأة وأخذ بتلابيب قلبه الأبيض كلون شعره الأبيض ليوقف نبضاته الى الأبد.

وقبل موته المباغت بساعات، أطل علينا منذر الجبوري بصحبة (عدنان منشد) في نادي اتحاد الادباء, ورحنا كالعادة نقلب مواجع الوطن، ونراجع آخر مستجدات الساسة الذين سمموا حياتنا بوعودهم ووعيدهم وزعيقهم وسط غابة وحوش المفخخات والاغتيالات ودوامة أزمة الخدمات والبطالة والفساد الإداري والولاءات الحزبية والطائفية, فراح يصب جام غضبه على هؤلاء الساسة الذين جعلونا شيعا وطوائف ومللا, وعلقوا هموم العراقيين ومعاناتهم على شماعة الإرهاب, ثم روى إحدى نكاته الساخرة ورحنا نقهقه، فمن طبع أبي علاء أن يحول المأساة الى ملهاة عبر قفشاته التي تعد لازمة من لوازمه.

في هذه الجلسة وهي الأخيرة والختامية في حياته, لاحظته وهو يعد بضعة دنانير شحيحة ويضمها إلى بعضها ويدسها في جيبه مع حسرة مخنوقة، ولسان حاله يردد العن أبو الفقر، شعرت بالحزن والأسى, وتساءلت مع نفسي لم يكد ويشقى هذا الأديب العراقي وهو على أعتاب الشيخوخة ؟ لم عليه أن يهرول ويلهث لكي يوفر لقمة العيش لأسرته ويبعد عنها شبح الفاقة والعوز, لقد عاش ومات فقيرا عفيفا أبيا, وبقي شاعرا مظلوما وإنسانا مظلوما، مقارنة بزملائه ومجاليه, كان بإمكانه أن يشد الرحال صوب دمشق ويلتحق بقافلة الأدباء الكسولين المتكرشين النواحين المحسوبين على دولة البعث ويرتزق مثلما يرتزقون, لكنه أبى إلا أن يتمسك بالعراق وأهله ويتلظى بجمره ويشبع بتمرة ويرتوي بخمره ويتغنى بزهوه, فالتحق بجريدة الاتحاد ليحرر صفحة (بحوث ودراسات) بروح مهنية عالية, وهذا ليس غريبا عليه, فقد عمل الجبوري محررا في صحف ودوريات عراقية ومديرا للتأليف والنشر في وزارة الثقافة, ورئيسا لتحرير مجلة الأقلام, فضلا عن شهادته الاكاديمية (ماجستير أدب عربي من جامعة بغداد)

وقبل موته بشهر قرأت بشغف عموده الصحفي في جريدة الاتحاد عن (الغجر والفضائيات) حين تباكت بعض الفضائيات على محنة الراقصات الغجريات العراقيات اللواتي يرقصن عرايا على مسارح دول الجوار الشقيقة على ايقاع (شعر شعر) و(الله يخلي الريس) فكتب منذر ما معناه, إن الراقصات الغجريات هن نتاج مرحلة النظام السابق, وحين هرب أزلام النظام بدولاراتهم ألتحقن بهم ليحيين الأفراح والليالي الملاح، ويعيدن لهم المجد الغابر لعهد جائر. إن العراقيات الحقيقيات من بنات وأخوت وزوجات وأمهات هن اللواتي يذهبن زرافات زرافات الى المدارس والمعاهد والكليات, وعلى عناد الفضائيات, الله يا منذركم انت أصيل ونبيل وأبي.

أنا لا أرثيك يا صديقي الجميل, وإنما أحتفي بك, أحتفي بشعرك الأبيض الذي يشبه وداعة قلبك الأبيض والذي يشبه قلب أم رؤوم, أحتفي بموتك الأبيض الذي صدمنا, واحتفي بالعراق كونك ابنا بارا له ورمزا من رموزه.
جريدة الاتحاد 13 / 8 / 2007



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات من ذاكرة الرعب (3)
- حكايات من ذاكرة الرعب (2)
- حكايات من ذاكرة الرعب (1)
- صلاح زنكنه / الكتابة عندي كينونة حتمية ومسؤولية أخلاقية وفكر ...
- سماحيات 36
- صلاح زنگنه / حفّار المجاز ورجل الأسئلة المتمردة
- صلاح زنكنه / قلت كل شيء بوضوح تحت انظار السلطة
- مكاشفة مهمة
- ثلاث شهادات محبة
- الإرهاب جذره ديني
- صناعة الأنبياء
- متى تكف الأحزاب عن توجيه الثقافة ؟
- مانشيتات وتصريحات صادمة عبر حوارات ساخنة أجريت معي.
- تلفزيون الإله / قصة قصيرة
- خاتمة الأسفار / اقصوصة
- سماحيات 35
- ويحدوثونك عن السيادة
- سماحيات 34
- سمات الحداثة في (هذا الولد مولع بالنساء) لصلاح زنكنه
- إضاءات في شأن السوري


المزيد.....




- أول ظهور للفنانة أنغام بعد رحلة العلاج
- في احتفال بقاعة صاحب حداد الإعلان عن نتائج منافسة الأفلام ال ...
- صناع أفلام عالميين-أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- محمد رمضان في بيروت وهيفاء وهبي تشعل أجواء الحفل بالرقص والغ ...
- -بيت العبيد- بالسنغال ذاكرة حيّة لتجارة الرقيق عبر الأطلسي
- وزير الثقافة يفتتح معرضا للفن التشكيلي وجدارية أيقونة القدس ...
- -شومان- تعلن الفائزين بجائزة أدب الأطفال لعام 2025
- موغلا التركية.. انتشال -كنوز- أثرية من حطام سفينة عثمانية
- مريم أبو دقة.. مناضلة المخيمات التي جعلت من المسرح سلاحا للم ...
- هوليود تكتشف كنز أفلام ألعاب الفيديو.. لماذا يعشقها الجيل -ز ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - شعر أبيض, قلب أبيض, موت أبيض.