أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح زنكنه - حكايات من ذاكرة الرعب (3)















المزيد.....

حكايات من ذاكرة الرعب (3)


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 20:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حكاية الضابط الذي أمضى ست سنوات في السجن الانفرادي.

(فكرت وهاب فاضل) مواطن من مدينة كركوك تولد عام (١٩٥٥) في محلة المصلى حيث أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، ثم انتقل الى بغداد ليكمل دراسته الجامعية في الجامعة التكنولوجية على نفقة وزارة الدفاع حيث تخرج عام (١٩٧٤) برتبة ملازم حتى وصل الى رتبة عقيد.
تم اعتقاله بتاريخ 17 / 8 / 1996 من قبل المخابرات واودع زنزانة رقم (واحد) في الحاكمية التي تتكون من (٥٠) زنزانة في الطابق الأول و (٣٥) زنزانة في الطابق العلوي وزنزانات منفردة في الطابق السفلي.
والزنزانة الانفرادية مساحتها متر ونصف المتر مصبوغة باللون الأحمر وتحوي على مرافق وحنفية ماء وبطانية رثة وصحن بلاستك مع قدح وفتحة صغيرة لتبديل الهواء ومصباح صغير(صفر) فضلا عن القمل والصراصر والبعوض والموت البطيء.

حدثنا السيد فكرت عن تجربته قائلاً : عندما تم حجزي داخل هذه الزنزانة الرهيبة راودني خوف شديد، حاولت أن أحصل على آلة جارحة لكي انتحر فلم أجد سوى قطعة عظم قطعت بها أحد شراييني ولم أفلح، ثم جربت الحنفية ولم أفلح أيضا حتى جاءني الحارس واقتادني عبر ممرات وأبواب تغلق وتفتح وأنا معصوب العينين وموثوق اليدين, وكنت أسمع أصوات السجناء وصراخهم وأنينهم وروائح كوي أجسادهم في غرف التحقيق, ومنذ اليوم الأول بدأت رحلة التعذيب الجسدي والموت البطيء خلف جدران (الحاكمية) دون تدوين أية افادة.

ففي غرفة حمراء شبه مظلمة تم رفعي بواسطة الرافعة السلكية الحديدية من يديّ الموثوقتين الى الخلف، وسرعان ما فقدت وعيّ، ثم صعقت بالكهرباء, وتم قلع اظافري ورشوا جسدي بالتيزاب ثم وضعوني في تابوت، وقالوا سوف ندفنك وأنت حي, فضلا عن حرق اللحية والشارب والمشي حافيا على الزجاج المنثور، وهناك طريقة جهنمية للتعذيب والاعتراف وهي وضع المعتقل في مجمدة لحين انهياره, وقد يموت قبل أن يعترف.

ثم أضاف : إن مسؤولي سجن الحاكمية مجرمون محترفون بشعون, لا ينتمون الى الجنس البشري، وما أن يدخل السجين المعتقل حتى يعملون على ...
(1) اسقاط اسم الشخص الموقوف وتزويده برقم
(2) عدم ابداء أي رأي في التحقيق سوى لاعتراف
(3) عدم اخبار الأهل بوجود الموقوف وعدم زيارته
(4) عدم حلق شعر الرأس والوجه الا بما يحدده المدير
(5) التعذيب البدني النفسي طوال فترة الحجز
(6) عدم تزويد المحجوز بالأدوية عند المرض
(7) الاعدام والقتل العشوائي اثناء التعذيب وحسب المزاج.

في يوم ما جاءني السجان (حجي شاكر) ونقلني الى زنزانة رقم (۳) مساحتها 1,5 في 2 م وتحوي على (١٦) سجيناً سياسياً, وهم في الحقيقة غير سياسيين ولا علاقة لهم بالسياسة, وقد اغمي عليّ بعد ساعات من شدة الحر والزحام وضيق التنفس, كنا دائما نخشى صوت رئيس الحرس الذي يصفنا بالخونة والجواسيس, ويشتمنا بألفاظ بذيئة, فحين يستدعى أحدنا للمحكمة الخاصة بالمخابرات في الكرادة، وكان الحكم أما بالمؤيد حيث أبو غريب أو الاعدام والدفن في المقابر الجماعية.
بعدها تم نقلي إلى الزنزانة رقم (۳۱) وكانت تضم ثلاثة أشخاص, وهم كل من سكرتير حسين كامل، ونائب ضابط من الموصل, ومأمور مشجب المخابرات, كنا نحن الأربعة نخاف من بعضنا ونرتاب في نوايا بعضنا البعض حتى كسرنا حاجز الخوف والصمت وتم التعارف بيننا وشكونا حالنا لبعضنا.

وبعد أسابيع ثم ارجاعي الى الزنزانة الانفرادية، وبدأ مشوار التحقيق والتعذيب والتوقيع على الافادة, ثم العرض على المحقق العدلي, وهلم جرا دون تقديمي إلى المحكمة, إذ كنت أصرخ مرات بالحراس بإبلاغ المحققين لإكمال التحقيق لمعرفة مصيري.
وفي عام (١٩٩٧) تم نقلنا جميعا الى سجن خاص في أبو غريب خوفاً من الضربة الأمريكية آنذاك, ثم اعادونا إلى الحاكمية, وهنا جربوا وسيلة جديدة للتعذيب والمهانة في السجن الانفرادي, حيث باتوا يزودني بالصمون والتمر فقط لمدة ثلاثة أشهر حتى هزل جسدي وخارت قواي تماما إلى أن أمر مدير السجن بتخصيص طعام لي وهو عبارة عن صحن من الرز وأخر من المرق, أحيانا كانوا يعطونني برتقالة أكلها شيف تلو الآخر لمدة أسبوع كامل.
بعد ذلك تم نقلي الى زنزانة أخرى مع ثمانية أشخاص كان من بينهم أحد أهالي كركوك من نفس منطقتي اسمه (أكرم) كان مشتبها به لذا ابلغته حال خروجه بالذهاب الى أهلي وطمأنتهم بأنني ما زلت على قيد الحياة، وقد قضيت معهم عشرين يوما شعرت خلالها بالألفة والأمان.

ثم تم حجزي في أحد البيوت السرية في الكاظمية بشكل انفرادي, حيث عشت تحت رحمة الحراس دون طعام باستثناء الصمون اليابس وبقايا الأكل لمدة ثلاثة أشهر حتى تدهورت حالتي الصحية تماما وتم نقلي إلى مستشفى الرشيد العسكري في قسم خاص بسجناء المخابرات، وتم سحب تسع قناني ماء من صدري، ومكثت عشرة أيام هناك ثم اعادوني إلى سجن الحاكمية.
وفي 8 / 4 / 2001 ابلغني أمر الحرس بالتهيؤ للمثول أمام القاضي في المحكمة الخاصة، وفعلا تم عرضي على القاضي الذي ترفق بحالي كونه يدرك جيدا براءتي وقال لي: اشرب شايك حتى أبلغ الحلاق بحلاقتك وتغتسل وترتدي ثيابك لكي أخذك بنفسي الى بيتك وأهلك لأنك انسان شريف ومظلوم.

وكما في الحلم تم كل شيء على ما يرام وعلى وجه السرعة, حيث اصعدني القاضي وهو (ضابط مخابرات) كان يشعر بتأنيب ضمير الى سيارته الخاصة ونقلني الى بيتي, ونزل بنفسه وطرق الباب, فخرج ابني الأكبر (محمد) طلب منه مجيء زوجتي التي خرجت فورا وسألها عني فأجابت : بأنها لا تعرف شيئاً منذ ست سنوات، قال لها ... حسنا ها هو أمامك, وأمرني بالنزول ونزلت الى زوجتي وابني وأختي الذين بدأوا بالصراخ والبكاء حتى خرج الجيران وهم يهنئوني بالنجاة والسلامة ويوزعون الحلوى, وغص الشارع بالناس.

لكن المؤلم في الموضوع كله أن والدي الكبير في السن كان يمني نفسه برؤيتي لمرة واحدة بعد بحث مضني لست سنوات, لم يراني الا مرة واحدة وبعدها ذهب إلى دار الحق.
وها أنا أشعر بالغصة كلما اتذكر تلك الحياة العصيبة في زمن الرعب والموت المجاني الذي ولى من دون رجعة.
جريدة المؤتمر 8/ 7 / 2003
جريدة الاتحاد 29 / 12 / 2004



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات من ذاكرة الرعب (2)
- حكايات من ذاكرة الرعب (1)
- صلاح زنكنه / الكتابة عندي كينونة حتمية ومسؤولية أخلاقية وفكر ...
- سماحيات 36
- صلاح زنگنه / حفّار المجاز ورجل الأسئلة المتمردة
- صلاح زنكنه / قلت كل شيء بوضوح تحت انظار السلطة
- مكاشفة مهمة
- ثلاث شهادات محبة
- الإرهاب جذره ديني
- صناعة الأنبياء
- متى تكف الأحزاب عن توجيه الثقافة ؟
- مانشيتات وتصريحات صادمة عبر حوارات ساخنة أجريت معي.
- تلفزيون الإله / قصة قصيرة
- خاتمة الأسفار / اقصوصة
- سماحيات 35
- ويحدوثونك عن السيادة
- سماحيات 34
- سمات الحداثة في (هذا الولد مولع بالنساء) لصلاح زنكنه
- إضاءات في شأن السوري
- سماحيات 33


المزيد.....




- ماكرون: العملية الإسرائيلية للسيطرة على مدينة غزة لن تؤدي سو ...
- تقرير يرصد فشل الولايات المتحدة في إنشاء أسطول من القوارب ال ...
- وزير الدفاع الإيراني يتوعّد إسرائيل: صواريخنا المطوّرة جاهزة ...
- إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي داخل سوريا.. ماذا جرى في الج ...
- عقوبات أمريكية جديدة على موظفين بـ-الجنائية الدولية- ونتنياه ...
- شاهد.. سرايا القدس تقصف موقعا لقوات وآليات إسرائيلية شرقي غز ...
- هل علاقة ترامب وبوتين -سامة وغامضة- فعلا؟
- معيار تشفير جديد مخصص للأجهزة الصحية الذكية
- -ميتا- تعيد تشكيل فريق الذكاء الاصطناعي للمرة الرابعة
- مستشار رئاسي أميركي سابق: الفوضى سمة سياسة ترامب الخارجية


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح زنكنه - حكايات من ذاكرة الرعب (3)