صلاح زنكنه
الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 17:19
المحور:
الادب والفن
دهمنا الصوت السماوي الرخيم الرؤوم الرحيم بغتة.
صوت ملائكي أليف, صوت دافئ أثير شفيف, راح ينادينا من العلياء أجمعين :
(يا أيها الذين على الأرض, يا أعظم الكائنات, أيها البشر, أيها البشر, أيها البشر)
وانبلج نور بهي ساطع كأطياف قوس قزح في عنان السماء :
(هنا قناة الله, هي ذي شاشتكم العظيمة)
ورأينا ثمة شاشة تلفاز هائلة تتوسط كبد السماء تبث لنا آيات السحر والجمال والكمال.
ارتعدنا وارتجفنا هلعا, تناطحنا بالرؤوس وتزاحمنا بالمناكب وعيوننا شاخصة نحو العلى وألسنتنا تتلعثم (إنه يوم القيامة, إنه يوم الحساب) ألا إن المذيع جبرائيل طمأننا :
(لا حساب ولا كتاب .. هنا قناة الله .. قناة الحقيقة والمتعة)
هكذا كان يأتينا صوت جبرائيل وهو يطل علينا بطلعته البهية مرتديا بدلته الزرقاء الأنيقة وقميصه الناصع البياض وربطة عنقه الأرجوانية وهو يردد على مسامعنا:
(لا صلوات ولا دعوات بعد اليوم, لا كرامات ولا معجزات, لا أوصياء ولا أولياء عليكم, لا أدعياء ولا وسطاء ولا هم يحزنون, لقد قرر الله إلغاء الأديان كافة, وإعفاء الأنبياء من مهامهم وتسريح رجالات الدين من الخدمة)
رجال الدين أولئك المؤمنون العريقون في الإيمان, العريقون في القناعة المطلقة انقسموا قسمين, قسم يقول أن هذه الشاشة بدعة وبهتان مصدرها كوكب آخر كوكب كافر, وقسم ثان كان قانطا يندب حظه ويقول بأسى :
(لقد تخلت عنا السماء , لقد خدعتنا , لقد أذلتنا)
هؤلاء وأولئك من رجال الدين صاروا معارضة أشداء, مستفيدين من الشعار المركزي للتلفزيون الإلهي (لا قسر ولا إجبار ولا إرغام)
المذيعة المحبوبة اللهلوبة مريم المجدلية بشعرها الطويل المنسدل على الكتفين وصدرها النافر وعطرها الأخاذ وفستانها القرمزي الذي يليق باكتناز جسدها الأبيض الرجراج, تنقل لنا الأنباء السارة التي أشرحت صدورنا وأنعشت أرواحنا :
(تم منح عزرائيل إجازة مفتوحة يقضيها بين كوكبي المشتري وزحل)
وشيئا فشيئا اكتشفنا من خلال الشاشة العظيمة أن موسى لم يكلم الله وأن عيسى ليس ابن الله وأن محمدا لم يخترق السموات السبع بحصانه البراق.
وأن, وأن وأنهم كانوا يكذبون علينا عبر آلاف السنين, وأنهم كانوا يرهبوننا بالجحيم الذي ينتظرنا شئنا أم أبينا وسعيره اللاهب الذي لابد أن يكوينا.
واكتشفنا أن الله ليس إرهابيا وليس قاسيا وليس ساديا وليست بحوزته معاقل للتعذيب أبدا أبدا.
لقد منحنا الله الجمال والجنان والفراديس على هذه الأرض.
كم كنا عاطلين عن البهجة, عاطلين عن الطمأنينة, عاطلين عن الحياة.
ها هو التلفزيون الإلهي يمنحنا كل شيء, كل شيء, ومن دون أي مقابل.
1997
#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟