أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح زنكنه - حكايات من ذاكرة الرعب (1)















المزيد.....

حكايات من ذاكرة الرعب (1)


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 00:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اعدام جماعي لعائلة عراقية

في هجعة الليل وسكونه ووحشته, ليل كانوني بارد من عام ١٩٨١ ليلة ليلاء من ليل العراق الطويل المكفهر والذي أبى أن ينجلي طوال ٣٥ عاما وخفافيش البعث الصدامي يحتكرون حتى هذا الليل الأليل ويعيثون بطشا ورعبا وإرهابا.
أجل ففي تلك الليلة ابتدأت الحكاية تحت جنح الظلام في حي المأمون ببغداد وتحديدا في بيت السيد (عبد المجيد محمد علي جاسم الخياط 59 عاما) والذي فصل من الخدمة الوظيفية كونه ناشطا شيوعيا معروفا, بيد أنه عاف الحزب الشيوعي وشجونه وتفرغ لأسرته ومكتبته بعد أن أجهز النظام القمعي الفاشي آنذاك على معظم كوادر الحزب بحملة الاعتقالات والاعدامات والاغتيالات والملاحقات اليومية.

كان هو في مكتبته يقرأ كتابا كعادته، وكانت السيدة (نظيرة) زوجته الموظفة نائمة, أما (نوفل) طالب كلية الهندسة فكان في جدل مع شقيقته (ميسون) طالبة كلية طب الأسنان, بينما (مي) طالبة كلية الإدارة والاقتصاد و(سوسن) طالبة اعدادية و(نبيل) طالب متوسطة و(صمود) طالبة ابتدائية (۱۱) عاما كانوا يشاهدون فيلم السهرة العربي والذي أوشك على نهايته من تلفزيون بغداد.

في ساعة النحس تلك تناهت الى مسامعهم طرقات شديدة على الباب, وطرقات منتصف الليل في عراق صدام تثير الريبة والفزع والهلع. قام نبيل متكاسلا وفتح الباب, دهش الفتى حين رأى أناسا غرباء بوجوه كالحة شاهرين مسدساتهم وبنادقهم وهم يطوقون المنزل من كل حدب وصوب, لم يمهلوه أن يسألهم بل دفعوه بخشونة الى الداخل, واقتحموا البيت دون ذرة حياء أو ذوق ودون أي اعتبار لحرمة الدار وأهل الدار من النساء.

في تلك اللحظة ندت صرخة واحدة من حناجر شتى, صرخة خوف وفزع وذهول, صرخة متساوقة تستجير ولا من مستجير, صرخة البنات الخائفات الفزعات الحائرات وسط قطيع الذئاب والخنازير.

خرج الأب من غرفته وكتابه في يده ونظارته الطبية السميكة على عينيه الكليلتين, وما أن شاهدهم عرفهم في الحال, فأدرك ببصيرته أنه وعائلته صاروا قاب قوسين وأدنى من الهاوية, لذا لم يسألهم من أنتم وماذا تريدون, لأنه كان يعرف أنهم زمرة من جلاوزة الأمن العام.

استيقظت ماما نظيرة تلك الأم العراقية الشجاعة, صرخت فيهم ألا تخجلون؟ أليست لديكم أخوات ؟ وبأي أمر أو عرف تقتحمون بيوت الناس في ساعة متأخرة من الليل؟
صفعوا الأم أمام زوجها وأبنائها وبناتها، كمموا فمها وأسمعوها كلاما بذيئا, وأوثقوا يديها مع يدي زوجها, والطفلة صمود تبكي بحرقة مرعوبة تستنجد بالجلادين, عمو عفيه, عمو الله يخليك هاي ماما, أحدهم ركلها فسقطت الطفلة أرضا وهي ترتعد وسنيها الخضر لا تستوعب هذا الكابوس, ترى لماذا هؤلاء في البيت؟ وماذا يريدون؟ ولماذا يقلبون الأشياء ويفتشون المكتبة وينبشون الدواليب؟ ويأخذون الأوراق والقصاصات والصور.

أحتد نوفل محتجا, ما ذنب هذه الطفلة ؟ ماذا فعلت ؟ يضربونه هو الآخر يعصبون عينيه يدفعونه ويجرجرونه الى السيارة مع البقية الباقية.

الجيران يخرجون يتفرجون بصمت, يتهامسون, لا أحد يستطيع التدخل, الكل خالف في عاصمة الرعب والقتل, ها هم يرون بأم أعينهم الفتيات الصغيرات مكبلات ويحشرن بالسيارة حشرا, ماذا اقترفت هذه العائلة المسالمة الطيبة ازاء السلطة لكي تعامل بهذه القسوة والعنجهية.

ها هم ذوي الوجوه السوداء والقلوب المتحجرة ينطلقون بضحاياهم الأبرياء في سيارات سود في ديجور ليل أسود إلى قلعة الرعب حيث مستودع الغياب والتعذيب الوحشي والموت المجاني (درب الصد ما رد) في مديرية الامن العامة, حيث يحجز الأب عبد المجيد الخياط وولديه نوفل ونبيل في زنزانة منفردة موحشة رطبة وهو يطمئنهما، لا تخافا ما من ذنب اقترفناه, ليس من تهمة ضدنا، هذه هي أساليبهم الاستفزازية, سوف يطلقون سراحنا ونخرج.

الأب الكبير صاحب العقل الكبير والقلب الكبير, والذي خبر أخلاقيات هؤلاء الأوباش كان يدرك في سره أن ما يقوله هو مجرد حلم أو وهم اخترعه لكي يهدئ من روع ولديه وأن لا خلاص هذه المرة من المصير المحتوم الذي رسمه المجرمون.

الأم العظيمة شأن الأمهات العراقيات, السيدة (نظيرة البناء) ذات الشكيمة القوية, المرأة الجريئة الجسورة المقدامة وضعت مع بناتها في زنزانة أخرى (مي وميسون وسوسن وصمود) صامتات صافنات حزينات حزن الحمام, وثمة صمود الصغيرة المدللة التي ما انفكت تبكي بلوعة وتولول بأسي وهي تتساءل ماما لم وضعونا هنا ؟ ماما ماذا يفعلون بنا؟ ماما أين بابا ونوفل ونبيل؟ ماما هل تجيء كفاح معنا ؟ و(كفاح) هي البنت الوحيدة التي نجت من الاعتقال بالمصادقة المحضة, حيث كانت ساعتها عند أقاربها.

الآن لكم ان تتخيلوا أي سيناريو لفيلم الرعب بإخراج صدام حسين الذي وقع بقلمه الأحمر على اعدام خيرة أبناء وبنات وحتى اطفال العراق كونهم يشكلون خطرا على نظامه.

لكم ان تتصوروا المشاهد واللقطات لعائلة عراقية في زنزانات مديرية الأمن وهي تجرجر وتذل وتهان في أروقة الاستجواب والتحقيق والتعذيب, وعليكم أن تتركوا الخيال والتصور والتوقع جانبا, وتتأكدوا أي أخلاق يتمتعون بها هؤلاء الأوباش والأنذال والسفلة, لم يكتفوا بتعذيب الأب وولديه اليافعين, بل تمادوا واستخدموا شتى طرق التعذيب الهمجي مع الأم نظيرة وبناتها بما فيها الاغتصاب الوحشي الذي مارسوه مع آلاف النساء العراقيات من بنات وأخوات وزوجات المعتقلين السياسيين لإرغامهم على الاعتراف وكسر شوكتهم وتحطيم معنوياتهم.

وكبرت صمود في السجن وصلب عودها وخبرت خشونة الحياة في المعتقل, وأدركت أن هؤلاء الجلادين الأوغاد لا ينتمون للإنسانية بصلة, ولا يحملون بين بنياتهم أي رحمة وأنهم كتلة من الحقد والعدوانية, وما عليها سوى أن تواجههم بكل ما تملك من صبر وإرادة, بعد أن فقدت عائلتها لتكون أخر الضحايا.

وتم اعدامهم جميعا, حيث تم تبليغ السيد (عبد الحميد الخياط) شقيق عبد المجيد الخياط في آب (۱۹۸۹) من قبل مديرية الأمن أن شقيقه عبد المجيد وزوجته وأولادهما (مي وميسون ونوفل وصمود) قد اعدموا دون ذكر تاريخ اعدامهم باستثناء (نبيل) حيث زودوا عبد الحميد بشهادة وفاة تحمل تاريخ 16 / 10 / 1983أما (سوسن) فقد ظل مصيرها مجهولا حتى الآن إذ لم يبلغ عنها أي شيء ولم يرد اسمها في أي وثيقة أمنية من الوثائق التي تم الكشف عنها بعد سقوط النظام وبات الأمر لغزا محيرا واحدى غرائب وعجائب أجهزة صدام القمعية.
جريدة الاتحاد 6 / 1 / 2005



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلاح زنكنه / الكتابة عندي كينونة حتمية ومسؤولية أخلاقية وفكر ...
- سماحيات 36
- صلاح زنگنه / حفّار المجاز ورجل الأسئلة المتمردة
- صلاح زنكنه / قلت كل شيء بوضوح تحت انظار السلطة
- مكاشفة مهمة
- ثلاث شهادات محبة
- الإرهاب جذره ديني
- صناعة الأنبياء
- متى تكف الأحزاب عن توجيه الثقافة ؟
- مانشيتات وتصريحات صادمة عبر حوارات ساخنة أجريت معي.
- تلفزيون الإله / قصة قصيرة
- خاتمة الأسفار / اقصوصة
- سماحيات 35
- ويحدوثونك عن السيادة
- سماحيات 34
- سمات الحداثة في (هذا الولد مولع بالنساء) لصلاح زنكنه
- إضاءات في شأن السوري
- سماحيات 33
- رؤية نقدية فلسفية لقصيدة (لا شيء يبقى بعد حين) لصلاح زنكنه
- قصيدة (سأحبكِ) لصلاح زنكنه أمام مرايا النقد


المزيد.....




- بين الخيانة والاستسلام: ماذا يعني تسليم دونباس لروسيا؟
- والدة محتجز إسرائيلي تبث مقطع فيديو لابنها في الأسر
- لاريجاني: إيران لا تتدخل في شؤون لبنان الداخلية
- لاريجاني: تعليقنا على الوضع في لبنان لا يعني التدخل في شؤونه ...
- دبلوماسي روسي: موسكو تحتاج أيضا ضمانات أمنية -موثوقة-
- إسرائيل تهدد حماس: العودة للتفاوض أو احتلال غزة قريبا
- هجمات روسية جديدة على أوكرانيا.. وزيلينسكي يتوجه إلى واشنطن ...
- زلزال يضرب ولاية تبسة بالجزائر
- مبعوث روسي: موسكو بحاجة إلى ضمانات أمنية مماثلة لما تريده كي ...
- جدل الديمقراطية والجيش في غرب أفريقيا.. هل هنالك انقلابات جي ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح زنكنه - حكايات من ذاكرة الرعب (1)