أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي غريب - الدولة المدنية بين المبدأ والتوظيف الطائفي: قراءة في الحالة السورية














المزيد.....

الدولة المدنية بين المبدأ والتوظيف الطائفي: قراءة في الحالة السورية


قصي غريب

الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 20:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن فكرة الدولة المدنية تمثل غاية سياسية محورية للنخب في المجتمعات التي تتطلع إلى التحرر من سطوة الاستبداد، سواء أكان دينياً أم عسكرياً. وتعد الدعوة إلى تأسيسها مطلباً جوهرياً في الخطاب السياسي المعاصر، كونها تشكل أساساً لبناء مجتمعات قائمة على العدالة والمواطنة المتساوية وسيادة القانون. وهي تستمد شرعيتها من إرادة الشعب عبر مؤسسات دستورية منتخبة، على خلاف الأنظمة التي تستمد شرعيتها من سلطة دينية كما في إيران والفاتيكان، أو من سلطة عسكرية كما في مصر.
تقوم المبادئ الأساسية للدولة المدنية على فصل السلطات، والمساواة الكاملة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية، وعلى حياد مؤسسات الدولة تجاه جميع المواطنين كافة، وضمان الحريات الفردية والجماعية، وتكريس التعددية السياسية والحزبية. ومن ثم فإن هذا النموذج السياسي يجعل من المواطن محور الشرعية، ويجعل من القانون المرجع الأعلى الذي يحتكم إليه الجميع.
في الحالة السورية وسجالاتها غالباً ما تعرض مفهوم الدولة المدنية لعمليات تفريغ من محتواه، واستخدامه كأداة لخدمة أجندات طائفية وعنصرية ضيقة. فبعد التحرر من سطوة الاستبداد الطائفي الأسدي ظهرت أصوات تتبنى الدعوة للدولة المدنية العلمانية لكنها في الممارسة أظهرت تناقضات صارخة. ويتجلى هذا التوظيف الانتهازي حين يرفع شعار الدولة المدنية العلمانية ولا يتورعون عن تقويض أسسها. ومثال ذلك دعوة رجل الدين الدرزي حكمت الهجري إلى إقامة دولة مدنية علمانية تصطدم بواقع مغاير تماماً، ففي حين ينتقد الحكومة السورية ويصفها بالتطرف ويطالب هو وجماعته بدولة مدنية سورية علمانية تقوم على التعددية، فإنهم في الوقت نفسه يمارسون سياسات إقصائية وارتكاب جرائم ضد المكونات الأخرى في محافظة السويداء لاسيما ضد البدو السنة.
إن مبدأ التعددية والمواطنة الكاملة ركيزة أساسية لا يمكن إغفالها عند الحديث عن الدولة المدنية، فهي لا تكتفي بفصل الدين عن السلطة والإدارة، بل تسعى لحماية الأقليات وضمان حقوقها ومشاركتها الفاعلة في الحياة العامة. لكن ما يحدث في محافظة السويداء التي يدعي حكمت الهجري تمثيلها يتناقض تماماً مع هذا المبدأ. فبينما يطالب هو وأتباعه الحكومة السورية بتبني التعددية والمشاركة فإنهم يمارسون إقصاءً وتهميشاً للآخرين وتحديداً للمسلمين السنة والمسيحيين الذين يمثلون جزءاً أصيلاً فيها. ويكشف هذا السلوك عن ازدواجية معايير فاضحة، ويظهر أن رفع شعار الدولة المدنية ليس أكثر من أداة سياسية لا تعكس قناعة حقيقية بمبادئها الجوهرية.
كما أن مطالبة الهجري ومجموعته بحق تقرير المصير لمحافظة السويداء سعياً للانفصال عن الدولة السورية، وإقامة كيان سياسي خاص بالطائفة الدرزية على غرار النموذج الإسرائيلي، وإن عدم أخذ رأي المسلمين السنة والمسيحيين وإقصاءهم تهميشهم، في حين يطالب الحكومة السورية بالتعددية والمشاركة يتناقض تماماً مع المبادئ الأساسية للدولة المدنية التي تقوم على المواطنة الجامعة لا على الانقسام الطائفي. فهذا التوجه الطائفي الرث لا يتنافى فقط مع مفهوم الدولة المدنية الذي يدعو إليه بل ينسفه من أساسه. وهذا التناقض يعكس ما يمكن وصفه بازدواجية المعايير حيث يستخدم خطاب الدولة المدنية لإضفاء الشرعية على مشاريع سياسية تقوم في جوهرها على الانغلاق الطائفي.
وتتجلى المفارقة الكبرى بشكل جلي في خطاب أتباع حكمت الهجري من أكاديميين وناشطين سياسيين، مثل الدكتور يحيى العريضي، والدكتور خلدون النبواني، وماهر شرف الدين، والدكتور فايز قنطار، والمحامي بسام العيسمي. فعلى الرغم من نقدهم المتكرر للحكومة السورية واتهامها بالتطرف الديني، والدعوة إلى دولة مدنية علمانية تفصل الدين عن الدولة، فإنهم في الوقت ذاته يخضعون لسلطة مرجعية دينية متمثلة في حكمت الهجري. لكنهم يتجاهلون خضوعهم المطلق لسلطة رجل دين يملي عليهم القرارات والتوجيهات. ويكشف هذا الخضوع عن عدم تحررهم من هيمنة السلطة الدينية، وأن دعوتهم للمدنية والعلمانية ليست نابعة من قناعة فكرية، فهم يقعون في تناقض جوهري، إذ يتبعون حرفياً تعليمات زعيمهم الديني ولا يمكنهم الخروج عن سلطته وقراراته. وهذا الخضوع الكامل يكشف زيف خطابهم، ويؤكد أن دعوتهم للمدنية والعلمانية ليست سوى وسيلة لتبرير أجندة سياسية قائمة على الطائفية، وليست قناعة حقيقية بمبادئ الدولة المدنية والعلمانية.
وبنا عليه تشير الحالة السورية إلى أن توظيف مفهوم الدولة المدنية في السياق الطائفي الرث يفقده دلالاته الجوهرية ويحوله إلى أداة مبتذلة في الصراع. ولذلك بناء دولة مدنية سورية حقيقية يتطلب تجاوز الولاءات الطائفية وعدم الخضوع لسلطة مرجعية دينية لتناقضها مع فكرة المدنية، وإعادة الاعتبار لمفهوم الوطنية السورية والعدالة والمواطنة المتساوية القائمة على الحقوق والواجبات وسيادة القانون. وإن أي محاولة مبتذلة لاستخدام مفهوم الدولة المدنية بمعزل عن الايمان بمبادئها تؤدي إلى إفراغها من محتواها وتحولها إلى شعار سياسي يوظف من قبل الطائفيين لتبرير الانقسام بدلاً من معالجته.



#قصي_غريب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرق جوهري بين حق الشعوب في تقرير المصير وحقوق الأقليات
- الثورة المضادة في سورية
- شرعية السلطة الثورية المؤقتة في تمثيل الدولة
- تداعيات الإفراط في المرونة السياسية مع حركات التمرد
- عقل وسلوك استعماري
- البحث عن المكانة والشهرة
- التضليل !
- الايديولوجيا ركن من أركان الدولة
- سوريا ليست دولة أقليات وفسيفساء أو موزاييك!
- الهَذَّاء
- هوية الأغلبية في الدستور لا تعني انتهاك حقوق الأقليات
- شعوبية تتغلف باليسار !
- الدساتير لا تكتب بالرغبات
- الحسكة ودير الزور والرقة أهمية اقتصادية وقيمة بشرية !
- صاحب الهوى
- مشروع اعلان دستوري
- ثقافة انعزالية جديدة متجددة
- الفسابكة الجدد
- الدولة المدنية
- كواليس لقاء صلاح البيطار مع حافظ الأسد!


المزيد.....




- -تمت السيطرة عليه سريعًا-.. حريق في فيلا محمد صبحي
- قمة أوكرانيا: هل يمكن لأوروبا الاعتماد على الولايات المتحدة؟ ...
- خبير عسكري: تدمير غزة يتطلب أكثر من عام وسط تحديات إستراتيجي ...
- الاحتلال يقتلع مئات أشجار الزيتون بالضفة ومئات يقتحمون الأقص ...
- ساعر: على أوروبا أن تختار بين إسرائيل وحماس
- كاتب بمعاريف: هذا هو المرض المزمن الذي يهدد إسرائيل
- النرويج تدعو لبناء تحالفات قوية ضد إسرائيل وترفض تصريحات ساع ...
- حقيقة فيديو بيان مشيخة عقل الدروز بعد -عزل حكمت الهجري-
- شاطئ أبو تلات بالإسكندرية: كيف انتهت رحلة تدريب طلاب، بكارثة ...
- بحضور رئيس الوزراء الكندي.. زيلينسكي في يوم استقلال أوكرانيا ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي غريب - الدولة المدنية بين المبدأ والتوظيف الطائفي: قراءة في الحالة السورية