أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدو اللهبي - الترمبية: ظاهرة اجتماعية ونفسية تعيد تشكيل أمريكا














المزيد.....

الترمبية: ظاهرة اجتماعية ونفسية تعيد تشكيل أمريكا


عبدو اللهبي
(Abdo Allahabi)


الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 09:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد اسم دونالد ترمب مجرد إشارة إلى رئيس أمريكي مثير للجدل، بل تحوّل إلى عنوان لظاهرة سياسية واجتماعية أوسع تُعرف بـ "الترمبية" (Trumpism)، وهي ليست مرتبطة بشخصه وحده بقدر ما أصبحت تعبيراً عن تحوّلات عميقة في المجتمع الأمريكي. إنها ظاهرة تكشف هشاشة النموذج الديمقراطي الأمريكي، وتعري الانقسامات التي ظلت كامنة لعقود قبل أن تنفجر مع صعود ترمب إلى واجهة المشهد.
أحد المفاتيح لفهم الترمبية هو إدراك حالة التراجع الاقتصادي والاجتماعي التي أصابت قطاعات واسعة من الأمريكيين، خصوصاً في الطبقة الوسطى والعمالية البيضاء.
مع العولمة، انتقلت آلاف الوظائف الصناعية إلى الخارج، وتراجعت الصناعات التقليدية كالصلب والفحم، تاركة وراءها مدناً كاملة بلا أفق.
لم تنجح السياسات الديمقراطية أو الجمهورية في معالجة هذه الأزمة، مما ولّد شعوراً بالخذلان لدى ملايين الأمريكيين.
في هذا السياق، ظهر ترمب بخطابه الشعبوي واعداً بـ"إعادة الوظائف"، و"استعادة العظمة"، فوجد فيه هؤلاء صوتاً لاحتجاجهم وصوتاً لكرامتهم المهدورة.
مما جعل قطاعاً واسعاً من الأمريكيين يلتفون حوله ويهتفون له..
على أمل كبير بأن ترامب سيحقق طموحاتهم ويمنحهم ما أفتقدوه من مجد عظيم..!
من هنا أضحت الترمبية ليست مجرد حنين اقتصادي، بل هي أيضاً أزمة هوية عميقة الجذور..
لقد عمل التغير الديموغرافي في الولايات المتحدة، مع نمو الأقليات اللاتينية والسود والمسلمين، الى جعل شريحة واسعة من الأمريكيين البيض تشعر بأنهم يفقدون امتيازاتهم التاريخية.
هذا الخوف من "الذوبان" الثقافي والعددِي تحوّل إلى نزعة دفاعية متطرفة تبحث عن زعيم قوي يعِد بحماية "أمريكا الحقيقية".
من هنا نفهم كيف أصبح خطاب ترمب المعادي للمهاجرين والمسلمين والمكسيكيين يحظى بترحيب، لأنه يخاطب مخاوف عميقة لا يعالجها النظام السياسي التقليدي.
لم يكن لترمب أن يتحول إلى ظاهرة لولا تواطؤ الإعلام وانفجار وسائل التواصل الاجتماعي.
فوكس نيوز والقنوات اليمينية منحته مساحة ضخمة لبث خطاباته المثيرة للانقسام.
تويتر، قبل حظره، كان أداة ترمب السحرية لخلق تواصل مباشر مع الجماهير، متجاوزاً الصحافة التقليدية.
هكذا وُلدت "شعبوية إعلامية" تقوم على لغة بسيطة، صادمة، مليئة بالشتائم والوعود، لكنها تُشعر المواطن أنه يسمع الحقيقة بلا تزييف..
الترمبية أيضاً نتاج ضعف الثقة بالمؤسسات الديمقراطية الأمريكية.
الكونغرس عاجز، والمحاكم مثقلة بالانقسامات، والإعلام التقليدي يُنظر إليه كجزء من "النخبة الفاسدة".
الحزب الجمهوري نفسه، عوض مواجهة ترمب، تبنى خطابه حفاظاً على أصوات قاعدته الشعبية.
النتيجة: تعمّق الاستقطاب لدرجة أن نصف المجتمع يرى في ترمب "منقذاً"، بينما النصف الآخر يراه "تهديداً وجودياً للديمقراطية".

رغم أن حياة ترمب الشخصية لا تعكس نموذجاً أخلاقياً، فإن القاعدة الإنجيلية البيضاء اعتبرته "أداة ربانية".
السبب أن ترمب تبنى سياسات محافظة تتعلق بالإجهاض، المحكمة العليا، وإسرائيل.
هذا التحالف بين الشعبوية والسياسة الدينية عزّز الترمبية كظاهرة عابرة للسياسة، ممتدة في البنية الثقافية للمجتمع.

من الناحية النفسية، الترمبية تمثل حالة نرجسية جماعية.
أنصار ترمب لا يرونه مجرد سياسي، بل "تجسيداً لغضبهم وإحباطهم".
الهجوم على ترمب يُعتبر هجوماً شخصياً عليهم، ولهذا يتمسكون به رغم الفضائح والاتهامات التي تلاحقه..
هذا الارتباط العاطفي بالزعيم هو ما جعل الظاهرة تتجاوز المنطق السياسي إلى مستوى أشبه بالولاء الديني أو القبلي..
وحتى لو غاب ترامب عن المشهد السياسي، فإن الترمبية لن تختفي،أو تغيب بسهولة عن المشهد الأمريكي.!.
لقد زرعت في المجتمع الأمريكي عقلية جديدة قائمة على رفض النخب، العداء للمؤسسات، والخوف من الآخر.
حتى داخل الحزب الجمهوري، أصبح من المستحيل تقريباً الصعود السياسي دون الانحناء لخطاب ترمب.
بعبارة أخرى: الترمبية تحوّلت إلى إيديولوجيا سياسية واجتماعية ستبقى فاعلة لعقود، وربما تُعيد تشكيل الهوية الأمريكية ذاتها.
اذاً الترمبية ليست مجرد حالة عابرة في السياسة الأمريكية، بل مرآة تعكس أزمة الهوية والعدالة والتمثيل في المجتمع الأمريكي. إنها ظاهرة تولّدت من رحم الاقتصاد، واشتعلت بخوف ثقافي ونفسي، وتضخمت بفعل الإعلام والاستقطاب، حتى باتت تهدد الأسس التي قام عليها النظام الديمقراطي نفسه.
ولعل أخطر ما تكشفه هذه الظاهرة هو أن الديمقراطية الأمريكية، التي كانت تُقدّم للعالم كنموذج مثالي، باتت اليوم تعاني من تصدّع داخلي عميق، قد يكون ترمب أحد تجلياته، لكنه ليس سببه الوحيد.
وقد تنهار يوماً بسبب ظاهرة الترمبية العميقة والجديدة في المجتمع الأمريكي, التي لا تؤمن سوى بالولاء والطاعة بدلاً من الإمتثال للقانون والدستور..!!



#عبدو_اللهبي (هاشتاغ)       Abdo_Allahabi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الأخلاق والسياسة: مأزق الهوية عند العربي الأمريكي
- العلمانية: من تراثنا المهمل إلى معركتنا المؤدلجة
- الشعوب العربية وأزمة الوعي السياسي: الخوف، الدين، والإستسلام ...
- ترامب والحرب التجارية: من القوة إلى العزلة الاقتصادية..!
- العقل العربي والطائفية: إشكالية المثقف بين الإرث والتحديث
- لماذا تستبدل الشعوب العربية الأنظمة الديكتاتورية بأخرى إسلام ...
- وقوع الأحزاب الليبرالية الغربية في فخ العنصرية تجاه القضية ا ...
- فشل أحزاب اليسار في العالم العربي.. وكيف يمكنها أعادت صياغت ...
- العلمانية هي نتاج التراث الفلسفي العربي والاسلامي قديماً..أه ...
- علاقة الشعوب مع الإستبداد السياسي، ورهانها على حرية لاتعرف م ...
- محاولات الفلسفة النهوض بالفكر الديني قديماً على يد أبن عربي ...
- استبدال الديكتاتوريات العسكرية بجماعات الإسلام السياسي والمي ...
- عند باب سجن (صيدنايا)
- تهديد المهاجرين لبقاء الغرب على ديمقراطيته وليبراليته..ودعمه ...
- مشروع 2025 المخاطر والتحديات التي يواجهها المجتمع الأمريكي و ...
- الإنتخابات الأمريكية، وإنتقال العرب الأمريكيين من الإنتماء ا ...
- العنصرية..بين الموروث ومتطلبات العصر..
- العنصرية بين أمريكا والعالم العربي
- التاريخ والموروث الثقافي..تأسيس ممنهج لتحييد العقل وتغييب ال ...
- حرية التعبير عقيدة لا يؤمن بها أحد..


المزيد.....




- -عسكرة- المدن الأميركية.. خطط لنشر قوات في شيكاغو تفجّر غضبا ...
- التسريبات تهزّ تل أبيب.. كاتس: سننهي الحرب بشروطنا
- السودان: وفاة 158 شخصا خلال أربعة أشهر جراء تفشي وباء الكولي ...
- تشيلي.. مقاطعة أكاديمية لإسرائيل من أجل سردية تدحض رواية الا ...
- إعلام إسرائيلي: دخول غزة بعملية احتلال هو أسوأ الخيارات
- ترامب يعاقب مودي بقسوة.. ماذا جرى بينهما؟
- شاهد.. ترامب يتفاخر بصورة أرسلها له بوتين تجمعها معًا أمام ح ...
- أوكرانيا تصعد هجماتها على معاقل الطاقة الروسية.. وهي تنجح
- -فتيات سُربت فيديوهاتهن الحميمة- يتعرضن للاستغلال في الصين ب ...
- تصعيد في يوم الاستقلال الأوكراني: موسكو تتهم كييف بهجوم على ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدو اللهبي - الترمبية: ظاهرة اجتماعية ونفسية تعيد تشكيل أمريكا