أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو اللهبي - العلمانية: من تراثنا المهمل إلى معركتنا المؤدلجة














المزيد.....

العلمانية: من تراثنا المهمل إلى معركتنا المؤدلجة


عبدو اللهبي
(Abdo Allahabi)


الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 10:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في زمن تتداخل فيه المفاهيم وتُختزل القضايا الكبرى في شعارات متنافرة، تصبح العلمانية – بما هي إطار عقلاني لتنظيم العلاقة بين الدين والدولة – موضوعًا لصراع أيديولوجي محتدم، بدلًا من أن تكون فضاءً حياديًا يتيح لمختلف الأطراف العمل معًا لمواجهة مشكلات المجتمع، من فساد السلطة إلى استغلال الدين، ومن انحسار الحريات إلى تعثّر العدالة الاجتماعية.
لقد تحولت العلمانية في المخيال الجمعي العربي، بفعل عوامل متعددة، إلى مرادف للكفر أو العداء للدين. وساهم في هذا التشويه خطابان متوازيان، أحدهما متشدد ديني يرى في العلمانية تهديدًا لسلطته الرمزية، والآخر علماني متطرف تبنّى خطابًا عدائيًا تجاه التراث الإسلامي، وكأنه لم يكن يومًا جزءًا من سيرورة العقل والتاريخ العربي.
ولعل من المفارقات المؤلمة أن كثيرًا من المفكرين العرب العلمانيين – أمثال أدونيس وصادق جلال العظم وغيرهم
ممكن أكن لهم إحتراماً كبيراً.. – ساهموا، ربما عن غير قصد، في تعميق هذا الانفصال. إذ قدّم بعضهم العلمانية كبديل جذري عن الدين، لا كإطار تنظيمي يضمن حرية العقيدة ويحمي الدين من التوظيف السياسي. تم تصويرها على أنها "قوة نقيضة"، بينما جوهرها التاريخي والفلسفي أبعد ما يكون عن ذلك
إنّ القول بأن العلمانية دخيلة على الثقافة العربية، أو أنها فكرة مستوردة بالكامل من الغرب، ينمّ عن قراءة انتقائية للتاريخ، بل عن تجاهل للثراء الفلسفي والروحي في التراث الإسلامي ذاته.
منذ القرن الرابع الهجري، قدّمت إخوان الصفا – تلك الجماعة الفكرية التي مزجت بين العقل والدين والفلسفة – مشروعًا مبكرًا لرؤية إنسانية متسامحة، تسعى إلى تحرير الدين من سلطة الفقهاء والسلطة السياسية. ففي رسائلهم، نقرأ دفاعًا واضحًا عن فكرة أن الدين يجب أن يخدم أخلاق الإنسان وحريته، لا أن يتحوّل إلى أداة حكم. كانوا يعتقدون بأن الدين واحد في جوهره، متعدد في صوره، وبأن العقل هو الطريق لفهم النصوص وتنقية المجتمع من الجهل والتعصب. يمكن اعتبار هذا تصورًا مبكرًا لمبدأ "حيادية الدولة تجاه العقيدة"، وهو جوهر من جواهر العلمانية؟
يكفي أن نستعيد لحظات مشرقة من تراثنا، حين كان المتصوفة والفلاسفة – من أمثال ابن رشد والفارابي وابن عربي – يفرّقون بين الشريعة كمنظومة تعبدية، والحكم كمسؤولية بشرية. فابن رشد دعا إلى إعمال العقل في فهم النصوص، واعتبر أن الدين والفلسفة لا يتعارضان إذا فهمنا المقصد من كليهما. بينما نحت ابن عربي بفكره الصوفي نحو "وحدة الوجود" داعيًا إلى التسامح الكوني وتجاوز الأطر الظاهرية، ومبشّرًا بعقيدة رحبة لا تقصي المختلفين.
وللتراث الشيعي العقلاني نصيبه أيضًا من هذه الرؤية التحررية. فقد وُضِع العقل – لا النص – في كثير من الأحيان كمصدر أول في التشريع، كما في مقولة الإمام جعفر الصادق: "إن لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة وهي الأنبياء، وحجة باطنة وهي العقول." وهذه الرؤية تمثل نواة لفصل المعرفة الدينية عن سلطة الدولة، ومن ثم تمهّد لتصور سياسي يُبقي الدين بعيدًا عن أدوات القمع أو التوظيف السلطوي.
أما في زمن لاحق، فقد ظهر في التيارات الشيعية الإصلاحية، خاصة مع المفكرين المجددين كـالشيخ محمد حسين النائيني، دعوات صريحة لقيام دولة تقوم على العدالة والمؤسسات، لا على الولاية المطلقة للفقيه، وهو ما يمهّد لتبني شكل من العلمانية السياسية التي تُبقي القيم الدينية في دائرة الأخلاق، لا الحكم.
ولا تقتصر هذه الرؤية التنويرية على التيار الشيعي فقط، بل نجد في المدرسة السنّية الإصلاحية أيضًا أصواتًا بارزة دعت إلى فصل الدين عن الحكم، دون أن تفصل الدين عن الأخلاق.
الإمام محمد عبده، رأى أن الإسلام دين هداية لا حكم، وأن الدولة ليست إلا أداة مدنية لتحقيق مصالح الناس، لا لتطبيق "الشريعة" بمعناها الضيق كما يطرحها المتشددون. بل إنه كتب صراحة: "إنما جاء الإسلام ليحرر العقل، لا ليقيّده، وليهدي الإنسان، لا ليحكمه بالسيف."
أما المفكر جمال البنا، فقد ذهب أبعد من ذلك، إذ اعتبر أن "الإسلام دين لا دولة"، وأن الخلط بين العقيدة والسلطة هو السبب في فساد التجارب الإسلامية السياسية. وأكّد أن القيم الدينية الحقيقية لا تزدهر إلا في ظل بيئة حرة، تفصل بين ما هو روحي وما هو سياسي، دون عداء، بل باحترام متبادل
في مقال سابق ذكرت بأن:
فكرة " لا إكراه في الدين" وحدها هي تعزيز لمبداء حرية المعتقد الذي هو جزء لا يتجزاء من قيم الفلسفة العلمانية والمدنية، وفصل الدين عن الدولة بالكامل..
المعركة الحقيقية، إذن، ليست بين العلمانية والدين، بل بين من يرى في الدين مصدرًا للسلطة والهيمنة، ومن يريده ضميرًا حيًا في مواجهة الطغيان. فالعلمانية، في أصلها، لم تأتِ لتقصي الدين، بل لتحميه من التوظيف السياسي، تمامًا كما تحمي الدولة من أن تُختزل في عقيدة واحدة.
حين نُصِرّ على تقديم العلمانية كمعول لهدم المقدس، فإننا نفوّت على مجتمعاتنا فرصة تاريخية لبناء تعايش حقيقي. وحين نختزل الإسلام في سلطة الفقيه أو خطاب الواعظ، فإننا نخون جوهر الدين ذاته
إن المطلوب اليوم ليس استيراد النماذج الجاهزة من الغرب، ولا شيطنة تراثنا العربي الإسلامي، بل استعادة جذورنا العقلانية المنسية، واستنطاق لحظات النور التي شهدتها حضارتنا، لا لتأليه الماضي، بل لصياغة مستقبل لا يقصي أحدًا.
العلمانية ليست سلاحًا في معركة، بل أرضًا مشتركة نلتقي فيها كبشر، باختلاف معتقداتنا، لبناء مجتمع عادل. والعقلانية ليست بديلًا عن الإيمان، بل رفيقة له تمنعه من أن يتحوّل إلى أداة قمع ومعمول هدم..
إذا فلنخرج من ثنائية "الدين ضد العلمانية"، ولنعد إلى سؤالنا الأول: كيف نعيش معًا بجميع معتقداتنا بحرية، وعدالة، وكرامة..!



#عبدو_اللهبي (هاشتاغ)       Abdo_Allahabi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعوب العربية وأزمة الوعي السياسي: الخوف، الدين، والإستسلام ...
- ترامب والحرب التجارية: من القوة إلى العزلة الاقتصادية..!
- العقل العربي والطائفية: إشكالية المثقف بين الإرث والتحديث
- لماذا تستبدل الشعوب العربية الأنظمة الديكتاتورية بأخرى إسلام ...
- وقوع الأحزاب الليبرالية الغربية في فخ العنصرية تجاه القضية ا ...
- فشل أحزاب اليسار في العالم العربي.. وكيف يمكنها أعادت صياغت ...
- العلمانية هي نتاج التراث الفلسفي العربي والاسلامي قديماً..أه ...
- علاقة الشعوب مع الإستبداد السياسي، ورهانها على حرية لاتعرف م ...
- محاولات الفلسفة النهوض بالفكر الديني قديماً على يد أبن عربي ...
- استبدال الديكتاتوريات العسكرية بجماعات الإسلام السياسي والمي ...
- عند باب سجن (صيدنايا)
- تهديد المهاجرين لبقاء الغرب على ديمقراطيته وليبراليته..ودعمه ...
- مشروع 2025 المخاطر والتحديات التي يواجهها المجتمع الأمريكي و ...
- الإنتخابات الأمريكية، وإنتقال العرب الأمريكيين من الإنتماء ا ...
- العنصرية..بين الموروث ومتطلبات العصر..
- العنصرية بين أمريكا والعالم العربي
- التاريخ والموروث الثقافي..تأسيس ممنهج لتحييد العقل وتغييب ال ...
- حرية التعبير عقيدة لا يؤمن بها أحد..
- التفكير الجمعي..وأثره في واقعنا وثقافتنا المعاصرة..
- الكراهية .. ثقافة البشر المتوارثة..،


المزيد.....




- “بدون تشويش أو انقطاع” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة 2025 ...
- بابا الفاتيكان يدعو لوقف ’وحشية الحرب’ في قطاع غزة
- الرئيس الروسي يلتقي في موسكو كبيرَ مستشاري قائد الثورة الإسل ...
- هآرتس: تصدع في دعم الإنجيليين الأميركيين لإسرائيل بسبب استهد ...
- بابا الفاتيكان يدعو لإنهاء -وحشية الحرب- ووقف العقاب الجماعي ...
- بابا الفاتيكان يدعو لإنهاء -وحشية الحرب- ووقف العقاب الجماعي ...
- تفاصيل خطيرة.. مصر تحبط مخطط -حسم- الإخوانية لإحياء الإرهاب ...
- الرئاسة الروحية للدروز تطالب بسحب -قوات دمشق- من السويداء
- الاحتلال يسرع السيطرة على المسجد الإبراهيمي
- نار السويداء وثلج الجولان وحلف الدم بين اليهود والدروز


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو اللهبي - العلمانية: من تراثنا المهمل إلى معركتنا المؤدلجة