ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)
الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 00:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجزء الأول – المقدمة (2)
نبذة عن التغير المناخى وعلاقته بالذكاء الاصطناعى
1- نبذة عن التغير المناخى
تُسجِّل تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي حاليًا أعلى مستوياتها منذ فجر التاريخ، ويؤدي ذلك إلى تغيّر مناخ الأرض. كان يوم 22 يوليو 2024 أكثر الأيام حرارة على الإطلاق، في حين يُعد عام 2023 الأشد حرارة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة. وتشير البيانات إلى أن العقد الأخير هو الأكثر حرارة في التاريخ.
ولقد تسببت العواصف الشديدة والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات، التي ازدادت احتمالات حدوثها بسبب الدفيئة العالمية، في أضرار جسيمة خلال السنوات الأخيرة، كما يُشكل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدًا للمدن الساحلية في مختلف أنحاء العالم.
الشكل 1: تأثير الاحتباس الحراري
الشكل 2: ناسا، تغير المناخ العالمي، العلامات الحيوية للكوكب، ثاني أكسيد الكربون
ويدعو اتفاق باريس، الذي صدقت عليه أكثر من 190 دولة عام 2015، إلى الحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة جو الأرض إلى ما يقل عن درجتين مئويتين (3.6 درجة فهرنهيت) مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، مع مواصلة بذل الجهود لوقف الزيادة عند حدود 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهيت).
غير أن العالم لا يزال بعيدًا كل البعد عن تحقيق هذا الهدف، بل يُتَوقَّع أن تفضي السياسات القائمة إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة جو الأرض إلى حوالي 3 درجات مئوية (5.4 درجة فهرنهيت) بحلول عام 2100، علمًا بأن العديد من هذه السياسات لا تُنفذ بالكامل.
ويؤدى الذكاء الاصطناعي دورًا كبيراً في تعزيز الفهم العلمي لظاهرة تغير المناخ، كما يسهم في تحسين أداء النماذج المناخية، مما يحسن من دقة نظم الإنذار المبكر للظواهر الجوية المتطرفة، ويساعد في ربط هذه الظواهر بارتفاع مستويات تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. ومن المتوقع أن تتزايد إسهامات الذكاء الاصطناعي في علم المناخ خلال السنوات القادمة.
2- مساهمات الذكاء الاصطناعى في علم المناخ
تتزايد إسهامات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الفهم العلمي لظاهرة تغير المناخ. وعلى الرغم من أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تزال في مراحلها الأولى نسبيًا، فإن التقدم المُحرز حتى الآن يشير إلى وجود فرص حقيقية لتحسين رصد التأثيرات المناخية بشرية المنشأ، وتوفير فهم أعمق للتغيرات التي يمكن أن تطرأ على مناخ الأرض، وإتاحة توقعات أدق لتأثيرات التغير المناخي.
1- تحسين أداء النموذج المناخى
يعتمد فهم ديناميات المناخ وتوقّعات تأثيراته على عملية محاكاة حاسوبية لنماذج مناخية معقدة. وللتحقق من دقة هذه المحاكاة، تُقارن نتائجها باستخدام عدد من النماذج (ما يعرف بـ "مقارنة النماذج"
Model Intercomparison)، مع الاستعانة ببيانات الطقس التاريخية لأغراض المقارنة "التنبؤ بالماضي" Hindcasting).
ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحسّن من عملية المقارنة بتحديد الانحيازات في نماذج معينة، واستخلاص القيم الفيزيقية الأكثر فائدة من بين كميات هائلة من البيانات الناتجة عن نماذج المناخ، كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يبني على النماذج المناخية التقليدية القائمة على الفيزياء من خلال اتباع نهج هجين، مما يقلل إلى حد كبير من الحاجة إلى تنفيذ بعض العمليات الحسابية شديدة التعقيد، أو يُحسن من دقة مخرجات النماذج.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلل الكمّ الهائل من مخرجات النماذج المناخية عالية الدقة، ويقيم أوجه التحيز المحتملة في تنبؤاتها. فعلى سبيل المثال، استخدمت جامعة ستانفورد الذكاء الاصطناعي فى تحليل خرائط انحرافات درجات الحرارة عن القيم المرجعية. وكشفت أن النماذج المناخية تنتج تقديرات عن متوسط معدل الدفيئة أقل من القيم الفعلية، كما أشارت إلى احتمال تجاوز ارتفاع درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية بحلول 2030-2035.
لقد حسَّن الذكاء الاصطناعي بالفعل من عمليتي المعالجة المسبقة والمعالجة اللاحقة في النماذج المناخية، وعزز من التنبؤات العددية بأحوال الطقس.
وتضمن العيوب المحتملة لإدماج الذكاء الاصطناعي في محاكاة المناخ أن العمليات الحسابية قد لا يمكن تكرارها مرة أخرى للحصول على نتائج متطابقة، كما تُزيد الطبيعة المعقدة والقائمة على الاحتمالات لبعض تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلة من صعوبة هذا التكرار.
2- تحسين الفهم المتعلق بالتفاعلات المناخية
ساهمت قدرة الذكاء الاصطناعي على استيعاب كميات هائلة من بيانات المناخ والطقس وتفسيرها في تسليط الضوء على العمليات الطبيعية والتفاعلات الخفية والمهمة داخل النظام المناخي. فعلى سبيل المثال، وضحت إحدى الدراسات دور هطول الأمطار في منطقة وسط غرب الولايات المتحدة من حيث التأثير على نسبة الملوحة في شمال المحيط الأطلسي، وكشفت دراسة تحليلية أخرى قائمة على الذكاء الاصطناعي حول فيضانات الأنهار عن أنه في العديد من الحالات تستطيع النمذجة التجريبية القائمة على البيانات، المستخدمة للذكاء الاصطناعي، أن تُحقق نتائجًا تُضاهي تلك التي تنتج عن المحاكاة القائمة على العلوم. كما يمكن أن يزيح الذكاء الاصطناعي الإبهام الذي يحيط ببعض الدوافع المناخية الأساسية. فعلى سبيل المثال، ساهمت دراسة حديثة في تحسين فهم العلاقة بين الهباء الجوي والسحب، وهو أمر لطالما صعب على نماذج المناخ أن تمثله بدقة.
3- تحديث نظم الإنذار المبكر للظواهر الجوية المتطرفة
بدأ الذكاء الاصطناعي بالفعل في تحسين التنبؤات الجوية فيما يتعلق بالظواهر الجوية المتطرفة، فقد وفر تحذيرات دقيقة ومبكرة على المدى القريب في السياقات الحرجة. وشهد هذا المجال تقدمًا كبيرًا خلال العامين الماضيين، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى تحول جذري في استجابات التكيف مع تبعات تغيّر المناخ.
ويعد هطول الأمطار الغزيرة وسرعات الرياح الشديدة من أبرز المجالات التي يُطبَّق فيها هذا النوع من "التنبؤ الآني" Nowcasting القائم على الذكاء الاصطناعي (خلال 6 ساعات)، مع إمكانية التنبؤ بموجات الحر الشديدة لفترات تتراوح من أيام إلى أسابيع.
4- إسناد الظواهر المتطرفة للتدخل البشرى
يُعدّ الإسناد المناخي مجالًا سريع التغير، كما أن فهم دور تغير المناخ في ظواهر متطرفة أمرٌ بالغ الأهمية للحكومات، والشركات، والجهات العامة المعنية.
ولقد قدّم الذكاء الاصطناعي بالفعل رؤى ثاقبة حول إسناد بعض الظواهر والآليات المحددة إلى التدخلات البشرية. وتشمل هذه الظواهر فيضانات الأنهار في أوربا، والأعاصير المدارية الشديدة، وفترات الصقيع، وغيرها الكثير.
ولذلك، تُعوِّل منظمات جديدة وبرامج حكومية، مثل «برنامج الأحداث المتطرفة» على الذكاء الاصطناعي للكشف والإسناد (XAIDA) في أوربا، تركيز عملها على هذه المهمة الحيوية.
5- الكشف عن دوافع مناخية إضافية
ساهمت قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات المرئية والرقمية لاكتشاف الأنماط في تعزيز فهم بعض الدوافع المناخية الناتجة عن التدخلات البشرية.
فعلى سبيل المثال، كشف تحليل قائم على الذكاء الاصطناعي لبيانات الأقمار الصناعية الواردة من الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) عن أن تكوّن الغيوم الناتج عن مسارات السفن أعلى بكثير مما كان يُعتقد سابقًا (أعلى بعشر مرات)، كما رصد انخفاضًا طويل الأمد في هذه الظاهرة على مدار 20 عامًا بسبب انخفاض نسبة الكبريت في الوقود البحري.
#ماهر_عزيز_بدروس (هاشتاغ)
Maher_Aziz#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟