أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم ابراهيم - الشعر العربي: أداة تاريخية ووسيلة إعلامية














المزيد.....

الشعر العربي: أداة تاريخية ووسيلة إعلامية


عبدالكريم ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


عرف المؤرخون العرب بأنهم أمة حاضرة، تتنفس الشعر وتعيش تفاصيله. لم يكن الشعر لدى العرب مجرد كلمات موزونة تُتغنّى، بل كان لسان القبيلة وصوتها الأعلى. كانت القبيلة تفتخر حين يُولد فيها شاعر، فهو المتحدث الرسمي باسمها، يُعلي شأنها، ويمجد أبطالها، ويرثي قتلاها، ويفتخر بمآثرها. فكان الشاعر بمثابة الإعلامي المتفرّد في عصر غابت فيه وسائل الإعلام المؤسسية الحديثة، وكان صوته يدوّي في أرجاء الجزيرة معلنًا عن انتصارات قومه أو ناقدًا خصومهم.

وبرغم من دخول العرب في عصر التدوين، وتطور فنون النثر والتأليف، ظل الشعر محتفظًا بمكانته السامية، بل إن معظم ما دُوّن من مؤلفات أدبية وتاريخية كان يتمحور حول الشعر، تفسيرًا وتحليلاً واستشهادًا. فقد أدى الشعر وظيفة إعلامية بارزة، حيث كان وسيلة لحفظ الأحداث من النسيان، وتوثيق الوقائع قبل ظهور الإعلام بمفهومه المؤسسي الحديث القائم على الصحافة والبث الإذاعي والمرئي.
لقد مثّل الشاعر في تلك العصور ما يمثّله اليوم مراسل الأخبار أو كاتب المقال السياسي؛ فهو ناقل للحدث، وصانع للرأي، وموجّه للمزاج العام. لذلك خشيه الحكّام كما يخشى القادة السياسيون اليوم الإعلاميين المؤثرين. بل لجأ بعض الحكام إلى شراء ذمم الشعراء واستمالتهم، درءًا لشر هجائهم، وسعيًا لتسخير شعرهم في رفع المعنويات وتجميل صورة السلطة. وكان وقع القصيدة في كثير من الأحيان يفوق وقع السيوف والرماح، خصوصًا في زمن الحروب.

يُروى أن المتنبي (303 – 354 هـ) قد استطاع من خلال قصائده أن يُضفي على معارك سيف الدولة الحمداني (303 – 356 هـ) هالة من المجد والانتصار، حتى أن الأمير نفسه لم يكن يدرك حجم ما حققه من إنجازات إلا بعد أن صوّرها المتنبي في أبياته، ومنها قوله:

يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ
لقد جسّد المتنبي في شعره المعارك حتى بدت وكأنها تُروى بالبصر لا بالكلمات، وسار بذلك على نهج الشعراء الأقدمين الذين جعلوا من قصائدهم أراجيز حربية تبث الرعب في قلوب الأعداء وترفع من معنويات المحاربين.

وكان من تقاليد العرب في المعارك أن يبدأ المقاتل بالرجز في ساحة الوغى، مُعرِّفًا بنفسه ونسبه، داعيًا من يراه كفؤًا إلى المبارزة. ولم يكن هدف الشاعر المقاتل آنذاك مكاسب مادية بقدر ما كانت قضيته هي نصرة قومه والدفاع عن أرضه.

ومع التحول الحضاري الكبير في حياة العرب، وظهور المدنية والاستقرار، انتقلت وظيفة الشاعر من الحماسة والتحفيز إلى التوثيق والرثاء، فصار مؤرخًا لوقائع المدن والممالك، ومُرثيًا لسقوط الدول والأنظمة. وبرز في هذا الجانب شعراء كُثر في العصر العباسي والأندلسي، ومنهم أبو تمام (188 – 231 هـ) الذي وصف بركة المتوكل في أبيات غلب عليها التخييل والمبالغة، فقال:

يا مَن رأى البِركَةَ الحسناءَ رُؤيتها والآنِساتِ إذا لاحَت مَغانيها
بِحَسبِها إنها بِفضلِ رُتبتِها تُعدُ واحدةً والبحرُ ثانيها
وما هي في الحقيقة إلا بركة ماء دائرية قطرها نحو (62م) وعمقها (2م)، محاطة ببناء مربع الشكل، لكنها في وصف أبي تمام أصبحت تضاهي البحر في جلالها.

كذلك حفظ التاريخ لنا قصيدة أبي البقاء الرندي (601 – 684 هـ) التي رثى فيها سقوط الأندلس، معبّرًا عن ألم فقدان الحضارة وزوال العز، فقال:

لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصانُ فَـلا يُـغَرَّ بِـطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ



إن الشعر العربي، وإن كان في ظاهره أداة فنية تُعبر عن مشاعر الحب أو الحزن أو الفخر، إلا أنه كان في جوهره وسيلة إعلامية وتاريخية بامتياز، حفظت لنا أحداثًا ومعارك وتحوّلات كادت أن تندثر، لولا أن وثّقها شعراؤنا في أبياتهم، وأحيوها في وجدان الأمة.



#عبدالكريم_ابراهيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استنساخ الفشل وأثره على فعالية الخطط التنموية: قراءة نقدية ف ...
- حكاية عراقية من ألف ليلة وليلة
- صناعة الجمال والسينما العربية ... محاولة للبحث عن المثالية
- وسائل الاتصالات الحديثة تلغي ساعي البريد وتبقي على معتمد الد ...
- الدراسات العليا في العراق غاية مادية ووجاهة اجتماعية
- ذكريات (قوري الجاي ) على (صوبة علاء الدين ) و(منقلة الفحم)
- الدراسات العليا وحقيبة جبوري الدبلوماسية
- الأجهزة الحديثة تنافس المسبحة في وظيفتها
- التلفزيون يفقد بعض بريقه ... بعدما كان أنيس الاسرة
- الاكلات العراقية... البيتزا وكنتاكي تنافس الباجة والطابگ
- كراج النهضة و ضحكات هند رستم وبياض بانو الكان
- مقمص صالح المطهرجي كاتم صوت الأولاد الأشقياء
- ساحة الفتيان وطوبة الكريكر والاحذية البلاستكية
- كيف تفّوق (خصّاف العبد) على إسماعيل ياسين؟
- ناصر ومسلسل عائلة برادلي
- جسومة أم السمچ نصف القمر الثانية لبريجيت باردو
- ترويض الفكرة على صهوة الابداع
- كيف ابكى سلمان المنكوب كوبنهاكن على سمفونية (امرن بالمنازل)؟
- قطار هيفاء وهبي السريع
- فراسة (عذافة الحوّاف) وفطنة (شارلوك هولمز)


المزيد.....




- لتوعية المجتمع بالضمان الاجتماعي .. الموصل تحتضن اول عرض لمس ...
- -شاعر البيت الأبيض-.. عندما يفتخر جو بايدن بأصوله الأيرلندية ...
- مطابخ فرنسا تحت المجهر.. عنصرية واعتداءات جنسية في قلب -عالم ...
- الحرب في السودان تدمر البنية الثقافية والعلمية وتلتهم عشرات ...
- إفران -جوهرة- الأطلس وبوابة السياحة الجبلية بالمغرب
- يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...
- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم ابراهيم - الشعر العربي: أداة تاريخية ووسيلة إعلامية