|
دراسة مقارنة بين جوديت بتلر ونانسي فريزر حول الفكر النسوي ومسألة المقاومة
زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 07:39
المحور:
المجتمع المدني
مقدمة تُعد جوديت بتلر (1956-) ونانسي فريزر (1947-) من أبرز المنظّرات في الفكر النسوي المعاصر، حيث طورت كل منهما إطارًا نظريًا متميزًا لفهم الجندر، العدالة، والمقاومة. بتلر، في أعمال مثل مشكلة الجندر (1990) وأجسام ذات وزن ( 1993)، تركز على الأداء الجندري وتفكيك الثنائيات الجندرية، متأثرة بما بعد الحداثة وفلسفات فوكو ودريدا. أما فريزر، في أعمال مثل العدالة المتعطلة ( 1997) وحظوظ النسوية ( 2013)، فتقدم إطارًا يدمج بين الاعتراف والتوزيع المعاد، مستلهمة من النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت وماركس. تهدف هذه الدراسة إلى إجراء مقارنة بين بتلر وفريزر، مع التركيز على فكرهما النسوي وفلسفة المقاومة في سياق الأنجلوساكسونية وما بعد الحداثة، باستخدام منهج تأويلي مستلهم من هانس غادامر وبول ريكور، مع دمج التحليل النقدي. 1.الفكر النسوي عند جوديت بتلر مفهوم الجندر كأداء في مشكلة الجندر، تقدم بتلر مفهوم "الأداء الجندري"، حيث ترى أن الجندر ليس جوهرًا بيولوجيًا ثابتًا، بل هو سلسلة من الأفعال المتكررة التي تُنتج الهوية الجندرية عبر الخطابات الاجتماعية. مثال: ارتداء الملابس "الأنثوية" أو السلوكيات "الذكورية" هي أفعال تؤدي إلى إنتاج الجندر وليست تعبيرًا عن جوهر بيولوجي. التأويل: يمكن فهم هذا المفهوم كمحاولة لتفكيك الإيديولوجيا الجندرية، حيث يشير ألتوسير إلى أن الإيديولوجيا تُنتج الأفراد كمواضيع من خلال الممارسات الاجتماعية. نقد الثنائيات الجندرية تنتقد بتلر الثنائية الجندرية (ذكر/أنثى) كبنية إيديولوجية تخدم السلطة البطريركية. في أجسام ذات وزن، تؤكد أن الأجسام تُشكل اجتماعيًا عبر الخطابات، مما يجعل الجندر والجنس بنى قابلة للتحدي. التأويل: تعكس هذه الرؤية مفهوم دريدا عن التفكيك، حيث تتحدى الثنائيات كحقائق مطلقة وتفتح المجال لتعددية الهويات. المقاربة التقاطعية تتفاعل بتلر مع مفهوم التقاطعية، الذي طُور بواسطة كيمبرلي كرينشو، لتأكيد أن الهوية الجندرية تتشكل من خلال تقاطع الجندر، العرق، الطبقة، والتوجه الجنسي. هذا يجعل مقاومتها شاملة للقضايا الاجتماعية الأوسع. التأويل: يمكن فهم هذا النهج كمحاولة لإعادة صياغة "أفق التجربة" ليشمل هويات مهمشة، مما يعزز طابعها الجذري. فلسفة المقاومة عند بتلر المقاومة كأداء مضاد ترى بتلر أن المقاومة تتحقق من خلال الأداء المضاد للخطابات الهيمنية. على سبيل المثال، يمكن أن تكون الأفعال مثل السحب أو الاحتجاجات العامة وسيلة لتحدي الأعراف الجندرية والاجتماعية. مثال: الحركات الاحتجاجية في السياق الأنجلوساكسوني، مثل مظاهرات ستونوول (1969)، تُعتبر أداءً مقاومًا يتحدى السلطة البطريركية. التأويل: تعكس هذه الفكرة مفهوم فوكو عن "السلطة/المقاومة"، حيث تُنتج السلطة نفسها مواقع المقاومة. المقاومة والسياسات المدنية تربط بتلر فلسفة المقاومة بالسياسات المدنية، حيث تدعو إلى إعادة صياغة الفضاء العام ليشمل الهويات المهمشة. في ملاحظات نحو تحالف سياسي، تؤكد أن التجمعات العامة هي أداء سياسي يعيد تشكيل العلاقات الاجتماعية. التأويل: يمكن فهم هذا النهج كمحاولة لإعادة تأويل الفضاء العام كموقع للمقاومة، وفقًا لمفهوم عن التأويل كإنتاج للمعنى. الطابع الجذري للمقاومة تتميز فلسفة المقاومة عند بتلر بطابعها الجذري، حيث:تتحدى الأسس الأنطولوجية للهوية. ترفض الإصلاحات الليبرالية التقليدية لصالح تغيير جذري في البنى الاجتماعية. تؤكد على التعددية والشمولية، مما يجعلها متجاوزة للسياق الأنجلوساكسوني. التأويل: يعكس هذا النهج مفهوم سارتر عن "الإنسان محكوم عليه بالحرية"، حيث يتحمل الفرد مسؤولية إعادة تشكيل العالم من خلال المقاومة. بتلر بين الأنجلوساكسونية وما بعد الحداثة السياق الأنجلوساكسوني نشأت أفكار بتلر في السياق الأنجلوساكسوني، وهو بيئة فكرية تتميز بالفردية الليبرالية، الرأسمالية، والتركيز على الحقوق الفردية. في الولايات المتحدة خلال الثمانينيات والتسعينيات، شهدت الحركات النسوية صراعات حول الهوية والتمثيل، خاصة مع ظهور النسوية الموجة الثالثة التي ركزت على التعددية والشمولية. النسوية الأنجلوساكسونية: ركزت النسوية الأمريكية على قضايا مثل المساواة في الأجور وحقوق المرأة، لكنها واجهت انتقادات بسبب تركيزها على النساء البيض دون مراعاة التقاطعات مع العرق والطبقة. التأويل: يمكن فهم السياق الأنجلوساكسوني كإطار يشكل "أفق التوقع" لبطلر، حيث طورت نظريتها كرد فعل على قيود النسوية التقليدية. النموذج ما بعد الحديث تتأثر بتلر بفلسفة ما بعد الحداثة، التي ترفض المركزيات الكبرى (مثل الحقيقة المطلقة أو الهوية الثابتة) وتؤكد على التفكيك والتعددية. تأثرت بمفكرين مثل ميشيل فوكو (السلطة والخطاب) وجاك دريدا (التفكيك). فوكو والسلطة: تستند بتلر إلى فكرة فوكو بأن السلطة تُنتج الهويات من خلال الخطابات، مما دفعها إلى تحليل الجندر كمنتج اجتماعي وليس بيولوجيًا. دريدا والتفكيك: تبنت بتلر نهج التفكيك لتحليل الثنائيات (ذكر/أنثى)، معتبرة أنها بنى اجتماعية قابلة للتحدي. التأويل: يعكس عمل بتلر مفهوم "دائرة التأويل"، حيث تتفاعل النصوص الثقافية مع السياقات الاجتماعية لإنتاج معانٍ جديدة. التفاعل مع السياق الأنجلوساكسوني في السياق الأنجلوساكسوني، تتفاعل أفكار بتلر مع النسوية الليبرالية والفردية الرأسمالية. لكنها تنتقد هذا السياق لأنه يقتصر على المساواة القانونية دون تحدي البنى البطريركية الأعمق. نقد الليبرالية: ترى بتلر أن النسوية الليبرالية فشلت في معالجة التقاطعات بين الجندر، العرق، والطبقة، مما دفعها إلى تبني نهج تقاطعي. التأويل: يمكن فهم هذا النقد كمحاولة لتوسيع أفق النسوية الأنجلوساكسونية ليشمل قضايا عالمية. التفاعل مع ما بعد الحداثة تستند بتلر إلى مبادئ ما بعد الحداثة، مثل التفكيك ورفض المركزيات، لتطوير نظريتها: التفكيك: تستخدم نهج دريدا لتحليل الثنائيات الجندرية، مما يجعل فلسفتها جذرية في تحديها للأعراف. السلطة والخطاب: تستلهم من فوكو لفهم كيف تُنتج السلطة الهويات الجندرية، مما يجعل المقاومة ممكنة من خلال الأداء المضاد. التأويل: يعكس هذا النهج مفهوم غادامر عن "اندماج الأفقين"، حيث تتفاعل أفكار بتلر مع النصوص الفلسفية والسياقات الاجتماعية لإنتاج معانٍ جديدة. التوتر بين الأنجلوساكسونية وما بعد الحداثة تواجه بتلر توترًا بين السياق الأنجلوساكسوني (الذي يركز على الحقوق الفردية) وما بعد الحداثة (التي ترفض المركزيات). تجاوزت هذا التوتر من خلال التركيز على المقاومة كعمل جماعي يتحدى الهيمنة دون التقيد بالفردية الليبرالية. 2.النظرية النسوية عند نانسي فريزر تقدم فريزر مقاربة جندرية جذرية تركز على التكامل بين الاعتراف والتوزيع المعاد كأسس للعدالة الاجتماعية. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الفكر النسوي عند فريزر من خلال تفاعله مع السياق الفلسفي الاجتماعي النقدي، المستمد من النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، والنموذج ما بعد الحديث، الذي يرفض المركزيات الكبرى ويؤكد على التعددية والتفكيك. السياق الفلسفي الاجتماعي النقدي وما بعد الحداثة السياق الفلسفي الاجتماعي النقدي يستمد الفكر النسوي عند فريزر جذوره من النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، التي تركز على نقد الهياكل الاجتماعية والاقتصادية التي تُنتج الظلم. تأثرت فريزر بمفكرين مثل يورغن هابرماس، الذي دعا إلى تحرر عقلاني من خلال الحوار التواصلي، وماكس هوركهايمر، الذي ركز على نقد الرأسمالية. النظرية النقدية: ترى فريزر أن الظلم الجندري هو نتاج هياكل اجتماعية واقتصادية، وليس مجرد قضية فردية. تستلهم من هابرماس فكرة الفضاء العام كموقع للنقاش والتغيير الاجتماعي. التأويل: يمكن فهم السياق النقدي كإطار يشكل "آفاق التوقع" (غادامير) لفريزر، حيث طورت مقاربتها الجندرية كرد فعل على الظلم البنيوي. النموذج ما بعد الحديث تتفاعل فريزر مع ما بعد الحداثة، لكنها تحافظ على مسافة نقدية. تستلهم من ميشيل فوكو (السلطة والخطاب) وجاك دريدا (التفكيك)، لكنها تنتقد تركيز ما بعد الحداثة على الهوية والثقافة على حساب القضايا المادية. فوكو والسلطة: تستخدم فريزر مفهوم فوكو عن السلطة لتحليل كيفية إنتاج الإيديولوجيا الجندرية للعلاقات الاجتماعية. نقد ما بعد الحداثة: ترى فريزر أن التركيز المفرط على الاعتراف في ما بعد الحداثة يُغفل قضايا إعادة التوزيع المعاد اقتصاديا. التأويل: تعكس مقاربة فريزر مفهوم ريكور عن "دائرة التأويل"، حيث تتفاعل النصوص النظرية مع السياقات الاجتماعية لإنتاج معانٍ جديدة. الفكر النسوي عند نانسي فريزر الاعتراف والتوزيع المعاد في العدالة المتعطلة، تقدم فريزر إطارًا ثنائي الأبعاد للعدالة الجندرية يدمج بين الاعتراف والتوزيع المعاد: الاعتراف: يتعلق بمعالجة الظلم الثقافي، مثل التمييز على أساس الجندر أو التوجه الجنسي، من خلال الاعتراف بالهويات المهمشة. التوزيع المعاد: يركز على معالجة التفاوتات الاقتصادية الناتجة عن الرأسمالية، مثل استغلال العمالة النسائية. التأويل: يمكن فهم هذا الإطار كمحاولة لتفكيك الإيديولوجيا الرأسمالية والبطريركية، حيث يشير ألتوسير إلى أن الإيديولوجيا تُنتج الأفراد كمواضيع من خلال الممارسات الاجتماعية. نقد النسوية الليبرالية في حظوظ النسوية، تنتقد فريزر النسوية الليبرالية لتركيزها على الحقوق الفردية دون معالجة الهياكل الاجتماعية الأعمق. ترى أن النسوية أصبحت في بعض الأحيان "خادمة للرأسمالية النيوليبرالية" من خلال التركيز على التمكين الفردي (مثل "كسر السقف الزجاجي") على حساب التغيير البنيوي. مثال: تنتقد فريزر دعوات النسوية الليبرالية لتمكين النساء في مجالس إدارة الشركات دون النظر إلى استغلال العاملات في الاقتصادات العالمية. التأويل: تعكس هذه الرؤية مفهوم ماركس عن "الوعي الزائف"، حيث تُستخدم الإيديولوجيا الليبرالية لإخفاء التناقضات الرأسمالية. المقاربة التقاطعية تتبنى فريزر نهجًا تقاطعيًا، مستلهمة من كيمبرلي كرينشو، لفهم كيفية تفاعل الجندر مع العرق، الطبقة، والتوجه الجنسي في إنتاج الظلم. ترى أن العدالة الجندرية تتطلب معالجة هذه التقاطعات بشكل متزامن. مثال: تؤكد فريزر على أن النساء السود العاملات في الاقتصاد غير الرسمي يواجهن ظلمًا مزدوجًا (جندري وعرقي) يتطلب تدخلات اقتصادية وثقافية. التأويل: يمكن فهم هذا النهج كمحاولة لتوسيع أفق النسوية (غادامير) ليشمل قضايا العدالة العالمية. النسوية كفلسفة مقاومة عند فريزر المقاومة ضد الرأسمالية النيوليبرالية ترى فريزر أن النسوية يجب أن تكون فلسفة مقاومة تستهدف البنى الرأسمالية والبطريركية معًا. في الرأسمالية، تقدم تحليلًا نقديًا للرأسمالية النيوليبرالية كإيديولوجيا تُنتج التفاوتات الجندرية والاقتصادية. مثال: تدعو فريزر إلى حركات نسوية اشتراكية تتحدى استغلال العمالة النسائية في الاقتصادات العالمية. التأويل: تعكس هذه الفكرة مفهوم فوكو عن "السلطة/المقاومة"، حيث تُنتج السلطة نفسها مواقع المقاومة. المقاومة والفضاء العمومي تركز فريزر على الفضاء العام كموقع للمقاومة النسوية، حيث تدعو إلى إعادة صياغة السياسات المدنية لتعزز العدالة الجندرية. تستلهم من هابرماس فكرة الفضاء العام كمكان للحوار النقدي، لكنها تنتقد طابعه الذكوري التقليدي. مثال: دعمت فريزر حركات مثل # أنا أيضاً أنا أيضاً لتأكيدها على الاعتراف بالتجارب النسائية في الفضاء العام. التأويل: يمكن فهم هذا النهج كمحاولة لإعادة تأويل الفضاء العام كموقع للعدالة الجندرية، وفقًا لمفهوم ريكور عن التأويل كإنتاج للمعنى. الطابع الجذري للمقاومة النسوية تتميز مقاربة فريزر الجندرية بطابعها الجذري، حيث: تتحدى الأسس البنيوية للرأسمالية والبطريركية. ترفض الإصلاحات الليبرالية التقليدية لصالح تغيير جذري في البنى الاجتماعية. تؤكد على التكامل بين الاعتراف وإعادة التوزيع، مما يجعلها شاملة للقضايا الجندرية العالمية. التأويل: يعكس هذا النهج مفهوم غرامشي عن "الهيمنة"، حيث تسعى فريزر إلى تحدي الإيديولوجيا المهيمنة من خلال الحركات النسوية. فريزر بين السياق النقدي وما بعد الحداثة التفاعل مع السياق الفلسفي الاجتماعي النقدي تتفاعل فريزر مع النظرية النقدية من خلال نقدها للرأسمالية والبطريركية كأنظمة ظلم هيكلية. تستلهم من هابرماس فكرة العقلانية التواصلية، لكنها تنتقد طابعها الذكوري وتدعو إلى إعادة صياغة الفضاء العام ليشمل الأصوات النسائية. نقد الرأسمالية: ترى فريزر أن الرأسمالية النيوليبرالية تُفاقم التفاوتات الجندرية من خلال استغلال العمالة النسائية. التأويل: يمكن فهم هذا النقد كمحاولة لتوسيع أفق النظرية النقدية (غادامر) ليشمل قضايا الجندر. التفاعل مع ما بعد الحداثة تتبنى فريزر بعض مبادئ ما بعد الحداثة، مثل نقد المركزيات الكبرى، لكنها تنتقد تركيزها على الهوية على حساب القضايا المادية: الاعتراف مقابل إعادة التوزيع: ترى فريزر أن التركيز المفرط على الاعتراف في ما بعد الحداثة يُضعف النضال ضد التفاوتات الاقتصادية. التفكيك: تستخدم نهج التفكيك لتحليل البنى الجندرية، لكنها تؤكد على الحاجة إلى تغيير مادي. التأويل: تعكس مقاربة فريزر مفهوم غادامير عن "اندماج الآفاق"، حيث تتفاعل أفكارها مع النصوص النظرية والسياقات الاجتماعية لإنتاج معانٍ جديدة. حدود الفكر النسوي عند فريزر وتأثيره الحدود المركزية الغربية: قد لا تكون أفكار فريزر قابلة للتطبيق بشكل كامل في سياقات غير غربية، مثل العالم الإسلامي، بسبب تركيزها على الرأسمالية النيوليبرالية. المعقدية النظرية: تُعتبر نصوص فريزر معقدة، مما يحد من تأثيرها على الحركات الشعبية. التوازن بين الاعتراف وإعادة التوزيع: ينتقد البعض، مثل بتلر، أن تركيز فريزر على إعادة التوزيع قد يُغفل الجوانب الثقافية للظلم الجندري. التأثير الحركات النسوية: ألهمت فريزر النسوية الاشتراكية، التي تركز على التكامل بين الجندر والطبقة. النقد الاجتماعي: ساهمت أفكارها في تطوير النظرية النقدية، خاصة في تحليل الرأسمالية النيوليبرالية. الحركات الاجتماعية: أثرت على حركات مثل احتلوا وول ستريت و# أنا أيضاً، التي تتبنى نهجًا تقاطعيًا للعدالة. شكلت نانسي فريزر، من خلال فكرها النسوي، لحظة فارقة في الفلسفة الاجتماعية والسياسية. من خلال المنهج التأويلي، يمكن فهم مقاربتها الجندرية كمحاولة جذرية لتحدي الهياكل الرأسمالية والبطريركية، مستفيدة من السياق الفلسفي الاجتماعي النقدي والنموذج ما بعد الحديث. رغم حدودها، فإن إرث فريزر يستمر في إلهام الحركات النسوية والاجتماعية، معززًا التكامل بين الاعتراف وإعادة التوزيع كأساس للعدالة الجندرية. دراسة مقارنة بين بتلر وفريزر الاختلافات: تركز فريزر على التكامل بين الاعتراف وإعادة التوزيع، بينما تركز بتلر على الأداء الجندري والثقافة. تنتقد فريزر تركيز بتلر على الهوية على حساب القضايا الاقتصادية. الاشتراكات: كلتاهما تتبنى منهجًا تقاطعيًا وتتحدى البنى السلطوية، لكن فريزر أكثر تركيزًا على الهياكل المادية. التأويل: يمكن فهم هذا التوتر كصراع بين أفقين تأويليين: الثقافي (بتلر) والبنيوي (فريزر). السياق الفكري الأنجلوساكسوني نشأت أفكار بتلر وفريزر في السياق الأنجلوساكسوني، وهو بيئة فكرية تتميز بالفردية الليبرالية، الرأسمالية النيوليبرالية، والتركيز على الحقوق الفردية. خلال الثمانينيات والتسعينيات، شهدت الولايات المتحدة صعود النسوية الموجة الثالثة، التي ركزت على التعددية والتقاطعية. بتلر: تنتقد النسوية الليبرالية لتركيزها على الهوية الثابتة، وتقدم مفهوم الأداء الجندري كوسيلة لتحدي الثنائيات الجندرية. فريزر: تنتقد النسوية الليبرالية لإغفالها التفاوتات الاقتصادية، وتدعو إلى التكامل بين الاعتراف وإعادة التوزيع. من هذا المنطلق يمكن فهم السياق الأنجلوساكسوني كإطار يشكل "آفاق التوقع" (غادامير) لكل من بتلر وفريزر، حيث تطورت مقاربتاهما كرد فعل على قيود النسوية الليبرالية. النموذج ما بعد الحديث بتلر: تتأثر بشدة بما بعد الحداثة، مستلهمة من فوكو (السلطة والخطاب) ودريدا (التفكيكية). ترى الجندر كمنتج اجتماعي يُعاد إنتاجه عبر الأداء، مما يجعلها تتحدى الأسس الأنطولوجية للهوية. فريزر: تتبنى بعض مبادئ ما بعد الحداثة، لكنها تنتقد تركيزها على الهوية على حساب القضايا المادية. تؤكد على أهمية إعادة التوزيع كجزء من العدالة الجندرية. على هذا النحو تعكس مقاربتا بتلر وفريزر مفهوم ريكور عن "دائرة التأويل"، حيث تتفاعل النصوص النظرية مع السياقات الاجتماعية لإنتاج معانٍ جديدة. الفكر النسوي مفهوم الجندرعند بتلر: في مشكلة الجندر، تقدم مفهوم "الأداء الجندري"، حيث ترى أن الجندر ليس جوهرًا بيولوجيًا ثابتًا، بل سلسلة من الأفعال المتكررة التي تُنتج الهوية الجندرية عبر الخطابات الاجتماعية. مثال: ارتداء الملابس "الأنثوية" أو السلوكيات "الذكورية" هي أفعال تؤدي إلى إنتاج الجندر. من هذا المنظور يمكن فهم هذا المفهوم كمحاولة لتفكيك الإيديولوجيا الجندرية، حيث يشير ألتوسير إلى أن الإيديولوجيا تُنتج الأفراد كمواضيع من خلال الممارسات الاجتماعية. فريزر: ترى الجندر كجزء من هياكل اجتماعية واقتصادية تُنتج الظلم. في العدالة المتعطلة، تقدم إطارًا ثنائي الأبعاد يدمج بين الاعتراف (معالجة التمييز الثقافي) وإعادة التوزيع (معالجة التفاوتات الاقتصادية). مثال: تؤكد على أن استغلال العمالة النسائية في الاقتصادات العالمية يتطلب تدخلات اقتصادية وثقافية. بطبيعة الحال تعكس رؤية فريزر مفهوم ماركس عن "الوعي الزائف"، حيث تُستخدم الإيديولوجيا لإخفاء التناقضات الرأسمالية. نقد النسوية الليبرالية بتلر: تنتقد النسوية الليبرالية لتركيزها على الهوية الثابتة (مثل "المرأة" كفئة متجانسة)، وتدعو إلى تفكيك الثنائيات الجندرية لإتاحة التعددية في الهويات. فريزر: تنتقد النسوية الليبرالية لإغفالها التفاوتات الاقتصادية، وترى أنها أصبحت "خادمة للرأسمالية النيوليبرالية" من خلال التركيز على التمكين الفردي دون تغيير بنيوي. كلتا المقاربتين تعكسان محاولة لتوسيع أفق النسوية (غادامير)، لكن بتلر تركز على الثقافة، بينما تركز فريزر على البنى المادية. المقاربة التقاطعية: بتلر: تتبنى منهجًا تقاطعيًا، مستلهمة من كيمبرلي كرينشو، لفهم كيفية تفاعل الجندر مع العرق، الطبقة، والتوجه الجنسي. تركز على الأداء كوسيلة لتحدي الهويات المهمشة. فريزر: تؤكد على التقاطعية كجزء من إطار الاعتراف وإعادة التوزيع، مشيرة إلى أن الظلم الجندري يتفاعل مع التفاوتات العرقية والطبقية. على هذا النحو كلاهما تستخدم التقاطعية لتوسيع مفهوم العدالة، لكن بتلر تركز على الأداء الثقافي، بينما تركز فريزر على التغيير الهيكلي. فلسفة المقاومة المقاومة ضد البنى السلطوية بتلر: ترى أن المقاومة تتحقق من خلال الأداء المضاد للخطابات الهيمنية. في ملاحظات نحو تحالف سياسي، تؤكد أن التجمعات العامة هي أداء سياسي يعيد تشكيل العلاقات الاجتماعية. مثال: مظاهرات الكوير (مثل ستونوول) تُعتبر أداءً مقاومًا يتحدى الأعراف البطريركية. من هذا المنطلق تعكس هذه الفكرة مفهوم فوكو عن "السلطة/المقاومة"، حيث تُنتج السلطة مواقع المقاومة. فريزر: ترى أن المقاومة يجب أن تستهدف البنى الرأسمالية والبطريركية معًا. تدعو إلى حركات اجتماعية مثل الإضرابات العمالية والاحتجاجات النسوية لتحقيق العدالة الجندرية. مثال: دعمت حركات مثل احتلوا وول ستريت لتأكيدها على إعادة التوزيع. في هذا الصدد تعكس رؤية فريزر مفهوم غرامشي عن "الهيمنة"، حيث تتحدى الإيديولوجيا المهيمنة من خلال الحركات الاجتماعية. الفضاء العمومي بتلر: تركز على الفضاء العام كموقع للأداء السياسي، حيث تُعاد صياغة الهويات المهمشة من خلال التجمعات العامة. فريزر: تركز على الفضاء العام كمكان للحوار النقدي (مستلهمة من هابرماس)، لكنها تنتقد طابعه الذكوري وتدعو إلى إعادة صياغته ليشمل الأصوات النسائية. على هذا الأساس كلاهما تستخدم الفضاء العام كموقع للمقاومة، لكن بتلر تركز على الأداء، بينما تركز فريزر على التغيير البنيوي. الطابع الجذري بتلر: تتميز مقاومتها بطابعها الجذري من خلال تحدي الأسس الأنطولوجية للهوية والثنائيات الجندرية. فريزر: تتميز مقاومتها بطابعها الجذري من خلال تحدي الهياكل الرأسمالية والبطريركية، مع التأكيد على التغيير المادي. من هذا المنظور كلتا المقاربتين تعكسان مفهوم ريكور عن التأويل كصراع على المعنى، لكن بتلر تركز على الثقافة، وفريزر على الهياكل المادية. نقاط التشابه والاختلاف نقاط التشابه المقاربة التقاطعية: كل من بتلر وفريزر تتبنى منهجًا تقاطعيًا، مع التركيز على تفاعل الجندر مع العرق، الطبقة، والتوجه العاطفي. نقد النسوية الليبرالية: كلتاهما تنتقد النسوية الليبرالية لتركيزها على الحقوق الفردية دون معالجة الهياكل السلطوية. الطابع الجذري: كلاهما تقدم مقاربة جذرية تهدف إلى تغيير البنى الاجتماعية والثقافية. التأويل: كلاهما تستخدم التأويل لإعادة صياغة مفاهيم الجندر والعدالة، مستلهمتين من فوكو وغادامير. نقاط الاختلاف التركيز النظري: بتلر: تركز على الأداء الجندري والثقافة، مستلهمة من ما بعد الحداثة. فريزر: تركز على الهياكل المادية والاقتصادية، مستلهمة من النظرية النقدية. المنهج: بتلر: تستخدم التفكيك (دريدا) لتحليل الثنائيات الجندرية. فريزر: تستخدم التحليل الهيكلي (ماركس، هابرماس) لفهم التفاوتات الاقتصادية. المقاومة: بتلر: ترى المقاومة كأداء ثقافي (مثل السحب أو الاحتجاجات). فريزر: ترى المقاومة كتغيير هيكلي من خلال الحركات الاجتماعية. التأويل: يعكس هذا الاختلاف صراعًا بين أفقين تأويليين: الثقافي (بتلر) والبنيوي (فريزر). حدود المقاربتين وتأثيرهما حدود المقاربتين بتلر: الغموض السياسي: ينتقد البعض، مثل فريزر، أن تركيز بتلر على الأداء الثقافي يفتقر إلى استراتيجيات سياسية واضحة. التركيز الغربي: قد لا تكون أفكارها قابلة للتطبيق بشكل كامل في سياقات غير غربية. المعقدية النظرية: نصوصها معقدة، مما يحد من تأثيرها على الحركات الشعبية. فريزر: التركيز الغربي: تركيزها على الرأسمالية النيوليبرالية قد يُغفل السياقات الثقافية غير الغربية. المعقدية النظرية: نصوصها معقدة، مما يحد من تأثيرها على الحركات الشعبية. التوازن بين الاعتراف وإعادة التوزيع: ينتقد البعض، مثل بتلر، أن تركيزها على إعادة التوزيع قد يُغفل الجوانب الثقافية. التأثير بتلر: ألهمت النسوية الموجة الثالثة ونظرية الكوير، وأثرت على حركات مثل حياة السود مهمة و#أنا_أيضًا من خلال منهجها التقاطعي. فريزر: ألهمت النسوية الاشتراكية وأثرت على حركات مثل احتلوا وول ستريت ، مع التركيز على التغيير الهيكلي. التأويل: كلاهما ساهمت في إعادة صياغة النسوية كفلسفة مقاومة، لكن بتلر ركزت على الثقافة، وفريزر على الهياكل المادية. خاتمة تمثل جوديت بتلر ونانسي فريزر ركيزتين أساسيتين في الفكر النسوي المعاصر، حيث تقدم كل منهما مقاربة جذرية لتحدي الهياكل البطريركية والرأسمالية. بتلر، من خلال الأداء الجندري، تتحدى الأسس الأنطولوجية للهوية، بينما تقدم فريزر إطارًا يدمج بين الاعتراف وإعادة التوزيع لمعالجة الظلم الهيكلي. من خلال المنهج التأويلي، يمكن فهم مقاربتيهما كتفاعل بين أفقين: الثقافي (بتلر) والهيكلي (فريزر). رغم حدودهما، فإن إرثهما يستمر في إلهام الحركات النسوية والاجتماعية، معززًا التعددية والعدالة الجندرية. لكن لماذا أبدتا مواقف متحفظة من الحقوق الفلسطينية والعدوان المستمر على غزة؟ وكيف أثرت أفكار كل من بتلر وفرايز على الحركة النسوية في المجتمعات التابعة؟ المصادر والمراجع: Butler, Judith. Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity. New York: Routledge, 1990. Butler, Judith. Bodies That Matter: On the Discursive-limit-s of "Sex". New York: Routledge, 1993. Butler, Judith. Notes Toward a Performative Theory of Assembly. Cambridge, MA: Harvard University Press, 2015. Fraser, Nancy. Justice Interruptus: Critical Reflections on the “Postsocialist” Condition. New York: Routledge, 1997. Fraser, Nancy. Fortunes of Feminism: From State-Managed Capitalism to Neoliberal Crisis. London: Verso, 2013. Fraser, Nancy, and Rahel Jaeggi. Capitalism: A Conversation in Critical Theory. Cambridge: Polity Press, 2018. كاتب فلسفي
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة الفلسفية ضد الهيمنة الصهيوامبريالية، مقاربة ما بعد
...
-
الفكر الاستراتيجي عند مهدي المنجرة بين الاقتصاد وعلم الاجتما
...
-
دازاين المقاومة عند مارتن هيدجر من خلال مكوث الشعب على الأرض
...
-
التفكير النقدي في الفلسفة كأداة للابتكار والتطوير المستمر
-
الكتابة الفلسفية في الثقافة السياسية فعل مقاومة والتزام وجود
...
-
جورج إبراهيم عبد الله رمز النضال الأممي وحرية طال انتظارها
-
التجديد الفني والنضال الملتزم عند زياد الرحباني: رحلة كفاح م
...
-
غسان كنفاني والأدب المقاوم والقضية الفلسطينية، مقاربة مابعد
...
-
ريمون آرون بين بين قذارة الحروب، واستحالة السلام بين الدول
-
طريق الفيلسوف حسب جان فال من مقالة في الميتافيزيقا إلى التفك
...
-
تجربة الفنان وعلاقته بجمهوره
-
من أجل فلسفة ملتزمة مقاومة
-
الايروس المقاوم في حضارة اقرأ في مواجهة الثاناتوس في العولمة
...
-
مستقبل العالم في صراع الحضارات والحروب بين الدول
-
فلسفة المهرجان بين استعراض الابداعات الفنية وافاق انتظارات ا
...
-
سياسات الفلسفة السياسية لهربرت ماركوز حسب جوليان فرويند
-
يسارية جيل دولوز بين شيوعية صغرى وفلسفة العالم الثالث
-
الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو
-
القوة الفلسفية الإيتيقية للهشاشة البشرية
-
المراهنة الفلسفية على المقاومة
المزيد.....
-
تحقيق أممي: الطرفان ارتكبا انتهاكات في الساحل السوري -قد ترق
...
-
المعارضة الأوغندية تطعن في قانون يسمح بمحاكمة المدنيين عسكري
...
-
مرصد الأزهر: اعترافات جنود الاحتلال تكشف جرائم الحرب في غزة
...
-
الأمم المتحدة: انتهاكات في الساحل السوري قد تصل إلى مستوى ج
...
-
الأمم المتحدة: أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري -قد ترقى
...
-
أحداث الساحل السوري.. تقرير يكشف عن -جرائم حرب متبادلة-
-
ارتفاع إجمالي ضحايا المجاعة وسوء التغذية في غزة إلى 239 منهم
...
-
وفاة 4 مواطنين خلال الـ24 ساعة الماضية بسبب سوء التغذية والم
...
-
قتل وصعق وقلع أظافر.. الأمم المتحدة تتهم سلطات ميانمار بالتو
...
-
جيش الاحتلال يزعم إحباط محاولة طعن عند حاجز قلنديا واعتقال ف
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|