أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - فراس عوض - فلنعطي العلاقات وقتها














المزيد.....

فلنعطي العلاقات وقتها


فراس عوض
كاتب وباحث سياسي واجتماعي، ماجستير في دراسات الجندر، نقابي وناشط حقوقي

(Feras Awd)


الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 00:54
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


في زمن التسرع.. فلتعطى العلاقات وقتا لتزهر

في عالمنا اليوم، حيث تتسارع الأحداث وتتغير القيم
الاجتماعية بسرعة، تظل العلاقات الإنسانية من أعقد وأجمل التجارب التي يخوضها الإنسان. بناء علاقة صداقة أو حب متينة ليس مجرد لحظة أو لقاء عابر، بل هو رحلة طويلة تتطلب وقتًا وجهدًا، وتفهمًا عميقًا للطرف الآخر، وهذا ما تؤكده العديد من النظريات العلمية التي تناولت تكوين العلاقات. لكن، وللأسف، كثير من الناس، وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة، يغفلون عن هذا الجانب، فيتسرعون في الحكم على العلاقات، ويضعون سقوفًا زمنية قصيرة، مما يؤدي إلى فقدان فرص قد تكون ثرية وذات قيمة حقيقية.

علم النفس الاجتماعي يوضح لنا أن تكوين الثقة والتقارب بين شخصين يحتاج إلى تكرار اللقاءات وتواصل مستمر. نظرية "التفاعل المتكرر" تقول إن كلما زاد عدد اللقاءات المباشرة بين الأفراد، زادت فرص التعرف على طبيعة الشخصيات، وتجاوز الحواجز النفسية التي قد تخلق مسافات غير ضرورية. هذه اللقاءات ليست مجرد تجمعات عابرة، بل هي فرص لتبادل الأفكار، والمشاعر، والتجارب التي تشكل نسيج العلاقة. ولا تقتصر هذه الفكرة على اللقاءات السطحية، بل على اللقاءات ذات الجودة، حيث يكون هناك حضور ذهني وعاطفي حقيقي، تقول تلك الدراسات انه على الأقل من خمسين الى مائة ساعة من اللقاءات نحتاج لبناء علاقة حب متينة، واقل من ذلك لبناء علاقة صداقة حقيقية، فلماذا نفسنا قصير اذن!

ومن جانب آخر، تأتي "نظرية التأثير بالتعرض" لتشرح كيف أن الإنسان يميل بشكل طبيعي إلى الأشخاص الذين يتعرض لهم بشكل متكرر. هذا الميل ليس فقط شعورًا عابرًا، بل هو الأساس الذي تُبنى عليه مشاعر المودة والحب. بالتالي، اللقاءات المتكررة ليست ترفًا أو عبثًا، بل هي ضرورة نفسية تؤدي إلى تعميق الروابط.

أما في مجال العلاقات العاطفية، فإن البحث العلمي يبين أن الحب الحقيقي ليس شرارة تشتعل في لقاء أو اثنين، بل هو بناء متواصل يمر عبر مراحل من التعارف، والتقارب، والقبول. هنا يأتي الفرق الجوهري في كيفية فهمنا للحب: فهو لا يُقاس بلحظة، بل بعدد الساعات واللقاءات التي تُبذل فيها الجهود لفهم الآخر والتوافق معه.

وهنا تكمن المعضلة في مجتمعاتنا، حيث نجد أن كثيرًا من الشباب والشابات، وخاصة الفتيات، يضعون أُطرًا زمنية ضيقة جدًا للحكم على نجاح أو فشل العلاقة. إنهم يظنون أن اللقاء أو جلستين يجب أن يكونا كافيين ليشعروا بالحب أو الود، وإن لم يحدث ذلك، ينفرون بسرعة، ويتخلون عن فرص كانت ربما ستثمر في حالة من الصبر والتأني. هذا التصرف لا ينبع فقط من الاندفاع العاطفي، بل من قلة الوعي بأن بناء العلاقات يحتاج إلى ساعات طويلة من اللقاءات الوجاهية والتواصل الجيد.

كما أن هناك خللاً آخر يرتبط بمحاولة تغيير الآخر أو فرض تصور معين عن كيف يجب أن يكون، بدلاً من محاولة فهم طبيعة الشخصية المختلفة وقبولها كما هي. هذه المشكلة تزداد في مجتمعاتنا المحافظة التي تميل إلى القوالب الجامدة والأفكار التقليدية حول الحب والعلاقات. حين يخالف الطرف الآخر هذه التوقعات، لا يُعطى مجال لإعادة النظر أو الحوار، بل تُحكم العلاقة بالفشل من البداية.

الأسر أيضاً تلعب دورًا في تعميق هذه المشكلة من خلال توقعاتها العالية والمبالغ فيها، والتي قد تُحمل الشباب والشابات أعباء نفسية إضافية تجعلهم يخافون من استمرار العلاقة أو الاستثمار فيها حقًا. يُنظر إلى العلاقات أحيانًا كأنها امتحان يجب اجتيازه في جلسة أو اثنتين، بدلاً من كونها عملية تعلم مستمرة ومليئة بالتحديات التي تحتاج صبرًا وحكمة.

بالتالي، إننا بحاجة إلى إعادة نظر جادة في كيفية تعاملنا مع العلاقات. ينبغي علينا إدراك أن الحب والصداقة يتطلبان وقتًا وجهدًا، وأن السماح للذات بالخطأ والتعلم من التجربة هو جزء لا يتجزأ من بناء علاقة صحية. يجب أن نتحلى بالصبر، ونبتعد عن القفز إلى الاستنتاجات السريعة، وأن نمنح كل علاقة فرصة حقيقية للنمو والتطور.

في النهاية، الحب الحقيقي والصداقة العميقة ليست مجرد مشاعر عابرة تولد في لقاء أو اثنين، بل هي حصيلة ساعات طويلة من اللقاءات التي تشكل جسور التفاهم والاحترام المتبادل. وهذا الإدراك هو الخطوة الأولى نحو علاقات أكثر ثباتًا ونجاحًا، خاصة في مجتمعاتنا التي ما زالت تعاني من وصمة التسرع في الأحكام، والتي تحتاج إلى مزيد من الثقافة والتوعية حول طبيعة العلاقات الإنسانية.



#فراس_عوض (هاشتاغ)       Feras_Awd#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين قهوتين... ومصير: مقهى البازلاء رواية من نار الحبر ونور ا ...
- نساء غزة والأردن: النسوية المقاومة وتحطيم الهبمنات امام النس ...
- الإعلان الدستوري السوري، مدني ام ديني ام علماني!!
- مع المقاومة ولا لوقف اطلاق النار
- جميعها أسباب لنهاية الحرب خلال فبراير
- مهزلة الاحتلال في مائة يوم
- الذكاء النسوي..
- يسقط المجتمع الأبوي والأمومي أيضا
- لذة الحب...
- الذكاء النّسوي..
- فراس عوض : جارة العميد
- ذكاء نسوي
- دك معاقل العلم أمام فهلوة الاعلام والساسة الكورونية
- الكورونا السياسية والتهويل الاعلامي الطبقي
- يوم المراة العالمي.. نشوء النسوية الأردنية وملاحظات
- سن اليأس أم الثقافة اليأسة!
- الأردن.. محاكمة برلمانية لجسد المرأة
- فراس عوض يكتب:أن تكن أجمل
- تلازم مناهضة العولمة والاصلاح السياسي
- رمزية احتجات لبنان الناعمة


المزيد.....




- بعد 26 عامًا على رحيلهما: صور نادرة من -حفل الزفاف السرّي- ل ...
- حراشفه مميزة.. كيف صمد هذا الحيوان في وجه الصيد الجائر؟
- تركي الفيصل بعد صورة نتنياهو التوراتية لإسرائيل: هل سيمضي لا ...
- غزة تسجل 4 وفيات جديدة بسبب الجوع و100 منظمة دولية تتهم إسرا ...
- غضب لا يهدأ في صربيا: اشتباكات وأعمال عنف خلال مظاهرات بين م ...
- العمل أربعة أيام في الأسبوع مفيد للصحة، فلماذا لا يتم اعتماد ...
- سوريا: حصان هارب في شوارع دمشق
- السلطات الأميركية تثبّت أجهزة تتبُّع في شحنات شرائح الذكاء ا ...
- تنديد فلسطيني وعربي بمشروع سموتريتش الاستيطاني وحماس تدعو لل ...
- ترامب وبوتين يلتقيان الجمعة في ألاسكا وزيلينسكي بلندن لبحث إ ...


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - فراس عوض - فلنعطي العلاقات وقتها