أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر كردلاس - -من احتضار الأحزاب السياسية إلى أفول السياسة نفسها- بقلم الطاهر كردلاس اكادير المغرب














المزيد.....

-من احتضار الأحزاب السياسية إلى أفول السياسة نفسها- بقلم الطاهر كردلاس اكادير المغرب


الطاهر كردلاس

الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 16:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من كان يظن أن الأحزاب التي كانت تصنع التاريخ ستتحول إلى هياكل خاوية، تحرس أطلالها كما يحرس الليل جثث النجوم البعيدة؟ من كان يتخيل أن السياسة، التي كانت يومًا فعلًا أخلاقيًا ومعنى جماعيًا، ستصير مشهدًا بارداً بلا أفق، وخطابًا يطفو على سطح واقع يزداد فراغًا؟ نحن لا نعيش أزمة أحزاب فحسب، بل نقترب من لحظة أفول السياسة ذاتها، من زمن لم يعد فيه للحلم السياسي مكان، ولا للمشروع المجتمعي معنى، وكأننا أمام مسرح كبير انطفأت أضواؤه، بينما الممثلون ما زالوا يواصلون أداء أدوارهم في الظلام.
لم يعد السؤال اليوم هو: هل انتهى دور الأحزاب؟ بل أصبح: هل انتهى معنى السياسة نفسها؟ ما نشهده في المشهد المغربي، بل وفي مجمل الفضاء العربي، ليس مجرد أزمة تنظيمية أو ضعف في الأداء، بل هو تآكل جذري في البنية الرمزية التي تمنح السياسة شرعيتها. لقد دخلنا زمنًا تفقد فيه السياسة أفقها، وتتحول فيه الأحزاب إلى أجسام بلا روح، تشتغل بمنطق إداري، بينما يتسرب من تحت أقدامها المعنى الذي وُجدت من أجله.

كانت الأحزاب يومًا تجسيدًا لفعل المقاومة، حاملة لأصوات المهمشين، ووسيطًا تاريخيًا بين الدولة والمجتمع، ومجالًا لإنتاج الأفكار وصياغة المشاريع المجتمعية. أما اليوم، فقد غدت هياكل هلامية، يهيمن عليها منطق التموقع والمناورة، أكثر من انشغالها بصياغة الأفق أو بلورة البدائل. لقد فقدت قدرتها على إشعال النقاش العمومي أو التأثير في الوجدان الجماعي، وأصبحت أقرب إلى أرشيف سياسي، تُعرض فيه شعارات الماضي تحت غبار الحاضر.

الأزمة لم تعد في حجم الانخراط الحزبي أو نسب التصويت، بل في طبيعة العلاقة بين المواطن والسياسة. نحن أمام جيل لا يقاطع الأحزاب لأنه يرى فسادها فقط، بل لأنه لم يعد يراها أصلًا. السياسة بالنسبة لكثير من الشباب فقدت قابلية التصور والحلم، وتحولت إلى فضاء مغلق، باهت، خاضع لآليات معروفة سلفًا. سقطت الإيديولوجيات التي كانت تمنح السياسة بعدها الأخلاقي والتاريخي، ولم يبق إلا تدبير اليومي، حيث تختفي القضايا الكبرى ليحل محلها التبرير المستمر للوضع القائم.

في ظل هذا الانحدار، لم يعد الحزب فاعلًا مركزيًا في إنتاج المعنى أو التأثير في الأحداث، بل مجرد ترس صغير في ماكينة تدير نفسها بذاتها، وتفرغ الفعل السياسي من جوهره. وعندما تنقطع الصلة بين الأحزاب ومجتمعاتها، تتحول السياسة إلى مشهد تمثيلي بلا مضمون، يفتقد العمق والجرأة، ويعجز عن التقاط نبض الشارع أو حماية المصالح العامة.

ولأن الفراغ لا يدوم، برزت منصات بديلة للتعبير عن القضايا، مثل شبكات التواصل الاجتماعي، التي لم تعد تحتاج إلى وسطاء، ولا تعترف بشرعية من لا يمتلك خطابًا مؤثرًا. وهكذا تراجعت السياسة من الفعل إلى التمثيل، ومن الحضور إلى الغياب، ومن صناعة التاريخ إلى التكيف مع مساره المفروض.

ومع ذلك، فإن هذا الأفول ليس قدرًا محتومًا. فالحاجة إلى الفعل الجماعي والتنظيم السياسي لا تموت، لكنها تتطلب إعادة اختراع جذري للسياسة والحزب معًا. الإصلاح الشكلي لن يجدي، والمطلوب هو لحظة نقد ذاتي حقيقية، تُعيد مساءلة معنى الحزب وأفق السياسة، وتحررهما من أسر البنية التقليدية، وتربطهما من جديد بمصالح الناس وأحلامهم.

إن استعادة السياسة تبدأ بالاعتراف بأننا أمام أزمة وجود لا أزمة ظرف، وأن استعادة دور الأحزاب لن تتحقق إلا بإعادة بناء المعنى قبل بناء الهياكل. وحدها الشجاعة الفكرية والقدرة على زعزعة اليقينيات المألوفة يمكن أن تفتح أفقًا جديدًا، يكون فيه العمل الحزبي فعلًا أخلاقيًا ومعرفيًا وجماعيًا، لا مجرد تقنية للبقاء في مشهد يزداد فراغًا كل يوم.

إنني لست في مقالي هذا كمن يبكي على الأطلال، أويتأسف على ماض أسيف، ولا كمن يحصي خرائب السياسة، بل أرغب أن أهز جدران الوهم التي تحاصر وعينا. فإما أن نستعيد السياسة كأفق للكرامة والحرية، أو نستسلم لفراغ يبتلع كل معنى. إن الصمت لم يعد خيارًا، والانتظار لم يعد فضيلة. فإما أن نعيد للأحزاب روحها، وللسياسة شجاعتها، وللمجتمع حقه في الحلم، أو نترك هذا المسرح المظلم للممثلين الذين يواصلون لعب أدوارهم بلا جمهور، حتى يسدل التاريخ ستار النسيان عليهم جميعًا.

أكادير. المغرب



#الطاهر_كردلاس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية للمقال: لنتخيل شرقا أوسط بدون إسرائيل للكاتب الط ...
- -لنتخيل شرقا اوسط بدون إسرائيل- بقلم الطاهر كردلاس المغرب
- الفيتو المرآة السوداء بقلم الطاهر كردلاس
- النخب السياسية والفكرية العربية خذلان وتخبط-
- أزمة القيم في المؤسسات التربوية: نحو مساءلة جوهر الفعل الترب ...
- قصة: حين احترق الغرابُ في عشِّ الفينيق المستفيق
- قراءة في- البيان الختامي لقمة العرب- المنعقدة بالقاهرة
- -لماذا خذل العرب القضية الفلسطينية- بقلم الطاهر كردلاس
- حوار أدبي/ علمي مع البرت اينشتاين بقلم الطاهر كردلاس
- قصيدة حارس الغسق الطاهر كردلاس
- استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط
- قصة فصيرة بعنوان : المتشائل الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- قصيدة: وتر في طيفِ جيتارة شعر: الطاهر كردلاس
- -حيرة الإنسان بين الوجود والعدم في قصة حلم رجل مضحك- للكاتب ...
- صفاقة وجود شعر الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- التسول المقنَّع بقلم الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- شعر ود وقضية
- تتمة من وحي الذاكرة : فلسطين التي يهزني ذكراها كلما...
- من وحي الخواطر : بداية المشوار
- تتمة من وحي الخواطر فلسطين


المزيد.....




- عارضات لا وجود لهنّ.. الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم الموضة
- أمريكا والصين تتفقان على تمديد الهدنة التجارية لمدة 90 يومًا ...
- الوضع الأمني وإعادة الإعمار في سوريا على طاولة البحث بين دمش ...
- بي بي سي تقصي الحقائق: هل أصبحت الجريمة في واشنطن العاصمة -خ ...
- قصف إسرائيلي يقتل العشرات في غزة بينهم 6 من منتظري المساعدا ...
- قبل قمة ألاسكا.. قادة أوروبا يؤكدون حق أوكرانيا في تقرير مصي ...
- المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لعام 2026: تأكيد على ...
- وثائق للبنتاغون: إدارة ترامب تدرس تشكيل قوة رد سريع لمواجهة ...
- اتحاد الشغل بين التصعيد والتردد في مواجهة السلطة بتونس
- نتنياهو يُلزم بالمثول أمام المحكمة 3 مرات أسبوعيا ابتداء من ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر كردلاس - -من احتضار الأحزاب السياسية إلى أفول السياسة نفسها- بقلم الطاهر كردلاس اكادير المغرب