أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر كردلاس - النخب السياسية والفكرية العربية خذلان وتخبط-














المزيد.....

النخب السياسية والفكرية العربية خذلان وتخبط-


الطاهر كردلاس

الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"

إن أزمة النخبة العربية ليست طارئة ولا معزولة، بل هي أزمة بنيوية ناتجة عن تكلّس البنية الثقافية، واستبداد النسق السياسي، وتحلّل الرابط الأخلاقي بين النخبة وقواعدها الاجتماعية. لقد تحوّلت النخبة، في جزء كبير منها، إلى كائن طفيلي يمتص من الدولة ريعه المجاني ، ومصالحه الذاتية والانتهازية ، ومن الجماهير المدجَّنة شرعيته ومصداقيته، دون أن يتحمّل مسؤولية التأطير أو المجابهة. بل الأدهى أن كثيرًا من رموز النخبة انخرطوا في هندسة وشرعنة السلطوية تحت شعارات الحداثة أو الاستقرار أو الواقعية السياسية.

في السياق الفلسفي، يمكننا استحضار مفهوم "الخيانة" كما صاغه جان بول سارتر، حين فرّق بين المثقف الحقيقي والمثقف الخائن. فالأول، عنده، هو الذي يُناضل باسم الكليات، باسم الإنسان المقموع والحرية المهدورة، أما الثاني فهو من ينكفئ على مصالحه أو يسوّغ الظلم تحت لافتات أيديولوجية زائفة. بهذا المعنى، فإن النخبة العربية، في كثير من تمظهراتها، خائنة لرسالتها، منحرفة عن أفقها التاريخي.وبالتالي لا تتحمل مسؤوليتها التاريخية كما ينبغي..

أما من حيث التخبط، فهو ليس سوى عرض لغياب البوصلة الفكرية والسياسية، ونتيجة لتنازع الولاءات بين السلطة والمعارضة، بين الاصالة والمعاصرة، بين التحديث والتقليد، دون قدرة على بلورة مشروع تركيبي متماسك. ومن هنا نجد خطابًا نخبويًا متصدّعًا: نصف حداثي، نصف تراثي، نصف ممانع، نصف مطبّع، يحاكي الجميع ولا يُقنع أحدًا. وهذه هي نكسته الحقيقية كما أكد ذلك علي حرب المفكر اللبناني في كتابه القيم "أوهام النخبة أو أزمة المثقف"

إن النكسة الحقيقية ليست في الأنظمة فقط، بل في من يفترض بهم نقد الأنظمة وبناء البدائل. وهنا تكمن المفارقة التراجيدية للواقع العربي: شعوب تبحث عن طريق سالك لتخلفها المدقع، ونخب ترسم التيه والمتاهة.

قد يقول قائل إن جزءًا من النخب تعرض للقمع أو التهميش، وهي حقيقة لا غبار عليها. غير أن الفارق بين النخبة العضوية والنخبة التابعة المستكينة، أن الأولى تستمر في العمل والتفكير ولو من المنافي والزنازين، كما فعل غرامشي وبورديو وإدوارد سعيد ، بينما الثانية تذوب في بنية السلطة أو تقنع بلعب دور المراقب الصامت.
لم تعد الأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية محض نتيجة لعوامل خارجية أو لمؤامرات عابرة، بل هي في عمقها نتيجة مباشرة لخذلان النخب التي كان يُفترض بها أن تقود مشاريع التنوير والتحرير، فإذا بها تسقط في مستنقعات التبعية، والانتهازية، والارتهان للسلطة أو للمصالح الضيقة.
فالـنخبة السياسية في أغلب الأقطار العربية لم تستطع بناء مشروع وطني مستقل، وظلت تتخبط بين الولاءات الإقليمية والضغوط الدولية، في حين أن النخبة الفكرية، التي كان يُنتظر منها أن تؤسس لوعي نقدي مقاوم، استسلمت إما لترف التنظير المنفصل عن واقع الشعوب، أو انساقت وراء أنظمة الحكم السياسية، متخلية عن دورها العضوي، كما وصفها غرامشي.

تخبط في الرؤية، خذلان في المواقف، وغياب عن ساحات الفعل... هذا هو حال النخب العربية، في زمن تتكالب فيه الأزمات وتتراكم التحديات، ويتربص العدو من وراء ستار أو في واضحة الشمس، بينما يظل الشارع بلا بوصلة، والثقافة بلا مشروع، والسياسة بلا ضمير.
خذلان وتخبط
في لحظة تاريخية مثقلة بالهزائم والانكسارات، تبرز النخبة، في الوعي الجمعي، بوصفها طليعة المفكرين والسياسيين الذين يُفترض أن يقودوا الأمة في زمن العمى والغشاوة الحضارية، ويصوغوا أفقًا للخلاص من قبضة الانحطاط. غير أن التجربة التاريخية العربية الحديثة والمعاصرة تكشف، في معظم تمظهراتها، عن خذلان مزدوج: خذلان المثقف الذي انكفأ أو باع قلمه، وخذلان السياسي الذي اختزل السلطة في إرادة الهيمنة لا في وظيفة الخدمة والتغيير.

ختامًا، فإن الواقع العربي لا يحتاج فقط إلى تغيير الوجوه أو الشعارات، بل إلى إعادة بناء النخبة على أسس أخلاقية ومعرفية جديدة، تُعيد للسياسة معناها الإنساني، وللفكر رسالته التحريرية، وتعيد للمثقف دوره كـ"ضمير زمني" لا كمجرّد صوت مأجور في سوق السلطة....
اكادير



#الطاهر_كردلاس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة القيم في المؤسسات التربوية: نحو مساءلة جوهر الفعل الترب ...
- قصة: حين احترق الغرابُ في عشِّ الفينيق المستفيق
- قراءة في- البيان الختامي لقمة العرب- المنعقدة بالقاهرة
- -لماذا خذل العرب القضية الفلسطينية- بقلم الطاهر كردلاس
- حوار أدبي/ علمي مع البرت اينشتاين بقلم الطاهر كردلاس
- قصيدة حارس الغسق الطاهر كردلاس
- استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط
- قصة فصيرة بعنوان : المتشائل الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- قصيدة: وتر في طيفِ جيتارة شعر: الطاهر كردلاس
- -حيرة الإنسان بين الوجود والعدم في قصة حلم رجل مضحك- للكاتب ...
- صفاقة وجود شعر الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- التسول المقنَّع بقلم الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- شعر ود وقضية
- تتمة من وحي الذاكرة : فلسطين التي يهزني ذكراها كلما...
- من وحي الخواطر : بداية المشوار
- تتمة من وحي الخواطر فلسطين
- من وحي الخواطر فلسطين التي يهزني ذكراها كلما..
- قراءة لقصيدة حريق الوجع للشاعر الطاهر كردلاس بقلم مسعود العر ...
- بعبه
- حريق الوجع شعر الطاهر كردلاس اكادير


المزيد.....




- دوروف يعلن استعداده للإدلاء بشهادته بشأن التدخل الأجنبي في ا ...
- رئيس الأركان الإسرائيلي يهدد بتوسيع العملية البرية في غزة وي ...
- نائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط: نزع سلاح حزب الله يجب أ ...
- ليبيا.. مجلس النواب يحدد الاثنين المقبل جلسة استدعاء لمرشحي ...
- اجتماع بلديات غرب ليبيا يدعو لتغيير الحكومة ويطالب المجلس ال ...
- الدفاع الروسية: إسقاط 15 طائرة مسيرة أوكرانية
- ترامب ردا على زيلينسكي: الرئيس الأمريكي وحده المخول باتخاذ ق ...
- شاهد.. فلسطيني يبصق في وجه ضابطة في الجيش الإسرائيلي.. والشر ...
- 8 أسئلة تشرح تفاصيل ما دار في اتصال ترامب وبوتين
- كوت ديفوار تستعد لاحتضان منشأة أميركية لتشغيل المسيّرات


المزيد.....

- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر كردلاس - النخب السياسية والفكرية العربية خذلان وتخبط-