أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - الطاهر كردلاس - أزمة القيم في المؤسسات التربوية: نحو مساءلة جوهر الفعل التربوي- بقلم الطاهر كردلاس














المزيد.....

أزمة القيم في المؤسسات التربوية: نحو مساءلة جوهر الفعل التربوي- بقلم الطاهر كردلاس


الطاهر كردلاس

الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 23:58
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


حين يغيب المعنى ويهيمن الشكل، وفي زمن تداخلت فيه المعايير والمقاييس، وتكسّرت فيه بوصلة المضمون الحقيقي ، تجد المؤسسات التربوية نفسها في قلب إعصار قيمٍ مشوشة ، يتأرجح فيه المربي والمتعلم معًا بين خطاب رسمي يتغنى بالمواطنة والمسؤولية ، وواقع عملي يكرس الفردانية والنجاح الفردي بأي وسيلة وبأي ثمن.
فهل نحن بصدد أزمة قيم في هذه المؤسسات؟ أم أن ما نواجهه أعمق من مجرد غيابٍ أخلاقي وقيمي؟

ففي قلب التحولات البنيوية التي يعرفها العالم المعاصر، حيث تتهاوى المرجعيات التقليدية تحت وطأة العولمة النيوليبرالية، وتُستبدل الأسس الوجودية للمعنى بمعايير نفعية أداتية، تبرز أزمة القيم في المؤسسات التربوية لا كمجرد اختلال عرضي، بل كأعراض لتحول عميق في بنية الوعي التربوي ذاته.

لقد أصبحت المدرسة، في سياقات متعددة، أسيرة لتوترات جوهرية: فهي من جهة مطالبة بإعداد الفرد للاندماج في عالم السوق، ومن جهة أخرى مكلفة بنقل منظومة من القيم يُفترض أن تتجاوز هذا العالم وأهواءه. ومن هذا التناقض تتفجر الإشكالية: كيف يمكن لمؤسسة ممأسسة في منطق البراغماتية والتفوق والمردودية أن تربي على قيم العدالة، التضامن، الحرية، والكرامة؟

إن ما يُقدَّم غالبًا باسم "القيم" داخل المدرسة، لا يعدو أن يكون شعارات مؤسساتية محايدة، منزوعة التاريخ والتوتر، تُلقَّن دون مساءلة، وتُقدَّم كحقائق مسبقة لا تقبل النقاش. في حين أن القيمة، في معناها الفلسفي العميق، ليست معطى جاهزًا بل هي نتاج صراع رمزي، واختبار وجودي، وتجربة جماعية تُبنى في رحم التفاعل، لا في قوالب التلقين.

هكذا، تصبح أزمة القيم في المدرسة الحديثة مرآةً لانفصال الفعل التربوي عن شرطه الأنطولوجي: أي عن كونه بناءً للذات الحرة العاقلة القادرة على التمييز لا الخضوع، على النقد لا الطاعة، على التجاوز لا الاستسلام. فحين تُختزل التربية في وظيفة تقنية – إعداد موارد بشرية قابلة للتسويق – يغدو الحديث عن القيم مجرد تجميل لسلطة خفية، تُكرّس الخضوع بدل أن تحرّره.

وما يُفاقم منسوب التناقض هو أن المؤسسة التربوية، في نسختها المحدثة المبنية على تكريس الفوارق الطبقية، والعنف المادي والرمزي وتغييب الإبداع والمبادرات الخلاقة ، غالبًا ما تُبنى على بنية عمودية سلطوية: الأستاذ يمارس سلطته انطلاقًا من "احتكار المعرفة"، والإدارة تمارس ضبطها انطلاقًا من "احتكار القانون"، والمقررات تُبنى خارج منطق التفاعل التشاركي. فهل يمكن للقيم أن تُزهر في تربة تُقصى منها الذات المتعلمة، ويُفرض عليها النظام باسم المصلحة العامة؟

هنا يُطرح التحدي الفلسفي العميق: هل نريد تربيةً تُعلِّم التلميذ أن يكون صالحًا ضمن منظومة سائدة، أم تربيةً تُؤهِّله لأن يسائل هذه المنظومة ذاتها؟ وهل يُمكن للقيم أن تُنقل دون أن تُعاش؟ دون أن تتجلى في كل مستويات الحياة المدرسية: في العلاقات، في التسيير، في طرق التقويم، في معنى الحضور نفسه داخل الفصل ، في البرامج والمناهج، والطرق والوسائل؟؟؟

إن رهان استعادة القيم داخل المدرسة لا يمر عبر تكثيف مواد التلقين الأخلاقي، بل عبر تجذير ممارسة تربوية تحررية، تؤمن بأن القيمة ليست أداة ضبط، بل أفق تحرر. وهنا تكتسب المدرسة بعدها الوجودي: ليس فقط كمؤسسة للتعلم، بل كفضاء لتكوين الإنسان بما هو مشروع حرية ووعي ومسؤولية.



#الطاهر_كردلاس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: حين احترق الغرابُ في عشِّ الفينيق المستفيق
- قراءة في- البيان الختامي لقمة العرب- المنعقدة بالقاهرة
- -لماذا خذل العرب القضية الفلسطينية- بقلم الطاهر كردلاس
- حوار أدبي/ علمي مع البرت اينشتاين بقلم الطاهر كردلاس
- قصيدة حارس الغسق الطاهر كردلاس
- استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط
- قصة فصيرة بعنوان : المتشائل الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- قصيدة: وتر في طيفِ جيتارة شعر: الطاهر كردلاس
- -حيرة الإنسان بين الوجود والعدم في قصة حلم رجل مضحك- للكاتب ...
- صفاقة وجود شعر الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- التسول المقنَّع بقلم الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- شعر ود وقضية
- تتمة من وحي الذاكرة : فلسطين التي يهزني ذكراها كلما...
- من وحي الخواطر : بداية المشوار
- تتمة من وحي الخواطر فلسطين
- من وحي الخواطر فلسطين التي يهزني ذكراها كلما..
- قراءة لقصيدة حريق الوجع للشاعر الطاهر كردلاس بقلم مسعود العر ...
- بعبه
- حريق الوجع شعر الطاهر كردلاس اكادير
- مرحبا بهولاكو مرة أخرى شعر الطاهر كردلاس


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون عزمهم فرض -حصار جوي- على إسرائيل
- الأردن.. إحباط محاولة تسلل وتهريب كميات كبيرة من المواد المخ ...
- ترامب يقول إنه لا يسعى للترشح لولاية رئاسية ثالثة
- بوتين يؤكد.. نملك كل ما يلزم لتحقيق هدفنا
- انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف بـ-الهاون- (ف ...
- رومانيا.. سيميون يتصدر الانتخابات الرئاسية بعد فرز 90% من ال ...
- لـ-أطفال غزة-.. وصية الراحل فرنسيس الأخيرة (صور)
- الأردن.. إحباط محاولة تسلل وتهريب كميات كبيرة من المواد المخ ...
- الحوثيون يخطرون منظمة الطيران الدولي والاتحاد الدولي للنقل ا ...
- مسيرة الفوج الخالد تجوب شوارع بيروت


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - الطاهر كردلاس - أزمة القيم في المؤسسات التربوية: نحو مساءلة جوهر الفعل التربوي- بقلم الطاهر كردلاس