أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر كردلاس - -لنتخيل شرقا اوسط بدون إسرائيل- بقلم الطاهر كردلاس المغرب














المزيد.....

-لنتخيل شرقا اوسط بدون إسرائيل- بقلم الطاهر كردلاس المغرب


الطاهر كردلاس

الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 16:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"لنتخيل شرقا أوسط بدون إسرائيل"

بقلم الطاهر كردلاس المغرب

إن تخيّلت يوما شرقًا أوسط بلا إسرائيل، فكأنك تنزع من الجرح مسماره الأكثر حدة، لكنك لا تزيل الندوب ولا تمحو تاريخ الألم. في غياب هذا الكيان الذي تمخّض عن مشروع استعماري طويل، سيجد الشرق الأوسط نفسه أمام أسئلة أعمق من مجرد الانتصار الرمزي أو العودة إلى ما قبل النكبة. فالمسألة لا تكمن فقط في إزالة دولة وكيان سياسي، بل في إعادة صياغة وعي جمعي كان، طوال عقود، مُعلَّقًا على صراع وجودي، يتغذّى منه الخطاب السياسي ويستمد منه الحاكم مشروعية سلطته، وتستيقظ به الشعوب على حلم الحرية والمقاومة. كيف سيكون شكل المنطقة إذا اختفى هذا "العدو المركزي" الذي جسّد، في الوعي العربي، معنى الشرّ المطلق؟

ربما سيكتشف العرب أن هزائمهم ليست كلها من صنع إسرائيل، وأن خرابهم الداخلي أكبر من أي احتلال. سيُطرح السؤال الذي طالما جرى تجاهله: ماذا بعد المقاومة؟ هل يمكن لشعوبٍ مزّقتها الأنظمة المستبدة، واحتلتها أنماط من التخلف والفساد، أن تعيد بناء ذاتها دون الحاجة إلى عدو خارجي يوحّد صفوفها؟ غياب إسرائيل سيجعل الصراع مكشوفًا بين الشعوب وحكوماتها، بين الحرية والاستبداد، بين مشروع نهضةٍ مؤجل وأطلال تاريخ عالق.

من زاوية فلسفية، يبدو الشرق الأوسط بلا إسرائيل كأنه يدخل مرحلة "الفراغ الرمزي".

طوال قرن، كانت فلسطين هي "الجرح المؤسس" الذي يختزن معنى العدالة الضائعة والكرامة المهدورة. فهل سيبقى هذا المعنى قائمًا دون العدو الصهيوني؟ أم سيغدو الشرق الأوسط بلا بوصلة، يبحث عن شرعية وجوده في صراعات داخلية أكثر قسوة؟ ربما يُعيد هذا الغياب توجيه الوعي العربي من خطاب المظلومية إلى خطاب الفعل والإبداع، من التلويح بالماضي إلى اقتحام المستقبل.

لكن هناك بُعد آخر: إن اختفاء إسرائيل لا يعني اختفاء القوى التي صنعتها ورعتها. سيبقى الغرب بمصالحه ومشاريعه، وستظل أمريكا وأوروبا تبحثان عن "إسرائيل أخرى" تحفظ لهما السيطرة على منابع النفط وخطوط التجارة. فهل يمكن للشرق الأوسط أن يتحرر فعلاً من شبكات الهيمنة الاستعمارية دون أن يعيد بناء ذاته سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا؟ غياب إسرائيل سيكون اختبارًا للوعي العربي: إمّا أن يولد مشروع نهضة حقيقي، أو يتكشف عجز الأنظمة العربية التي ربما ستصنع عدوا جديدًا لتبرير وجودها وقمع شعوبها.

إن الشرق الأوسط بلا إسرائيل ليس حلمًا ورديًا كما يبدو في شعارات الحشود، بل هو سؤال مخيف عن حقيقة الخراب الداخلي، عن هشاشة النظام العربي، وعن استحالة النهضة ما لم نواجه ذواتنا قبل أعدائنا. فهل سنكتشف أن أكبر احتلال نعيشه ليس خارجيًا، بل داخلي في العقول والنفوس؟
سيكتشف الشرق، وربما الغرب أيضًا، أن الصراع لم يكن مع كيان غاصب فحسب، بل مع أنفسنا، مع تاريخنا الممزّق، مع أوهام القوة التي اختبأت خلف شعارات النصر المؤجَّل. بلا إسرائيل، سنضطر لمواجهة السؤال الذي لطالما تجنّبناه: من نحن دون عدوّ يوقظ فينا الغضب؟ من نحن إذا لم يعد هناك "آخر" نحمّله عبء انهياراتنا الداخلية؟

في هذا الشرق الذي عانى من كثافة التاريخ، سيصبح الغياب امتحانًا للوعي: هل ستولد من رماد الكراهية نهضةٌ تعيد ترتيب الذاكرة، أم سيتحوّل الفراغ إلى اقتتال جديد بين الأشقاء الذين لم يعرفوا يومًا كيف يعيشون بلا صراع؟ غياب إسرائيل قد ينزع القناع عن الأنظمة التي وجدت في هذا الصراع ذريعة لبقاء دائم، وقد تكتشف الشعوب أن معركتها الأصعب لم تبدأ بعد، لأنها ضد العجز المزمن، ضد الاستبداد، ضد الركود الذي جعل من المقاومة كلمة مجرّدة من الحياة.

فلسفيًا، سيغدو الشرق الأوسط بلا إسرائيل كما لو كان يقف أمام مرآة الحقيقة لأول مرة. لن يعود هناك ظلّ خارجي يبرر تشوّه الصورة؛ سنرى أنفسنا عراة أمام أسئلة الوجود: هل نحن قادرون على إنتاج المعنى دون خصم يُسقِط علينا أسباب العدم؟ هل يمكننا أن نحيا من أجل فكرة النهضة، لا من أجل فكرة العداء؟ ربما سنكتشف أن كل ما كنا نراه في إسرائيل كان انعكاسًا لخرابنا الداخلي، وأن تحرير فلسطين الحقيقي يبدأ بتحرير العقل، بتحرير الخيال من قيود التاريخ المثقل بالأوهام.

ربما لن تكون ولادة شرق بلا إسرائيل سهلة، لأنه سيحتاج إلى معركة وجودية مع نفسه، إلى ثورة وعي تعيد تشكيله من الداخل. لكن، أليس هذا الحلم هو المعركة التي تأخرت طويلًا؟ أن نكسر قيودنا، لا قيود غيرنا فقط؟ أن نحرر الأرض من الخارج والروح من الداخل معًا؟
الشرق بلا إسرائيل أشبه بطفل وُلد بلا ذاكرة للجرح. ستنهار أسطورة "المظلومية الكبرى" التي وحدت القلوب في الظاهر وفرقتها في العمق. سيصبح علينا أن نكتب تاريخًا جديدًا، بلا صرخة "العدو"، بلا نواح على الماضي. فهل نعرف كيف نعيش بلا عدو خارجي؟ أم أن غياب إسرائيل سيفضح أننا لم نبنِ ذاتنا يومًا، وأننا نحتاج دائمًا إلى "آخر" لنعرف من نحن؟

فلسفيًا وسياسيا، سيكون الغياب امتحانًا للعقل. فالوجود لا يُقاس بعدد الأعداء، بل بقدرتنا على خلق معنى للحياة دون قيد أو استعمار. ربما سيولد شرقٌ آخر، شرق لا يبحث عن نفسه في شظايا الحروب، بل في وهج الحرية، شرق يعرف أن المعركة الحقيقية لم تكن يومًا على حدود الجغرافيا، بل في عمق الوعي، في تحرير الإنسان من الاستبداد والجهل والتخلف

بقلم الطاهر كردلاس
أكادير المغرب



#الطاهر_كردلاس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيتو المرآة السوداء بقلم الطاهر كردلاس
- النخب السياسية والفكرية العربية خذلان وتخبط-
- أزمة القيم في المؤسسات التربوية: نحو مساءلة جوهر الفعل الترب ...
- قصة: حين احترق الغرابُ في عشِّ الفينيق المستفيق
- قراءة في- البيان الختامي لقمة العرب- المنعقدة بالقاهرة
- -لماذا خذل العرب القضية الفلسطينية- بقلم الطاهر كردلاس
- حوار أدبي/ علمي مع البرت اينشتاين بقلم الطاهر كردلاس
- قصيدة حارس الغسق الطاهر كردلاس
- استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط
- قصة فصيرة بعنوان : المتشائل الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- قصيدة: وتر في طيفِ جيتارة شعر: الطاهر كردلاس
- -حيرة الإنسان بين الوجود والعدم في قصة حلم رجل مضحك- للكاتب ...
- صفاقة وجود شعر الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- التسول المقنَّع بقلم الطاهر كردلاس اكادير المغرب
- شعر ود وقضية
- تتمة من وحي الذاكرة : فلسطين التي يهزني ذكراها كلما...
- من وحي الخواطر : بداية المشوار
- تتمة من وحي الخواطر فلسطين
- من وحي الخواطر فلسطين التي يهزني ذكراها كلما..
- قراءة لقصيدة حريق الوجع للشاعر الطاهر كردلاس بقلم مسعود العر ...


المزيد.....




- روسيا تعرض هدنة قصيرة وأوكرانيا تقترح لقاء بين زيلينسكي وبوت ...
- الشراكتان الدفاعية والتجارية.. ملفات عديدة على طاولة البحث ...
- عاجل | الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية فلسطينييْن قرب بلدة الخضر ...
- ماذا قال الرئيس الإيراني للجزيرة في أول لقاء تلفزيوني بعد ال ...
- تجويع غزة يُذكر بجرائم النازية والعالم يتجاهل القاتل والقتيل ...
- أبرز عمليات القسام التي نفذتها في مدينة رفح خلال يوليو
- ربيع جديد يبرق في تونس
- إجلاء 500 شخص من عائلات العشائر في السويداء ضمن الدفعة الثان ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: صاروخ أطلق من اليمن سقط قبل وص ...
- كاتبة إسرائيلية: وحدة عسكرية تدمر 409 مبان بغزة انتقاما لمقت ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر كردلاس - -لنتخيل شرقا اوسط بدون إسرائيل- بقلم الطاهر كردلاس المغرب