أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العرجوني - ومضة بطاقة ذرة قراءة في نص للشاعر المصري أحمد دياب















المزيد.....

ومضة بطاقة ذرة قراءة في نص للشاعر المصري أحمد دياب


محمد العرجوني
كاتب

(Mohammed El Arjouni)


الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 00:12
المحور: الادب والفن
    


ذهبت إلى البحر
فلم أجد البحر
قالوا أخذته امرأة جميلة في حقيبة يدها
هذا الصباح.
****
أحمد دياب


النص الوجيز، كالشذرة أو الومضة، أو القصة القصيرة جدا، يشبه الذرة أو الجسيم الكمومي. فكما للذرة شِحنة طاقوية قوية تتكدس خاصة في النواة، للنص الوجيز نفس الشحنة الدلالية. وكما يتم استخراج الشحنة الطاقوية إما بالانشطار أو بالانصهار، يتم استخراج الشحنة الدلالية بالتضاد أو بالترادف. فبهذه المماثلة يمكن اعتبار النص كنواة، مشكلة من بروتونات ونيوترونات، التي هي عبارة عن معان تساهم في التكثيف لتنتج هذه الشحنة/ الدلالات والتي كلما اقتربنا منها، واستخلصنا "كويركاتها"، تنبجس لتغمرنا بنورها.
نص الشاعر أحمد دياب، مكثف تماما كما هو الجسيم الكمومي. متكون من أربعة سطور، وهي بمثابة سحابة من مدار الإلكترونات/ الكلمات : البحر، المرأة، حقيبة، اليد، الصباح.
فماذا لو اخضعنا هذا النص إلى "المصادم" التفكيكي كما تخضع الذرات لمصادم الهادرونات؟
الإحساس بالخيبة.
أول ما نقبض عليه هو نفسية الشاعر: شعور بالخيبة. خيبة يعبر عنها على شكل ومضة قصصية، حيث يحكي عن ذهابه إلى البحر. وهي رغبة الشاعر من أجل الاستمتاع بمائه وأجوائه، علما ان اللجوء إلى البحر، غالبا ما يرمز إلى البحث عن الراحة النفسية التي يضمنها هديره وزرقته وحتى نعومة رماله. أضف إلى هذا أن البحر قد يعمق هذا الإحساس ويزيد من نشوة الشاعر بتواجد "امرأة جميلة"، في النص. إلا أنه لم يجد البحر. فكانت الخيبة. لكن ما يثير اهتمامنا كمتلقين: لماذا الإشارة "إلى امرأة جميلة"؟
الفاعل المعاكس:
كما هو الأمر في الحكايات، التي تنسج حول تحقيق هدف معين، هناك فاعل إيجابي وآخر سلبي، يؤثران على مجرى الأحداث. أما بالنسبة لهذا النص، فالهدف الأساسي هو التواجد على البحر، وربما رفقة امرأة، بكل ما يرمزان إليه من أمل. لكن هناك حدث سلبي، قام به الفاعل المعاكس، والذي كان من المنتظر أن يكون فاعلا مساعدا، حسب أفق انتظار المتلقي، وهي هذه المرأة التي قيل عنها بأنها جميلة والتي لها القدرة على "دس البحر في حقيبتها اليدوية". وهي إشارة تبدو اعتباطية، ولو أنها تمثل هذا الفاعل المعاكس. ما قد يوحي بأن الشاعر يؤكد على اهتمامه بالبحر، لا غير. لكن في حقيقة الأمر، لا يمكن أن يكون تواجد عنصر ما، كشخصية المرأة هنا، في الإبداع بدون وظيفة تنتج عنها تطورات تساهم في بناء النص والموضوع. لهذا من حقنا الخوض في الفرضيات. قد يكون ربما واعدها على ان يلتقيا عند البحر، وهو ما يعمق ذلك الإحساس بالنشوة الذي أشرنا إليه سابقا. فالإشارة للمرأة الجميلة إذن، عن طريق خبر توصل به، ما هي إلا تمويه، جعل منها فاعلا معاكسا، ليبعد فكرة التواعد. وما يعطي نوعا من المعقولية لهذه الفرضية، هو أن تواجد البحر مرتبط بتواجدها. فالشاعر ذهب إليه، على أساس الالتقاء بالمرأة، وكانت في الأصل فاعلا مساعدا على تحقيق النشوة. وقد يكون تخلف عن الموعد، وبعد انتظار، قررت المرأة مغادرة المكان، وفي خضم غضبها قررت أخذ البحر معها في حقيبتها لحرمانه منه. وهكذا تتولد الخيبة. خيبة بمثابة قفلة للنص تجعلنا نتفاجأ مع الشاعر: لا وجود للبحر، ولا وجود للمرأة الجميلة !!
إلا أن هذه القراءة، ليست نهائية. لأن التفكيكية مبنية على: الاختلاف والإرجاء أوالتأجيل، ما نعبر عنه بهذا النحت اللغوي :" الاخترجاء"، تعبيرا لما يعنيه مصطلح : différe/ance.
فأين يتجلى الاختلاف والإرجاء؟
فبما أن عملية "دس البحر بالحقيبة اليدوية"، غير ممكنة واقعيا، فتبقى "سرقة" البحر عملية معنوية. وهو ما يؤكد بحزم شديد أن الذهاب إلى البحر، ما هو إلا تمويه للحقيقة التي هي "الذهاب" للالتقاء بهذه المرأة. وبما أنها لم تكن هناك، بالنسبة للشاعر، لم يكن هناك أيضا بحر، رغم وجوده فيزيائيا. فالبحر مقترن بتواجدها. وللتنفيس أبدع في كونها "أخذته معها في حقيبتها اليدوية". ونحن نعرف أن الحقيبة اليدوية بالنسبة للمرأة، خزان لكل الأشياء النفيسة والضرورية. وهكذا يصبح هو نفسه هذا البحر، ومن خلاله يرى نفسه نفيسا وضروريا بتواجده داخل حقيبتها. وهو ما يدعم اختيار فعل "أخذته" عوض "سرقته". ما يحيلنا على ما يقال عادة: "أخذت بحره، أي قلبه" وذهبت. وما قد يزيح أيضا فكرة : أخذت البحر لأنها غضبت، لتصبح: أخذته في حقيبتها، أي أخذت قلب من تحب، ليس غضبا وإنما حبا.
الإحساس بالفخر:
هل البحر يرمز فقط إلى الراحة النفسية والنشوة؟ بطبيعة الحال له عدة مدلولات أخرى : يرمز إلى الحزن الذي ينتاب الزائر فيكون هكذا بمثابة مرآة تعكس هذا الحزن المتجلي في سمات وجه الزائر وحالته النفسية. ومن خلال هذا التقاسم في الإحساس قد يشعر الزائر بنوع من الانفراج. إلا أن ظنه خاب، مع عدم وجوده. فزاد الإحساس بالحزن مع معرفة "السارق" : المرأة الجميلة. من خلال هذا الاختلاف في الفهم، نرجئ أو نؤجل دائما المعنى. وما يؤكد ذلك هو وقوفنا عند صورة أكثر إيجابية في هذا النص، رغم الخيبة، وهي بمثابة ضوء تصدره إحدى الكترونات/كلمات الجسيم/النص المكثف، وهما النعت الواصف للمرأة : "الجميلة" و الجملة الإسمية: "حقيبتها اليدوية".
فهل، منطقيا، تستحق هذا الوصف، نظرا لكونها قامت "بسرقة" البحر، أي أمل الشاعر؟. ثم هل بالضرورة الإشارة إلى "الحقيبة اليدوية"، بما أنه يستحيل عمليا "دس" البحر بها؟ تساؤلان يفرضان علينا استحضار ما أطلقنا عليه "بالاخترجاء" الذي يساعدنا على هذا التفكيك.
يرمز إذن هذا الوصف: "المرأة الجميلة"، كما ترمز الإشارة إلى "الحقيبة اليدوية"، إلى تفهم الشاعر. وهو ما يعوض تلك الخيبة. كأنه سعيد بهذه "السرقة"، مادامت صاحبتها امرأة جميلة، كما قيل له، ما يزيد في افتخاره. فتنبجس الخيبة بهذا الأمل المشرق، مادامت "السرقة" تمت صباحا من قبل امرأة جميلة.
وهكذا يسعد الشاعر، بل ويفتخر هو الذي غالبا ما كان في موعد مع هذه المرأة الجميلة، فتأخر عن الموعد الليلي، ليفاجأ "بسرقة" البحر في الصباح من قبل هذه المرأة، التي زاد في حبها، قول الناس عنها: جميلة. كلمة غمرته بالافتخار والعز، وهو ما جعله يتقبل هذه "السرقة" بكل رضا، لهذا لجأ أيضا لحقيبتها اليدوية ليجعل "بحره"/ قلبه بداخلها، لما تمثله هذه الحقيبة من حافظة لكل ما هو نفيس وغال لدى المرأة.
على سبيل الختم:
هكذا إذن قاربنا هذا الجسيم/النص الكمومي بمسرع تفكيكي. إلا أنه يبقى تفكيكنا الأدبي نسبيا كذلك، حسب مفهوم "الاخترجاء"، أي الاختلاف والإرجاء، تماما كما هو الشأن بالنسبة، لنسبية التجارب والتأويلات في الفيزياء الكمومية.



#محمد_العرجوني (هاشتاغ)       Mohammed_El_Arjouni#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نص كمومي، كامل التخصيب. قراءة في نص: عيون للشاعر التونسي: عب ...
- الشمس حارقة في غياب الظل... قراءة في قصيدة سنيا الفرجاني:
- من هو المثقف؟
- من منطق اللغة إلى منطق المتعة
- طغيان مفهوم التأدب في الأدب
- على هامش الجدل الحاصل بعد الإعلان عن جائزة آسية جبار لرواية ...
- قراءة في نص: لا أشجار مثمرة..
- تقييم بانفعالية كاسرة
- السياسة مصالح وليست مبادئ
- الحرب من أجل امتلاك النار la guerre du feu
- هل يظل الوعي حبيس كهف أفلاطون؟
- الفيس بوك يسمح بتسييج أروقة خاصة
- الناصح المغفل
- المرآة والوضعية الاندماجية
- هذي يدي..
- رسالة إلى جدي آدم ( آخر حلقة 3)
- رسالة إلى جدي آدم (2)
- رسالة إلى جدي آدم
- ديكتاتورية الأقلية
- من الإنسان العاقل إلى الوحش الكاسر


المزيد.....




- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...
- بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا ...
- ظهور جاستن ببير مع ابنه وزوجته في كليب أغنية Yukon من ألبومه ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العرجوني - ومضة بطاقة ذرة قراءة في نص للشاعر المصري أحمد دياب