أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب مال الله ابراهيم - التفاحة الذهبية














المزيد.....

التفاحة الذهبية


حبيب مال الله ابراهيم
أكاديمي وباحث في مجال علوم الإعلام والصحافة

(Habeeb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 22:20
المحور: الادب والفن
    


جلس رجل عجوز، بلغ التاسعة والسبعين، قرب بحيرة صغيرة، يتأمل الماء الساكن، غارقاً في تساؤلاته عن الحياة والموت. لم يكن يخشى النهاية، لكنه تساءل: هل للزمن معنى؟ وهل يمكن للإنسان أن يعيش مرة أخرى؟
عاش طيباً، لم يؤذ أحداً قط، حتى الطيور والأشجار كانت تألفه. مد يده إلى جيبه، وأخرج تفاحة صغيرة، قضمها بصعوبة، إذ لم تبق له سوى بضع أسنان. وبينما كان يمضغها ببطء، لمح في قلبها بذرة تتلألأ كأنها من ذهب.
حدق فيها مذهولاً، ثم، دون تفكير طويل، قذفها نحو البحيرة. لكنها لم تغرق، بل سقطت عند الحافة، وسرعان ما نبتت شجرة تفاح ضخمة، كأنها انتظرت هذه اللحظة منذ الأزل. ومن بين أغصانها، تدلت تفاحة ذهبية متوهجة.
وقف العجوز مشدوهاً، غير مصدق ما يراه. هل هذا حلم؟ اقترب من الشجرة، قطف التفاحة بيدين مرتعشتين، وما إن فعل ذلك حتى اختفت الشجرة كما ظهرت. نظر إلى التفاحة في يده، ثم، بدافع من الفضول، قضم منها قطعة.
في لحظة، اجتاحه إحساس غريب، إحساس لم يعهده منذ عقود. شعر بالقوة تتغلغل في جسده، وكأن الزمن بدأ يتراجع. اقترب من ماء البحيرة ونظر إلى انعكاسه… فلم يجد الرجل العجوز، بل شاباً في العشرين يحدق فيه!
تحسس وجهه وجسده وكأنه يرى نفسه لأول مرة. كيف سيخبر أبناءه؟ ماذا سيقول لأحفاده؟ تساؤلات كثيرة راودته وهو يشق طريق العودة إلى منزله.
في أثناء سيره، سمع صراخاً آتياً من البحيرة. اقترب بسرعة، فرأى امرأة عجوزاً تهتف بيأس:
— حفيدتي وقعت في الماء! ستغرق إن لم ينقذها أحد!
ألقى بنفسه في البحيرة بلا تردد، وسحب الطفلة إلى اليابسة، حيث ارتمت في أحضان جدتها باكية. رفعت العجوز رأسها إليه، نظرت في عينيه طويلاً، ثم همست:
— أنت… أنت الرجل العجوز الذي صار شاباً، أليس كذلك؟
تجمّد في مكانه، وسألها بدهشة:
— كيف عرفتِ ذلك؟
ابتسمت قائلة:
— لقد أخبرتني جدتي عنك عندما كنت صغيرة…
مضى الرجل العجوز - الشاب - نحو بيته وقلبه يخفق بشدة. وقف أمام الباب، وطرقه بحذر. فتح أحد أبنائه الباب، تطلع إليه مستغرباً:
— تفضل، كيف يمكنني مساعدتك؟
لكنه ما إن وقعت عيناه على ملابسه، حتى تراجع خطوة وقال بدهشة:
— لحظة… هذه ملابس والدي! من أين حصلت عليها؟
ابتسم الشاب قائلاً:
— أنا والدك… عدت شاباً من جديد!
تراجع الابن مصعوقاً، ثم انفجر ضاحكاً:
— هل تمزح؟!
لكن الشاب لم يكن يمزح… فقد عرف سر الحياة، وأدرك أن الخريف قد يتبدل ربيعاً أحياناً، بتفاحة ذهبية.
انتشرت أخبار الرجل العجوز الذي عاد شاباً في أنحاء المملكة، حتى وصلت إلى قصر الملك، الذي بلغ التسعين وتدهورت صحته. لم يصدق القصة في البداية، لكنه أمر بإحضار الرجل فوراً.
وقف الشاب أمام العرش الذهبي، وأحاط به الحرس الملكي المتأهبون. نظر إليه الملك طويلاً، ثم قال بصوت متحشرج:
— أخبرني… كيف استعدت شبابك؟
لم يكن هناك ما يخفيه، فروى الرجل قصته كاملة، عن البحيرة، والتفاحة الذهبية، والتغيير العجيب الذي أصابه. استمع الملك العجوز بانتباه، ثم نهض عن عرشه بصعوبة، وأمر بإعداد العربة الملكية، قائلاً بحماس:
— إلى البحيرة… حالاً!
تحرك الموكب الملكي وسط دهشة الجميع. كان واضحاً أن الملك عزم على استعادة شبابه، كما فعل الرجل.
عند وصولهم إلى البحيرة، لمح الملك شجرة تفاح أخرى قد نمت عند الحافة، تتدلى منها تفاحة ذهبية مشعة، لكنها هذه المرة كانت مختلفة قليلاً، كأنها تلمع بلون أعمق، غامض.
اتسعت عينا الملك، وامتدت يده المرتعشة نحو التفاحة. قطفها بشغف، ثم، دون تفكير، قضم منها قضمة كبيرة.
في لحظة، اجتاحه إحساس غريب… لكنه لم يكن إحساس القوة والشباب. بدأ جسده يهتز بعنف، ولفه ضوء أسود كثيف، قبل أن تتعالى صرخاته… ثم اختفى تماماً!
تراجع الحرس مذعورين، وهمس أحدهم بخوف:
— لقد كان ملكاً شريراً… ربما لم ترد البحيرة أن تعيد له شبابه، بل أن تمحو وجوده بالكامل!
وقف الشاب محدقاً في البحيرة، ثم إلى المكان الذي اختفى فيه الملك، وفهم أن هذه المعجزة لم تكن مجرد هدية لمن يبحث عن الشباب، بل كانت اختباراً … فقط الأرواح النقية تستحق فرصة ثانية، أما القلوب السوداء، فمصيرها النسيان.
عاد إلى منزله، ليبدأ حياته من جديد… ولكن هذه المرة، بعيون شاب، وحكمة رجل عاش عمرين. وبينما كان يسير في طرقات المدينة، فكر في أمر واحد: الحياة لا تقاس بعدد السنوات، بل بما نفعله بها.



#حبيب_مال_الله_ابراهيم (هاشتاغ)       Habeeb_Ibrahim#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وسائل التواصل الاجتماعي… جسر يوحد اللهجات والثقافات
- انهيار النخب: حين يسقط الوهم وتنكشف الحقيقة
- أقاليم للأقليات… أم أوطان تتسع للجميع؟
- تركيا بعد حزب العمال الكردستاني: معالم مرحلة جديدة وتحولات إ ...
- علم التربية الإعلامية Medienpädagogisch
- كيف يُمكن للإعلام أن يُضّر الأطفال
- السينما والدراما المصرية، الى أين؟
- الرأي العام
- المُساءلة الإعلامية
- ثورة الإعلام الترفيهي
- أمين المَظالِم الصحفي
- جيل وطني من المهد
- -اصفع والدك-، -اطمع في زوجة جارك-، -تطاول على الأنبياء-: نكت ...
- قوة وتأثير وسائل الاعلام في المانيا
- هل وسائل التواصل الاجتماعي سيئة بالنسبة لنا؟
- البيت القديم
- عقدة الذنب الالمانية
- تحالفات الشرق الأوسط الحديدة
- قطرات الندم
- إستقلال إقليم كوردستان .. سيناريوهات ومواقف


المزيد.....




- -ضع روحك على يدك وامشي-: فيلم يحكي عن حياة ومقتل الصحفية فاط ...
- رصدته الكاميرا.. سائق سيارة مسروقة يهرب من الشرطة ويقفز على ...
- برتولت بريشت وفضيحة أدبية كادت أن تُنسى
- مواسم القرابين لصالح ديما: تغريبة صومالية تصرخ بوجه تراجيديا ...
- احتجاج واسع بمهرجان سينمائي في إسبانيا ضد الإبادة بغزة
- احتجاج واسع بمهرجان سان سباستيان السينمائي في إسبانيا ضد الإ ...
- في حلق الوادي قرب تونس العاصمة... شواهد مقر إقامة نجمة السين ...
- رحيل الممثلة كلوديا كاردينالي عن 87 عاماً... -أجمل إيطالية ...
- توماس فوسين: لا معايير للشرعية السياسية والارتباط بالسلطة يت ...
- توماس فوسين: لا معايير للشرعية السياسية والارتباط بالسلطة يت ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب مال الله ابراهيم - التفاحة الذهبية