أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب مال الله ابراهيم - البيت القديم














المزيد.....

البيت القديم


حبيب مال الله ابراهيم
كاتب صحفي

()


الحوار المتمدن-العدد: 5941 - 2018 / 7 / 22 - 01:56
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
لماذا عشت حياة تعيسة للغاية؟ ولماذا أصبحت أيامي كلها تعيسة؟ هنالك من تزورهم الماساة عدة مرات في السنة، اما انا فالمأساة كانت ترافقني أينما ذهبت، لم يدع لي القدر خياراً، فقد اختار نيابة عني طريقي المزروع بالمستحيل.
لا املك اَي اجابة عن أسئلتي التي مازلت احتفظ بها، لماذا لم يكن في حياتي بصيص من نور؟ لماذا عشت في دنيا مظلمة؟ لماذا اختارتني الاقدار لتتفنن في إيذائي؟ كم اتمنى الحصول على اجوبة لهذه الأسئلة كي اشعر بالراحة اذا كانت مقنعة وكي أغير مفاهيمي عن الجانب الاخر من الحياة اذ لم تكن مقنعة.
بلغ (كمال) من العمر الخمسين، كان جالسا على كنبة قديمة وهو يبتسم بينه وبين نفسه، متذكرًا احداث خمسون سنة من الفقر والعوز والإيذاء، قبل ايّام سمع في الراديو بان احد الوزراء تم نقله الى مستشفى في دولة اخرى لإجراء عملية جراحية له، ثم ابتسم مرة اخرى لانه تذكر مرضه وهو في الخامسة عشر من عمره، كان هنالك جرح في ساعده الأيسر، وصل التهابه الى العظم. كان كل صباح يكشف عن الجرح ويغسله بماء الترعة قبل ان يُعيد ربطه بقطعة قماش ويمضي الى الحقل لمساعدة والده.
ليت والده كان غنيا ليعالجه في مستشفى المدينة، لان أقاربه حذروه مرارا من من خطورة الجرح الذي وصل التهابه الى العظم. ماذا لو دخل المدارس بدلا من الانقطاع عنها لمساعدة والده الفقير، هل الفقر وصمة عار في جبين بعض الاناس؟ الاناس الذين تبتسم الحياة بوجوههم بعد عقود، ينظرون الى الفقر كمرحلة، اما من يعيش الفقر معهم من الصغر للكبر يعدونه وصمة عار.
ابتسم كمال بينه وبين نفسه حين وقع نظره على الكنبة القديمة، كان يجلس عليها منذ كان في الخامسة من عمره، جلس عليها مرة لوحده حتى غلبه النوم، وبعد ساعات استيقظ بعد ان لدغه البرد، فأسرع الى فراشه واختار مكانه الى جوار اخوته الخمسة. منذ كان صغيرا لم يذق طعم الاهتمام، كان في كل مرة يبكي حتى تجف دموعه على خديه، لا يمسحها له والداه.
حين بلغ الخامسة والعشرين مات والده في حادث سير، فأصبح يدير اعمال الحقل لوحده، ومرت السنوات حتى تزوج اخوته وبقي وحيدا في بيت ابيه بعد ان ماتت أمه عقِب صراع قصير مع المرض. بقي وحيداً في بيت قديم لا يتحمل أمطار الشتاء الهاطلة ولا الرياح الخريفية الدافئة، لم يعد له اَي أمل في الزواج بعد أن وصل الى الخمسين يرافقه الفقر منذ ولاته.
حين يسمع أحد أبناء اخوته يناديه تأخذه الخيالات الى عالم آخر، حيث الأحلام الوردية التي لا تكلف شيئاً، انها بالمجان للجميع، الأغنياء ليسوا بحاجة اليها، لأنهم يعيشون كل لحظة حلماً جميلاً، أما الفقراء فيحلمون طوال الوقت، ثم حين يأوون آخر الليل الى بيوتهم المتآكلة يستردهم الجوع او البرد او الحر او الحرمان من أحلامهم، فيصطدمون بواقعهم الرث.
ابتسم بينه وبين نفسه مرة اخرى، وهو يتمتم: "سنوات وتنتهي الحياة، قد أعيش عشر سنوات اخرى أو عشرين على الأغلب، لقد مر الكثير وبقي القليل".
ماذا لو ان أحد الميسورين أراد ان يغير حياة (كمال) رُغماً عن الأقدار، أن يبني له قصراً ويقتني له سيارة حديثة ويعطيه مبلغاً وفيراً من المال، هل سيعترض القدر؟ ما هو القدر، انه الشماعة التي نعلق عليها واقعنا المؤلم.
نظر الى ساعده الذي كان يوماً يقطر منه الدم كلما غسله بماء الترعة ليعيد ربطه من جديد بقطعة من القماش. بعد سنوات وقع طريح الفراش واقترح طبيب القرية ان يُقطع ساعده قبل ان يصل الالتهاب الى بقية جسمه.
في مستشفى المدينة كان هنالك طبيب انجليزي، فأجرى له عملية جراحية استغرقت ثلاث ساعات، تفنن الطبيب في تنظيف الجرح ونصحه بعدم الذهاب الى الحقل عدة أشهر، بعد مضي أسبوع في الفراش ايقظته امه عند الساعة الرابعة صباحاً وطلبت منه الالتحاق بابيه في الحقل، فلبى طلبها، فذهب وهو لايزال يشعر بألم في ساعده.
بعد عودته من الحقل في المساء وقع مغمياً عليه من شدة الألم، فأخذته امه الى تكية السيد رفاعي القريبة في القرية، فقد اعتقدت ان ألمه بسبب حسد او عين أصيب بها. طلب منه السيد بالبقاء عدة ايّام ريثما يذهب عنه تأثير الحسد او العين.
بعد أربعة ايّام اختفى الألم، وطلب منه السيد في صباح اليوم الرابع بالعودة الى بيتهم ومساعدة أبيه في الحقل وهو يقول له: لا تخشى شيئاً بعد اليوم.


.



#حبيب_ابراهيم (هاشتاغ)       #          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقدة الذنب الالمانية
- تحالفات الشرق الأوسط الحديدة
- قطرات الندم
- إستقلال إقليم كوردستان .. سيناريوهات ومواقف
- توازن القوى في الشرق الأوسط
- العقول العراقية المهاجرة
- الثقافة العربية في زمن الثورات والحروب
- دولة كوردستان ... من الحلم الى الواقع
- الفكر المتطرف في كوردستان!
- مذكرات د.زهدي الداوودي
- 6 قصص قصيرة جدا
- التشريعات الموروثة من الحقبة السابقة وأثرها في حرية الصحافة
- الإعلام والسياسة
- الاسلام السياسي وأزمة التظرف الفكري!
- قضية اليهود
- مستقبل الصحافة الورقية
- أدب المعارك
- غزو الفضاء
- الاعلام العراقي ... اِعلام غير وطني باِمتياز!
- التعليم الجامعي في اقليم كوردستان


المزيد.....




- الثقافة تكشف خططها المستقبلية وتؤكد التوجه لإنشاء متحف عراقي ...
- سفارتا فلسطين وفرنسا تفتتحان عرض الفيلم الوثائقي
- معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.. الرواية الإسرائيلية أو ...
- حيّ ابن سكران، حين يتحوّل الوعي إلى وجع
- التشكيلي يحيى الشيخ يقترح جمع دولار من كل مواطن لنصب تماثيله ...
- عمر خيرت: المؤلف المتمرد الذي ترك الموسيقى تحكي
- ليوناردو دافنشي: عبقري النهضة الذي كتب حكاية عن موس الحلاقة ...
- اختفاء يوزف مِنْغِله: فيلم يكشف الجانب النفسي لطبيب أوشفيتس ...
- قصة القلعة الحمراء التي يجري فيها نهر -الجنة-
- زيتون فلسطين.. دليل مرئي للأشجار وزيتها وسكانها


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب مال الله ابراهيم - البيت القديم