أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - العيرج ابراهيم - بقايا شهيد














المزيد.....

بقايا شهيد


العيرج ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 10:37
المحور: حقوق الانسان
    


عادت الأرملة إلى بيتها، لم تكن وحدها. كانت تحمل معها صندوقًا خشبيًا ثقيلًا، يحوي كل ما تبقى من زوجها "خالد". لم يعد خالد، عاد صندوقٌ يذكّرها بلمسة يدٍ، ورائحة عطر، ووعودٍ لم تتحقق. وقفت أمام الباب، ترددت في فتحه، كأنما تخشى أن يخرج من الصندوق طيف خالد. لكنها فتحته، ووضعته في زاويةٍ مهملة، زاويةٌ اعتادت أن تضم كل ما لا قيمة له.
لم يكن الصندوق هو كل البقايا. كانت هناك "أرملة" نفسها، بقايا زوجةٍ أرهقتها سنوات الانتظار، وكانت هناك "فاطمة" و"أحمد"، طفلاهما، بقايا روحٍ ودم. كانا يجلسان في غرفةٍ صغيرة، ينظران إلى صورة أبيهما المعلقة على الحائط، يسألانه عن الحكايات التي لم يروها لهما.
كانت الأرملة تشعر أنهم ليسوا سوى أشياء، كأنهم صندوقٌ آخر يُسلّم مع بقية الأشياء. كانت المرة الأولى و الأخيرة لضباط أتوا مسرعين، ألقوا عليهم نظرةً عابرة، واصفينهم بـ "أهل الشهيد"، ثم غادروا. كأنها مهمةٌ قد أُنجزت، وصندوقٌ قد تم تسليمه. لم يكترث أحدٌ لمشاعرها، لأحلامها، لآمالها في أن يرى طفلاها يومًا ما أباهما.
مرت الأيام، وتحولت "البقايا" إلى عبءٍ ثقيل. أصبحت الأرملة عبئًا على عائلتها، وعلى المجتمع. كانوا ينظرون إليها كشيءٍ قديم، كجرحٍ لا يندمل، وكصورةٍ باهتةٍ لذكرى لم تعد مهمة. أما الطفلان، فكانا ينموان في ظل غيابٍ مؤلم، وذكرياتٍ باهتةٍ عن أبٍ لا يعرفانه إلا من الصور.
ذات يوم، جاءت عائلة زوجها، يزورونهم. كانوا ينظرون إلى البيت، إلى الأثاث القديم، وإلى ملابس خالد التي ما زالت معلقةً في خزانة. قال أحدهم : "هذا البيت يحتاج إلى تجديد. هذه الملابس يجب حرقها. لم يعد لها وجود."
شعرت الأرملة أن الكلمات كانت موجهةً إليها، وإلى طفليها. كأنهم هم أيضًا يجب أن يُحرقوا، كأنهم أيضًا يجب أن يتلاشوا من الوجود. في تلك اللحظة، نظرت إلى صورة زوجها، شعرت بمرارةٍ لا توصف. زوجها الذي ضحى بروحه من أجل الوطن، أصبح وجوده ذكرى باهتة، وبقاياه أشياءً يُراد التخلص منها.
في المساء، كانت الأرملة جالسةً بجوار الصندوق الخشبي. فتحته، وأخرجت منه قميصًا عسكريًا قديمًا. كانت رائحة خالد ما زالت عالقةً فيه. ضمّت القميص إلى صدرها، وبدأت تبكي بصمت. شعرت أن الزمن يلتهم كل ما يمت بصلةٍ لزوجها. أن كل ما تبقى منه، سيصبح يومًا ما ذكرى منسية، كأنه لم يكن يومًا.
في تلك اللحظة، أيقنت الأرملة أن بقايا الشهيد ليست صندوقًا خشبيًا، أو قميصًا قديمًا، بل هي الألم الذي لم ينته، والأمل الذي مات. هي جرحٌ نازفٌ في قلب الوطن، وطنٌ ينسى أبطاله، ويتخلص من بقاياهم.



#العيرج_ابراهيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الاعتداء على القوات العمومية: -الأسباب المحتملة و التداعي ...
- إهمال -الجماعةالحضرية لإنزكان-: المختلون عقليًا يشكلون خطرًا ...
- إلى الضمائر النائمة: هل تحولت دماء شهداء الصحراء إلى مجرد حب ...
- هل حفظنا الثروة الحيوانية أم ذبحناها لهفة وجشعًا؟
- شواطئ أكادير: هل ينهي تدخل الوالي فوضى الاستغلال والجشع؟
- وطنٌ أنجبني... ثم ابتلعني : مأساة شهيد في ذاكرة وطن بلا ذاكر ...
- في مقارنة صارخة وفاضحة بين تكريم أسر شهداء الواجب من الأمن ا ...
- شهيد حرب منسي يخاطبكم !! -دروس و عبر-
- طفل القبور
- الكشف عن أسطول النقل الحضري السري لأسر شهداء حرب الصحراء: حا ...
- جراح حرب الصحراء المنسية: صرخات مكتومة لأسر الشهداء
- ايت ملول : صمود الجماد في وجه الفساد
- أيت ملول: تنافر الصحة والبيئة - مستحلب الاسفلت ،الأخطار المح ...
- المقاهي الأدبية بين التجاري و الثقافي
- صرخة أرملة شهيد ” أعيدوا لي زوجي”
- افريقيا :ترفع الراية الحمراء في وجه ترامب
- -كوفيد-العنيد
- -كوفيد - العنيد
- 8مارس : نارمهيلة لأرامل شهداء الصحراء‼
- في زيارة الحزام الامني


المزيد.....




- الأونروا: لا يمكن استمرار قتل الفلسطينيين أثناء محاولتهم جلب ...
- معاريف الإسرائيلية: الجيش يقدّر أن احتلال غزة سيؤدي لمقتل جم ...
- القناة الـ12 الإسرائيلية: إسرائيل أفشلت اتفاق الأسرى في اللح ...
- عشرات الشهداء في غارات صهيونية استهدفت خيام النازحين ومنازل ...
- تصعيد إسرائيلي واسع في الضفة: تفجير منزل وسقوط جرحى واعتقالا ...
- الأمم المتحدة: استمرار الاشتباكات في السويداء وعدد النازحين ...
- هيئة الأسرى ونادي الأسير: سيتم تشريح جثمان الشهيد المعتقل أح ...
- كيف أصبح العدس الدرع الأخيرة ضد المجاعة في تكايا دارفور؟
- الأونروا: لا يمكن استمرار قتل الفلسطينيين أثناء محاولتهم جلب ...
- رايتس ووتش: إسرائيل قصفت 500 مدرسة تؤوي نازحين في غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - العيرج ابراهيم - بقايا شهيد