صادق جبار حسين
الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 15:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربما لا يعلم أتباع إيران أو يتجاهلون عن قصد حقيقة العلاقة التي جمعت بين إيران من جهة وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى خلال الحرب العراقية الإيرانية في حقبة الثمانينات وكذلك تحالفهم من اجل إسقاط نظام صدام في 2003 .
رغم العداء الظاهري بين هذه الأطراف والتصريحات المتبادلة التي توحي بصراع أيديولوجي حاد إلا أن بعض محطات التاريخ السياسي في الشرق الأوسط تكشف عن تعقيدات تتجاوز الخطابات والشعارات النارية.
فخلال حرب الخليج الأولى 1980 1988 ظهرت مؤشرات على وجود تعاون غير مباشر وتنسيق مصالح بين هذه الأطراف وكان العراق هو الخاسر الأكبر
ففي الوقت الذي كانت فيه طهران ترفع شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل كانت شحنات السلاح تصلها عبر وسطاء إضافةً الى الصفقات التي تُعقد في الخفاء في تحالفات مصلحية بعيدة عن الشعارات المعلنة التي يصفق لها السذج ويؤمنون بصدقها .
هذا التناقض الظاهري يفتح الباب للتساؤل حول طبيعة العداء بين إيران وخصومها المفترضين الذي يؤكد صحة ما نُسب للخميني من مقوله إنه مستعد للتحالف مع الشيطان لإسقاط صدام إلا أن الوقائع التاريخية أثبتت أن إيران تعاونت مع من تعتبرهم أعداءها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية
فقد قربت حرب الثمان سنوات بين الأعداء إيران وإسرائيل عندما اشتركوا في مصلحة واحدة ، فقد كانت إسرائيل تعتبر العراق العدو الأخطر بسبب طموحاته النووية ومواقفه المعادية لها .
أما إيران فوجدت نفسها بحاجة ماسة للسلاح والذخائر في ظل الحصار الدولي المفروض عليها الأمر الذي دفعها للتعاون السري مع إسرائيل
أشكال التعاون بين إيران وإسرائيل خلال الحرب
أولا : صفقات السلاح
قامت إسرائيل ببيع أسلحة وقطع غيار لإيران خاصة لتجهيزات أمريكية كان الجيش الإيراني يمتلكها منذ عهد الشاه
شملت هذه الصفقات قطع غيار لطائرات F4 و F5 و دبابات بلإضافة الى ذخائر وصواريخ مضادة للدروع ، حيث قدرت قيمة هذه الصفقات بما يتراوح بين خمسمئة مليون إلى مليار دولار
ثانيا : الدعم اللوجستي والاستخباراتي
قدمت إسرائيل معلومات استخباراتية لإيران حول تحركات الجيش العراقي
وساهمت في تسهيل شحنات السلاح من مصادر غربية عبر وسطاء وشركات وهمية
ثالثا : فضيحة إيران كونترا
بين عامي 1985 و 1987 شاركت إسرائيل بدور الوسيط في نقل الأسلحة الأمريكية إلى إيران مقابل الإفراج عن رهائن أمريكيين في لبنان
واستخدم جزء من عائدات الصفقة لتمويل جماعات الكونترا المعارضة للحكومة اليسارية في نيكاراغوا
هذه العملية كشفت تعاون إيران مع إسرائيل وأمريكا رغم العداء المعلن
أسباب هذا التعاون
أولا : من جهة إسرائيل
إضعاف العراق الذي كان يمثل التهديد الأكبر لأمن إسرائيل
منع العراق من امتلاك أسلحة نووية
الحفاظ على حالة الاستنزاف لدى إيران والعراق لضمان تفوق إسرائيل الإقليمي
ثانيا : من جهة إيران
الحصول على السلاح وقطع الغيار في ظل الحصار
مواصلة الحرب ضد العراق لتحقيق أهداف الثورة
كسر العزلة الدولية من خلال القنوات غير الرسمية
عندما تم الكشف عن هذا التعاون أنكرت إيران رسميا أي صلة واعتبرته دعاية صهيونية
أما إسرائيل فلم تؤكد كل التفاصيل لكنها لم تنف الكثير منها
لكن الوثائق التي رُفعت عنها السرية في أمريكا وإسرائيل أكدت صحة معظم المعلومات
وقد أثار هذا التعاون جدلاً واسعًا خاصة بعد انكشاف قضية “إيران-كونترا”.
يعكس أن السياسة الدولية ليست محكومة بالشعارات العقائدية فقط بل تتأثر أيضًا بالمصالح والضرورات الجيوسياسية
وقد أعادت ايران تعاونها مرة أخرى لكن هذه المرة مع أمريكا او الشيطان الأكبر كما تدعي إيران الا ان الأخيرة تعاونت معها
وساعدتها في غزو العراق عام 2003 شكّل لحظة تقاطع نادرة في مصالح الطرفين إذ رغبت كل من طهران وواشنطن في إسقاط نظام صدام حسين الذي كان عدواً مشتركاً للطرفين لاحقاً تحدث مسؤولون إيرانيون — بينهم محمود أحمدي نجاد — علناً عن هذا التعاون أو “الدعم غير المباشر”.
خلفية التعاون الأمريكي الإيراني في العراق
إيران كانت ترى نظام صدام تهديدا وجوديا خاصة بعد الحرب الطويلة معه
الولايات المتحدة بررت الغزو بوجود أسلحة دمار شامل وعلاقة العراق بالإرهاب وهي مزاعم لم تُثبت صحتها
لكن الهدف المشترك بين الطرفين كان واضحا وهو إسقاط صدام حسين
أشكال التعاون بين إيران وأمريكا
اولا : الاتصالات السرية
خلال الفترة بين 2001 و2003 بدأت اتصالات سرية بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين عبر وسطاء في سويسرا
نقلت إيران معلومات استخباراتية مهمة للولايات المتحدة عن مواقع عراقية
كما قدم فيلق القدس معلومات عن الجماعات الشيعية والبنية الأمنية للنظام العراقي
ثانيا : دعم المعارضة العراقية
سهلت إيران انتقال قيادات المعارضة الشيعية إلى داخل العراق بعد الغزو مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ومنظمة بدر
كما لم تعارض تقدم القوات الأمريكية نحو بغداد
ثالثا : ضبط الحدود
التزمت إيران الهدوء على حدودها أثناء الغزو ولم تعرقل العملية سياسيا أو عسكريا
بل تشير بعض التقارير إلى أن إيران سمحت للطائرات الأمريكية بدون طيار باستخدام أجوائها لجمع معلومات
وسهلت دخول قوات بدر إلى العراق دون مواجهة الأمريكيين
تصريحات المسؤولين الاميركيين و الإيرانيين
ريتشارد أرميتاج (نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق) قال في 2007
“إيران لعبت دوراً بنّاءً معنا في أفغانستان، وكانوا متعاونين في العراق إلى حدٍّ ما، خصوصاً في المراحل الأولى بعد الغزو
كما أكد بعض المسؤولين الأمريكيين اعترفوا لاحقاً أن “إيران ساعدتنا في الأيام الأولى للغزو من دون أن نطلب منها صراحةً”.
اما محمود أحمدي نجاد صرح بأن إيران ساعدت في غزو العراق وأفغانستان “إنسانياً”، لكن الرسالة السياسية كانت أوضح: نحن من سمحنا لأمريكا بالدخول، ونحن من نتحكم اليوم في العراق.
وقد إعاد كلامه عام 2011، خلال مقابلة تلفزيونية، حيث قال الرئيس محمود أحمدي نجاد ما يلي:
“من ساعد أمريكا في غزو أفغانستان؟ نحن. من ساعدهم في العراق؟ نحن فعلنا ذلك من باب التعاون الإنساني والأخلاقي. نحن قدمنا لهم التسهيلات التي ساعدتهم في إسقاط صدام.”
كما أشار في لقاءات أخرى إلى أن إيران لم تكن غافلة عما يحدث في العراق بل كانت فاعلاً نشطاً لكنها تعاملت مع الملف بـ”حكمة استراتيجية”.
دلالة هذه التصريحات:
هذه التصريحات تؤكد أن إيران لم تكن تعارض إسقاط نظام صدام بل كانت شريكة فيه ، وكانت مستعدة للتعاون مع من تصفهم بأعدائها من اجل إسقاط عدوها الدود حتى لو كان على حساب شعاراتها العقائدية.
فكيف يمكن تفسير شحنات السلاح التي وصلت من واشنطن وتل أبيب إلى طهران وهي تصفهما بالشيطان الأكبر والكيان الغاصب
وكيف التقت مصالح أعداء مفترضين لإسقاط قوة إقليمية ثالثة كما حدث في غزو العراق
الجواب هو أن المصالح حين تتقاطع تُغيب المبادئ وتُسقط الشعارات وتُنسى القضايا النضالية والعقائدية ، فإيران هي الشيطان الأكبر الذي لا أمان له
#صادق_جبار_حسين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟