وسام جواد
الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 18:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يرتبط الإختراق بأية حال من الأحوال بسوريا، أو لبنان، أو العراق وايران، فوجوده يعود الى ما قبل التاريخ وتحديدا، منذ نهاية إولى التكوينات البشرية (المشاعية البدائية) وبداية المرحلة الثانية (الإقطاعية)، التي ظهرت فيها العبودية والتباين الطبقي ورغبات الأقوياء بالسيطرة على المساحات، ومكامن الثروات، بالحروب والغزوات، التي إمتدت قرونا لتشمل مرحلة البرجوازية والرأسمالية والى وقتنا الحاضر.
كان لابد للأطراف المُتخاصِمة، أو المُتحاربة، مَعرفة خصوصيات الخَصم، ونقاط قوته وضعفه عبر الجواسيس والعملاء، الذين يتعاونون مع العدو لقناعة فكرية، أو لأطماع مادية. وتاريخ الدول والمجتمعات، شاهد على الدور الكبير، الذي لعبه الإختراق في إحدات نتائج كارثية للأطراف المُختَرقة.
من الخطأ الإعتقاد بأنه كلما كانت الدولة قوية ماديا وعسكريا، كلما صعب، أو استحال الإختراق، والدليل أن الاتحاد السوفيتي كان مُخترقا في أوج قوة النظام الستاليني، من قبل أفراد تعاونوا مع المخابرات الألمانية ( البعض إعترف بكرهه للنظام السوفيتي، كالجنرال الخائن أندريه فلاسوف، بينما فسَّر البعض الأخر خيانته وربطها بأسباب مادية، كالكابتن ايغور ميخايلوف، الذي كاد يفسد هجوم الجيش السوفيتي على برلين، بتسريبه المعلومات حول الهجوم المرتقب، فتحتم على العقيد سوكولوف كشف الخائن وقتله أو اعتقاله، وهو ما حصل فعلا، حيث تم أعتقال العميل قبل انتهاء الموعد المُحدد، وتجريده من السلاح وأجهزة الاتصال، واعترف اثناء التحقيق بأن سبب تعاونه مع الألمان، هو الحصول على مبالغ تفوق ما يحصل عليه من الجيش السوفيتي) .
بعد سخونة الحرب العالمية الثانية وتحولها الى باردة، إختلف الرفاق (الحلفاء) وإشتد السباق على الإختراق بين المخابرات الأمريكية CIA والمخابرات السوفيتية KJB، تمكنت فيه الأخيرة من الوصول والحصول على الوثائق السرية، المتعلقة بصناعة القنبلة الذرية عن طريق ثيودور هول، وكلاوس فوكس، وجوليوس وإيثيل روزنبرج، الأمر، مما ساعد العالِمين الكبيرين شولكين وكورجاتوف على الإسراع في تنفيذ البرنامج النووي وإجراء تجربة القنبلة الذرية في 29 آب 1949،التي أقلقت القيادة الأمريكية، لإعتقادها بأن الإتحاد السوفيتي لن يتمكن من القيام بالتجربة قبل 1953.
لقد تعاون معظم العلماء والعملاء الأمريكيين مع السوفيت لأسباب عقائدية مؤيدة للاشتراكية على خلاف الخونة والعملاء السوفيت، الذين تعاونوا مع المخابرات الأمريكية والبريطانية من أجل منافع مادية (نادرا ما ارتبطت الخيانة بالعداء للنظام السوفيتي). ويُعَد العميل أدولف تولكاجوف، وفانكا خيتري، وأوليك بنكوفسكي والجنرال دميتري بولياكوف من بين الأشخاص الخطرين في قائمة طويلة، ضمت العديد من خونة الوطن والحزب، والمتعاونين مع المخابرات الأمريكية، الذين ألحقوا الضرر الكبير بأمن وسلامة المؤسسات السوفيتية السرية .
ومن نماذج الاختراق، ما حصل في قاعدة سوكولوفكا الجوية الخاضعة لرقابة وحراسة مشددة. حيث منع على غير الساكنين فيها من الدخول اليها، وحُذر أفرادها من الاختلاط بالغرباء والأجانب. ومع ذلك، شهدت القاعدة أحد أخطر حوادث الاختراق بهرب الطيار، فيكتور بيلينكو في السادس من ايلول 1976 بأحدث الطائرات الحربية السوفيتية آنذاك (Mig 25) متخطيا وسائل الكشف بالتحليق على ارتفاع منخفض، ليحط بطائرته في اليابان، موجها بذلك، ضربة موجعة للمخابرات السوفيتية والخبراء بوضعه الطائرة أمام أعين وعقول الخبراء المختصين من اليابان وأمريكا ( لاحقا، سَلمَت اليابان الطائرة بعد تجزأتها ولجوء بيلينكو الى أمريكا ).
لا شك بأن نجاح الاختراق يعتمد على الإلمام بالأوضاع السياسية والاقتصادية والنفسية للخصم، والاستفادة مما يوفره التطور التكنولوجي ( أجهزة التنصت، كاميرات المراقبة السرية، الاقمار الصناعية، الدرونات التجسسية وغيرها )، وهذا ما أحَسن رجال الموساد فهمة جيدا، واعتمدوا عليه في العدوان على سوريا ولبنان وايران.
في سوريا، نفذ الكيان عمليات اغتيال ضباط وقادة في المقاومة اللبنانية، وقام طياريه بمئات الطلعات الجوية على المواقع السورية والإيرانية، مُعتمدين على المعلومات الاستخبارية الذاتية واختراق الداخل .
وكلما لم يَلقَ الرَد، واكتفى النظام بـ ”الصد”، كلما توسع وامتد، قصف المواقع واشتد، وتجاوز المُحتل الحَد، وسخَر من “سنرد في المكان والزمان المناسبين”، التي كان يرددها النظام بعد كل عدوان.
وفي لبنان، تمكنت أجهزة المخابرات الصهيونية من إحداث ثغرة خطيرة في جدار مناعة المقاومة الوطنية اللبنانية، برصد وتحديد أماكن سكن وتنقلات واتصالات القادة الميدانيين وتصفيتهم الواحد تلو الآخر دون ان تُتخذ للأسف، إجراءات حماية فورية بنقل أماكن السكن وتغيير روتينية التنقلات. ثم جاءت عملية البيجرات واغتيالات أهم قادة المقاومة، لتُحسَم بإغتيال قائد المقاومة بمكان تواجده، الذي ما كان علية اللجوء اليه في مثل هذا الوقت العصيب وخاصة، بعد استشهاد عدد من القادة المهمين.
أما بالنسبة لإيران، فإنها لم تكن مُحصّنة من الاختراق. فبعد اغتيال الجنرال سليماني في بغداد، توالت تصفية عدد من جنرالاتها وضباطها في سوريا، وفقدت عددا من كبار العلماء في الداخل، واستمرت الاغتيالات بعد انسحابها من سوريا، قبيل استلام الإرهابيين للسلطة، بدعم من أمريكا والصهيونية والرجعية العربية.
الدروس والعِبَر، بشكلٍ مُختصر :
- أبدت المقاومتان، الفلسطينية واللبنانية بسالة نادرة، رغم غدر وخيانة بعض الأنظمة العربية وسكوت البعض الأخر، وعدم مَد يَد العون لهما.
- كشفت الأحداث عن اختيار العدو نهج الاستفراد في عدوانه (غزة، ثم لبنان، وبعدها سوريا، وأخيرا إيران ) وكان احتمال تغيير النتيجة ممكنا في حال المشاركة الجماعية، لعدم قدرة العدو على القتال في اكثر من جبهة ” تأبى العِصيُّ اذا اتحدنَ تكسرا واذا إفترقن تكسَّرت أحادا “. ولو شارك الرئيس الهارب، بالجيش والسلاح السوري، الذي كان متوفرا، لكان أشرف من أن يُدمِّر هذا السلاح بدون قتال.
- لا يحق لأحد مطالبة المقاومة بتسليم السلاح لما يسمى“الدولة” اذا كان من يقود هذه الدولة، حفنة مُنَصَبة من قبل أمريكا والصهيونية وحثالات الخليج، الذين اتخذوا القرار السريع، بالإستسلام تحت مُسمى التطبيع .
- لا، ولن يتوقف النضال العادل في سبيل استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتحرير التراب اللبناني من الاحتلال، والتخلص من النظام الإرهابي في دمشق.
- عدم تحقيق النجاح، لا يعني رمي السلاح، وترك خيار الكفاح، وقبول ذل الإنبطاح، أمام القاتل السفاح، إنما يعني الإصرار، والعهد على الإستمرار، في طريق الأحرار، حتى يتحقق الإنتصار.
لا للإحباط واليأس، نعم للعزيمةِ والبأس.
موسكو/ 15.07.2025
#وسام_جواد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟