أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - سمير الأمير - حوار حول التعليم والثقافة مع العالم الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى في الشرق الأوسط















المزيد.....



حوار حول التعليم والثقافة مع العالم الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى في الشرق الأوسط


سمير الأمير

الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 16:47
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


(تم إجراء هذا الحوار بتاريخ: 23 يونيو 2021، للنشر في جريدة مصرية كبرى ولكني رفضت نشره بسبب إصرار رئيس التحرير آنذاك على حذف كل ما له علاقة بالسياسة وبالتعليم)

رائد زراعة الكلى فى الشرق الأوسط ومؤسس أهم مركز فى العالم لعلاج الفقراء مجانا
الدكتور محمد غنيم: غياب الأحزاب الليبرالية أو اليسارية عن الساحة السياسية يمهد لعودة التيارات المتاجرة بالدين

> إعادة العلاقات المصرية مع إفريقيا من أهم إنجازات السنوات الأخيرة وخصوصا بعد التخريب الذي أحدثه مؤتمر الإخوان "السرى العلنى"

> سعر تذكرة الكشف والعلاج والجراحات في مركز الكلى جنيه واحد.. ونرفض زيادته.. والتبرعات تأتينا دون إعلان أو استجداء

> التفاعل بين المدرس والطالب هو أساس التعليم الجيد.. و"موضة التابلت" لا وجود لها في أرقى دول العالم تعليما

> أبنائى تعلموا في مدارس حكومية.. والمدارس والجامعات الخاصة والدولية أدت إلى تعميق الطبقية فى المجتمع

> اطلعت على مناهج أحفادي فى مرحلة التعليم الأساسي.. وأدهشني أن معظم النصوص من تأليف موظفى الوزارة.. حتى شعر صلاح عبد الصبور تم حذفه من المناهج

> لا أجري جراحات منذ سنوات.. ولو فعلت ذلك لكان أكبر دليل علي فشلى.. فتلاميذي كثيرون وكلهم أفضل مني

> لم أسع أبدا لامتلاك فيلا في الساحل الشمالي وسيارتي الخاصة موديل 1999 واشتريتها مستعملة

> الجامعات بدون بحث علمى مجرد "مدارس ثانوي".. والاكتفاء بتدريس المناهج كالشرب من الماء الآسن

> أحب روايات ماركيز وأعمال الحكيم ومحفوظ وإدريس والمخزنجى والمنسى قنديل.. ولكن نجيب محفوظ له المكانة الأعظم عندي

> الطبيب الذى لايقرأ يظلم نفسه ويتصف بالقسوة مع مرضاه لأنه لايملك الحد الأدني من التعاطف الوجداني مع الناس

> شجعت الترسانة عندما كنت أقيم في القاهرة.. وتعصبت للمنصورة قبل انهيار فريقها.. وأشجع برشلونة الآن.. وأتمنى التوفيق لمحمد صلاح

> لا توجد لدينا فى المنصورة دور سينما.. وأشاهد ما أريده عبر "نتفيلكس" ولا أطيق الأفلام المصرية التي يتم إنتاجها حاليا

> كراهيتي للإخوان لا يمكن مراجعتها.. و"التصالح" معهم يخص أهالى شهداء الجيش والشرطة

أجرى الحوار:
محمد البرغوثى وسمير الأمير
تصوير: حسام الشابوري

أن تجلس إلى العالم الكبير الدكتور محمد غنيم فأنت في حضرة مهيبة، حضرة العلم والطب والريادة في زراعة الكلي، ومهابة الباحث الشغوف والأستاذ الجامعي المرموق والإداري شديد الصرامة.. ولكنك أيضا أمام "حكيم" رحيم بالمرضي الفقراء دون دعاية أو ادعاء أو مباهاة.. وأمام مواطن يمشي في الأسواق ، يقرأ الصحف ويطالع الروايات ويغشي دور السينما ويجلس مع جماهير كرة القدم في مدرجات الدرجة الثالثة ليشجع اللاعبين مرة ويشتمهم مرات.. وهاهو ـ بعد أن تجاوز عمره 82 عاما ـ مازال يتردد يوميا على مكتبه البسيط في مركز الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة، يتحدث مع زائريه، ويتابع أبحاثه الأساسية على حيوانات التجارب.. قابضا علي جمرة الشغف بالحياة وخائضا فى بحار المعرفة ومشتبكا مع تيارات السياسة ومزالقها الخطرة.
وأن تحاور رجلا علي هذا القدر من ثراء المعرفة والتجربة والمهارة المهنية الفائقة، والسيرة الإنسانية شديدة النبل والجمال، فلابد أنك ستغادره ـ مهما طال الحوار- وأنت أكثر عطشا للارتواء من هذا النبع الغزير، ولكنك حتما ستكتشف هذا السر الذي صنع من الدكتور غنيم ـ كما وصفه عن حق الأديب محمد المخزنجى ـ "بطلا شعبيا" في وجدان الفلاحين والمرضى الفقراء فى الوادى والدلتا.
وإلي نص الحوار:
> حدثنا أولا عن هذا الصرح المبهر..كيف تمت إقامته وما أحواله الآن؟
ـ كان هناك توفيق كبير في إقامة مركز الكلي والمسالك البولية في المنصورة سواء علي مستوي التصميم المعماري للمركز أو توريد أعمال الميكانيكا والكهرباء والأجهزة ـ وهي معقدة جدا في المستشفيات ـ ثم علي مستوي الإشراف الصارم والمحترف، وكل هذه الأعمال تمت بمنحة من دافع الضرائب الهولندي الذي تمثله هيئة المعونة الهولندية.. والمركز الذي أقيم جزؤه الأول قبل 40 عاما، وأقيم جزؤه الثاني منذ عشرين عاما، يضم أجهزة رفيعة المستوي تخضع لتجديد متواصل، ولا أتصور أن هناك ـ في العالم كله ـ مركزا لعلاج أمراض الكلي والمسالك البولية تحديدا، يفوق في تجهيزاته أو إمكاناته البشرية أو قدراتة العلاجية مركز الكلى والمسالك فى المنصورة.
> في العالم كله يادكتور؟
ـ نعم ، لايوجد مكان آخر في هذا التخصص يمتلك أكثر مما نملكه.. يمكن القول مثلا إن "مايوكلينك" بها أجهزة أكثر لكل التخصصات، ولكن في تخصص الكلى والمسالك البولية، لا أحد لديه للمسالك 140 سريرا، وللكلي 60 سريرا، و8 غرف عمليات، وقسم مختص للمعامل، وبيت لحيوانات التجارب تجري فيه الأبحاث العلمية الأساسية، إضافة إلى الأجهزة المتقدمة التي تخدم هذا التخصص فقط. وإجمالا أستطيع القول إن لدينا في مركز الكلى بالمنصورة إمكانات تؤهلنا لئلَّا نكون ثانيا لأحد، ليس في مصر فقط ، وإنما في العالم كله.
> أليس لديك أى خوف من أن يتراجع هذا المركز المهم لأى سبب من الأسباب؟
ـ العمل في مركز الكلى والمسالك البولية بالمنصورة ليس قائما علي شخص، فلدينا نظام مؤسسي معقول يضمن ليس فقط استمرارية هذا التميز لمركز الكلى، ولكن توافر إمكانية نهوض مراكز علاجية أخري مرموقة في كل جامعات مصر، إذا تم تغيير قانون الجامعات الفاسد والمفسد وفي حالة تغيير هذا القانون، أؤكد أننا لن نصبح ثانيا لأحد علي مستوي العالم كله.
> ماذا فى هذا القانون يمنعنا من شغل هذا المركز المتقدم الذى لانصبح فيه ثانيا لأحد، على حد قولك؟
ـ أولا، هذا القانون يسمح لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات بعدم التفرغ، والتفرغ وجوبا سمة أساسية من سمات أعضاء هيئة التدريس المنوط بهم مهام جسيمة، هي التعليم للطلبة ، والتعليم لما بعد مرحلة البكالوريوس، ثم إجراء البحث العلمي، أضف إلي كل ذلك علاج المرضي في حالة كليات المجموعة الطبية، وكل هذه المهمة لايمكن بل يستحيل تأديتها بكفاءة إلا بالتفرغ وجوبا.
ثانيا، يسمح هذا القانون ـ الفاسد والمفسد ـ لعضو هيئة التدريس بالجامعات، بأن يترك مكانه ويذهب إلي الخليج لمدة عشر سنوات وخلال هذه المدة يسمح له القانون بالترقي في سلم التعليم الجامعي، وهكذا يخرج الواحد من هؤلاء وهو علي درجة مدرس، ثم يعود إلي جامعته وهو علي درجة أستاذ، وهذا أمر لا مثيل له فى أن مكان بالعالم غير مصر.
> ألا يمكن تبرير الأحقية في الترقي بأن المدرس المعار إلي الخليج كان يعمل في جامعة أخري أو كلية تماثل الكلية التي غادرها؟
ـ لا طبعا، إن مهمته الأساسية هي التدريس للطلبة في الكلية التي تخرج فيها وعمل بها معيدا ثم مدرسا، وواصل فيها بحثه العلمي الذي يؤهله للترقي الموضوعي.
> وماذا عن المبعوثين إلي جامعات أرقى علميا فى الخارج؟
ـ الأمر هنا مختلف ، لأن هؤلاء خرجوا في بعثة تعليمية محددة لاكتساب معارف وقدرات ومهارات تعليمية وبحثية، ثم يعودون بعد فترة زمنية محددة، لوضع ما اكتسبوه في خدمة التعليم والبحث العلمي لطلاب هذا البلد وجامعاته.
ثالثا، من أخطر عيوب هذا القانون ـ الفاسد والمفسد ـ هو الترقية دون إعلان مفتوح، حيث تغيب تماما التنافسية في الترقي بسلك أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، ونظام الترقي المعمول به أقرب مايكون إلي نظام ترقي المعلمين في وزارة التربية والتعليم، حيث يتقدم الأعضاء بأبحاث للجان الترقي، أغلبها مترهل وضعيف ولايصلح لأن نطلق عليه مسمى بحث علمي.
رابعا، من أهم عيوب هذا القانون ، إلغاء وظيفة أستاذ الكرسى الذي يتم اختياره في كل كليات وجامعات العالم بدقة شديدة، عن طريق إعلان مفتوح واللجان المنوط بها اختيار أستاذ الكرسى في أى تخصص ، تضم بين أعضائها عضوا من خارج الجامعة تماما، ومن خارج القطر أو الولاية كلها، لضمان موضوعية الاختيار، وهذه اللجان تطرح علي العضو الذي تم اختياره من خارج القطر أسئلة عديدة من أهمها مثلا: لو تقدم هذا الأستاذ لشغل وظيفة أستاذ كرسى في بلدكم، هل تقبلونه؟.. ولماذا ؟.. ودولة عربية مثل السعودية تطبق هذا النظام الآن. والمعروف أن الوظيفة الأساسية لأستاذ الكرسي هي إقامة مدرسة علمية في تخصصه، وهذا الأستاذ يخضع في اختياره لمعايير صارمة، من بينها مثلا: كم ماجستير ودكتوراه حصل عليها، أثناء مشواره العلمي، وعدد ونوعية الأبحاث العلمية التي نشرها في دوريات علمية معتمدة وما كمية الأموال التى جلبها كمنحة للأقسام التي رأسها أثناء عمله. ورغم أن أستاذ الكرسي يتمتع بسلطة مطلقة فى مجاله، فهو أيضا يخضع للمساءلة أو التقييم الدورى من مجلس الأمناء .
خامسا ، لابد أن يكون لدينا مجلس أمناء للتعليم الجامعي، يمهد لاستقلالية الجامعات، أعرف أن الجامعات لاتعمل في فراغ وأعرف أنها نتاج مجتمعي، ولكن مجلس الأمناء الذي يضم شخصيات مرموقة علميا واجتماعيا واقتصاديا، سيضع الاستراتيجية العامة للجامعة، ويوجد لها المنح أو التمويل الكافي ، ويعتمد تعيين رؤساء الأقسام والعمداء .
> نحن لدينا المجلس الأعلي للجامعات، هل يختلف عن مجلس الأمناء الذي تتحدث عنه؟
ـ لايوجد فى أى مكان بالعالم مجلس أعلى للجامعات يشبه هذا المجلس الذي نعرفه لدينا، فرئيسه ـ كما نعرف ـ هو وزير التعليم العالي نفسه، وسلطته وأوامره وتوجهاته نافذة على الجميع، بما يلغي فكرة استقلالية التعليم والبحث العلمي بالجامعات من أساسها.. ولم يعد مقبولا أبدا أن نترك التعليم عرضة لتغيير الوزير كل فترة ، ومجلس أمناء التعليم الذي أطالب به لايستبعد وزير التعليم الأساسي ولا وزير التعليم العالي من عضويته، فوجودهما مهم علي الأقل لمعرفة مايدور من مناقشات واقتراحات، ولكن لاينبغي إطلاقا أن يكون لأى منهما أى دور في اختيار أعضاء أو رئيس مجلس الأمناء.. ودورهما الدائم والمستقر هو تطبيق إستراتيجية التعليم التي يضعها المجلس.
> هل هناك شروط أخرى لإصلاح التعليم والبحث العلمى أو لتخليص قانون الجامعات من عيوبه؟
ـ نعم، هناك شرط أساسي لتحقيق نهضة تعليمية، هي حجر الأساس في أى تقدم أو تنمية وهي إجزال العطاء المادي للمعلمين ولأعضاء هيئات التدريس بالجامعات.. ومنحهم معاشا يليق بالمهمة المقدسة التي يضطلعون بها إلى جانب إعادة النظر تماما في إحالة الأساتذة والكفاءات العلمية إلي التقاعد.. فليس معقولا أبدا أن أقول للدكتور مجدي يعقوب مع السلامة أو اتفضل اقعد في بيتك، بعد بلوغه سن 65، فالولايات المتحدة الأمريكية ابتكرت وظيفة "الأستاذ المرموق" خصيصا للحفاظ علي ثروتها العقلية، وكان الدكتور أحمد زويل قبل وفاته قد وصل الي السن القانونية للتقاعد ولكنهم منحوه درجة ومكانة الأستاذ المرموق لكى يواصل أبحاثه ويرعى أجيالا جديدة في مدرسته العلمية المرموقة.
أما المشكلة الأخطر من كل هذا في التعليم كله سواء الأساسي أو الجامعي، فهي جرثومة تأسيس وتأكيد التفاوت الطبقي الكارثي في مجتمعنا، ولنا أن نتخيل طالبين حصلا في الثانوية العامة علي المجموع المؤهل للالتحاق بكلية الطب في المنصورة، أحدهما يملك المال والثاني لايملكه، وتحت نفس المظلة يحصل كل منهما علي تعليم مختلف ، إنه أمر سقيم، لأن من يقوم بتدريس البرامج الخاصة في الكليات الحكومية هم أنفسهم أعضاء هيئة التدريس لعموم الطلبة، ولكن اهتمامهم بالطلبة العاديين يكون دائما أقل، بسبب سطوة المال وعدم التفرغ.. وهذا النهج المريض امتد إلي كل الجامعات، وتلك مصيبة خطيرة تضاف إلى مصيبة الجامعات الخاصة والأهلية وتلك المسماة بالدولية، مثل الألمانية والبريطانية والكندية، والمؤكد أن هذه الجامعات ليست دولية علي الإطلاق، لأن من يقومون بالتدريس فيها هم أنفسهم أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الحكومية مثل القاهرة وعين شمس، وحتي تدريب طلبة المجموعة الطبية يتم بالتعاقد مع الجامعات العامة فى مستشفيات كليات الطب بها، ومستشفيات جامعة عين شمس مثلا لديها تعاقد مع 4 جامعات خاصة لتدريب طلبة الطب.. والمعنى أن المحتوى التعليمى واحد، ولكنه يتاح باهتمام أكثر لمن يملكون المال.
> ولكن البعض يرى أن هذه الجامعات الخاصة والدولية ـ رغم كل السلبيات ـ أتاحت تعليما أفضل؟
ـ هذا غير صحيح ، لأن هذه الجامعات تهتم فقط بالكليات التي تحقق لها دخلا كبيرا وتبتعد تماما عن أهم كليتين في أى جامعة بالعالم، وهما كلية العلوم التي تعد المصدر الأساسي للتقدم العلمي والمعرفي في العالم كله وكلية الآداب التي تخدم الوجدان.
> بغض النظر عن كل هذا، هل أتيح لديك الوقت للاطلاع علي المناهج والمواد التي يتعلمها الطلاب في كليات المجموعة الطبية حاليا؟
ـ أيا كانت المناهج وأيا كان محتواها، فإن الهدف الأساسي من التعليم الجامعي هو إيحاء المعرفة والتفكير النقدي والبحث العلمي ، وبغير تحقيق هذه الأهداف تتحول الجامعة سواء كانت حكومية أو دولية أو أهلية إلي مدرسة ثانوي، وقديما ذهب المفكر المعروف أحمد لطفي السيد إلي جامعة فؤاد الأول ( القاهرة الآن)، وكان رئيسها، فلم يجد أعضاء هيئة التدريس وأخبروه أن الطلبة انصرفوا في مظاهرة فانصرف الأساتذة إلي بيوتهم ، فقال لهم: الجامعات ليست للتدريس ولكن مهمتها الأساسية هي البحث العلمي، وعالم الذرة الإيطالي إنريكو فيرمي .. الحاصل علي نوبل في الفيزياء، يقول: "التدريس في الجامعات دون البحث العلمي، كالشرب من الماء الآسن".
> وما الحل لإصلاح حالة التعليم بشكل جذري ؟ وكيف ترى محاولات تطوير التعليم الأساسى التى يقوم بها الدكتور طارق شوقي ؟
ـ باختصار شديد، أنا ضد كل مايقوم به وزير التربية والتعليم، وأشعر بالحسرة إذ أرى خريجي كليات العلوم والآداب عاطلين عن العمل، والاعتماد في التدريس علي خريجي كليات التربية التي أطالب بإلغائها ، لأنها بلا أى قيمة وقبل كل شىء لابد من تخصيص موازنات ضخمة جدا للإنفاق علي التعليم، وإجزال العطاء للمعلمين في التعليم الأساسى، وبناء آلاف المدارس بحيث لايزيد عدد التلاميذ في الفصل الدراسي على 25 تلميذا، ولابد من عودة التلاميذ إلي المدارس، وإعادة التفاعل اليومي المباشر بين المدرسين والتلاميذ وبين التلميذ وزملائه، لأن هذا التفاعل سيؤدي فورا إلي اكتشاف مواهب التلاميذ وتنميتها.. وهو الأمر الذي يستحيل تحقيقه مع "موضة" التعليم عن بعد وموضوع "التابلت" الذي أصبح شغلنا الشاغل وهو مجرد وسيلة ثانوية من وسائل التعليم في أرقي دول العالم.
> وماذا عن المحتوى التعليمي يادكتور .. هناك إصرار شديد علي أننا تقدمنا كثيرا في تطوير المناهج.. ما تقييمك لهذا التطوير؟
ـ من يريد أن يقيم محتوى التعليم، عليه أن يذهب إلى مدرسة "ميت بدر خميس" في الدقهلية مثلا، أو أى مدرسة ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية في أية قرية مصرية، وسوف يكتشف فورا حقيقة حالة التعليم في مصر الآن، أما التقييم القائم علي زيارة مدرسة دولية في مصر الجديدة، فهو أمر لايخصنا علي الإطلاق، بل هو نتاج الاستقطاب الطبقي الكارثي الذي امتد الي المنبع، وأول طوبة في إعادة بناء التعليم والبحث العلمي في بلدنا، ينبغي أن تكون كالتالي: تعليم موحد ومجاني تماما للجميع علي الأقل في مرحلة التعليم الأساسى.
اما عن المناهج التي ينبغي تدريسها، فحتى الآن لم نعثر علي مناهج تضارع مناهج التعليم الأساسي في أربعينيات وبداية خمسينيات القرن الماضي.. وتلك هي المناهج التي تعلمتها وكانت سببا فيما أنا عليه الآن ، وهي أيضا المناهج التي تعلمها قبلي مجدي يعقوب ونجيب محفوظ، وتعلمها بعدي أحمد زويل. وإذا كنا عجزنا حتى الآن عن وضع استراتيجية تعليم لايجرؤ الوزير ولا رئيس الجمهورية علي تغييرها، فلا بأس أن نعود إلي مناهج الأربعينيات فهى أفضل كثيرا مما هو قائم الآن.
> أين تعلم أبناؤك يادكتور؟
ـ ابني وابنتي تعلما في مدارس الحكومة.
> لماذا لم يلتحقا بكلية الطب ليرث أحدهما مجدك أو علمك؟
ـ ابني تخرج فى الهندسة ـ قسم اتصالات ـ وابنتي تخرجت من قسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب.. لأنها لم تحصل في الثانوية العامة على مجموع كليات القمة.. ولم يحدث أبدا أن تدخلت في اختيارات أحدٍ منهما.. ومن البدء كان قراري ألا أساعد أيا منهما في الحصول على أكثر من حقه!.
> لنعود إلى "مركز الكلى".. هذا الصرح العلاجي والبحثي العملاق، الذي يقدم أرقى خدمة علاجية مجانية تماما للفقراء .. ألم يتعرض لبعض الظواهر السلبية التي تثير مخاوفك على مستقبله؟
ـ الإدارة في المركز تغيرت كثيرا خلال العقدين الأخيرين، ورغم تباين الأشخاص، فقد ظلت الإدارة ممتازة في العموم، ولكن الضغوط الاقتصادية على أعضاء هيئة التدريس في المركز وعلى التمريض والفنيين والإداريين، تسببت في بعض الأمور التي تثير مخاوفي، فقد كان العمل فى المركز يشترط التفرغ الكامل لأعضاء هيئة التدريس ولكل العاملين به أيضا ، ولم يكن مسموحا أبدا لأى طبيب أو أستاذ بالمركز أن يفتتح عيادة خاصة، وبدءا من عام 2005 تقريبا ، بدأت الأمور في التغير بسبب الظروف الاقتصادية الضاغطة، فقد افتتح أساتذة مركز الكلى عيادات خاصة، ولم يعد لدينا متفرغون في قسم المسالك ، باستثناء المعيدين والمدرسين الذين يلزمهم قانون الجامعات بالتفرغ لمدة 3 سنوات بعد الحصول على الدكتوراه ، والأهم من ذلك أن بعض الذين اخترقوا ماراثون الثانوية العامة بكل مساوئه، واجتازوا كليات الطب بتفوق رغم كل مساوئها ، والتحقوا بمركز الكلى والمسالك البولية، تركوا المركز وهاجروا إلى الخليج، وهناك من هاجروا إلى أستراليا ونيوزيلاندا وبعض الدول الأوروبية، ولهذا كله لايوجد بديل لإنقاذ هذا الصرح، ولإنقاذ التعليم والبحث العلمي من حالة التردي التي يعيشها، غير إنشاء "مفوضية عليا للتعليم"، تضع إستراتيجية عامة لايجرؤ كائن من كان على اللعب فيها أو تغييرها، لأنه لم يعد مقبولا أبدا أن يأتي وزير ليلغي امتحان التعبير في اللغة العربية والانجليزية، ويلغي الأسئلة المقالية تماما، ثم يسمي ذلك تطويرا وكأن التطوير هو إلغاء القدرة علي التعبير، هذه كارثة وليست تطويرًا.
> هل اطلعت على محتوى مناهج اللغة العربية أو الانجليزية فى مرحلة التعليم الأساسى؟
ـ طبعا اطلعت عليها، بحكم ان لدي أحفادا فى هذه المرحلة، وأدهشني جدا أن معظم النصوص من تأليف الموجهين في التربية والتعليم، حتي شعر صلاح عبد الصبور تم حذفه من المناهج.. كنا في الأربعينيات ندرس نصوصا لأحمد شوقي والمتنبى ، ونقرأ روايات نجيب محفوظ وندرس "الشيخان" و"الفتنة الكبرى" لطه حسين.. الآن أحفادي لا يعرفون شيئا عن كل هذه الأمور، ويدرسون نصوص يكتبها القائمون علي العملية التعليمية المنهارة أساسا. ثم تعالوا نراجع مالدينا من مناهج في العلوم والرياضيات بما لدى الآخرين، وتكفي دقيقة واحدة من البحث على "جوجل" عن شركات النانو فى إسرائيل ـ وأقول شركات وليس كليات أو جامعات ـ لنعرف أين نحن.. وما الذي خسرناه بسبب إهمال التعليم والمعرفة والبحث العلمى؟!.
> بما أنك طبيب أولا.. هل أنت راض عن مخرجات التعليم في كليات الطب في مصر.. وإلى أى حد يمكن الاعتماد عليها في صيانة صحة الشعب؟
ـ لدينا نوعان من البحث الطبي.. النوع الأول هو البحث الطبي الإكلنيكي الذي نمارسه هنا وأعتقد أننا تقدمنا فيه كثيراً.. وهناك البحث العلمي الأساسي الذي يؤدي إلى تطوير الطب، ومجاله ليس كليات الطب، ولكن كليات العلوم، وأعتقد أن عدم الاهتمام بالعلوم الأساسية هو سبب تخلفنا في هذا المجال.. والاهتمام بالعلوم الأساسية والبحث العلمي ظهر كأوضح ما يكون في جائحة «الكورونا» التي تم إعلانها في بداية 2020، وخلال أسبوعين فقط تم التعرف علي «الجينوم» الخاص بهذا الفيروس، وفي مايو تم التوصل إلي صناعة المصل الأول، وبعد أقل من 9 أشهر بدأوا في تطعيم البشر، أضف إلي ذلك أنهم طوروا الأمصال من الشكل القديم إلى شكل جديد تماما، فبدلا من صناعة مصل من «الجرثومة» بعد إضعافها، تم تطوير أمصال من جزئيات محددة من الفيروس بعد التعرف علي الجينوم الخاص به.. وهذا تطور مذهل، يعود الفضل فيه إلى الباحثين في العلوم الأساسية وليس إلي الأطباء.
والخلاصة أن البحوث الإكلينيكية في مصر يمكن وصفها بأنها جيدة، ولكن البحوث الأساسية ضعيفة لأن هناك من يظنون أن مردودها الاقتصادي منخفض، بالقياس إلي الأموال الطائلة التي تنفق عليها، وتلك نظرة قصيرة وسقيمة، ويكفي أن نعلم أن «الحبة الزرقاء» مثلا، أفاءت علي شركة فايزر من المكاسب ما يقترب مما أعطته قناة السويس لمصر.. وأن المصل الذي أنتجته فايزر لـ «كورونا» باع حتي الآن أكثر من 22 مليار دولار.. وهو ما يعني أن تطوير منتج واحد يعوض كل ما تنفقه علي البحث العلمي الأساسي، ويحقق مردودا ماليا طائلا.
> هل تتابع مخاوف البعض من التطعيم بهذه الأمصال؟
نعم أتابعها.. وأدعو الجميع إلي نبذ هذه المخاوف، وأتعجب جدا من هذا الخوف غير المبرر، وكثيرا ما أسأل الخائفين: هل أخذتم تطعيمات وأنتم أطفال.. وهل طعمتم أطفالكم بالأمصال المعروفة منذ عشرات السنين؟.. لماذا إذن ترفضون أمصال فيروس كورونا؟.
> المخاوف ربما جاءت من سرعة الوصول إلي الأمصال؟
هذا طبيعي جدا، لأن تراكم المعارف اليوم يختلف عما كان عليه عام 1950.. وأقسام الأبحاث العلمية في الجامعات المتقدمة، وحتى شركات الأبحاث العملاقة أصبحت أكثر كفاءة وأكثر سرعة في إتاحة أمصال الأوبئة في وقت قياسي.
> من خلال متابعتك للحالة العقلية والبحثية في جامعات مصر.. هل لدينا الآن كفاءات طبية أو علمية تضارع مجدي يعقوب وزويل وغنيم؟!
مؤكد لدينا مواهب فذة في كل المجالات، ولدينا تفرد علمي وفكري، ولكن ما ينقصنا هو توظيف هذه الكفاءات في مناخ صحي، وأنا مؤمن إلى حد ما بدور الفرد في التاريخ، ولكن المجتمع النابه هو الذي يتنبه لهذا الفرد ويحوله إلي دور مؤسسي، وإلي لوائح ونظم، والدكتور مجدي يعقوب مثلا أقام مركزا مرموقا لعلاج القلب في أسوان، ونحن أقمنا هنا مركز الكلى الذي زاره معظم رؤساء وزراء مصر، وكل منهم أبدى اندهاشه وإعجابه الشديد بما حققناه، وكان سؤالهم الدائم: كيف فعلتم ذلك؟.. وقلنا لهم جميعا إن ما فعلناه هنا يمكن تكراره في كل محافظات وجامعات مصر، بشرط أن يتحول من مبادرة شخصية إلي نظام مؤسسي. وإذا لم تستطع أن تعممه، إفعل مثلما فعلت الهند، عندما أقامت بعض المراكز العلمية المتقدمة ووضعت لها لوائح مستقلة، قادت الهند إلي ثورة تكنولوجية وعلمية في مجالات عديدة.. ونحن لدينا هنا في المنصورة مراكز طبية مرموقة تم تأسيسها بعد مركز الكلى، ولا تحتاج إلي أكثر من نسف قانون الجامعات وتغييره جذريا حتي نوفر المناخ الملائم لآلاف العقول البحثية الممتازة.
> في ظل هذا كله.. أليس هناك أشياء جيدة في مجالي التعليم والصحة.. حدثت في السنوات الأخيرة؟
بالطبع هناك إنجازات ممتازة، فمثلا مشروع تطوير الريف المصري الذي يشمل تطهير وتبطين الترع والمصارف وإقامة محطات مياه شرب وصرف صحي ومجمعات للحرف التراثية.. يهتم أيضا وأساسا بإقامة مدارس جديدة في الريف المصري ورفع كفاءة وترميم مدارس الريف القديمة، ولهذا أعتبر هذا المشروع انجازا كبيرا، وهناك أيضا المبادرات الصحية الممتازة، وأهمها مبادرة القضاء علي فيروس C، وتلك مبادرات تستحق الإشادة، لأنها شديدة الأهمية من كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وقد ظهرت الآثار الاقتصادية لها، وخصوصا مبادرة القضاء علي فيروس C، وبدأنا نلمس نتائجها المدهشة في كل مستشفيات جامعة المنصورة وفي مركز الكلى.
> بمناسبة الريف المصري.. هل كان لك دور في تصميم هذا «اللاندسكيب» الرائع الذي يحتضن مركز الكلى من كل الاتجاهات؟
للأمانة، كان الهولنديون هم أصحاب القرار في تصميم المركز وتصميم حدائقه، وبالطبع كان بداخلي ميل طبيعي إلي عشق المساحات الخضراء كثيقة الظل، علي الأقل بحكم أن والدي كان عالما زراعيا، وكان عميدا لكلية الزراعة بجامعة القاهرة، وقد لاحظنا أن المرضى المترددين والمقيمين في مركز الكلى يشعرون بارتياح شديد بمجرد وجودهم في مبني يطل من جميع الجهات علي مساحات خضراء وأشجار مزهرة، وقد انتقل هذا الاهتمام من الجيل الأول الذي عاصر إنشاء المركز إلي كل الأجيال اللاحقة.
هل مازال سعر تذكرة الكشف والعلاج في مركز الكلي جنيها واحدا حتى الآن؟
طبعا، وعندما يسألني أحد لماذا لا ترفعون سعر التذكرة، أو لماذا لا تفرضون رسوما على زيارة الأهالي لمرضاهم.. أسأله بدوري: ولماذا نرفع الأسعار؟.. لقد أفاء الله علينا بتبرعات دائمة ومعقولة دون إعلان أو استجداء.. وحتي الآن لا يوجد مكان واحد يزرع الكلي في مصر غير مركز المنصورة، ولا يوجد مريض فقير دفع أكثر من جنيه واحد مهما بلغت تكلفة علاجه.. والمهم أن أهالي المرضى التزموا طيلة السنوات الماضية بالنظام الصارم للمركز، لسبب شديد البساطة، هو أنهم وثقوا تماما في أن مريضهم يحصل مجانا علي نفس الخدمة التي يحصل عليها أغنى أغنياء العالم.
> هل مازلت تعمل بنفسك في إجراء جراحات أو تشخيص حالات أو علاج المرضى؟
ولماذا أشتغل بيدي وقد تخطيت الثمانين من عمري؟.. هذا معناه أنني فشلت في تكوين مدرسة علمية، والحقيقة أنني عبر مشواري في هذا المركز علمتُ كثيرين أصبحوا أفضل مني، وعملي الذي انقطعتُ له منذ سنوات يتركز في الأبحاث الأساسية على حيوانات التجارب.
> من العلم والتعليم والصحة.. إلى السياسة.. ما هو تقييمك للحالة السياسية العامة في مصر الآن؟
أنا لست راضيا عن الحالة السياسية، خصوصًا في ظل الإصرار على إجراء الانتخابات بالقوائم المطلقة المغلقة، وهذه الانتخابات أدت إلي مزيد من إضعاف الأحزاب، ومزيد من سيطرة أصحاب الأموال على مقاعد البرلمان، وعندما أسمع من يتحدث عن أن لدينا أكثر من مائة حزب غير "مستقبل وطن".. أشعر فورا أن الأمر ينطوي على مغالطة كبيرة.. لأن هذه الأحزاب لا وجود لها في الحقيقة لأسباب عديدة نعرفها جيدا، وغياب الأحزاب الليبرالية أو اليسارية عن الساحة السياسية ليس له غير نتيجة مؤكدة تتلخص في تمهيد الساحة مرة أخري لعودة التيارات المتاجرة بالدين.. ثم زيادة الاستقطاب الطبقي في المجتمع. وما أود أن أقوله هنا هو أن الرأي الآخر أهم ضمانة للاستقرار السياسي.. وأن غياب هذا الرأي مع الاستقطاب الطبقي يهددان السلم الاجتماعي، الأمر الأكثر أهمية هو إعادة النظر في أولويات التنمية، فالتعليم والبحث العلمي والصحة هى أهم شروط التنمية الحقيقية والمستدامة، ولابد من إتاحة تعليم موحد ورعاية صحية موحدة لكل طبقات المجتمع.. وإذا كان لابد من أن يكون الإنتاج رأسماليا، فإن توزيع الناتج ينبغي أن يكون اشتراكيا، وهذا هو ما تفعله النظم السياسية الرأسمالية في دول غرب أوروبا، ففي السويد مثلا كل البنوك تعمل بشروط رأسمالية، لكنها تمنح لكل خريج - إذا أراد - سلفة ميسرة جدا حتي يتمكن من شراء بيت يبدأ فيه حياته، ولا يعيش طيلة حياته في شقاء دائم لمجرد أن يمتلك بيتا متواضعا يعيش فيه.. والخريج الذي يحصل على القرض مطالب بتسديد الأصل فقط، أما الفوائد فتدفعها الحكومة السويدية عنه.
> كيف تتابع النشاط الرئاسي والدبلوماسي المصري في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة الماضية؟ وما هي توقعاتك بشأن قضية سد النهضة الإثيوبي؟
لا أستطيع أن أقطع برأي حاسم في قضايا لا تتوافر عنها معلومات وافية، وفي حدود علمي أستطيع أن أقول فقط إن إعادة العلاقات مع دول إفريقيا هو من أفضل ما حدث خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد الدور التخريبي الذي تسبب فيه مؤتمر الرئيس محمد مرسي "السري العلني" عن سد النهضة، كما أستطيع القول - في حدود علمي أيضا - إن الدور الأمريكي لا يمكن الوثوق به ثقة مطلقة.. أما عن تداعيات الأمور فلا يمكن أن أقطع فيها برأي، لأن المعلومات المتوافرة لا تتيح لي ذلك، لكنني في كل الأحوال أتمني ألا يصل بنا التعنت الإثيوبي إلي اتخاذ قرار بالحرب .
> كيف تتعامل مع الآراء التي تتواتر بين فترة وأخري، عن إمكان التصالح مع تنظيم الإخوان؟
أنا لا أثق إطلاقا في هذا التنظيم.. وكراهيتي للإخوان كتنظيم لا يمكن مراجعتها بسبب معرفتي الوثيقة بتاريخهم الدموي، واعتمادهم في كل أمورهم علي مبدأ "التقية" الذي يتنافي تماما مع أبسط قواعد العمل السياسي العلني.. ومنذ اللحظة التي تشكل فيها هذا التنظيم على أيدي الاحتلال الانجليزي، وكل ما فعلوه كان خصما من الرصيد الوطني والسياسي لهذا البلد، أما عن التصالح معهم فهو لم يعد شأنا يخص تيارا سياسيا، كما أنه لا يخص حتي الحكومة أيا كانت، لكنه يخص أهالي شهداء الجيش والشرطة الذين فقدوا حياتهم على أيدي هذا التنظيم، لكنني بعد ذلك كله أود التأكيد على أن المناخ السياسي القائم حاليا، هو تربة مناسبة جدا لعودة هذا التنظيم مرة أخري إلى المشهد السياسي بسبب الإقصاء المستمر للتيارات الليبرالية واليسارية، ويكفي أن نعلم أن "الإخوان" خاضوا الانتخابات البرلمانية في ظل حكومة حسين سري باشا عام 1949، ولم يحصلوا إلا على 11 مقعدا من أصل 190 مقعدًا، لأن كل التيارات السياسية كانت موجودة وتعمل بحرية كاملة، كان هناك "الوفد، والأحرار الدستوريون، ومصر الفتاة، والاشتراكيون، والشيوعيون"، في ظل هذا التعدد، وبرغم وجود الإخوان في كل قرية ونجع آنذاك، كان هذا هو وزنهم الحقيقي في الحياة السياسية، والذي حدث بعد ذلك أنهم حرضوا مجلس قيادة ثور 1952 على حل كل الأحزاب السياسية، وتجميد نشاطها، وبرغم ذلك حاولوا اغتيال عبدالناصر، ثم جاء السادات واعتمد عليهم في إقصاء التيارات اليسارية فاغتالوه في النهاية.. ومنحهم مبارك مجالا واسعا للعمل فكوَّنوا من وراء ظهره امبراطورية اقتصادية هائلة، ثم انقلبوا عليه وطعنوه في ظهره.. وبعد ثورة 25 يناير 2011 تحالفوا مع المجلس العسكري ضد الجميع ثم انقلبوا علي المجلس العسكري وانفردوا تماما بالسلطة، ثم جاءت ثورة 30 يونيو وحررت البلد منهم، ولا أرى حلا ناجعا لتجنيب البلد ويلات عودتهم غير فتح المجال السياسي لكل التيارات الليبرالية واليسارية وتجريم أي نشاط سياسي تحت عباءة الدين وتطوير مناهج التعليم لتزويد كل المواطنين بالقدرة علي التفكير النقدي واتساع المعارف، حتي لا نظل نهبًا لخداع هذه التيارات المتاجرة بالدين.
> لننتقل إلى المنصورة.. أنت من مواليد القاهرة وخريج طب القاهرة.. لماذا قررت الإقامة الدائمة في مدينة إقليمية بقلب الدلتا ولم تسع أبدا للعودة إلي العاصمة؟
لقد تم تعييني معيدا في طب المنصورة عام 1965، لكني حصلت على الدكتوراه عام 1967 من طب القاهرة ثم عدت إلى المنصورة.. ومن الوهلة الأولى وقعت في غرام هذه المدينة، أحببتها وأحببت ناسها، وأحبوني، وإلى الآن لا أحتمل الإقامة أو العيش في أي مكان خارجها، وعندما أسافر إلي القاهرة أو الإسكندرية أشعر بحالة "هرش" وكأنني مصاب بالجرب، وهناك أيضا مكان بالغردقة، فاتن وبسيط ورخيص جدا لا أفارق المنصورة إلا إليه، حيث أمارس رياضة الغوص والتصوير تحت الماء.
> هل مازلت "مهووسًا" - كما يقال - بتشجيع مباريات كرة القدم مع جماهير الدرجة الثالثة؟
طبعا ، لكن الأمر اختلف قليلا بعد خروج نادي المنصورة من الدوري الممتاز.. والحقيقة أنني شديد المحلية في انتمائي الكروي، فعندما كنت أعيش مع أهلي في "الدقي" كنت أشجع الترسانة، وكنا نذهب مشيا إلى نادي الترسانة لنتفرج على الحاج "الشيوى" وهو يدرب مصطفى رياض والشاذلي، وكنت متعصبا جدا للترسانة، وبعد ذلك انتقلت إلى المنصورة فشجعت فريقها في عصره الذهبي، وكان وجودي مع الجماهير في مدرجات الدرجة الثالثة من أمتع لحظات حياتي، ومازال لدى أصدقاء من هؤلاء الجماهير، والمدهش أنهم احترموا وقدروا طريقتي في إدارة مركز الكلى، فلم يرهقوني بطلبات تتنافى مع الشروط الصارمة التي وضعناها.. فالوساطة مرفوضة تماما، لأنه لا يوجد مريض أهم من مريض آخر.
> ألم يحدث أبدا أن تمتع مريض برعاية مميزة لأنه صاحب نفوذ أو من الأثرياء أو صديق لك ؟
ـ أعتقد أن هذا من المستحيلات في مركز الكلى بالمنصورة، لأنه لا توجد لدينا غرف للفقراء أو عباد الله المهمشين، وغرف أخرى لأصحاب النفوذ أو المشاهير، ولو جاء هنا أغني أغنياء العالم فلن يجد لدينا "سويت" ولن نسمح له بوجود مقيم دائم معه، ولكنه سيحصل على الخدمة ذاتها والغرفة ذاتها التى تتاح لأفقر مريض .. وكلاهما ـ الغني والفقير ـ يحصلان على أفضل رعاية وعلاج وطعام ومعاملة إنسانية.. وربما لهذه الأسباب يندر أن تجد خليجيين أثرياء في مركز الكلى بالمنصورة، لأنهم يريدون أجنحة ومقيمين معهم، ولكن ستجد أكثر المترددين العرب علي المركز من السودان وليبيا.
> نعرف أنك محب للفنون عموما.. وقارئ مهتم بالتاريخ والاقتصاد والأدب.. ما الذي استفدته من القراءة في غير تخصصك؟
ـ المعرفة تنقسم إلي مجالين كل منهما يغذي الآخر، المجال الأول هو التخصص، وهو في حالتي طب الكلى والمسالك البولية، ومعرفة التخصص رأسية، والمجال الثاني هو المعرفة العامة الأفقية التي تتحقق بالقراءة في العلوم الإنسانية والأدب .. ولا أنكر أبدا أن المعرفة الأفقية هي التي قادتني إلى التميز في تخصصي الضيق (إن كنتم تعتبرونني متميزا).
> وما رأيك في الطبيب الذي لا يقرأ إطلاقا .. و إن قرأ ففي تخصصه فقط ؟
ـ الحقيقة أنه يظلم نفسه، ويظلم مرضاه.. وبعضهم يتصف بالقسوة المفرطة مع المرضي وخصوصا في الجانب المادي، لأنه لا يملك الحد الأدني المطلوب من التعاطف الوجداني مع حالة الناس الاقتصادية.. وهو يفعل ذلك دون أي إحساس بالذنب، لأنه حرم نفسه من متعة ترقية الوجدان ورحابة العقل.
> من هم أكثر الأدباء العالميين تأثيرا في وجدانك؟
ـ أعتقد جابريل جارثيا ماركيز والأديب البرتغالي جوزيه ساراماجو.
> ومن العرب ؟
ـ توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس.
> هل يعجبك أحد من الأدباء الأحياء؟
ـ المنسي قنديل، ومحمد المخزنجي وخصوصا في قصصه القصيرة ، ولكن يظل الأديب الذي ترك بداخلي إعجابا وتأثيرا كبيرين هو نجيب محفوظ، وبالذات رواياته الاجتماعية التي أعقبت المرحلة التاريخية، مثل الثلاثية والشحاذ والطريق وثرثرة فوق النيل وميرامار وصولا إلي أصداء السيرة الذاتية وأحلام فترة النقاهة.
> الدكتور محمد المخزنجي في كتابه عنك اختار له عنوان "السعادة في مكان آخر" ... هل تشعر أنك لامست هذا الإحساس المستقر بالسعادة فعلا ؟
ـ أعتقد ذلك .. وإحساسي بالسعادة نابع أساسا من فكرة "الإنجاز".. فقد أنجزت شيئا له شكل ومضمون، وكنت محظوظا إلى حد كبير، وساعدتني الظروف علي زيارة كل بلدان العالم، وعلى الوصول إلى مكانة أستاذ جامعي وهى أرقى مكانة يمكن أن يصل إليها إنسان في السلك الجامعي، وأتناول نفس الطعام الذي يتناوله أغنى أغنياء العالم، والجبهة الداخلية ـ يقصد زوجته ـ آمنة جدا ، وألبس ملابس جيدة ونظيفة، وأذهب إلي الغردقة لممارسة هوايتي في الغطس تحت الماء والتصوير مرتين في السنة، وصحتي معقولة بالقياس إلي سني ـ 82 سنة ـ وعندي أصدقاء أحبهم ويجبونني.
> ألم تندم في أي مرحلة من حياتك لأنك لم تفتتح عيادة تحقق لك دخلا ماديا كبيرا ؟
ـ أبدا، ولو عادت بي الأيام إلى الوراء فسوف أمضي في الطريق ذاته.. وقد عودت نفسي على أن تكون احتياجاتي المادية مناسبة جدا لدخلي، فأنا لم أتمن أبدا اقتناء سيارة مرسيدس حديثة، ولم أسع أبدا لامتلاك فيلا في الساحل الشمالي.
> ما هى نوعية السيارة التي تمتلكها ؟
ـ أمتلك سيارتين، واحدة مرسيدس موديل 1999 اشتريتها مستعملة، وأخري بولو موديل 2000 كانت تملكها ابنتي ثم تركتها لي بعد زواجها.
> ومن تشجع من الأندية بعد انهيار فريق المنصورة؟
ـ أشجع برشلونة فقط، أما الأندية الوطنية فلم أعد مهتما بها ، وسيان عندي الأهلي والزمالك، لأن المغالاة والمضاربة في أسعار اللاعبين أدت إلى تخريب الأندية الإقليمية الفقيرة.. وظني أن كرة القدم في مصر تدهورت تماما.
> ومن تشجع إذا لعب برشلونة ضد ليفربول؟
ـ أشجع برشلونة طبعا وأتمني فوزه.. ولكن في الوقت نفسه أتمني أن يحرز محمد صلاح هدفا وأن يكون أداؤه ممتازا.
> هل مازلت تفضل قضاء وقت فراغك مع أصدقائك اليساريين في المنصورة؟
ـ لدي أصدقاء من كل ألوان الطيف السياسي باستثناء الجماعات المتاجرة بالدين طبعا.. ولكنني لم أعد أطيق التناحر الشديد وتبادل الاتهام الدائم بين كل التيارات اليسارية، وأنا أتصور أن حزبا يساريا يضم عضوين فقط، سوف ينقسم إلى حزبين في أول نقاش بينهما، وهذا أمر محير جدا بالنسبة لي.
> هل مازلت تذهب إلى السينما بانتظام؟
ـ لم يعد لدينا في المنصورة دور سينما بعد هدمها.. وأشاهد ما أريده الآن عبر "نتفيلكس".. وهناك أفلام لا أشعر بالملل أبدا من تكرار مشاهداتها مثل "الأب الروحي"، و "فورست جامب" الذي أعتبر كاتبه عبقريا، ولكن لا أشاهد شيئا من الأفلام المصرية التي يتم إنتاجها حاليا، ولا أعرف لماذا .. هل لأن الأيام تجاوزتني؟، أم لأنها خالية فعلا من أي قيمة؟!.



#سمير_الأمير (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طه حسين والديموقراطية وأمسيات الجريون
- صلاة القلق....صلاة باطلة
- تلك الجائزة
- فن الحياة في الشقوق
- فصل من رواية - المزاحمية - لــــ - سمير الأمير -
- ديوان -ترانزيت- للشاعرة رنا عبد السلام
- حكايات من جنازة بوتشي بين الصدام والتعايش المشترك
- يا إلهي
- دواعي السعادة... قصة قصيرة
- لايوجد أقل من ذلك!!
- ما اسم هذه القرية؟ قصة قصيرة
- الرقابة وسنينها...
- أزمة السويس ( من بحث الدكتور كريم عبد العزيز غازي المقدم لقس ...
- أزمة السويس ( من بحث الدكتور كريم عبد العزيز غازي المقدم لقس ...
- حجاب الشاعر أحمد الشهاوي
- قصص - أمانى فؤاد - : سرد الدفاع عن المرأة والحياة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره
- جاليري 68: عمر قصير.. لماذا؟. الجزء الخامس والأخير.. ترجمة س ...
- ما اسم هذه القرية؟
- جاليري 68 – عدو للتراث الأدبي؟ الجزء الرابع من دراسة اليزابي ...


المزيد.....




- خزان صرف أم مقبرة جماعية؟.. سر قاتم يهز أيرلندا بعد اختفاء 8 ...
- غزة.. تدافع بين فلسطينيين على مساعدات يودي بحياة 20 شخصا على ...
- السعودية.. القبض على يمني بعد ايحاءات جنسية بفيديو أثار تفاع ...
- 63 قتيلاً وعشرات المصابين في حريق داخل مركز تجاري بمدينة الك ...
- العراق ـ حريق بالكوت يقتل العشرات -غالبيتهم قضوا داخل الحمام ...
- فرنسا: محكمة استئناف تقضي بالإفراج عن اللبناني جورج إبراهيم ...
- علماء يكتشفون ظاهرة مقلقة تتعلق بالأنهار الجليدية
- موقع إسرائيلي: مساعدات أطفال غزة المجوعين على الأبواب.. دعوه ...
- روسيا وأوكرانيا تتبادلان الهجمات واقتراح أوروبي بمساعدات إضا ...
- تايوان تجري تدريبات تحاكي هجوما صينيا وتبعد سفينتين لبكين


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - سمير الأمير - حوار حول التعليم والثقافة مع العالم الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى في الشرق الأوسط