بارباروسا آكيم
الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 22:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كيف غيَّرَتْ التأثيرات الدينية طريقة تفكير الأمريكيين والأوروبيين بشأن دور الحكومة ؟
بقلم :
Steven Hill
تاريخ النشر : ٠٧ / مارس / ٢٠١١
في أوروبا، لا يُنظر إلى ملكية الممتلكات وممارسة الحقوق الفردية والتجارية في الملكية باعتبارها مطلقة، كما هو الحال في الولايات المتحدة. بل تُعتبر امتيازًا يفرض التزامات اجتماعية متبادلة.
وفقًا للتصور الأوروبي، فإن أولئك الذين يمتلكون ويحتفظون بالممتلكات – وخاصة الأثرياء والشركات التي تملك الكثير منها – تقع على عاتقهم مسؤولية المساهمة في الصالح العام مقابل امتياز ممارسة تلك الحقوق.
فعلى سبيل المثال، تنص المادة 14 من الدستور الألماني بعد الحرب العالمية الثانية على أن: "الملكية تُلزم. ويجب أن تُستخدم أيضًا لخدمة الصالح العام."
ويؤثر هذا بدوره على المواقف تجاه الحكومة. ففي جميع أنحاء أوروبا، تعمل الحكومة على تهيئة الظروف التي يمكن من خلالها تقاسم الازدهار على نطاق واسع. وهناك التزام قوي بمبدأ أن لجميع السكان الحق المتساوي في المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتُعد الحكومة أكثر من مجرد شبكة أمان تُستخدم كملاذ أخير.
بل إنها الأداة الأساسية لتحقيق هذه المساواة. وهذا هو التوافق الأوروبي، الذي تتفق عليه معظم الأطياف السياسية – اليمين واليسار والوسط – كما كان الحال عندما وضعه الساسة المحافظون في أوروبا بعد الدمار الذي خلفته الحربان العالميتان.
لم يرَ هؤلاء الساسة "النهج الأوروبي" كمشروع طوباوي أو اشتراكي، بل كحاجز واقعي ومدروس بعناية لمنع عودة الكساد الاقتصادي، والسياسات المتطرفة، والحروب القارية، مع قيام حكومة ديمقراطية تمثيلية بدور المحرك الرئيسي لهذا المسعى.
واليوم، حتى أبرز المحافظين الأوروبيين، مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يدعمون فكرة الديمقراطية الاجتماعية التي تنص على أن للشركات التزامات اجتماعية.
وعلى النقيض من ذلك، يعطي الأمريكيون الأولوية لمبدأ حماية حقوق الملكية الفردية والمصالح التجارية، ويُعتقد أن أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي من خلال الحد من سلطة الحكومة وتدخلها في تلك الحقوق. وتُنظر إلى الحكومة بنوع من الشك، باعتبارها غير فعالة وغير كفؤة أو – ما هو أسوأ – كأنها مصاص دماء يمتص الحياة من الجسد السياسي.
وتُعتبر اللوائح الحكومية، التي يُنظر إليها على أنها تعدٍ على حقوق الملكية الفردية، شيئًا يجب استخدامه بأقل قدر ممكن.
ويقول الكاتب البريطاني ويل هاتون، المدير التنفيذي لمؤسسة العمل في لندن: "إن هذه المواقف المختلفة بين أوروبا والولايات المتحدة متجذرة في التاريخ والثقافة، بل وحتى في المعتقدات الدينية."
فقد تم اكتشاف أمريكا كأرض برية من قِبل مستوطنين خاطروا بكل شيء لعبور الأطلسي – وكانوا من البيوريتانيين المتدينين الذين تمردوا ضد السلطات التي كانت تضطهدهم، واعتقدوا بوجود علاقة مباشرة وفردية بينهم وبين الله." وقد تبنوا مبدأ "اعمل بجد، وستتقدم"، معتقدين بقوة أن الله قد وفر الأرض لأولئك الذين يستطيعون أن يبرهنوا على جدارتهم بها من خلال اجتهادهم.
وأثناء بقائهم على قيد الحياة في جبهة "العالم الجديد"، محاطين بأراضٍ بدت بلا حدود، تبنى البيوريتانيون تصورًا فرديًا – وليس اجتماعيًا – للملكية. فقد سمحت لهم حريتهم الفردية بعبادة الله كما يشاؤون، كما حمتهم من أي قيود حكومية قسرية على كيفية استخدامهم لممتلكاتهم الخاصة.
وهكذا، أصبحت الحرية الفردية أساس طريقتهم شبه الثيوقراطية في الحياة. وقد لاحظ أليكسيس دي توكفيل هذا الطابع لا يزال قائمًا في الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حيث علّق قائلًا: "يقرن الأمريكيون بين مفهومي المسيحية والحرية في أذهانهم بشكل وثيق لدرجة أنه من المستحيل إقناعهم بأحدهما دون الآخر."
في القرن الثامن عشر، أُضيفت أفكار الفيلسوف السياسي جون لوك إلى هذا المزيج الديني. فقد قدّم كتابه المقال الثاني في الحكم المدني (Second Treatise) أساسًا معرفيًا يبرر الادعاء بأن حقوق الملكية الفردية قد صمّمها الخالق الإلهي كـ "حقوق طبيعية"، وأن الحكومة أُنشئت من قِبل الأفراد لحماية تلك الحقوق.
وقد لخّص توماس جيفرسون فكر لوك بالقول: "أفضل الحكومات هي التي تحكم أقل."
ثم جاء كتاب آدم سميث ثروة الأمم (1776)، الذي خلد مفهوم "اليد الخفية للسوق الحرة" كمنظّم اقتصادي إلهي ذاتي، ليكون حجر الزاوية التالي في تقديم التبرير الفكري لتوسيع هذه الفلسفة اللاسلطوية (laissez-faire) إلى الحقوق التجارية والاقتصاد عمومًا.
أما أوروبا، فقد تأسست على منظومة قيم إقطاعية وكاثوليكية، كانت ترى أن ممارسة الامتيازات من قبل الأغنياء يجب أن يصاحبها التزامات اجتماعية واسعة تتجاوز مجرد الإحسان. ومثال على ذلك، أعلن القديس أوغسطين في القرن الخامس الميلادي: "من يستخدم ثروته بشكل سيئ، فإنه يحتكرها بشكل غير مشروع."
كما جادل القديس توما الأكويني بأن من واجبات الحكومة تنظيم الملكية الخاصة لخدمة الصالح العام، وقال: "إن المسيحي ملزم بجعل ثروته متاحة لتلبية الحاجات العامة."
وعلى الرغم من فظائع العصور الوسطى، فقد نشأت فيها تقاليد نبل الالتزام (noblesse oblige) بين اللورد أو البارون وأتباعه. وقد شكّل هذا الرابط أساسًا إضافيًا للعلاقة بين الكنيسة ومريديها — وهي علاقة انتقلت لاحقًا إلى الدولة، التي أصبحت نوعًا من المشرف الأبوي على رفاهية المواطنين.
ولا يزال بالإمكان رؤية درجة معينة من ارتباط الاتحاد الأوروبي بالتعاليم الاجتماعية المسيحية. والمفارقة هنا أن أوروبا العلمانية يفترض أنها قد تخلّت عن الدين، بينما أمريكا المتدينة غالبًا ما تتجاهل تلك الأجزاء من العقيدة المسيحية اللاهوتية التي قدّمها القديس أوغسطين وتوما الأكويني.
ومع مرور القرون، تفاقم هذا الاختلاف وتشوه، حيث أصبحت الولايات المتحدة تخضع إلى أرثوذكسية صارمة في حماية الحقوق الفردية في الملكية والتملك.
أما في أوروبا، فقد توسع مفهوم العقد الاجتماعي ليشمل الفكرة القائلة بأن الشركات والمؤسسات يجب أن تكتسب حقوقها التجارية من خلال العمل بطريقة شرعية اجتماعيًا، ومن خلال قبول المسؤوليات المرافقة للملكية.
وفي عصر العولمة، فإن هذا المبدأ يُعد أكثر فائدة لأكبر عدد ممكن من الناس، لأنه يوفر المرونة اللازمة لضبط أجزاء معينة من الاقتصاد الوطني.
وبدلاً من التقيّد بمفاهيم جامدة أو حتى أصولية بشأن حقوق الملكية والتجارة، يمكن للدولة إخضاع هذه الحقوق للتفاوض والتسوية عبر أداة الحكومة التمثيلية التعددية.
وعليه، فإن العملية السياسية هي التي تتيح تسخير العملية الاقتصادية لخدمة الصالح العام، بشرط أن تتم المصادقة عليها من خلال توافق جميع قطاعات المجتمع.
ولهذا السبب، فإن النهج الأوروبي — الذي يوازن بين حقوق الملكية والواجبات الاجتماعية — يُعتبر الأنسب للعالم المعاصر.
ملاحظة : الأفكار الواردة في المقال تعبر عن آراء الكاتب
يتبع ..
دراسات في تأثير القديس اوغسطين على الفكر الغربي
_________________________
● مجلة گلوبَلِستْ : مجلة إلكترونية ليبرالية وسطية مقرها واشنطن
https://www.theglobalist.com/america-and-europe-john-locke-vs-saint-augustine/
Grundgesetz für die Bundesrepublik Deutschland
Artikel 14 – Eigentum, Erbrecht und Enteignung
1. Das Eigentum und das Erbrecht werden gewährleistet.
Inhalt und Schranken werden durch die Gesetze bestimmt.
2. Eigentum verpflichtet.
Sein Gebrauch soll zugleich dem Wohle der Allgemeinheit dienen.
3. Eine Enteignung ist nur zum Wohle der Allgemeinheit zulässig.
Sie darf nur durch Gesetz oder auf Grund eines Gesetzes erfolgen,
das Art und Ausmaß der Entschädigung regelt.
Die Entschädigung ist unter gerechter Abwägung der Interessen der Allgemeinheit und der Beteiligten zu bestimmen.
Wegen der Entschädigung steht im Streitfalle der Rechtsweg offen.
https://www.gesetze-im-internet.de/gg/art_14.html
Puritanism التطهرية
حركة تتبع تعاليم John Calvin
تنادي بأن الله إختار المخلصين منذ الأزل ( لذا لا قيمة للأعمال ها هنا )
يتمسكون بالكتاب الكتاب المقدس وحده و يرفضون ما سواه من التراث المسيحي و يعيشون وفق ضوابط أَخلاقية صارمة
و من المثير للسخرية و العجب في آن واحد ، أن هؤلاء المسيحيين الراديكاليين المغالين في عقيدتهم هم من بين العوامل التي ساهمت في تشكيل صورة الولايات المتحدة في شكلها الليبرالي
لفهم التفاصيل الموجزة في المقال بشكل أوسع حول تطور الرأسمالية الأمريكية راجع كتاب :
الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية
Die protestantische Ethik und der "Geist" des Kapitalismus
Max Weber
#بارباروسا_آكيم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟