|
ألكسندر دوغين يكشف جوهر تصريح ترامب حول روسيا -والآن أُعلنُ ذلك بصوتٍ عالٍ...-
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 11:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
ألكسندر دوغين فيلسوف روسي معاصر موقع تلفزيون تساريغراد
14 يوليو 2025
كان الكثيرون اليوم ينتظرون من دونالد ترامب تصريحات حادة ومحددة تجاه روسيا تحمل دلالات مشؤومة، غير أنه قرر تأجيل الدخول في صراع جدي، ذلك الصراع الذي كان يُدفع نحوه بقوة من قبل المحافظين الجدد. ومع أن الوضع كان متساوي الإحتمالات تقريبًا، 50/50، فإنه لم يحسم الخيار.
كان بإمكان ترامب أن يُعلن عن عقوبات قاسية أو عن تسليم أسلحة غير مسبوقة لأوكرانيا بكميات هائلة. وكان من شأن ذلك أن يُبعد الأنظار عن رفضه نشر قوائم إبستين، الأمر الذي حوّل كثيرين من أنصاره إلى معارضين له.
وقد دعا ترامب أنصاره إلى عدم الإنشغال بقضية إبستين**، مدعيًا أنها "لا تهم أحدًا".
حاليًا، يقف كامل تيار "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد" (MAGA) ضد ترامب، والسبب أنه خان مرارًا توقعاتهم بأكثر الأشكال فجاجة وسخرية. فقد بدأ ذلك بدخوله الحرب مع إيران، ثم رفضه نشر ملف جماعة الضغط البيدوفيلي (أي ملف إبستين) في الولايات المتحدة – قضية كانت من أبرز مكونات برنامجه الانتخابي، لكنها في النهاية تحولت إلى سبب لإنهيار تأييد قاعدته له. في الواقع، يمكن القول إن حركة MAGA وكل الترامبية باتت اليوم في مواجهة مع ترامب.
وفي ظل هذا الوضع، كان من المتوقع أن يحاول ترامب تشتيت الإنتباه عبر إشعال حرب عالمية ثالثة، "هرمجدون"** مع روسيا، من خلال طرح شروط مخيفة وغير مسبوقة: عقوبات حقيقية قد تُوجَّه ضد الصين والهند – وهما من أكبر مستهلكي مصادر الطاقة الروسية – وتسليم صواريخ متوسطة المدى لكييف، ما كان ليشكل بالفعل بداية "هرمجدون" مكشوفة.
كان من الممكن لترامب أن يقوم بذلك لصرف الإنتباه عن إخفاقاته، لكنه ربما إختار عدم الإقدام على تلك الخطوة لأن تيار MAGA كان سيتخلى عنه تمامًا. أحد أبرز شعارات هذا التيار، والذي أوصله إلى السلطة، كان إنهاء الصراع في أوكرانيا ووقف الدعم لكييف. ولذلك، كان أمامه خياران: إما التهدئة، ونزع فتيل التصعيد، ومحاولة إستعادة نفوذه داخل MAGA، أو تشتيت الإنتباه، والوداع النهائي لـMAGA، وبدء صراع مع روسيا، مما قد يشكل ظرفًا قاهرًا.
لكنه لم يتخذ أيًا من القرارين، بل أجل كل شيء إلى مرحلة لاحقة.
لقد لوّح بالتهديد ضد روسيا، لكنه في الوقت نفسه اعترف بقدرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التفاوض، مشيرًا إلى أنه رجل صارم لا يفرّط في المصالح الوطنية. واللافت أن ترامب، بعكس ذلك، يفرّط كثيرًا، ولذلك فإن أي مقارنة في هذا الوقت لا تصب في مصلحته. فالرئيس الروسي رجل قوي، حازم، مهذب، منضبط، لا يخون ناخبيه، على العكس من نظيره الأمريكي. ولهذا فإن ترامب، في هذا التنافس الحي، يخسر بلا شك. لقد فقد دعم ناخبيه ويسير في طريق انحداري. يحضره الشخصي charisma خطابه، وخططه – كل ذلك ينهار. يمكن وصف ما يحدث له اليوم بأنه epic fail أي "فشل ذريع" – كما تقول الشباب – وإنهيار كامل في سياساته الداخلية.
لكن ترامب لم يجرؤ في الوقت الراهن على صرف أنظار الرأي العام العالمي عن هذا الفشل من خلال تصعيد العلاقات مع روسيا. لم يقل شيئًا مميزًا، بل لوّح فقط بأن كل ذلك قد يحدث لاحقًا، خلال خمسين يومًا. لكنه قد يغير رأيه حتى قبل ذلك – غدًا مثلًا. ترامب يتصرف في هذا الصدد بشكل غير متوقع، بل ومستهتر أحيانًا.
لكن الشيء الأسوأ الذي كان يمكن أن يحدث – أي إعلان بدء الحرب العالمية الثالثة الآن – لم يحدث. وهذا لا يعني أنه لن يحدث لاحقًا: خلال 50 يومًا، أو 10، أو حتى 3. على أي حال، فإن التوتر الذي بلغ ذروته هذا الإثنين تم تنفيسه جزئيًا عبر إعادة التصعيد إلى وضع محايد. إن زخم التصعيد كبير للغاية، والعالم ينزلق حقًا بسرعة مجنونة نحو "هرمجدون"، لكن على الأقل، لن يبدأ اليوم.
وفي المحصلة، إرتفع سوق الأسهم الروسي قليلًا، رغم أن المفترض أنه لا يجب أن يتأثر بذلك أصلًا، خاصة وأن الإرتفاع كان بنسب ضئيلة جدًا. فبورصتنا منظمة بشكل خاطئ، لأنها تحت إدارة نابيولينا**، التي ترى في سوق الأسهم منافسًا للبنك المركزي – كما هو الحال في أي دولة ونظام. بإختصار، كل شيء عندنا منظم بطريقة غير سليمة، ولذلك فهذا المؤشر لا يُعتد به. ولا يستحق الإنتباه.
أما تأجيل اندلاع الحرب اليوم، فهذا أمر جيد جدًا. أي أن بدايتها تأخرت قليلاً. لكن هذا ليس مؤكدًا، إذ إن كل شيء ممكن. فالتاريخ مفتوح. ترامب أخذ إستراحة، وقرر تمديد إستراتيجياته غير الفعالة تجاهنا وتجاه أوكرانيا لمدة خمسين يومًا أخرى. وقد وعد بتسليم أنظمة "باتريوت" لأوكرانيا، على أن يدفع ثمنها الأوروبيون – مع أن هذا القرار قد أتُّخذ من قبل. ولهذا، قرر ترامب، فعليًا، أن يجعل من شيء غير مهم "حدثًا إستثنائيًا". لقد أعلن قائلًا: "والآن أُعلن بصوت عالٍ أنني لا أُعلن شيئًا!"
كل شيء يبقى كما هو. فقط يجب علينا أن نستغل هذا الوقت الذي مُنح لنا مجددًا قبل إندلاع الصراع العالمي المؤجل، في تقوية بلدنا. لا يمكننا الإعتماد على أحد بعد الآن، ولا ينبغي أن نأمل في ذلك. فقط على أنفسنا نعتمد. وما سنفعله بأنفسنا هو ما سيكون لدينا. ولهذا علينا أن نتسلح، ونعيد التسليح، ونتسلح أكثر من أي وقت مضى، ونتحصن، ونعزز سيادتنا، ونحوّل المجتمع إلى مسار حربي طويل الأمد – هذا هو المطلوب، بغض النظر عن أي شيء آخر. "هرمجدون" لن يبدأ اليوم. لكن هذا لا يعني أنه لن يبدأ غدًا.
***** هوامش
1) فضيحة إبستين / قضية إبستين المتعلقة بالاتجار الجنسي وتورط النخبة فيها - تشير إلى الفضيحة الكبرى المرتبطة بالمليونير الأمريكي جيفري إبستين (Jeffrey Epstein) الذي كان رجل أعمال أمريكيًا متهمًا بإدارة شبكة دولية للاتجار الجنسي بالقاصرات، وتورّط فيها عدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية البارزة في أمريكا والعالم. تم اعتقاله عام 2019 ووُجد ميتًا في زنزانته بعد فترة قصيرة، في حادثة قُيّدت رسميًا على أنها انتحار، رغم الشكوك الواسعة بوجود تصفية مدبرة لإسكاته. عرف بعلاقاته الوثيقة بشخصيات مثل: بيل كلينتون (الرئيس الأمريكي السابق) والأمير أندرو (من العائلة الملكية البريطانية) وغيرهم من أصحاب النفوذ. ومؤخرا، إتهم إيلون ماسك الرئيس ترامب بتورطه مع إبستين. لماذا يُذكر في مقالة دوغين؟ لأن كثيرًا من أنصار ترامب كانوا يأملون أن ينشر تفاصيل هذا الملف، ويفضح من تورط فيه من النخبة السياسية الأمريكية. لكن ترامب تجاهل ذلك ورفض نشر القوائم، ما اعتُبر خيانة من طرف قاعدته الشعبية (خاصة حركة MAGA).
----- 2) هرمجدون مأخوذة من المصطلح الإنجيلي Armageddon، وتعني نهاية العالم عبر حرب كبرى مدمّرة، غالبًا حرب عالمية نووية.
في الأصل الديني: تشير إلى المعركة النهائية بين قوى الخير والشر التي تُذكر في "سفر الرؤيا" في الكتاب المقدس، وتحدث في مكان يُدعى "هار مجيدو" (جبل مجيدو) في فلسطين. في الاستخدام السياسي الحديث: تُستخدم مجازًا للدلالة على حرب كارثية عالمية، خاصةً إذا كانت نووية، تؤدي إلى انهيار الحضارة البشرية أو نهاية العالم. ----- 3) نابيولينا إلفيرا نابيولينا محافظة البنك المركزي الروسي منذ 2013، شخصية اقتصادية قوية ومؤثرة، مثار جدل بين مؤيدين ومنتقدين داخل روسيا. معروفة بسياساتها الحذرة، وبدورها في إدارة الروبل والتعامل مع العقوبات الغربية بعد 2014 ثم 2022. دوغين ينتقدها بشكل غير مباشر، معتبرًا أن: سوق الأسهم الروسي "خاطئ التنظيم"، لأنه برأيه، نابيولينا ترى في السوق منافسًا للبنك المركزي. بمعنى آخر، هو يتهمها بأنها تُضعف أو لا تدعم تطور السوق المالي الروسي بالشكل الكافي، لأنها تركّز فقط على دور البنك المركزي. ------
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى - 647 -حزب الله عند مفترق طرق: نهاية مرحلة أم إ
...
-
رؤية ألكسندر بوتيلوف: إنهيار الثقة بالمؤسسات الدولية و-تفكك
...
-
طوفان الأقصى 646 – -مافيا الذرة – 5 خطايا كبرى تفضح إنهيار ث
...
-
«المومياء الخلافية»: حين تتحوّل الذاكرة التاريخية إلى ساحة ص
...
-
طوفان الأقصى 645 – -إيران لن تسقط: مناشدة نووية وملاحم صوفية
...
-
ألكسندر دوغين - باكس أوروبا - مسيرة النازيين الليبراليين
-
طوفان الأقصى 644 - «السلام المؤجل» أم «الحرب الثانية»؟ زيارة
...
-
ألكسندر دوغين – حزب أمريكا – النموذج الجديد
-
طوفان الأقصى 643 - موساد في عباءة اللاجئ: كيف تحوّلت أفغانست
...
-
ألكسندر دوغين - بدون النظرية السياسية الرابعة، لن يكون هناك
...
-
طوفان الأقصى 642 – ترامب و«نوبل للسلام»: السخرية السياسية في
...
-
أذربيجان بين المطرقة الروسية والسندان الإيراني - قراءة في تص
...
-
طوفان الأقصى 641 - الجولة الأولى من حرب إيران – إسرائيل برعا
...
-
ألكسندر دوغين - بدون النظرية السياسية الرابعة، لن يكون هناك
...
-
طوفان الأقصى 640 - الأمم المتحدة في عامها الثمانين: أزمة الش
...
-
ألكسندر دوغين - أساليب جديدة لخوض الحرب
-
طوفان الأقصى 639 - نتنياهو كيكيمورا - حين تتحوّل السياسة إلى
...
-
ألكسندر دوغين - روسيا بحاجة ماسة اليوم إلى وضوح فلسفي
-
طوفان الأقصى 638 – إيران تضرب العمق الإسرائيلي – عصر الحرب ا
...
-
ألكسندر دوغين يكشف جوهر ما يحدث - -ترامب بدأ يتراجع-
المزيد.....
-
-لا تُنسى-.. سعد لمجرد يحتفي بأصداء حفله الجماهيري في المغرب
...
-
بسبب الوضع في غزة.. مظاهرة في بروكسل للمطالبة بوقف اتفاقية ا
...
-
طهران في مرمى العقوبات مجددًا.. مهلة أوروبية أخيرة لإنقاذ ال
...
-
فرنسا: بايرو.. إجراءات بالجملة لتقليص الدين
-
السويداء: من يقف وراء الاشتباكات وماهي الأسباب؟
-
بلجيكا: مدينة بروج تتخذ إجراءات لمواجهة ظاهرة -السياحة المفر
...
-
خبيران: التطهير بالضفة يستدعي محاكمة سموتريتش كمجرم حرب
-
القسام تعلن استهداف ناقلة جند من طراز -نمر- شمال خان يونس
-
تركي آل الشيخ يكشف عن مفاجأة في موسم الرياض المقبل
-
اشتباكات السويداء.. بيان رئاسي بمحاسبة -من يثبت تجاوزه مهما
...
المزيد.....
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
-
مغامرات منهاوزن
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|