|
أذربيجان بين المطرقة الروسية والسندان الإيراني - قراءة في تصعيد متعدد الجبهات
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 12:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة: صعود وهمي وإنهيار صاخب
في خضم الخلافات الصاخبة المتصاعدة بين روسيا وأذربيجان في الآونة الأخيرة، ينشر إيليا فيدوسييف، الكاتب والمحلل السياسي الروسي على منصة "بوليت إنفورم" في 3 يوليو 2025 مقالا بعنوان "دولة هامشية تفرد كتفيها" يتسم بالسخرية والشحن السياسي، بعيدا عن المجاملات المعتادة التي تميز الخطاب الروسي، سواء كان رسميا أو إعلاميا. يشير مصطلح "دولة هامشية" إلى الدول الصغيرة الواقعة في هوامش القوى العظمى، والتي كثيرًا ما تُستَخدم كأدوات في نزاعات الجيوبوليتيك الكبرى. أذربيجان، بحسب المقال، إحدى هذه الدول التي «تفرد كتفيها» ظنًا بأنها قوة مستقلة، لتجد نفسها في مواجهة سلسلة من الضربات الروسية والإيرانية المتزامنة، بعد أن تجاوزت الخطوط الحمراء. «أذربيجان تلقت صفعة شديدة جعلت الصراخ الناتج عن هستيريا باكو يُزعج آذان الروس».
المحور الأول: من هم أعداء أذربيجان اليوم؟
ترسم المقالة خريطة من العداوات التي تحيط بأذربيجان، وتبدأ بالجار الأخطر – إيران. إتهمت طهران أذربيجان ضمنيًا بالتورط في العدوان الإسرائيلي عليها، من خلال السماح للطائرات المسيرة بالإنطلاق من أراضيها. «إسرائيل إستخدمت المجال الجوي الأذربيجاني لإطلاق الطائرات المسيّرة». تصعيدٌ جعل إيران تتحول إلى الهجوم الدبلوماسي، بقيادة الرئيس الجديد مسعود بزشكَيان. تزامن هذا مع فشل رهانات باكو على تغيير النظام في طهران، مما حوّل العلاقة إلى مواجهة مفتوحة.
أما العلاقة مع روسيا، فقد إنهارت عمليًا، بعد سلسلة من الإستفزازات: من دعم أوكرانيا إنسانيًا ولوجستيًا، إلى توريد الأسلحة والمعدات، وصولًا إلى تحدي موسكو دبلوماسيًا: «لماذا لم يرسلوا شيئًا لروسيا؟».
يضاف إلى ذلك أن علاقات أذربيجان مع أرمينيا على شفا الإنفجار من جديد، ومع تركيا يشوبها التوتر غير المعلن: «إذا خضعت أذربيجان بالكامل لتركيا، فهذا يعني فقدانها للسيادة».
المحور الثاني: مسرح أوكرانيا – تصفية الحسابات عبر المصافي
أحد المحاور اللافتة في المقال هو تلميح إلى دور أذربيجان في دعم البنية التحتية الطاقوية لأوكرانيا، وخاصة من خلال شركة "SOCAR" التي إستحوذت على مصفاة مدينة كريمنشوك الأوكرانية عام 2017. وقد دمرتها روسيا مؤخرًا: «تم تدمير هذه المصفاة من قبل قواتنا».
يُفهم من هذا أن موسكو لم تَعُد تغضّ الطرف عن الإستثمارات الأذربيجانية لدى "العدو رقم واحد" – أوكرانيا – بل باتت تستهدفها بشكل مباشر، ضمن سياسة "إضرب في القلب الإقتصادي".
المحور الثالث: تصفية الجالية الأذربيجانية في روسيا
الضربة الأعنف، بحسب المقال، لم تكن خارج روسيا، بل في عمقها الداخلي، حين تم إعتقال رؤوس الجريمة المنظمة من أبناء الجالية الأذربيجانية: «وجهت روسيا ضربة قاتلة إلى النقطة الأضعف – الجالية، بإعتقال رؤوس العصابات».
ما زاد الطين بلة هو قيام السلطات في باكو بإحتجاز صحفيي وكالة "سبوتنيك" كرهائن دبلوماسيين، كرد فعل هستيري. ووفق تحليل الكاتب، فكما تم "تنظيف" الجالية الجورجية بعد حرب 2008، ستلقى الجالية الأذربيجانية المصير نفسه، وهو ما يعني ضربة مالية وإجتماعية جديدة للنظام الأذري.
المحور الرابع: الجيوبوليتيك والرهانات الخاسرة
يحمّل المقال النظام الأذربيجاني مسؤولية ما يحدث بسبب إختياراته الخاطئة: «في كل مكان، راهنوا على الخاسرين».
فمن دعم إسرائيل ضد إيران، إلى الرهان على فوز الغرب وأوكرانيا، إلى تجاهل مصالح روسيا في مشروع "شمال – جنوب"، بدت أذربيجان وكأنها تتصرف كقوة فوقية مستقلة، بينما هي – في نظر موسكو – مجرد دولة هامشية تابعة خرجت عن الطاعة.
ومع ذلك، لا تُغلق موسكو الباب تمامًا، إذ تشير المقالة إلى أن وزارة الخارجية الروسية ما تزال تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه: «وزارتنا الخارجية تدعو إلى التعقل...».
خاتمة: نحو عزل جيوسياسي كامل؟
ترسم المقالة، من منظور روسي خالص، سيناريو مظلمًا لمستقبل أذربيجان: عزل إقليمي، خسائر إقتصادية فادحة، توتر أمني داخلي، وتدهور في علاقاتها مع كل من روسيا، إيران، تركيا، وأرمينيا. وهي ترى أن ما يجري ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة لتصرفات سياسية متهورة. «أذربيجان في مأزق تام...».
وفي ختام المقال يورد الكاتب بعض التوصيات الإستراتيجية:
1. أذربيجان بحاجة إلى إعادة ضبط كامل لسياستها الخارجية، بما في ذلك العلاقة مع إيران وروسيا، وتجنّب لعب دور الأداة في يد الغرب أو إسرائيل. 2. روسيا تعود إلى ممارسة نفوذها بوسائل غير تقليدية – بما فيها الأدوات الداخلية – ما يعني أن الدول المجاورة عليها إعادة التفكير في وضع جالياتها هناك. 3. المشروع الإيراني الروسي "شمال – جنوب" يبقى ورقة ضغط دبلوماسية، لا تزال موسكو تستخدمها لجرّ باكو إلى التهدئة، ولو بشروطها. 4. الصراع مع إسرائيل ينتقل من طهران إلى باكو، ما يعني أن أذربيجان أصبحت حلقة جديدة في سلسلة التوتر الإيراني – الإسرائيلي، وقد تتحمل أعباء لا طاقة لها بها. --- تفاصيل لا بد منها
1) مشروع "شمال–جنوب" – خيار بديل للغرب
موضع المشروع وأهميته
بدأ المشروع رسميًا في عام 2000 ضمن إتفاقية ثلاثية بين روسيا، إيران، والهند، لتأسيس ممرٍ بري–بحري يربط سانت بطرسبرغ بجمهوية ماهيبة عبر بحر قزوين وإيران والهند.
دور أذربيجان
لعبت أذربيجان دورًا محوريًا في المشروع، من خلال شبكة السكك الحديدية والموانئ، الذين إستفادوا من موقعها الجغرافي الإستراتيجي. وقد زاد حجم البضائع المنقولة عبر أراضيها بنسبة كبيرة خلال السنوات الأخيرة . في يناير 2025 أكدت السلطات الإيرانية والأذربيجانية تبادل الصلاحيات لإستكمال الرابط بين أستارا–راشت، وتحقيق هدف نقل 15 مليون طن سنويًا .
تقليل الإعتماد على قناة السويس
عبر هذا الطريق يمكن تقليل زمن النقل بحوالي 50٪ مقارنة بالمسار التقليدي عبر قناة السويس، مما يجعل "شمال–جنوب" منافسًا إستراتيجيًا للطريق البحري .
الموقف الروسي–الإيراني
روسيا وإيران يعيدان التجاوب مع هذا المشروع لإستعدادهما لتجاوز العقوبات الغربية. تم توقيع إتفاقيات جديدة في مايو 2023 و2025 لإعادة تنشيط الشق الإيراني بين راشت وأستارا عبر أراضي أذربيجان .
--- 2) شركة نفط أذربيجان SOCAR ومصفاة كريمنشوك الأوكرانية
السيطرة على المصفاة
في عام 2017، أصبحت مصفاة كريمنشوك أحد مشاريع SOCAR الأذربيجانية في أوكرانيا .
التدمير والرد الروسي
وجهت روسيا ضربة مباشرة لتلك المنشأة، معتبرة إياها خطوة لإستهداف إقتصادات الأعداء وإستثمارات باكو الضخمة في أوكرانيا، وهو ما أشار إليه المقال الروسي: "تم تدمير مصفاة النفط هذه من قبل جيشنا."
دلالات اقتصادية وسياسية
يمثل التدمير ضربة مزدوجة: توجيه رسالة تتعلق بالعقوبات والعقيدة الجيوسياسية، ومخاطرة مالية كبيرة لشركة SOCAR، والتي كانت تنوي توسيع نشاطها لدخول سوق أوكرانيا. --- 3) العلاقات الإيرانية–الأذربيجانية – ممرات إنتخابية
التحول نحو التعاون
بالرغم من التوترات الجارية، مثل مسألة إستخدام المجال الجوي من قبل أذربيجان لصالح إسرائيل، فإن إيران تواصل دعم المشروع مع باكو. في يناير 2025 أكد وزير الطرق الإيراني أن "شمال–جنوب" قد يُنقل عبر أذربيجان، مع تحقيق تفاهمات متبادلة تطمح إلى نقل 15 مليون طن من الشحنات .
التحديات السياسية
رغم التعاون الإقتصادي، لا تزال العلاقات تواجه عراقيل: مشروع "زانغير–زنجزور" يثير قلق طهران بشدة، خاصة في سيناريو إنشاء ممر يربط أذربيجان الأرضية بباقي أراضيها عبر الأراضي الأرمنية أو التركية، وهو ما قد يهدد النفوذ الإيراني في المنطقة . --- الخلاصة تناول مقال الكاتب الروسي إيليا فيودوسيبف هذه الخلفيات، مشيرًا إلى أن: روسيا تحولت من غض الطرف إلى إستهداف المشاريع الأذربيجانية في أوكرانيا وداخل روسيا، مع التركيز على أن توقيت الضربات على الجاليات والأعمال الإقتصادية يبدو مدروسًا لقطع علاقات أذربيجان الإستراتيجية. ما يربط كل ذلك هو إنسجام جهود موسكو وطهران لإعادة تشكيل مسارات الإقتصاد الإقليمي بعيدًا عن الغرب. وبالعرض التاريخي: فإن مشاريع النقل المشتركة كانت ركيزة لتقارب سابق لكنها إصطدمت بالخلافات (الإيرانية – الأذربيجانية). كما أن تدمير المصافي يؤكد رغبة روسيا بكبح نفوذ شركاء غير موثوقين. مما يشير إلى أن العقاب الاقتصادي والسياسي لأذربيجان داخل روسيا يعد أحد أدوات القوة الروسية الخفية. ---
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 641 - الجولة الأولى من حرب إيران – إسرائيل برعا
...
-
ألكسندر دوغين - بدون النظرية السياسية الرابعة، لن يكون هناك
...
-
طوفان الأقصى 640 - الأمم المتحدة في عامها الثمانين: أزمة الش
...
-
ألكسندر دوغين - أساليب جديدة لخوض الحرب
-
طوفان الأقصى 639 - نتنياهو كيكيمورا - حين تتحوّل السياسة إلى
...
-
ألكسندر دوغين - روسيا بحاجة ماسة اليوم إلى وضوح فلسفي
-
طوفان الأقصى 638 – إيران تضرب العمق الإسرائيلي – عصر الحرب ا
...
-
ألكسندر دوغين يكشف جوهر ما يحدث - -ترامب بدأ يتراجع-
-
طوفان الأقصى 637 – إسرائيل، إيران، يلوستون، والنووي: من الشر
...
-
تجريم فلسطين أكشن Palestine Action إنقلاب على الديمقراطية في
...
-
طوفان الأقصى 636 – الحرب ضد إيران كضربة للمبادرة الصينية -ال
...
-
ألكسندر دوغين - شي جين بينغ يتجاهل بريكس
-
طوفان الأقصى 635 - دونالد ترامب: «رئيس وزراء إسرائيل» غير ال
...
-
زفاف بيزوس في البندقية: عندما يتحول الثراء الفاحش إلى سلطة إ
...
-
طوفان الأقصى 634 - الملاحظات الست التي غفلت عنها وسائل الإعل
...
-
روسيا لن تترك إيران وحدها
-
طوفان الأقصى 633 - كلفة الحرب الإسرائيلية على إيران: دراسة ت
...
-
بين ذاكرة تاريخية وصراع معاصر – تحليل العلاقات الإيرانية–الإ
...
-
طوفان الأقصى – 632 -إسرائيل الكبرى- بين الطموح اللاهوتي والك
...
-
ألكسندر دوغين - في حرب الأيام ال12، وضع ترامب نفسه في صف الد
...
المزيد.....
-
لماذا لا يمكنك شراء ساعة -رولكس- جديدة مباشرة من المتجر؟
-
بيونسيه تتألّق بتصميم لبناني استغرق 300 ساعة عمل وتزيّن بـ18
...
-
عاصرت الحربين العالميتين والكساد الكبير.. شاهد كيف احتفلت مس
...
-
غزة ورأي الأمريكيين بما يحصل.. استطلاع CNN يكشف
-
كيف تبدو الخرطوم بعد أشهر من سيطرة الجيش عليها؟
-
-الأقوى منذ بداية الحرب-.. الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات جديد
...
-
معاهدة كينسنغتون تعيد رسم المحور الأوروبي: هل تقود لندن وبار
...
-
الاتحاد الأوروبي يفرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا ويخفض سقف
...
-
ماكرون يدين -بشدة- قصف إسرائيل لكنيسة -العائلة المقدسة- الخا
...
-
كيف يمكنك حماية أطفالك من أخطار الذكاء الاصطناعي؟
المزيد.....
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
-
مغامرات منهاوزن
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|