قاسم هادي
الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 22:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بحرب التعرفة الگمركية قطع ترامب كل صلة صداقة او تعاون او حتى نفاق دبلوماسي بدول العالم الصديقة قبل العدوّة، ببساطة لان الرأسمالية ضاقت ذرعا بالحكومات التي تخدمها وتؤمن مصالح شركاتها وقررت ان تنزل للساحة السياسية وتجرب ان تحكم بنفسها بصيغة حكم المليارديرات. وحين نتكلم عن ترامب وخطواته الجنونية وحتى غير الأخلاقية، على الاقل في اخلاقيات العلاقات التي رسمتها الرأسمالية نفسها، حينها فإننا نتحدث عن شركات كبرى ورأسمالية لم تقتصر على امريكا فقط هي التي وضعت هذا الاحمق في سدّة الحكم لانها تكشّر عن انيابها بكل قبح، اذ لم تعد العنصرية عيباً او المواجهة الوقحة بين الرؤساء قبحاً بل صارت المواجهة واضحة بدون رتوش ليس بين الرأسماليات العالمية وحسب بل بالمواجهة مع الطبقة العاملة وسحق كل انجازاتها الإنسانية وإعادتها لعصور العبودية. ففيما يتعلق بالداخل الأمريكي فإنّ الإجراءات الحكومية تجاه الولايات، والحملة المسعورة والمدعومة تجاه المهاجرين، والحملة الانتقامية لفريق ترامب تهدد بالمجاعة والانهيار الاقتصادي الذي قد لاينعكس بالداخل الأمريكي وحسب بل وحتى على الوجود السياسي الأمريكي في العالم الجديد المتشكّل حديثاً.
بدءاً منذ حملته الانتخابية لوّح ترامب بفرض اجراءات أشدّ تضييقاً على ادارات الولايات فيما تتوسع مطالب الحكومة الفيدرالية المتوقعة من الولايات للرضوخ لها. وقد شهدنا اول موقف له منذ توليه الرئاسة انه لم يدفع خسائر حرائق لوس انجلس من الاحتياطي الفيدرالي للكوارث والإغاثة وحمّل حكومة الولاية أعباء ذلك وفرض عليهم زيادة حصّة المياه كما أوقف محاكمة شركات التأمين والتحقيقات ضدّها عند تخليها عن دفع التعويضات لأصحاب الأملاك والمستأجرين. وفي فترة اخرى بخطوة لم يسبق حدوثها أمر بإنزال الحرس القومي وإعلان حالة الطوارئ ردّاً على تظاهرات كاليفورنيا ضد مجاميع الهجرة المسلحة وقيّد سلطات الشرطة بخلاف دستوري واضح، ثم قام باعتقال عمدة الولاية في خرق دستوري آخر. في الجانب الشرقي فان وصول مهاجر مسلم ليكون محافظ نيويورك دعى ترامب لفرض عقوبات على الولاية لاتقل قبحا وخرقا دستوريا عن عقوبات كاليفورنيا. وفي مستهل تلك الاجراءات القريبة من الدكتاتورية لانها لم تمرر داخل الكونغرس مما حدا بترامب لتوقيع 37 امر رئاسي متجاوزا رفض الكونغرس لثلاثة أرباعها، وكانت اول النتائج هي رسالة ولاية نبراسكا للبيت الأبيض بان الولاية ستعلن افلاسها ان لم توقف الحكومة تلك الاجراءات او تقدم دعما طارئاً للولاية.
إن الهجمة على إنجازات الطبقة العاملة ونضالاتها تمثّل بشكل كبير في ثلاث إجراءات اخرى شعرت ادارة البيت الأبيض انها لن تمر من خلال الكونغرس لهذا تم توقيع أوامر رئاسية بدلا عن ذلك ومن المتوقع ان تتبعها اجراءات اخرى اكثر قبحاً. بالرغم من ان الحكومة الفيدرالية حصلت على عائدات كبيرة من قطع المساعدات عن دول العالم والامم المتحدة والمنظمات الأممية والعالمية واتفاقياتها المهولة مع دول الخليج ورفع التعرفة الجمركية الّا ان ذلك لم ينعكس على تحسين مستوى معيشة الفرد في امريكا بل على العكس تماما إذا تم الهجوم على مكاسب الطبقة العاملة بقطع التأمين الصحي الفيدرالي لذوي الدخل المحدود وترك الأمر لكل ولاية على حدة إذا قررت دفع تلك المساعدات لسكانها او لا، كما تم قطع الدعم الفيدرالي للتعليم العام، والاستيلاء على صندوق الإغاثة والكوارث وإبلاغ حكومات الولايات بان على كل ولاية تخصيص صندوق اغاثة وكوارث خاص بها. وفي الوقت نفسه تم عكس نظام الضرائب بالكامل اذ ان نسبة الضريبة تزيد عندما يقل الدخل وقد يصل إلى 60٪ في حالة عدم حصول اي شخص لـ 80 ساعة عمل في الشهر مما يعني ان الشركات الكبرى ستدفع نسبة اقل بكثير من الورش الصغيرة او حتى العامل البسيط.
لم يكن كافيا لإشباع بشاعة الادارة الجديدة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين بل امتد الأمر إلى عمال الزراعة والحصاد الحاصلين على تراخيص مؤقتة للعمل بل وتم توقيع امر رئاسي تم رفضه سابقا من قبل الكونغرس بترحيل حتى الحاصلين على الجنسية الأمريكية في حال توجيه اي تهمة لهم حتى وان لم يتم الحكم في القضية. الامر الاخطر هو ماكشفته الـ CNN ونيويورك تايمز في اجراءات الاعتقال غير القانونية حيث ترتدي مجاميع الهجرة المسلحة الملابس المدنية عند مداهمتهم اماكن العمل او السكن وعند مقاومة بعض العمال ظنّا منهم انهم عصابة او شئ من هذا القبيل تم ادراج تهمة الاعتداء على موظف حكومي اثناء تأدية الواجب، كما ان اي شخص يتم اعتقاله يقضي مدّة 6-8 أشهر للنظر في اوراقه وصحّة إقامته من عدمها وحتى العمال الذين لايمتلكون اي اوراق ثبوتية فلا يتم ترحيلهم الّا بعد تلك الاجراءات فيما وضعوا نسبة 14-1 اي عدد القوات المسلحة مقابل عدد موظفي الهجرة والمدققين لان ادارة السجون تستلم دعما حكوميا بمبلغ 120،000 الف دولار مقابل كل شخص في السنة. هذه البشاعة وأسلوب الاعتقال وظروف مخيمات الاعتقال غير الانسانية، حيث تشير تقارير بوفيات تجاوزت الـ 1300 شخص، كل هذا دفع الكثير من العمال المهاجرين وحتى الحاصلين منهم على تراخيص عمل من ترك أعمالهم والعودة إلى دولهم مما يضع كل المنتجات الزراعية تحت خطر تعفنها لعدم وجود عمال لحصادها وهذا كان جزءا من رسالة عمدة ولاية نبراسكا للبيت الأبيض.
بعد الاسبوع الثاني وخلال هجمة ترامب وتوقيعه تلك القرارات الرئاسية بدأت حملة جديدة داخل الكونغرس للإطاحة به ومحاكمته لكن اجراءات اخرى اتخذها ترامب بإحالة على التقاعد والطرد والفصل وحتى السجن لاكثر من 300 موظف بين قاضي ومحامي وضابط فيدرالي وكاتب حكومي الذين شاركوا في حملة محاكمته العام الماضي، مما يعد ضربة استباقية لاي اجراء قانوني سيتخذ ضدّه في هذه الفترة التي سيدير فيها البيت الأبيض، ناهيك عن بدءه بمشروع قرار يتيح له الترشح لفترة رئاسية ثالثة. ان الخطوات الانتقامية شملت قائمة طويلة لكل من يعارض اجراء وان كان غير قانوني لمجاميع الهجرة المسلحة وكل الناشطين ضد الكيان الصهيوني وكل المعترضين على قراراته ورفضوا تنفيذها من داخل الأجهزة الامنية او وزارة الهجرة.
ان الرأسمالية ستحاول بكل جهدها ان لايسير الأمر إلى الأسوأ وقد تتدخل شركات كبرى للحيلولة دون تفاقم الأمور بالرغم من انها المستفيد الأكبر من كل تلك الاجراءات وحتى الحماقات الترامبية الّا انه باستمرار تلك الاجراءات قد تقدم بعض الولايات مثل كاليفورنيا او نيويورك على العصيان او حتى التهديد بالانفصال، مع ملاحظة أن كاليفورنيا لو قررت الانفصال كدولة فان اقتصادها سيكون خامس اقتصاد في العالم. امريكا مقبلة على حرب اهلية، مالم تتدخل الشركات الكبرى لوقف هذه الحماقات لكنها ستكون بحاجة إلى حرب خارجية تشغل فيها الطبقة العاملة برمتها وتزيد من العسكرتارية والإجراءات القمعية بحجَة الحرب ووضع تهم الخيانة العظمى موضع التنفيذ، ان الزيادة الكبيرة في اسعار المواد الغذائية والمستلزمات اليومية والوقود والطاقة والماء بعد ازمة كورونا وحرب أوكرانيا لم تتوقف حتى جاءت إجراءات وقرارات ادارة ترامب ورفعت كل الاسعار من جديد وبشكل اكبر وخصوصا المواد الغذائية والأزمة المتوقعة القادمة بعد افراغ الحقول من العمال وكذلك تقليل الصادرات الغذائية لأمريكا من قبل كندا والمكسيك. إن ما يؤسف في هذا الظرف هو انه بالرغم من القادم والأزمة الاقتصادية والسياسية المتوقعة الّا ان ليس هنالك تنظيم جماهيري مناسب يستطيع الأخذ بزمام الأمور وتنظيم الجماهير بل ان نفس فئات الرأسمالية الأخرى ستستخدم العمال للعمل ضد بعضهم البعض وبدء مرحلة رأسمالية جديدة بفئة جديدة او أسلوب جديد دكتاتوري استعبادي لا يلبس وجه البراءة والديمقراطية.
#قاسم_هادي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟