أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سربند حبيب - »ظلال الحروف المتعبة«: محاكاة الوجع الكوردي وأحلامه للشاعر-روني صوفي-















المزيد.....

»ظلال الحروف المتعبة«: محاكاة الوجع الكوردي وأحلامه للشاعر-روني صوفي-


سربند حبيب
قاص وباحث

(Serbend Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 17:28
المحور: الادب والفن
    


صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان »ظلال الحروف المتعبة«، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف بين الحلم والواقع، الحبّ والخذلان، وتضع القارئ أمام أسئلة وجودية كثيرة، ليستهلّ مجموعته بهذا الإهداء:
إلى الأنثى التي لا أعرفهاً.. لكنّنا نمضي معاً مثل الوقت.
أحذروا...
الذين يقرأوُن
الكُتُب دائماً ..
أن حُبهم عظيم،
وكرهِهِم بقناعة.
تعتبر مجموعة »ظلال الحروف المتعبة« رحلة ذاتية وجدانية، ينبش روني من خلالها عن حبّ ضائع في أنين الحياة، مستخدماً لغة سلسلة غير مبتذلة، مألوفة على سمع القارئ، وكلمات ذات دلالات، لبناء تشكيل فنّذي، يعكس صراعه الداخلي وسعيه الدؤوب، نحو حياة تملؤها الحبّ والسلام. تنقسم المجموعة في شكلها الفنّي إلى أربعة فصول: (الحبّ، الحمل، الإجهاض، شذرات)، لكنها تحمل في طيّاتها مواضيع كثيرة (العشق، الولع، الأمل، التحدّي، الشوق، الحنين...، واليأس)، فهي حبلى بالمشاعر والأحاسيس.
أرجوكم أوقفوا الريحَ
واستبدلوها بالرقص..
وأنتِ أيتها المجنونةُ
خذي قلبي واكتبي
قصائدَ العشقِ بأناملكِ
أوقدي حواسَكَ الستّ
وحاولي أن تلعبي بالنار
على جسدي المجمّد
ربما ندفنُ الأنينَ هناك
دعي الثقةَ تنضحُ من داخلكِ
وقولي إن صفيرَ الريِح
من ألحانكِ..
هنا، يشير الشاعر إلى أن الكلمة هي وسيلته الأمثل للعبور إلى عالم الأحلام والخيال، وهي بمثابة جسر يربطه بواقع آخر، أكثر تفاؤلاً وبهجة، وفي تفاعله مع الآخر، يسعى جاهداً لمواجهة نفسه، وتجاوز ظلالها المظلمة، بتعايشه مع الطبيعة، التي ترمز إلى الحياة النابضة بالحركة والنشاط:
تخيّلوا أن نصبحَ أبناءَ الحلمِ..
وتنبتُ أشجارُ الكرزِ بينَ أصابعِنا
وتفوحُ رائحةُ القبلاتِ
من وجناتِنا.
تخيّلوا أن نتحدّثَ كلّنا بلغةٍ واحدةٍ؛
لغةُ الحبِّ والموسيقى
فقط تخيّلوا!

هنا تعكس رغبة الشاعر الملحّة في تحقيق التآلف والانسجام مع الآخر، بتوحيد لغة العالم في لغة العشق والموسيقى، التي يراها من أقوى اللغات تأثيراً في نفس البشرية، وهي الوسيلة الأفضل لتعزيز الوحدة الروحية والجسدية، بدلاً من الانقسام والانشطار والانكسار، فهو يبحث عن بصيص أمل يضيء دربه ويخرجه من الظلمات.
تعِالي يا مرُهَقِةَ الروحِ!
لا أحدَ سينافسُنَا
على الموتِ..
إن كان هنِاكِ جريمةٌ فإنها صِنعُ والديكِ
هُمِ قدّموك لعذابات الحياةِ
تعِالي، ما زلْنا نملكُ الكثيرَ مثل كاتبٍ خجولٍ يتكئُ تحت
سقفِ الكلمات
تعالي لنكونَ الأكثرَ حُمقاً
في دنيا العشق.
يبتكر روني فضاء مختلفاً لعمارته الشعرية، بالتوغّل في غوايات النفس، حيث يؤسّس رقعة الكلمة في مساحة الإحساس بالمتخيّل على نحو يرى علاقته بالواقع، ويتبع حضوره في الراهن باستحضار صور شعرية منسوجة من مخيّلته الكوردية القلقة، التي تعكس حالته الوجودية، فثمة نبرة تحدّي واضحة للعادات والتقاليد البالية، يجب الانعتاق من عبئها، بحثاً عن الحرّية.
حينما يقهرُ الكردي
يخاطبُ الله..
إلهي، نحن نموتُ بفتاوى!
الذين بشّرْتَهم بالجنّة
إلهي نحن نموتُ
بفتاوى وسور
قرآنية!!
سورة الفتح في عفرين
وسورة الأنفال في حلبجة
إلهي..
نحن نموتُ على يد
الذين لا يستحقون الحياةَ
ويرفعون
الراياتِ السودَ مدوّنةً
بـ لا إله إلا الله، محمد رسول الله
يسرقون
ينهبون
يصلبون
ويقتلون الإنسانيةَ والطفولةَ
ويردّدون:
الله أكبر
والعزّةُ لله.
يثور الشاعر في هذه القصيدة على واقع الكوردي، الذي عاش منذ ظهور الإسلام تحت وطأته، مستغلاً صفائه وطيبة قلبه من قِبل وكلاء الربّ على الأرض، فقد كانوا وقود لمعارك ليست لهم، مخاطباً إياه وشاكياً على مبشّريه لأفعالهم الشنيعة بحقّ الكورد، عندما يقتلون على أساس هويتهم، فما ذنبهم إذا خلقوا كورداً.
مدينتي تشبهُ قلبي،
قلبي الذي يشبهُ كنيسةً مهجورة
خلفَ كلِّ شيءٍ لا شيء
وألفُ شيءٍ خلف كلّ شيءٍ
يحكمُها أبالسةُ العصر
مدينةٌ ترقصُ وتغنّي
على أجساد أبنائها
مدينةٌ جميلاتُها
يحرقْنَ جدائلَ شعرهنّ
للتدفئةِ
مدينةٌ تبحثُ عن الخلاص
في موتها.
عبّر الشاعر عن سخطه الكبير إزاء مدينته المدمّرة، بعد أن أصبح أبناؤها وقود الحرب والدمار، تحترق بجدائل جميلاتها، وأصبحت قربانة لسياسة خاطئة، وتحولت مقبرة تبتلع قاطنيها وتبحث عن خلاصها بهلاكها.
تتناول المجموعة موضوع البحث عن الحبّ والأمل والسلام، في مواجهة ظلام العالم ووحشيته المقيتة، يصوّر الشاعر رحلة ذاتية نحو ضفّة الحلم، حيث يسعى للحصول على الحرّية والأمان والحبّ، فثمة صراع بين الصمت واللحظة العالقة في دهاليز الحياة، يصوّر لنا الشاعر حالة من الانتظار والتأمّل في العبثية.
تتميّز لغة المجموعة بالبساطة والسلاسة والصور الشعرية الدفينة. يستخدم الشاعر فيها مفردات ذات دلالات عميقة، مثل: (الحلم، الأمل، العشق، الوهم، الحرب، الحنين، الشوق... وغيرها. وأسلوب شعري فيها نوع من الموسيقى الداخلية، وذلك باستخدام تقنيات مثل التكرار: (اذهبي، اذهبي، اذهبي، ولكن عودي)، والمجاز: (تتكئين على الهواء مثل السماء)، والتشبيه: (أهرب من ذاكرتي كمرآة مكسورة).
في المجموعة صور شعرية جميلة ومؤثرة: (سلالم الجوع لدى أطفالي صفرٌ)، في الحرب يصبح الجوع سيّد الموقف، فهي الحالة الغريزية للوجود الإنساني. كذلك: (لنجعل أنينه موسيقى)، وصف الألم في أقسى درجاته، بأن يصبح الأنين موسيقى روحية، فهي تضيف بُعداً حسّياً وعاطفياً، وتعكس حالة من الحزن والانكسار، (تخيّلوا أن نصبح أبناء الحلم)، هذا التشبيه البليغ يضفي حسّاً جمالياً من الأمل والحبّ.
في المجموعة رموز عديدة، تعكس معانٍ عميقة (الضوء): حيث يرمز للأمل والخلاص. (الظلام): يمثّل الأسى والمعاناة. (الحلم): هو المغزى الأساسي، الذي يرنو إليه الشاعر. (الروح والجسد): يمثّل الحياة والحركة. (الشجرة): ترمز إلى الأمل والازدهار. (المرأة والجسد): ترمز إلى الخصوبة والعشق.
يتنوّع الإيقاع في المجموعة، ما بين السريع الانفعالي إلى الإيقاع البطيء التأمّلي، الذي يخلق حالة من الشجن المؤثّر، ولكن الحركة الداخلية للقصائد مفكّكة، تحتاج إلى الضبط في التسلسل والتماسك النغمي، وكذلك الإيقاع الخارجي غير منضبط في بعض القصائد.
كتبت المجموعة بأسلوب شعر حرّ، مع استخدام التفعيلة في بعض الأبيات، ولكن بعض القصائد تفقد وحدتها العضوية في الشكل والمضمون، ويبقى البناء الشعري متناسب مع موضوع القصائد، التي تعكس حالة من الشغف والبحث عن الحبّ.
رسالة المجموعة هي البحث في زمن انعدم فيه الحبّ عن خيط أمل في مواجهة بشاعة العالم، الشاعر يتصدّى للحزن والألم بصمت وتأمّل، ويحاول الوصول إلى ضفّة الحلم بقوّة عشقه للحياة، فثمة إحساس بالتحدّي والصمود في وجه الشدائد.

إن مجموعة «ظلال الحروف المتعبة»، هي تجربة شعرية جميلة، مرهفة بحسّ الشاعر القومي، بما يُصاحبها من وجع وألم، وما يتلوها من فرحة بالخلق والإبداع وحضوراً جميلاً، يقترب من الحياة، حيث يواجه الشاعر صراعاته وأحلامه وآلامه من خلال إحساسه بالكلمة الباحثة عن المعنى في ضوء الأمل.



#سربند_حبيب (هاشتاغ)       Serbend_Habib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبودية بنكهة التقانة
- المغتي والموسيقي الكردي جانيار
- سيميائية الصورة اللا منطوقة في فيلم «الذبح الحلال»
- «لأنك استثناء»: تجلّيات الذات في مواجهة طغيان الواقع
- جحيم حيّ: تأبين الوجع في يقين وطن يحتضر!
- لعبة الحبار (Squid Game): سيكولوجية البقاء بمصيدة الفقر في أ ...
- أرواح تحت الصفر: جرح متأنّق بلوعة الفراق ولذّة اللقاء
- القراءة بين مطرقة سوشيال ميديا وسندان العولمة
- الحب كرنفال إلهي: لغة الحب والعشق في زمن الحرب
- أرض محرمة -No Man’s Land-: سوريا جرح مفتوح في خاصرة العالم
- موج شاحب: مناجاة الأمل في حضرة الكلمة العبثية
- أكتب؛ لأنني موجود
- ضحكة مسروقة... وبقايا أمل
- الفينومينولوجيا
- الملحمة الغنائية الغربية ( كارمينا بورانا )
- فيلم المنصة: أزمة البقاء من منظور طبقي
- فيلم (Henarê Bextwere) -الرمان المحظوظ - للمخرج الكردي : جان ...
- التشويق والاختزال للوجع السوري في رواية «رصاصة أخيرة»
- قراءة في كتاب السلوك والأخلاق للمفكر الأستاذ حميد بركي من إع ...
- قراءة في كتاب السلوك والأخلاق للمفكر الأستاذ حميد حسين من إع ...


المزيد.....




- 5 منتجات تقنية موجودة فعلًا لكنها تبدو كأنها من أفلام الخيال ...
- مع استمرار الحرب في أوكرانيا... هل تكسر روسيا الجليد مع أورو ...
- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...
- الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي علي: ترجمة الشعر إبداع يوط ...
- دراسة تنصح بعزف الموسيقى للوقاية من الشيخوخة المعرفية.. كيف؟ ...
- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سربند حبيب - »ظلال الحروف المتعبة«: محاكاة الوجع الكوردي وأحلامه للشاعر-روني صوفي-