سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 04:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كمسلم ليبرالي غير علماني وغير أصولي فإنني أرى يمكن بناء دولة سوريا الجديدة والرشيدة وفق الفكر العربي الإسلامي (الليبرالي) بعيدًا عن ايديولوجيات الأصولية العلمانية وكذلك الأصولية الدينية لتصبح سوريا أول دولة عربية مسلمة تعلن في دستورها بأنها دولة ((ليبرالية)) دينها الإسلام، أي أنها دولة مسلمة لكنها (ليبرالية) وليست (أصولية)..... وليبرالية تعني من حيث المنهج أنها تفهم الأسلام وفق منهج عقلاني تجديدي مستنير يميز بين ما هو ((ثوابت)) وما هو ((متغيرات)) في الاسلام وهو مفهوم أساسي في الفكر الإسلامي الليبرالي التجديدي المتحرر من الفهم التقليدي!، وكذلك الليبرالية تعني من حيث المبادئ العامة أن الدولة ينبغي أن تكون دولة غير شمولية بل دولة ليبرالية تحترم حقوق وحريات وخصوصيات الأفراد والأقليات وعلى رأسها الحرية الدينية والاعتقاد وأساسها الآيات القرآنية التي تقر هذه المبادئ الأساسية في تعاليم دين الاسلام وبالتالي في دولة المسلمين وهي مبادئ وقيم دستورية ثابتة غير قابلة للنسخ، فالنسخ إنما يقع على الأمور العملية مثل تحريم الخمر على المسلمين الذي تم بالتدريج أو الصلاة والصوم..الخ وليس على القيم والمبادئ الأساسية والقواعد والمقاصد الكلية للشريعة مثل تلك التي أقرتها الآيات التي تقول: ((لا إكراه في الدين)) ((أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين!؟؟))((لست عليهم بمسيطر)) ((وما أنت عليهم بجبار)) (((من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) ((لكم دينكم ولي دين)) إلخ وغيرها من الآيات القرآنية التي تقر المبادئ والحقوق الأساسية في المجتمع الوطني المسلم وبالتالي في دولة المسلمين التي في حقيقتها هي دولة (ليبرالية) وليست (شمولية) وهكذا حالها فيما يتعلق بالاقتصاد فهي كما تحترم حقوق وخصوصيات الأفراد والأقليات فإنها تحترم حرية السوق والاقتصاد، فهذه هي الدولة الليبرالية، لكنه مع هذا هي دولة تعلن أنها دولة مسلمة، دينها الإسلام، وأن رأس الدولة ينبغي أن يكون مسلمًا، وهو أمر يشبه لما في بريطانيا، فبريطانيا التي هي أم الديمقراطية الليبرالية في الجغرافيا والتاريخ فإنها في حقيقتها العميقة ليست دولة (علمانية)(لا دينية) بل هي (دولة مسيحية) لكنها دولة مسيحية متسامحة تضمن حقوق وحريات وخصوصيات الأفراد والأقليات، وعلى رأسها الحقوق والحريات والخصوصيات الدينية، فهذه هي (الليبرالية) كما نشأت وتطورت في بريطانيا ربما منذ رسالة (جون لوك) عن التسامح الديني كأساس للحياة العامة، ولكن كما هو معلوم في كل الدول الليبرالية فإنه لا توجد حرية مطلقة لا للأفراد ولا للاقتصاد فهناك ضوابط وقواعد عامة يجب الالتزام بها لحماية ثوابت وهوية المجتمع الوطني، فكل الدول الليبرالية لها ضوابط وقواعد للحرية تنبثق عن ثقافتها وأخلاقياتها وخصوصياتها والمصالح العليا للمجتمع والدولة تكون بمثابة الخطوط الحمراء، والليبرالية كمذهب إنساني وعقلاني قامت أساسًا على مبدأ التسامح الديني مع صرخة كتاب ((التسامح)) لجون لوك في بريطانيا في القرن السابع عشر، فالتسامح الديني بين طوائف الأمة الدينية أمر أساسي في الليبرالية بحيث لا تزدري الأغلبية دين الأقليات، ولا تزدري الأقليات دين الأغلبية، تمامًا كالحال في علاقة المجتمع بالأفراد، فكما لا يجوز للمجتمع الوطني أن يعتدي على خصوصيات ومصالح الأفراد، كذلك الحال لا يحق للأفراد التعدي على خصوصيات ومصالح المجتمع ككل، فالليبرالية - التي سبقت في وجودها الديمقراطية - كفلسفة اجتماعية عقلانية وإنسانية تقوم على أمرين:
(1) التسامح
ويعني أن تنتشر قيمة وروح وعادة التسامح بين المجتمع والأفراد، وكذلك التسامح بين الأغلبية والأقليات.
(2)الموازنات الذكية الرشيدة
وتعني أن تكون هناك موازنة ذكية ورشيدة بين ما قد يبدو على أنه تناقضات بين حقوق ومصالح الأفراد، وحقوق ومصالح المجتمع، وكذلك الموازنات الذكية الرشيدة بين ما قد يبدو تناقضات بين شرائح المجتمع الوطني المختلفة بين حقوق وخصوصيات الأقليات وحقوق وخصوصيات الأغلبية!
والمقصود هنا بالأغلبية والأقلية ليس بالمعنى السياسي فذلك شأن الديمقراطية وليس الليبرالية، إنما الليبرالية تُعنى بالمفهوم الديموغرافي والثقافي للأغلبية والأقلية.
وهكذا وعلى أساس استحالة تطبيق العلمانية التي تقول أن ((الدولة لا دين لها)) و((الفصل التام بين السياسة والدين)) وهو أمر أصولي بل ربما نظري (طوباوي) خصوصًا في عالمنا العربي في عمره الحضاري والسياسي الحالي، وفي ظل هذه الظروف الدولية التي تعود فيها الاتجاهات الدينية للتغلغل في الدول المعاصرة وعلى رأسها أمريكا وروسيا وكذلك دولة اسرائيل(!!!)
فإن البديل العقلاني الرشيد لاستحالة تطبيق العلمانية في عالمنا العربي الحالي وخلال كل الزمن المنظور وربما لمئات السنين القادمة فليس أمامنا إما أن نستسلم لزحف الخط الإسلامي الأصولي أو نعود لمشروعنا العربي الإسلامي الليبرالي الذي انطلق في بداية القرن العشرين كمشروع للنهضة العربية الفكرية والأدبية بل والسياسية والذي سبق وجوده وجود خط الاسلام السياسي (الأصولي) المتمثل في جناحيه: الإخواني والسلفي!
المطلوب اليوم هو استكمال مشروع نهضتنا على أساس هذا الخط (العربي/الإسلامي) الليبرالي التجديدي العقلاني المنفتح والمتسامح والذي يمكن على أساسه بناء دولنا العربية والمسلمة الحديثة دون أن نتورط لا في العلمانية ولا في الأصولية الدينية!
وهذا ما ندعو إليه اليوم القيادة والنخب السياسية السورية إذ يمكن بناء دولة سورية الجديدة مع الأخذ في الاعتبار أن التركيز يكون أولًا على تمكين (الليبرالية) قبل (الديمقراطية) وذلك من خلال تعزيز هذه الروح الليبرالية في الدستور وفي سلوك الدولة ولدى المجتمع السياسي والنخب السياسية ودون تناقض مع مبدأ (الإسلام دين الدولة ودين الرئيس) وهو الأساس المتين لنجاح أي تجربة ديمقراطية إذ بدون تعزيز هذه الروح الليبرالية في المجتمع والدولة فإن التجربة الديمقراطية لن تقوم على أساس متين ويمكن أن تنزلق إما للفوضى كما حدث في كل تجاربنا الديمقراطية الفاشلة منذ الاستقلال، أو تنزلق لديمقراطية شعبية شعبوية و(شكلية/إجرائية)، أي الديمقراطية الشكل والجسم بدون المضمون والروح!.. وهي الديمقراطية الاجرائية الجوفاء التي يمكن لها بقوة الأغلبية أن تنقلب على الليبرالية وتسوقها نحو الشمولية كما حدث في أوروبا الديمقراطية خلال القرن العشرين وكما قد يحدث لاحقًا مع تصاعد الحراك اليميني القومي والديني غير الليبرالي!!... لذا أنا أنصح كل الدول العربية وخصوصًا سوريا الجديدة بعدم الاستعجال في الدخول في حلبة التنافس واللعبة الديمقراطية إلا بعد تعزيز روح الليبرالية في المجتمع والدولة وإلا فالنتيجة معروفة سلفًا !! وهو الفشل والفوضى وإعادة انتاج الحكم الجبري والشمولي المهين والبغيض!
الحل الواقعي الجذري و الاقتراح الأخير:
إذا دخلت سوريا تحت تأثير الضغوطات الغربية المستعجلة وربما ((المشبوهة)) إلى حلبة السباق الانتخابي والصراع السياسي كما حدث فيما كان يُعرف بدول الربيع العربي التي حولته النخب السياسية العربية المراهقة والفاشلة وغير الرشيدة إلى خريف مخيف!
إذا حدث، لا سمح الله، هذا لسوريا ثم سقطت أو كادت أن تسقط في هاوية الفوضى العارمة أو الديكتاتورية الشمولية الدموية أو حتى هاوية التقسيم فإن الحل السياسي والعقلاني والجذري والشجاع لهذه الحالة هو أن تتخلى سوريا على هذا ((الشكل والقناع الجمهوري الزائف)) الذي تعيش تحته وترتديه كل الجمهوريات العربية المزيفة التي ليس لها من النظام الجمهوري إلا اسمه، وتعود إلى نظام سياسي تكون فيه هناك عائلة أميرية أو ملكية تمثل أداة ورمز الوحدة والاستقرار - ويمكن أن يكون هذا الملك أو الأمير الرئيس الحالي (السيد أحمد الشرع) وولاة عهده من ذريته – ويكون الدور الأساسي لهذه العائلة الرئيسة للدولة هو حماية الوحدة والاستقرار ورعاية عملية النمو الليبرالي والديمقراطي والاقتصادي للبلد بطريقة هادئة وتدريجية - كما في المملكة المغربية وإمارة الكويت مثلًا لكن بالخصوصيات القطرية السورية - حيث يترأس الملك أو الأمير الدولة دون أن يمارس السلطة والسياسة بنفسه بل يترك ذلك للنخب السياسية من خلال العملية الديموقراطية، بحيث من يفوز بالأغلبية في مجلس الأمة (البرلمان) هو من يحكم، ولكنه يحكم وفق الدستور ووفق ثوابت السياسة الداخلية والخارجية للدولة وكذلك تحت رقابة الملك أو الأمير – رئيس الدولة الدائم – وحارس الوحدة والاستقرار وحامي حمى ثوابت هذه الأمة الوطنية بل وحارس الليبرالية والديمقراطية بل وحارس التجربة البرلمانية بحيث لا تقع البلاد - في ظل الصراعات والمناكفات السياسية والحزبية بين الفرقاء السياسيين - في الفوضى وفي دوامة خلق أزمات سياسية خانقة قد تؤدي إلى عودة العسكر للسلطة بدعوى إنقاذ وحدة البلاد من الفوضى التي أحدثها المراهقون السياسيون!! وهو خطر قائم في العالم العربي بالفعل وقد حدث كثيرًا، فيجب الاحتياط له وسد ذرائع حدوثه!، وبدلًا من حاجة الوضع السياسي المأزوم والخانق لتدخل العسكر فإننا في دساتيرنا الملكية والأميرية الديمقراطية الليبرالية نعطي الملك/الأمير حق إجراء هذا الانقلاب السياسي بطريقة دستورية وناعمة وهادئة واجرائية ودستورية، فعند حدوث أزمة سياسية أو معيشية خانقة تهدد وحدة واستقرار البلد بسبب عبث النخب السياسية وغياب الرشد السياسي فإن الملك/ الأمير يُنذر البرلمان وقواه السياسية بحل الأزمة في خلال إسبوعين وإلا يقوم بتفعيل المادة الدستورية التي تعالج مثل هذه الحالات، فيقوم بحل البرلمان الفاشل وإعفاء الحكومة ويأمر الساسة للذهاب في عطلة سياسية لمدة عدة أشهر ثم يرد الأمر للأمة لتنتخب مجلس أمة (برلمان) جديد، هذه الخاصية ضرورية في مثل هذا العمر الحضاري والسياسي لشعوبنا العربية ونخبها السياسية غير الراشدة، وإلا فالديمقراطية إما أن تنزلق للفوضى أو لسيطرة طرف سياسي يحولها إلى مجرد لعبة اجرائية تعزز وجوده وحكمه كما يحدث في جمهورياتنا العربية الحالية المزيفة القائمة على أساس حكم العسكر أو المخابرات أو المحاصصة الطائفية والعرقية!
********
أخوكم العربي/ البريطاني المحب
الاتجاه العربي الإسلامي الليبرالي غير العلماني وغير الأصولي
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟