زمن الذئب 2003(مايكل هاينكه):عالم الملاذ

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 02:50
المحور: الادب والفن
    

في التعاون الثاني بين المخرج النمساوي مايكل هاينكه والممثلة الفرنسية (إيزابيل هيبرت)،يحقق هاينكه فيلما يبدو مشكلا جدا من حيث النظر إلى عمق ما يريد قوله هاينكه،وهو التشاؤمي صاحب الفلسفة الملتبسة جدا،حيث من الصعب جدا أن نبني تشكيلا مرتبطا-ولو بخيط ضئيل- لرؤية مايكل هاينكه الفلسفية من خلال أفلامه.
زمن الذئب،فيلم من الممكن ان يشاهده المشاهد-حتى العادي-ومن الوهلة الأولى لن يخرج بنتيجة مرضية لتساؤلاته،فالواضح جدا أن الفيلم متواري،مُتدثر، بحكاية نحن لانعرف إن كانت هي كناية أو حتى كانت رمزا.
تحضر العائلة المكونة من فريد وزوجته آنا مع ولديهما إيفا وبن القريب من العشر سنوات،إلى كوخهم الشتوي في أعماق غابة مجهولة بعيدة عن العالم،وهناك يتفاجأوا بعائلة أخرى اقتحمت منزلهم،وسرعان ما سيقتل الأب من قبل ذلك الغريب أمام زوجته،لتبدأ رحلة هذه العائلة في عالم مقفر،عالم خلقه هاينكه داخل عالم متوقع.
كيف يمكن أن ننتقل إلى عالم مقفر،وحيد،وكانه قبل الزمن،وكانه مكان بدائي،أو مكان انتهى العالم به...؟!
هذا التداخل بين العوالم غير ممكن على الاطلاق،والانتقال السريع لهاينكه بين هذين العالمين شيء محسوب له،ومحسوب لفيلمه هذا تحديدا،بحيث عمل على انتقال من عالم متوقع إلى عالم غير نتوقع...عالم مبني سورياليا،فنتازيا،هدفه واضح،ألا وهو الوصول التدريجي إلى انعدام الشفقة بين البشر...الأنانية التي تنكشف في ظروف بونويلية-من لويس بونويل-بين البشر.
هنا يتعرفون في هذه الرحلة-التي يصادفون فيها أشخاص يرفضون مساعدتهم بالقاء كلمات غريبة-على شاب عشريني يبدو بانه هائم على وجهه في هذا العالم بعد أن يأس من حضور القطار الذي سينقلهم إلى عالم الحضارة.
يصادفون في طريقهم خروف ميت،بقول:بالتأكيد مات من العطش،أو قتله الرعاة ليشربوا من دمه...؟!
في الطريق يصلون إلى منزل أشبه بالملجا...هنا الجميع ينتظر انحسار الكوب لكن ضمن قواعد كيسلوفسكي الصارمة
في فيلم ألعاب ظريفة بجزأيه الأول والثاني،هناك غريب مقتحم والذي لايبدو بالنسبة إليه الآخر سوى لعبة ممكنة من التعذيب والانتقاص،هذه الغربة تعني بالنسبة لهاينكه أساس العلاقات المبنية اجتماعيا وحضاريا بين البشر،غنه الصورة الأنانية إلى اقصى حد،الأنانية المسرفة المكثفة بالنسبة للآخر...هذا الآخر الذي يعني بأني لابد لي من التخلص منه مهما كان السبب أو كانت الطريقة،وحتى لو كان السبب بدون سبب.
الغريب المقتحم في هذا الفيلم قتل فريد بدم بارد من أجل سبب،ولكنه غير مقنع في ظروفه اللحظية لأنه كان يستطيع تماما أن لايقتله.
كان يستطيع ان يحقق غاياته من دون فعل القتل هذا،وهنا وكان هاينكه يُقرر،ويُؤكد مسار العلاقات بين البشر
في فيلم الرمز مجهول،يطرح هاينكه تسائؤلا حول:كيف نتعامل مع الغريب الاجتماعي؟
إذا،من الممكن القول أن الغريب،او دعونا نقول الغريب الشخصي،اكتسب اهمية خاصة عند هاينكه من حيث الطرح المفهومي الخاص في الاستخدام من قبل مايكل هاينكه خاصة بعد ثلاثية برود العواطف.
لكن عائلة آنا لانستطيع القول عنها بأنها غريبة عن هذا العالم أو مثقحمة،لأن القدر ساقها إلى المكان الذي يبحث فيه التائه عن الملاذ في ظل انعدام الامكانيات.
لكن،إن كانت هذه العائلة فرنسية ومن الواضح أنها برجوازية-على اننا لانعرف عن خلفياتها أي شيء-ففرنسا حالة حالة أصيلة لجمع الملاذ،ومن خلال المسميات،ومن خلال اللغة أيضا يبدو بانها تجمع الملاذ من أوروبا الشرقية.
تكتسب أوروبا الغربية تفوقا واضحا في الحضور الأوروبي،خاصة بأن الألم كان عميقا لما يحدث في كوسوفو
لكن هذا بعيد عن محور هاينكه السردي،فهذا الملاذ الكل متساوي فيه،والكل يجب ان يخضع للقواعد الصارمة،أو ربما ينتظر ما تفضيه رحمة الآخر إليه خاصة بأن المدنية بعيدة جدا عن هذا العالم.
لابد هنا لكل شخص أن يتمسك بما تعلمه من حضارة،وبما يتذكره منها.
الحضارة هنا لاتعني المساواة،أنها تعني الموافقة،أنها تعني امكانية البقاء على قيد الحياة.
آنا وجدت من قتل زوجها،وكما توقعنا كانت من الزمة التي تعيش في المكان المألوف،أو بالأصح مكان الأشياء الأخيرة.
إنه مكان مُسقط من قبل هاينكه،مكان الأشياء غير المهمة،غير المنظور لها والتي باتت فجأة ذات قيمة
هناك شخص يدعى أغلوسكي مما توصلنا إليه من خلال الشذرات القليلة جدا التي وضعها عنه هاينكه،يبدو مغرم بالقاصرات من عمر إيفا،ويبدو بان ابنته انتحرت نتيجة لذلك.
هذا شيء لم يقوله هاينكه صراحة ولكن توصلنا إليه ضمن الاحتمال ليس إلا
المشهد النهائي في الفيلم هو صوت لقطار يمشي من دون أن نرى صورته يخترق الغابة ومن حوله الأشجار
كما قلنا،ما يحاول ان يقوله هاينكه في الفيلم ملتبس جدا،ثم عنوان الفيلم (زمن الذئب)،هل هو الإنسان الذي حكمت عليه الظروف بان يكون ذئبا،بل ما هو أبعد من ذلك،لأن الإنسانية جمعاء تخفي ذلك الذئب الكامن والمستعد للظهور مع ابسط الظروف،بل وحتى من دون تلك الظروف؟!
على الرغم من شهرة الفيلم،والجوائز،لكننا نعتقد بان الفيلم متوسط المستوى الفني ويستحق المشاهدة بأي حال من الأحوال.
هناك شيء في هذه المعالجة الكبيرة ناقص،نحن لانطلب من هاينكه توضيح مايريد ان يقوله على الاطلاق،ولكننا نكرر،فهناك شيء في هذه المعالجة الكبيرة ناقص.
20/12/2024

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل