الثورة 1993(مايكل هاينكه): أندرياس بم اعلن نفسه ملحدا

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 13:10
المحور: الادب والفن
    

مع ثلاثية برود المشاعر،أصبح مايكل هاينكه سيد الصنعة،ومن أفضل وأشهر المخرجين في العالم،لكنه هنا يعود إلى حنينه الأول،حنين العمل مع التلفزيون محققا أفلاما ثورية افضلها هو فيلمه الأول:مغادرة ليفربول.
فيلم الثورة،هو فيلم شخصي ذو تكثيف سردي لمسار شخصي مأساوي لشخصية المجند السابق (أندرياس بام)،حيث يبدأ الفيلم مع فقد أندرياس لقدمه في الحرب وتسريحه من الخدمة بعد أن كوفىء بميدالية،لكنه على الرغم من كل شيء كان مؤمنا جدا بعدالة الله،والجملة الأخيرة ذات ممفتاح كبير وواضح لما أراد مايكل هاينكه ان يقوله...
إن كانت هذه الرؤية محملة برؤية لارسن فون تراير المتشائمة حول مستقبل أوروبا،إلا ان هذا الخداع لن يسير حتى النهاية،فالفيلم |غن كان يبدو عن الحرب ومآسيها والمصير الأسود الذي ينتظر أوروبا،على أنه سيبدو لاحقا بشكل أوضح عن علاقة الإنسان بالأقدار وبالله نفسه.
كان بم سعيدا في أيامه الأخيرة في المعسكر بكلمات ذلك الوثني التي اعادت تشكيل ذهنه،وأطلقته من الواجب-الخدمة العسكرية-للتفكير بشكل أوسع.
من الواح أن بم ذو إيمان بسيط جدا،ولم يشغل ذهنه أبدا في موضوع التفكير أو تحليل هذا الإيمان،بمعنى اطلاق نظرة واسعة...أكثر اشكالية وأكثر جدلية.
أندرياس لايمتلك حتى عائلة بينما،عندما يحضر زوار النزلاء الآخرين،يتناول كتابا من مكتبة السجن،أو يحاول تخيل ما هي سنوات حياته القامدة،وكيف سوف تكون.
هو يمتلك مقومات كبيرة ليكون احد شخصيات دوستيوفسكي،حي يمتلك أولا عنصر ناقصا عن الآخرين،وهو قدمه المبتورة،وغير ذلك الوحدة التي تقبع في دالخه.
نوعا من الممكن أن يكون شخصية (مذكرات من تحت الأرض)،على أنه لايمتلك ذلك التأنيب الذاتي ليكون شخصية كافكا (الحشرة)...يشعر بم برجفة واضحة أمام لجنة تسريحه من الخدمة،وكأنه خائف من مغادرة القبو الذي يعيش فيه حتى لو كان قد خسر فيه عضوا من أعضائه...القدم الذي جعلته أقل من الآخرين.
سيتخدم مايكل هاينكه الراوي لتكثيف المشاعر الشخصية وشرحهها أكثر،كما انه يستخدم التمازج اللوني(بين الأبيض والأسود والألوان)،ويبدو أيضا واضحا في بعض اللقطات استخدامه للظلال مما يعيد الشكل التعبيري للحضور مع مزجه للون الرمادي الفاقع مع التمازج أعلاه.
لكن:فيلم الثورة ليس فيلم شكلي على الاطلاق
يعمل أندرياس بم كعازف أورغن-شيء أشبه بصندوق الدنيا-وهو غير محاط بذلك الشعور المحبط حول التخلي الاجتماعي،مما يجعله أيضا-بشكل لايشوبه أي نوع من التردد-يمتلك شيئا من بلاهة دوستيوفسكي.
يحلم بم بالمرأة،وبسرعة يتعرف على أرملة سرعان ما سستخلى عنه لأنه يفقد رخصته...ربما رخصة العمل أو شيء من هذا القبيل،في شجار سطحي ذات علاقة بالسياسة،ومن الجدير بالذكر أن أفضل علاقة حققها بم في تلك الفترة البسيطة التي نزوج فيها الأرملة هي مع حمار.
استطاع أندرياس بم أن يبني علاقة بالرغم من كل شيء...وان كان هو شخصيا لايمتلك ذلك الشعور بحقارته الاجتماعية-فهو حتى أقل من أن يفكر في ذلك-ولك هذا دليل واضح على جزئية مهمة حاسمة في رواية الحشرة.
بم مدان،وهي تهمة ليست منطقية...هي تهمة مبالغ بها جدا
هذا الشيء يدفعنا الى القول أن هاينكه وقع في الفخ الميلودرامي بامتياز
بم لاينتظر غودو،بالمفهوم الحسي القصدي الفلسفي...بل هو ينتظره بتلقائية من خلال إيمانه البسيط،بل الأكثر من بسيط،لكن الظروف التي أقحمه هاينكه فيها يجعلته رغما عنه يفكر في اشياء أخرى...ربما الاهمال عند سارتر.
لقد فكر مليا بكلمة واحدة:ملحد
وهي الكلمة التي كان يستخدمها أحيانا والتي بدات فجأة مختلفة وذات معنى آخر،مما جعل نفسه تفوز بها كما فازت ذات يوم بميدالية:أندرياس بم اعلن نفسه ملحدا
ثم نلاحظ ان هناك ضوء ينعكس من نافذة سجنه...هذه الخلطة الأدبية الميلودرامية أنضم إليها بيرغمان ذات مرة في ثلاثية صمت الله،أو من خلال زجاج معتم...بدا هذا الشك عندما طلب بم اطلاق سراحه من اجل اطعام الحمار والسنونو الذي يحدثه على شباك سجنه.
هل تعتقد أن الله يهتم بهذه الطيور...؟!
أنا بالكاد أعرف الناس،أبناء جنسي جائعين حتى لو فكرت بأنني قاتلت في الحرب وخسرت ذراعي
ربما أنا لست من الجنس البشري،أو ربما مريضا بالسكتة القلبية...أنا مثل أي شيء موجود
يتكامل المسار الشخصي المأساوي لبم،ليخرج من السجن ويرى نفسه بجسد عجوز منهك،وليس من الغريب –إن كانت هناك يدا محبوكة تحرك هذه الحبكة-أن ينتهي ميتا في احد الحمامات التي كان يعمل بها بمهنة عامل تنظيف تقريبا.
حاول هاينكه أن يقدم حبكة تشاؤمية بكافة أبعادها وتشعباتها:
دوستيوفسكي،كافكا،صموئيل بيكيت
بيرغمان ولارسون فون تراير
لكن هذا التكثيف الشخصي المأساوي الميلودرامي لم يكن مقنعا إلى حد ما...ربما كبير
على كل فيلم الثورة التلفزيوني ليس بالفيلم الكبير،ولايمكن ان يقارن مع معالجة بيرغمان في الثلاثية،ولا معالجة انتونيوني في ثلاثية ضياع الانسان،ولا حتى معالجة هاينكه نفسه لثلاثية برود المشاعر،لكنه يستحق المشاهدة بأي حال من الأحوال.

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات