أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - انحرافات 1983(مايكل هاينكه):وجود ويوتوبيا














المزيد.....

انحرافات 1983(مايكل هاينكه):وجود ويوتوبيا


بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 16:16
المحور: الادب والفن
    


تبدأ الحياة بتصور طوباوي معتاد،فالانسان يبدا حياته متصورا بأن سيحقق كل آماله،ويبني أحلاما سعيدة حول مستقبله الزاهر،لكن الوضع الطبيعي يجعل منه يصطدم بواقع حياتي صعب،غير متوقع ويكون بالتالي في وضع اختيار بين نتيجيتين:
النتيجة الأولى هي ان يواجه الفشل غير المشمول بالأمل...وهذا وضع غير مثير للاستغراب أبدا
والنتيجة الثانية هي ان يحقق كل طموحه،ولكن هذا لايعني ابدا تحقيق الوضع الطوباوي المستقر والمتوقع،لأنه سيواجه الآن عقبة جديدة لا تقل معضلتها عن النتيجة الأولى ألا وهي الملل.
الزوج يأنف من زوجته ويتمنى زوجة جديدة ويعتقد ان هذا هو مفتاح السعادة على الرغم من ان هذا ينطبق على السيارة كذلك...
فالمريض يتمنى الصحة والعنين يتمنى الولد وهلم جرا...
من خلال هذه المقدمة البسيطة والمختصرة،التي من الممكن ان نؤلف عنها كتابا مع شذرات لاتنتهي من الفلسفة التي ناقشتها مطولا،هي موضوع فيلم انحرافات 1983(مايكل هاينكه)
فهذه الانحرافات الطبيعية القسرية عن المسار الطوباوي المتوقع البشري تؤكد ان اليوتوبيا غير موجودة،ولا يمكن ان تكون موجودة،ولأبسط الأسباب.
فمن أجل خلق يوتوبيا من نوع معين عليك ان تخلق مجتمع انساني متصف بصفات الكمال المتفق عليها أيضا من قبل المجتمع نفسه،وهذا ضرب من المستحيل.
على الرغم من حبكة الفيلم التي غرقت أحيانا في السرد المبالغ فيه...وكأن هاينكه يعامل المشاهد وكأنه احد طلاب مدرسة ويريد ان يفهمه مايريد قوله بشتى الطرق.
فهذه الحبكة تقول بوضوح وبلا مجال للشك أن اليوتوبيا من المستحيل أن تكون موجودة مؤكدا النتائج أعلاه،إلا انه يضع عنوانا فرعيا لفيلمه:انحرافات-وجود اليوتوبيا.
يحاول هاينكه ان يضفي العبق الفلسفي السيكولوجي لتسلسل سردية فيلمه،وكأننا في محاضرة لعلم الاجتماع لغوستف لوبون،او شيء من شذرات نيتشة أو اميل سيوران،او حتى ربما كتاب سيوران المخالف لنمط الشذرات الذي عودنا عليه(تاريخ ويوتوبيا) بحيث شعرنا أحيانا-ولكن ليس بالمطلق-بأننا امام احد افلام غودار المملة التي ابتدعها في الستينات.
يبدأ الفيلم بمحاضرة بمحاضرة صوتية عن الاطفال الذين يخافون من النوم في الظلام،ومن ثم حوار-وعلى المشاهد ان يعلم بأن الفيلم سردي حواري أكثر منه مشهدي-بين زوجين هما:
جورج المعلم المغرم بالأدب والفن والرسم،وزوجته ايفا الطبيبة النسائية حول احد مسرحيات غوته الذي حاول فيها اختراع وجود او نمط يوتيوبي معين،ولكن بالنسبة لجورج-وهو الأهم-أن اليتوتوبيا موجودة،والذي يثير اهتمامه هو كيف يتعامل الناس معها؟
لكن هناك،على الجانب الآخر،في النسخة اللاحقة من نفس المسرحية:
....لم يعرفوا كيف يلتقطو تلك اليوتوبيا وبالتأكيد قتلوا أنفسهم...
وعندما يقول جورج:أنا أقول فقط بأن النسخة الثانية هي أكثر واقعية...فبالتأكيد من الممكن الاعتبار عندها ان فيلم انحرافات هو مقدمة ارهاصات فيلم كبير جدا قادم لمايكل هاينكه هو القارة السابعة...
جورج يمتلك أختا تدعى سيجريد تعمل في المجال الثقافي،وهي من تلك الأنواع من النساء الهشة،وليس لها قدرة على تحمل صدمات الحياة...
يتعرف جورج-المنادي باليوتوبيا-على آنا،وسرعان ما تتحول العلاقة بينهما الى علاقة حب مفتتحا هو بنفسه مسار الانحرافات،فالوضع كان قبل هذا التعرف طوباوي نوعا ما،وهو وكأنه يؤكد أفكار غوته في مسرحيته آنفة الذكر عن رخص مشاعر الحب في عالمه الطوباوي المخترع.
هو اراد ان يؤسس طوباوية جديدة وكأنه لايعرف أن كل طوباوية هي لحظة انفصال عن العالم...لحظة انفصال عن يوتوبيا سابقة.
آنا،عانت في السابق من تجربة مألوفة حول استاذ لها مشاعرها متضاربة حوله داهمة الموت فجأة...هذه الحادثة شكلت لها في الداخل ليس انحرافا،بل مصير طوباوي-وحتى لو لم يكن طوباويا-مفهوم لا محالة...
وتستمر سلسلة الانحرافات التي خلقها جورج:
آنا على وشك الانفصال عن كيتي،الممثلة السحاقية المضطربة نفسيا،بينما زوجته ايفا تريد ممارسة الخيانة رغبة بالانتقام ليس إلا...ولاحقا يتبلور ويتضح موضوع الطلاق بينهما...؟!
وسيجريد لاحقا تحاول الانتحار نظرا للمعاملة غير المألوفة التي تلقتها في الفترة الأخيرة من أخيها جورج،وعند سماع آنا لهذا الخبر تقرر اعادة النظر في علاقتها مع جورج.
النتيجة أن طبيعة هذه العلاقات هي الانفصال وليس الاستمرارية،وربما يكون هذا نابع من الملل الذي تحدثنا عنه في المقدمة...
وكله اتصال لتحقيق انتاج طوباوي معين،هو انفصال ليوتوبيا أو محاولة تأسيس يوتوبيا سابقة...؟!
فيلم انحرافات هو فيلم تلفزيوني حواري من الدرجة الأولى قبل ان يكون مشهديا يعتمد على الشخصية التي لا ننفي ان يكون لهاد دور واضح ومؤثر في الفيلم...
لكن اعتماد هاينكه على نص سردي محكم ذو طبيعة فلسفية جعله يسقط في فخ النموذج التشكيلي الفلسفي...ذلك النص الذي اراد طباعته على الشاشة متناسيا أن النص الذي يخوض فيه يريد هو نفسه أن يشكله سينمائيا...
لانستطيع ان نغامر ونقول ان هذا الفيلم كبير حقا...
لكن...لماذا ختم هاينكه الفيلم مع وودي ألن...هل هو يقدم تحية لوودي الن من نوع معين...؟!
الأفلام التي ركز عليها هاينكه في الفيلم هي مانهاتن ومن الداخل لوودي ألن،ومن الملاحظ ان تشكيل سيجريد (الشكلي) يشبه تشكيل أحد بطلات هذا الفيلم-كنا قد كتبنا عنه سابقا-.
هل الكوميديا تضفي نوعا من الطوباوية على كل هذا البؤس...؟!
13/09/2024



#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بدلة للعرس 1976(عباس كيارومستاني):.الله ستر
- اللاموس-lamminge1979(مايكل هاينكه):مسارات تدمير الذات
- بعد ليفربول 1974:الفيلم التلفزيوني الأول لمايكل هاينكه
- عن مايكل هاينكه وثلاثة مسارب للبحيرة 1976
- الحياة ولا شيء آخر1992:كيارومستاني الذي يبحث عن مصير ابطاله
- استعراض ترومان1998(من اخراج بيتر وايلدر وتمثيل جيم كاري): تل ...
- 1900(برناردو برتولوتشي)-1976: فيلم عن الصعود والسقوط الطبقي
- الريح ستحملنا 1999(عباس كيارومستاني):ارتجال الحياة
- تذاكر 2005(عباس كيارومستاني): فيلم عن التذكرة التي نحجزها في ...
- القمر 1979(برناردو برتولوتشي): انه حب اوديبي ولكن ليس بالمعن ...
- البجعة السوداء(دارين آرنوفسكي) 2010 : اوبرا تشايكوفسكي تحولت ...
- حياتي في ذلك الزمن الذي قضيته مع انتونين ارتو 1993:مسرح القس ...
- تجربة 1973(عباس كيارستمي):اللقطة هي الحياة
- أليس 1990(وودي ألن):صراع
- سبتمبر 1987(وودي ألن): .اليد الالهية واضحة جدا
- وردة القاهرة الارجوانية 1985(وودي ألن):السينما مثل المخدر... ...
- الدخان المقدس 1999(جين كامبيون):على نمط شذرات أميل سيوران ول ...
- رومانسية الكهولة-تأصيل حلم
- مأساة رجل سخيف 1981(برناردو برتولوتشي): في عالم الخواء لايمك ...
- السماء اللواقية1990(برناردو برتولوتشي):محظية الشرق


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - انحرافات 1983(مايكل هاينكه):وجود ويوتوبيا