اسكندر أمبروز
الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 23:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع اقتراب الحرب العالمية الاولى من سنواتها الأخيرة, استُعملت استراتيجيات مختلفة لحصول أحد الأطراف المتصارعة على أفضليّة أيّاً كانت لهزيمة الطرف الآخر, سوائاً من خلال استعمال المخابرات الألمانية للشيوعيين في روسيا لقلب وزعزعة نظام الحكم, الى الخروقات التكنولوجية البريطانية المتمثلة في الدبابة, الى غيرها من الاستراتيجيات المهمّة, ولكن ما يلفت الانتباه في تاريخ تلك الحرب هو التصعيد الذي استمرّ والذي أدّى لجعل الحرب حرباً عالميّةً طاحنة! حيث أن اهم صور هذا التصعيد جاء على شاكلة استراتيجية المملكة المتحدة في محاصرة المانيا القيصريّة اقتصاديّاً ومن ثمّ تجويع الشعب الألماني بأكمله الذي كان يستورد جلّ مقدّراته وغذائه من خلال الممرات البحريّة.
وبنائاً على تلك الاستراتيجيّة كان قد تبقّى أمام القيادة الألمانيّة خيار واحد ألا وهو التصعيد! فبعد حساب الاحتياطي الغذائي لألمانيا تبيّن للقيادة الألمانية ان البلاد ستحل فيها المجاعة وستفقد قدرتها على الاستمرار في الانتاج االحربي بعد سنتين الى 3 سنوات على اقصى تقدير, وهذه الوضعيّة الخطيرة أجبرت الدولة الألمانية على اتخاذ أي قرار يمكن له ان يغيّر هذه المعادلة, وبعد بحث مطوّل وجد كل من الادميرال Henning von Holtzendorff والجينيرال Erich Ludendorff ان بريطانيا أيضاً تعتمد على الواردات من الناحية الغذائية, وأن ألمانيا ستتمكن من خنق الجزيرة البريطانية وتحقيق المجاعة لدى شعبها خلال سنة واحدة فقط! وهو ما سيجبر بريطانيا على التفاوض.
ولكن ومع فاعليّة تلك الاستراتيجية الّا انها كانت سلاحاً ذو حدّين, فحتّى يتم سحق الاقتصاد البريطاني وخنق بريطانيا, فكان على البحرية الألمانية ان تتبع سياسة عدم المهادنة البحرية مع أي سفينة تتجه لبريطانيا تحمل البضائع والمنتجات, و"أي سفينة" تعني البحرية الأمريكية! وبعد بدئ تنفيذ الاستراتيجية ومن خلال تآمر الألمان مع المكسيك من خلال التيليغرام المسرّب المسمى بتيليغرام زيمرمان دخلت الولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا مما أدّى لخسارة الأخيرة الحرب بشكل كلّي.
والمغزى من هذه القصّة وعلاقتها بموضوع هذا المقال هي أن الدول في حال التهديد الوجودي عليها وفي حال حصارها ووضع ظهرها على الحائط دون أي مجال للمراوغة فإنها ستتخذ اجرائات قد تبدوا في الوضع الطبيعي جنونية لا بل انتحاريّة. وهذا ما قد يحدث في الأيام والأسابيع القادمة بين ايران واسرائيل والمحيط الشرق أوسطي ككل!
فاتجاه التهدئة والمفاوضات رُمي من الشبّاك وبشكل تامّ, ولم يبقى أمام طرفيّ الصراع المتمثل بالولايات المتحدة وقاعدتها العسكرية الاسرائيلية والنظام الإيراني سوى التصعيد نحو الهدف الرئيسي لبادئ الحرب الإسرائيلي, ألا وهو اسقاط النظام الايراني وبشكل كامل لهدف جيوسياسي اكبر سيتم تفسيره...
فالنووي هو الحجّة فقط, وأمّا الهدف الرئيسي في رأيي وقرائتي الشخصية هو اسقاط النظام الإيراني ومعه ضرب دول الخليج كلّها وهو ما يقودنا للب الموضوع!
فبعد المماطلة السعودية والخليجية في طريق التطبيع مع الاسرائيلي ومحاولة الالتفاف حول ما يترتب على ذلك من فقدان للسيادة من خلال الاغرائات الماديّة والمالية للأمريكي, تبيّن من خلال أحداث اليومين الماضيين أن الفرصة قد ضاعت وانتهى امرها. فالاسرائيلي الذي كان يمتلك كل أوراق اللعبة, بادر الآن بطرح تلك الأوراق وبدئ اللعبة لكسب كل ما هو مطلوب منه من مشغّله الأمريكي. فكما نرى اليوم فإن كل هذا التصعيد وعدم الاكتراث الاسرائيلي ماهو الّا استراتيجية مدروسة بعناية وكل تداعياتها محسوبة مسبقاً!
فاتجاه التصعيد اليوم له طريق واحد الا وهو النفط الايراني, فالأمريكي والاسرائيلي معاً لم ولن يتمكّنا من انهاء البرنامج النووي الايراني نظراً لامتلاك ايران ما يكفي من بنية تحتية لاستمرار التخصيب وتغيير الاتجاه نحو البلوتونيوم عوضاً عن اليورانيوم اضافةً الى الاعتماد على المنشآت في داخل كوريا الشمالية وروسيا. اضافاً الى عدم قدرة أي من الأمريكي أو الاسرائيلي الوصول للمنشآت العميقة جداً والتي يستحيل الوصول اليها وانما فقط اغلاقها لفترة محدودة. فعليه نرى وبكل وضوح أن الهدف من البداية هو النفط الايراني الذي يشكّل 80% من اقتصاد البلاد من صادرات وتجارة الى طاقةٍ وانتاج.
فضرب النفط الايراني يعني وضع البلاد في الزاوية تماماً كما وُضعت فيها المانيا في الحرب العالمية الأولى, وهو ما سيترتب عليه سقوط ايران اقتصاديّاً بشكل كامل وخلال اشهر قليلة مالم تقم بالخطوة الأخطر والمجنونة والتي ستقوم بها حتماً إن فقدت نفطها!
وهذه الخطوة متمثلة بإعلان حرب شاملة على دول الخليج العربي واحتلال الكويت واغلاق مضيق هرمز ونسف النفط الخليجي واخراجه من المعادلة العالمية تماماً! لماذا؟
بكل بساطة لتعديل الأسعار في السوق العالمي بما يتناسب مع قدرتها الانتاجية النفطية الضئيلة بعد الضربة الاسرائيلية المتوقعة. أي بصيغةٍ اخرى لن يتوافر لدى ايران ما تخسره في تلك الحالة مما يجعل سيناريو الحرب الشاملة في قمّة المنطق.
وأما رد الفعل على اسرائيل وغيرها من قواعد عسكرية امريكية سيكون مشابهاً تماماً لما يجري الآن, مجرّد صواريخ محسوبة ومحدودة التأثير, وأمّا عن خطورة الضربة تجاه دول الخليج التي تُعتبر حليفاً أمريكياً في المنطقة؟ فكلّه أيضاً محسوب مسبقاً, فالدول العربية ماطلت أكثر من اللازم في معاملة التطبيع مع اسرائيل, لا بل حاولت التملّص من الموضوع وتحصيل المزيد من الفوائد والمزايا من الأمريكي من خلال ذلك, ولكنّها وبحكم ما نراه اليوم من رمي للأمريكي والاسرائيلي لأمان دول الخليج عرض الحائط, نستنتج أن القطار قد فات وأن هذه الدول اليوم تقع تحت رحمة ونفوذ الذراع الأمريكية, ومصالح أمريكا هي الأهم وهو ما يذكّرنا بمقولة هينري كيسنجر الشهيرة: "قد يكون من الخطير أن تكون عدواً لأمريكا، ولكن أن تكون صديقاً لها فهذا أمر قاتل".
فدول الخليج حاولت ان تكون صديقةً لأمريكا مع الحفاظ على سيادةٍ معيّنة سنشرحها الآن, ولكن أمريكا لم تضع سيادة هذه الدول في عين الاعتبار وإنّما أرادت مطبّعين مطبّلين وعلاقة تبعيّة مطلقة مع دول الخليج العربي, وهو ما رفضه محمد بن سلمان من خلال الخروج من دوّامة الاستخبارات الأمريكية وسياسات الترويج للإرهاب الاسلامي واتجاهه نحو العلمانية والتطوير واتخاذ القرار السيادي بخصوص ما يمكن أن يجعل العرب قطباً عالميّاً ألا وهو النفط! وهذا ما لم ولن يرضى به المهيمن الأمريكي مهما قُدّم له من ترليونات!
فلو نظرنا لأرض الواقع سنجد أن السعوديّة لا تزال تصدّر 24% من نفطها الى الصين, وايران تصدّر 90% من نفطها الى الصين, وان الصين تعتمد وبشكل مطلق على النفط من الشرق الأوسط لتحريك عجلة اقتصادها وتطويره, وفي ظل الحرب الباردة اليوم فإن مصالح أمريكا تقتضي ايقاف ذلك التطوير وتحطيم تلك العجلة قبل ان تخرج من الحصار الجيوسياسي المفروض عليها من حلفاء امريكا في شرق آسيا من اليابان الى تايوان والفيليبين. والطريقة المثالية لضرب تلك العجلة هو سحق النفط في الشرق الأوسط أو على الأقل احداث ما يكفي من البلبلة لرفع سعره بما يضرب مصالح الصين في مقتل.
فالسعودية الرافضة لمقاطعة الصين نفطيّاً, وايران التي تعتمد بشكل مطلق على السوق الصيني لتصدير نفطها, لم ولن ترضى بتوجيهات الولايات المتحدة الأمريكية في حربها العالمية الباردة على الصين, وعليه نرى ان ما يجري اليوم ما هو الّا جبهة صغيرة في حرب باردةٍ جديدة. فالنفط الايراني سيُضرب وسيليه ضرب ايران للنفط الخليجي لتعديل السعر في السوق العالمي, مما سيؤدي الى نسف الاقتصاد الصيني أو على الاقل إيقافه واخراجه عن نطاق الخدمة.
وطبعاً التداعيات ستلحق بالجميع أهمها الدول الأوربيّة, ولكن وبكل بساطة ستتمكن الولايات المتحدة من تغذيتها بالنفط بحكم تحقيقها للاكتفاء الذاتي في عام2017 وتحوّلها من الاستيراد الى التصدير عام 2020 اضافةً الى النرويج وكندا والبرازيل ونيجيريا, جميعها يمكنها وبكل بساطة تحقيق الاكتفاء النفطي الاوربي الذي سيتأذّى دون شكّ بما سيجري من حرب شاملة على الشرق الأوسط ودول الخليج ولكنّه سيتمكّن من استدراك الأمر وبسرعة على عكس الصين. وهو ما يفسّر محاولات الأخيرة لتقريب الأطراف التي تقف على حافّة المطحنة اليوم أهمها المحادثات الرسميّة بين ايران والسعودية منذ فترة.
الحرب الشاملة القادمة على دول الخليج ماهي الّا نتيجةٌ لمحاولة ابقاء السعودية بقيادة بن سلمان على ما تبقّى من سيادة لدى العرب والتي اراها تقترب من الفناء شيئاً فشيئاً. وفي الختام أدعو كل من يقرأ هذا المقال بمراقبة النفط الايراني والتركيز عليه فهو محور المعادلة والهدف الرئيسي من كل ما يجري, فلو ضُرب ستتصرّف ايران بشكل مجنون سياسياً وعسكريّاً تماماً كما فعلت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.
#اسكندر_أمبروز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟